“سمعتُ مؤخرًا….أنكَ أعدتَ نشر بعض عملائكِ في العاصمة خارج البلاد، هل كان ذلك بسبب المتاعب التي وقعت في الأرخبيل؟”
عند سؤال بولينا، عقد فيلياس حاجبيه قليلًا.
“لا داعي لأن أجيب.”
“لم أطرح السؤال انتظارًا لإجابة، أردتُ فقط أن أقول إنكَ ستحتاج إلى تعاوني أيضًا، لأن….هناك شائعاتٌ عن سمٍّ جديد تنتشر في السوق السوداء.”
عند سماع كلمة “سمّ”، توقفت نظراته التي كانت تسبح بمللٍ في الفراغ.
و ألقت بولينا نظرةً خاطفة إلى خارج النافذة، ثم تابعت بصوتٍ أخفض.
“إنه يختلف عن السموم التقليدية، فهو لا يهاجم الجسد مباشرة، بل يتفاعل مع الدم….ليُنتج نوعًا من الأجسام الغريبة. تجوب هذه الأجسام الغريبة الأوعية الدموية داخل الجسد، وإن ساء الحظ، تُلحق أضرارًا بالأعضاء.”
“هل جربتِه بنفسكِ؟”
“ليت ذلك كان ممكنًا….لكن للأسف لم تتَح لي الفرصة بعد، وكما تعلم، حركتي في العاصمة ليست حرة، فالأعين المراقبة كثيرة.”
“إذًا مجرد افتراضات.”
“افتراضاتٌ منطقية.”
“نظريًا، هذا السم الجديد….قادر حتى على إلحاق أذى فعّالٍ بأفراد العائلة الإمبراطورية.”
“فحتى لو كان الجسد يتجدد باستمرار، فإن هذه الأجسام الغريبة ستواصل إحداث الضرر بلا توقف.”
لم يكن اغتيال أحدٍ من ذوي الدم “النبيل” أمرًا سهلًا أبدًا. لكن وفق شرح بولينا، قد يشكل هذا السم تهديدًا حقيقيًا لهم.
احتمال الموت الفوري بسبب جسم غريب في الأوعية الدموية منخفض. لكن تداول سمٍّ غير فعّال إلى هذا الحد قد يعني أن أحدهم يبحث عن إمكانيةٍ جديدة.
على سبيل المثال….طريقةٌ لاغتيال أحد أفراد العائلة الإمبراطورية.
“في النهاية، ولي العهد بحاجةٍ إلى البقاء، أليس كذلك؟ فإذا مات، فسيُزال كونراد بعده مباشرة.”
قال فيلياس ذلك ببرود وكأنه لا يبدي أي اهتمام.
“….حتى الكلام الواحد، تقوله بهذه القسوة، مهما نظرتُ، أرى أن أكثر من يشبه الإمبراطور الراحل هو سمو الدوق.”
ثم أمسكت بولينا بقبعتها.
“ما أريده هو الحفاظ على الوضع القائم.”
“حدوث تغييرٍ في موازين القوى لن يكون في صالحكِ أيضًا، أليس كذلك؟”
“لماذا تعتبرينني حليفًا لكِ من الأساس، يا سيدتي الماركيزة؟ لماذا تفترضين، وكأنه أمرٌ بديهي، أنني سأقوم بتنظيف الفوضى خلف فريتز؟”
اتسعت عينا بولينا.
“ذلك لأن-”
قاطعها فيلياس.
“بالطبع، في وقتٍ ما….كنت أظن أن ذلك هو الخيار الأفضل. لكن في الحقيقة….أليس الأمر سيان؟ حتى لو مات. فهو شخصٌ بغيضٌ على أي حال. أما كونراد، فلو أن أيًّا كان تخلص منه أولًا، لكنتُ ممتنًا له.”
“إنها….مزحةٌ ثقيلة جدًا، يا سمو الدوق.”
