“لا أظن أن الأمر يستدعي كل هذا الذهول. أليست عائلة موروزوف قد قاتلت من أجل الإمبراطورية جيلًا بعد جيل؟ وكذلك عائلة فالندورف.”
“معذرة، لكن تحديدًا لأنكم فالندورف، كان لا بد من السؤال. فأساسًا، بخصوص حملة هذا الفصل، كنتِ قد أنهيتِ المفاوضات مع الدوقية الكبرى بالفعل.”
“لا تقلق، السيد سوريل. لم آتِ لأطالب بإعادة المال.”
قالت بولينا ذلك دون أن يتغير تعبيرها، فعقد سوريل حاجبيه.
“لم أكن أتوقع من سيدةٍ راقية مثلكِ أن تذكر الأمور المالية بنفسها.”
“الأزمنة تغيرت. لم تعتبر ذلك إهانة، أليس كذلك؟”
“لا أبداً، سيدتي. لكن أوضاع الدوقية الكبرى ليست سيئةً إلى حد يجعلنا نقلق بشأن مثل هذا المبلغ الزهيد.”
“هاها.”
ارتسمت ابتسامةٌ لطيفة على وجه بولينا.
“ما زلتَ كما أنتَ يا سيد سوريل. لا تميز متى تتدخل ومتى لا، وتندفع في كل مكان.”
فاحمرّ وجه سوريل فجأة.
“ما الذي تعنينه الآن….”
“الحيوية أمرٌ حسن، لكنكَ لم تعُد طفلًا بعد الآن. أليس من الأفضل أن تتحلّا بقليلٍ من ضبط النفس؟ إن لم ترغبوا في إثارة….سوء فهم غير ضروري.”
أدارت بولينا رأسها بهدوء ونظرت إلى فيلياس.
“أنتَ أكثر من يعرف ذلك، يا سمو الدوق. ما دام الدم النبيل يجري في العروق، فلا بد من الحذر في كل كلمةٍ تُقال. أليس من الأفضل توجيه التابعين المقرّبين بحزم، تفاديًا لعواقب مستقبلية؟”
ساد صمتٌ قصير، ثم رفع فيلياس يده مشيرًا إلى سوريل بالمغادرة.
“آه، أقول هذا مسبقًا، ليست لدي أي نيةٍ للمشاركة في الحملة. ظننتُ أنني سأحتاج إلى ذريعةٍ ما لأحضر بنفسي.”
قالت بولينا ذلك بنبرةٍ مازحة، لكن فيلياس أدار رأسه بلا اهتمام.
“ادخلي في صلب الموضوع. في النهاية، هذا اجتماعٌ عسكري.”
“بالطبع. لكن قبل ذلك….هل أمن هذه القاعة محكم؟ لا ينبغي لأحدٍ أن ‘يقرأ’ هذا الحديث.”
“صحيح، يبدو أنني قلتٌ كلامًا لا داعي له أمامكَ. رؤيتكِ هكذا تجعلني أشعر وكأنكَ شخصٌ مختلف تمامًا. حتى وقتٍ قريب، كان الإحساس أشبه بالنظر إلى وحش في قاع الهاوية-.”
“أنتَ تعرف. جئت لأشارككَ معلوماتٍ استخباراتية. على أي حال، نحن نتقاسم العدو نفسه.”
كانت تقصد بالعدو المشترك شقيقها، أليكسي فالندورف.
لم يكن في العاصمة من يجهل أن بولينا وأليكسي فالندورف تنافسا يومًا على منصب وريث العائلة.
أما الآن، بعد أن أصبحت بولينا ماركيزة موروزوف، فقد صار ذلك كله من الماضي.
“….لو كنتِ تريدين المساومة، لكان من الأفضل ألا تُخرجي معاوني من القاعة.”
“يا إلهي، مساومة؟ لستُ بتلك الحسابية إلى هذا الحد.”
نظر فيلياس إليها وهو يسند ذقنه بيده.
لم تكن نظرته ودّيةً على الإطلاق. ومع ذلك، واصلت بولينا حديثها دون أن تحيد ببصرها.
“في الآونة الأخيرة….لا بد أنكَ تعلم أن سمو ولي العهد زار يوروس وعقد مباحثاتٍ مع العائلة المالكة هناك، لمناقشة أوضاع نبلاء سايروس المنفيين.”
“…….”
“وبحسب مصادرنا، فقد غيّر سموه مكان الاجتماع مرتين قبيل انعقاده. لستُ في موضعٍ يسمح لي بالجزم….لكن ألا يُحتمل أن تكون قد جرت هناك محادثاتٌ خاصة تتجاوز الهدف المعلن للزيارة؟”
ظل فيلياس صامتًا. ويبدو أن بولينا لم تكن تنتظر جوابًا، إذ تابعت كلامها.
“للأسف فشلنا في التتبع، لكن قيل أنهم رصدوا هناك عناصر استخبارات تابعة لفالندورف….وبالتحديد، لشقيقي. وفوق ذلك، كانت تحركات ملك يوروس اللاحقة مثيرةً للاهتمام. فقد بدأ يستدعي إلى القصر الملكي نبلاء سايروس المنفيين….بشكلٍ متكرر.”
“يقال أنه يستدعيهم إلى القصر بين الحين والآخر. لا يوجد في كل ما ذكرتِه شيءٌ واحد أجهله.”
قطع فيلياس كلامها ببرود.
“إذًا، فهذا أفضل.”
ودارتسمت ابتسامةٌ أنيقة على وجه بولينا.
“في الأصل، أليست الاستخبارات عملية جمع شظايا المعلومات الناقصة وتركيبها؟ وما نحتاجه لفهم السياق هو الخيال.”
“لنقل ذلك.”
“وإن سمحتَ لي بالتخمين….فاحتمالٌ كبير أن تكون هذه المباحثات قد انتهت لصالح سايروس. لا أعلم ما الذي طرأ على نفسية سمو ولي العهد، لكنه نادرًا ما يُظهر موقفه السياسي بهذه الصراحة. المشكلة هنا هي أن شقيقي….يتمتع بخيالٍ واسعٍ جدًا.”
أنهت بولينا كلامها بابتسامةٍ مريرة.
كان مغزى حديثها واضحًا. ربما كان أليكسي فالندورف يشك في دوافع ولي العهد.
وإن كان ولي العهد قد مال فعلًا إلى صف سايروس، فسيُبرم اتفاق سلام في الجولة التالية لا محالة.
وعندها سيجد الدوق فالندورف نفسه في موقف حرج للغاية. فلن تواصل العائلة الإمبراطورية غض الطرف عن تصرفاته بعد الآن.
أما بالنسبة لبولينا، وللأسف، فإن سلامة ولي العهد كانت ترتبط مباشرةً بحياة كونراد. إذ لن توجد قوةٌ تدعم كونراد وريثًا، وسيكون موته الشرارة التي تشعل صراعًا جديدًا على الخلافة.
ومن ثم، كان طلب العون من فيلياس، خصم الدوق، هو الخيار الأمثل لبولينا.
فرغم براعتها في الحرب النفسية، لم تكن قادرةً على الحفاظ على برودها حين يتعلق الأمر بكونراد.
“إذًا، هل عثرتِ على دليل ملموس على خطة اغتيالٍ محددة؟”
التعليقات لهذا الفصل " 88"