فأمسك فيلياس بمعصم فانيسا وهي تحاول الوقوف. ثم، وبحركة سريعة، رفعها بين ذراعيه وحبسها في حضنه.
“ماذا تفعل…!”
رفعت فانيسا رأسها بدهشة، لكن فيلياس كان قد غفا بوجهٍ هادئ.
“إنه….ضيق….”
حاولت فانيسا، وهي تتكئ برأسها على ذراعه، أن تدفع صدره بعيدًا. لكن فيلياس شد ذراعه التي تحتضنها أكثر.
ثم طبع قبلةً خفيفة على جبينها، وتمتم بصوتٍ مثقلٍ بالنعاس.
“أحبكِ.”
فارتعشت فانيسا بدهشة، وسحبت يدها التي كانت تلامسه.
“….هل نمتَ؟”
لم يصدر عن فيلياس أي رد آخر. و لم يبقَ سوى صوت أنفاسه المنتظمة.
فعبثت فانيسا بطرف كمها في حيرة، ثم أغمضت عينيها بإحكام.
***
عاد الماركيز بلاكوود، الذي كان يقود موفدًا دبلوماسيًا إلى القارة الشمالية، إلى البلاد.
وبناءً على ذلك، دُعي على عجلٍ إلى عقد الاجتماع العسكري الدوري الذي كان مؤجلًا منذ زمن.
لكن ولي العهد، الذي أصدر أمر الانعقاد، تغيب بدعوى المرض. وبفضل ذلك، كان الجالس على مقعد الرئاسة اليوم هو فيلياس، بملامح كئيبة إلى أقصى حد.
“ذاك.…، ماذا عن الدوق باستيان.…؟”
سأل أوسكار فالندورف، البارون الذي ظل يراقب الأجواء بقلق.
“قال أنه مشغولٌ باستقبال ضيوف مهرجان التأسيس.”
أجاب سوريل، الذي كان يقف خلف فيلياس، ببرود. بينما ظل فيلياس صامتًا، مسندًا ذقنه إلى يده.
في الحقيقة، كان فيلياس يخطط اليوم لمشاهدة سباق الخيل مع فانيسا. لكن فريدريش أعلن فجأةً عن “الاجتماع الدوري” دون مقدمات.
والأسوأ من ذلك، أن الخبر وصل إلى أذن فانيسا.
قائلةً أنه لا يمكنها التدخل في شؤون الدولة، غادرت فانيسا إلى مضمار السباق مع نيكولا وحدهما.
“لا تتجهم بلا داعٍ!”
قالت ذلك وتركته خلفها.
ثم تنحنح سوريل تنحنحًا خفيفًا.
“إذًا، سنعتبر أن من لم يصل بعد سيُسجَّل غيابه….”
“تأخرتُ!!”
كان الذي اقتحم الباب هو الماركيز بلاكوود، بجسدٍ ضخم كأنه بابٌ كامل، ولحيةٌ حمراء كثيفة تغطي ذقنه.
ورغم الأجواء الباردة في قاعة الاجتماع، أطلق ضحكةً صاخبة.
“يا للعجب، لماذا يبدو الشباب فاقدي الحماسة إلى هذا الحد! عندما قال سمو ولي العهد أنه اجتماعٌ دوري لا طائل منه، ظننتكم تُعدّون سرًا حفلة ترحيبٍ بي….”
تراجع ممثلو العائلات الجالسين تباعًا وتركوا له مقعدًا من تلقاء أنفسهم.
و توقف الماركيز، الذي كان يتقدم نحو داخل القاعة، حين لمح فيلياس متأخرًا. وسرعان ما اتسعت عيناه دهشة.
“آه! إذًا، كانت الشائعات صحيحة!”
“سـ، سيدي الماركيز.…، ألن تتفضل بالجلوس أولًا؟ لقد تأخرنا بالفعل….”
على كلام سوريل، أطلق الماركيز ضحكةً عالية أخرى.
“آه، صحيح، صحيح! يقال أن المرء كلما تقدم به العمر كثر كلامه، ويبدو أنني المثال الحي على ذلك! لكن مع ذلك، كان وجهًا لا يستحق أن يُخفى! ألم أقل لكَ دائمًا، أيها الدوق، إن الإنسان يجب أن يتعرض للشمس ويستنشق الهواء كي تبقى صحته الجسدية والنفسية سليمة….”
“أيها الخدم، أحضروا المزيد من الضيافة!”
مع صيحة سوريل، خيم الصمت أخيرًا على القاعة.
و أشار سوريل إلى الكاتب، فهرع الأخير وبدأ بتوزيع الوثائق.
“كما تعلمون، فإن البنود المطروحة اليوم قد تم البت فيها مسبقًا في الاجتماعات الداخلية. كما انتهى فحص جميع التقارير التي رفعتموها. هو اجتماع بروتوكوليٌ بحت، لكن إن كان لدى أحدكم ما يود مشاركته….نعم، تفضل، كونت لينتون.”
فتح الكونت لينتون المسن، الذي كان يرفع يده، فمه بتردد.
“أنا، لكن….سمعت أن سمو ولي العهد ليس على ما يرامٍ اليوم….”
فنقر سوريل بلسانه نقرةً خافتة بالكاد تُسمع.
‘نعم، حسنًا….فالثمالة مرضٌ أيضًا.’
“لكن.…، إذًا، هل الذي يلعب الكريكت هناك هو….”
كانت قاعة الاجتماع في الطابق الأول، وخلف النافذة الكبيرة التي أشار إليها الكونت امتدت ساحة القصر الداخلية بعشبها الواسع.
وفي مكانٍ غير بعيد، كان ولي العهد ومرافقوه يظللّون أعينهم بأيديهم ويقيسون المسافة مع الخصم، وكلٌ منهم يمسك بمضرب كريكت.
“….نعم، قيل أن حالته البدنية ليست جيدة، لذا فإن نسبة فوزه ليست مرضية.”
“لكنه….يبدو نشيطًا جدًا؟”
عندما أبدى الكونت شكه في كلام سوريل، ألقى سوريل نظرةً خاطفة على تعبير فيلياس.
من المستحيل ألا يكون قد لاحظ مضرب الكريكت الذي يُلوَّح به استعراضًا منذ فترة. كما أنه كان يدرك أن هذا “الاجتماع الدوري” ليس سوى حيلةٍ من ولي العهد لإفساد موعده.
بعد رهان الشراب السابق، بدا أنه كان يتحين الفرصة، وها هو ينتقم بهذه الطريقة.
“أسيترك الدوق الأمر يمر هكذا؟ هل أمسك به سموه من نقطة ضعفٍ ما؟”
همس أوسكار بسؤاله إلى سوريل، فرفع سوريل إصبعه إلى فمه على عجل.
كان سوريل يعلم أن صمت فيلياس سببه الوحيد هو كلمات فانيسا تلك: “لا تتجهم بلا داعٍ”.
لكن إلى متى سيصمد ذلك.…؟
“آه!”
ثم أطلق الماركيز بلاكوود فجأةً صيحة تنهدٍ عالية.
“هذا هو الأمر إذًا! لا يوجد سوى سببٍ واحد يجعل الرجل ينقلب حاله بين ليلةٍ وضحاها!”
_______________________
من بلاكوود ذاه ماقد طلع صوح؟ 🌝 اذكر انقال اسمه بس ما اذكره هو شخصياً
التعليقات لهذا الفصل " 87"