لم تستطع بولينا إخفاء ارتباكها. لكن فيلياس تابع وكأن شيئًا لم يكن.
“الدور التالي سيكون باستيان، لكن….آه، ذاك سأتولى أمره بنفسي على الأرجح. فما زال لدي حساباتٌ يجب تصفيتها، على أي حال.”
“…….”
“وبعد ذلك….الوريث التالي….ألن أكون أنا؟”
“سمو الدوق.”
ابتسم فيلياس ابتسامةً خفيفة.
“لماذا؟ ألم يخطر ببالكِ هذا الاحتمال ولو مرة؟”
“أعلم أن الجميع يرونني شخصًا لا يموت مهما حدث. وحتى وقتٍ قريب، كان ذلك صحيحًا.”
تصلب وجه بولينا. كانت تلك كلماتٍ كفيلة بأن تُعد خيانةً صريحة.
ثم تذكرت فجأةً أن أمن قاعة الاجتماع محكمٌ إلى حدٍ مخيف. حتى لو اختفى أحدٌ هنا، فلن يبقى أي دليل.
“….سأنسحب الآن. ولنعتبر أنني لم أسمع ما قيل قبل قليل.”
“لا.”
قال فيلياس ذلك، وما زال يسند ذقنه بكسل.
“إما أن تسمعي، أو لا تسمعي، أحد الأمرين فقط، يا سيدتي الماركيزة. لا يمكن التظاهر بعدم سماع ما سُمِع بالفعل.”
“….كان عليّ ألا أُخرج السيد سوريل.”
“آه، للأسف، هذا ليس تفاوضًا.”
كانت نظرته باردة.
“صحيح….لم يكن سمو الدوق يومًا ممن يقولون مثل هذا الكلام بلا مقابل.”
فرفعت بولينا رأسها بعد صمتٍ قصير.
“إذًا….ماذا تنوي أن تطلبَ مني، يا سمو الدوق؟”
نقر فيلياس بأطراف أصابعه على الطاولة، طَق، طَق-
“قريبًا سيقترح ولي العهد على الإمبراطور مشروع إنشاء خط السكك الحديدية الشرقية.”
“……؟”
“وسيضغط من أجل طرح حق الامتياز في مناقصة. وأريد من الماركيزة أن تفوزي بها. أعدكِ بتعويضٍ مطابقٍ لسعر السوق، وبألا تترتب أي تبعاتٍ لاحقة.”
أنزلت بولينا عينيها.
“تنوي خداع نظر جلالة الإمبراطور، أليس كذلك؟ فهو لن يمنح بسهولةٍ أمرًا يصب في مصلحة سمو الدوق.”
“إذا أكثرنا من التذمر، فقد يحاول أن يفرضه علينا عنادًا. فالإخوة….هكذا هم.”
“….حس الدعابة لديكَ لم يتغير.”
“سأدع التفاصيل لمعاوني.”
فابتسمت بولينا ابتسامةً مُرّة.
“في النهاية، أنا الخاسرة وحدي.”
“سيأتي يومٌ تشكرين فيه هذا الحديث.”
بعد أن غادرت بولينا، وما إن نهض فيلياس من مكانه، حتى شعر بدوارٍ خفيف.
قلة نوم، أو إرهاقٌ مفرط. في كلتا الحالتين، لم يكن أمرًا يستحق القلق.
كانت هذه القاعة، حيث تُعقد اجتماعات كبار النبلاء، محميةً بسحرٍ أمني يمنع أي تنصت. لا تترك الجدران ولا الأثاث أي أثرٍ لذاكرة المكان، كما يُحظر إدخال أي أداة خارجية.
طَق-
طارت حاملة ورقٍ زجاجية ألقاها فيلياس في قوسٍ جميل، واستقرت في كف سوريل.
فأغلق سوريل الباب خلفه.
وووون-
اهتزت الحاملة اهتزازًا خفيفًا في يده. وبعد لحظة، أطلق سوريل شخير ضحك.*
*شاف ذكرياتها بقوته
“مهارتكَ لا تذهب سدى فعلًا. كيف تفعلون ذلك؟ تكذبون بكل هذا الهدوء دون أن يتغير تعبيركَ!”
“أكذب؟”
“….أليس كذلك؟ هذا الكلام كان يمكن أن يُفهم….كمؤامرة تمرد.”
هزّ فيلياس رأسه بلا مبالاة.
“لم أقل يومًا إنني سأبادر بشيء. قلتَ فقط أنني لن أنظف فوضى فريتز بعد الآن. لكن، إن تدحرجت فرصةٌ إلى قدمي….”
“هاها…….”
“ثم إن تلك المرأة….يليق بها تاج الإمبراطورة أكثر من لقب دوقةٍ كبرى.”
“يلـيق؟ ماذا….ولمن.…؟”
تمتم سوريل.
“آه! أنتَ تسخر مني الآن، أليس كذلك؟ أم أنها نكتةٌ جديدة؟ دائمًا أقول هذا، لكن نكاتكَ حقًا ليست مضحكةً أبدًا-”
“كنتُ أفكر في الأمر مؤخرًا.”
قاطع فيلياس كلامه وهو يتكئ على مسند الكرسي.
“ألا يجدر بنا أن نُبقي كل الاحتمالات….مفتوحة؟ فلا أحد يعرف كيف ستؤول أمور البشر.”
فاختفت الابتسامة التي كانت تلوح على شفتي سوريل.
“هل أنتَ جاد؟ لا، لماذا تقول مؤخرًا أشياء لا تشبهكَ هكذا…؟ منذ متى وأنتَ تفكر في….العرش الإمبراطوري؟”
ظل سوريل يحدق طويلًا في ثقالة الورق الزجاجية في يده، ثم أطلق زفرةً عميقة.
“أما أنا….فسأطيع أوامركَ لا غير. فمتى عصيتُ أمرًا لكَ من قبل؟”
“أكان كذلك.”
“في الحقيقة، حتى أنا….لم أكن غافلًا تمامًا عن هذا الاحتمال. أعني، لو، وتعرض ولي العهد لمكروه.…فمن بين المرشحين التالين، صعود سيدي إلى العرش سيكون أفضل بمئة مرة.”
كان تعبير سوريل جادًا على طريقته.
‘هو يتقن الكلام.’
فكّر فيلياس بذلك.
لكن كان لا بد من افتراض أسوأ الاحتمالات. فليس فالندورف وحده من ستُهدد مكانته بعد انتهاء الحرب.
لقد عقد ولي العهد تحالفاتٍ مع فيلياس مرارًا، بل وسمّى نفسه أخاه.
لم يصدق يومًا تلك الثرثرة حقًا. فالعائلة الإمبراطورية في هذا البلد لا تتردد في التخلص من كلب الصيد حالما تنتهي فائدته.
إن مات خيانةً، فليكن. لم تكن حياته يومًا ذات قيمة تستحق أن يُندم عليها.
هكذا كان يعتقد في السابق. لكن الآن، صار لدى فيلياس سببٌ للبقاء حيًا. ولهذا، لم يعد قادرًا على تحمّل المخاطرة.
لا يزال يكره أن تتعقد الأمور، لكن إن لزم الأمر….فهو مستعدٌ حتى لارتكاب الخيانة.
___________________
يعني كذا أقدر اتوقع ان النهايه فيلياس وفانيسا امبراطور وامبراطوره؟😭
الصدق اني مافهمت شي الا إن به سم وفيلياس حط براسه الخيانه
المهم طيب مايمدي تلحق على فانيسا عشان الديت حقكم؟😔
على طاري الطلعه حقتهم كان عادي عنده يطلع لمكان زحمه زي صباق احصنه بس اهم شي معها🥰🤏🏻
التعليقات لهذا الفصل " 89"