ورغم أنها ظنّت لوهلةٍ أنها أخطأت في الرؤية، إلا أن عينيه كانتا تلمعان بوضوحٍ يمكن تمييزه حتى من بعيد.
و عندما التقت بنظرته اللامعة كالبَلَاتين، بدأت ذكرياتٌ ما تثور وتدوّي داخل رأس فانيسا.
“إنه لا يزال في السادسة فقط!”
‘..…؟’
“طالما أنكَ تثور بجنونٍ كهذا….يبدو أن حظّ البلاد قد نفذ.”
‘من.…؟ من هذا؟ صوت مَن هذا؟’
“أقول لكَ أن تلوذ بالفرار بدلًا من التحديق.”
“ولأنكَ تفوّهت بكلماتٍ ما كان ينبغي قولها….يجب أن تترك لسانكَ هنا قبل أن ترحل….”
“لا يمكنكم فعل هذا! لا يمكنكم.…! لا، لا!!”
“لا….”
وضعت فانيسا يديها على أذنيها دون أن تشعر وتمتمت.
“فانيسا؟”
ثم رفعت رأسها فرأت وجه فيلياس ينظر إليها بقلق.
وكانت عيناه قد عادتا إلى لونهما الهادئ المعتاد.
“فيلياس.…”
“هل فزعتِ كثيرًا؟ أعتذر. في ساحة القتال يكون دائمًا معي من يساعدني، فلا أنتبه لتأثيري على من حولي.”
“لا، لا بأس.”
‘هل كانت هلاوس.…؟’
وعندما نهضت بمساعدته رأت طريقًا جديدًا يشقّ الغابة المغمورة بالمياه، طريقًا واسعًا ومستويًا.
وعلى غير ما يناسب الموقف، خطرت في رأس فانيسا فجأة حيلةٌ بارعة.
“الذي فعلته قبل قليل….إلى متى يمكنكَ الاستمرار به؟”
رمش فيلياس بدهشة، ثم ألقى نظرةً نحو الغابة وأجاب،
“طالما يسمح لي جسدي بذلك.”
‘هكذا إذًا…..’
ابتسمت فانيسا. فبهذا ربما تُحلّ مشكلاتها كلّها دفعةً واحدة.
“ربما وجدتُ وجهة استثمارٍ مناسبة أخيرًا.”
قالت ذلك وهي تنظر إلى الطريق الجديد.
***
طَق-
“توقّف.”
طَق-
“قلت لكَ توقّف!”
طَق-
“أوه، كفّ عن هذا أيها المجنون!”
صرخ كونراد بعدما نفذ صبره. و رفع رأسه بسرعة فوجد فيلياس يحدّق إليه من شرفة الطابق الثاني.
لكن فيلياس لم يُعره أي اهتمامٍ وألقى مجددًا كرةً ورقية باتجاه قمة رأسه.
كانت كرة ورقٍ مضغوطة بحجم قبضة اليد، انطلقت في الهواء على شكل قوس… ثم،
طَخ-
“تظنّ….تظنّ أنني سأمرر هذا هكذا؟!”
وقف وهو يلهث غضبًا، بينما كان الخدم خلفه يجمعون أوراق اللعب التي تبعثرت على الطاولة.
“ما الذي ترميه على أخي؟”
“دعوةٌ للحفل.”
أجاب فيلياس بلا مبالاة رافعًا رأسه. وعلى شرفة الطابق الثالث كان يقف فريدريش مائلًا بجسده ينظر إليهما.
“ظننتُ أن تلك الغرفة كانت فارغة.”
“آه، أصبحت مكتبتي الآن.”
تنفّس فيلياس بضجر ثم ألقى آخر كرةٍ ورقية بقوةٍ أكبر.
“آخ!”
ضربت مؤخرة رأس كونراد بقسوة فاحمرّ وجهه، لكنه غادر دون أن ينطق بكلمة.
“وصلتنا فودكا ممتازة من القارة الشمالية….هل تشرب معي؟”
سأل فريدريش. فنقر فيلياس بلسانه بلا إجابة. بينما مدّ فريدريش عنقه متظاهرًا بالبحث حوله.
“أوه، بالمناسبة….أين الآنسة لانغ؟ توقعت أن تكون برفقتكَ.”
“وما شأنكَ أنتَ؟”
رد فيلياس بحدّة، لكن شيئًا لفت نظره: سوارٌ معقود أحمر يطلّ من تحت كمّ ولي العهد.
و لاحظ فريدريش نظرته فرفع ذراعه مبتسمًا.
“آه، هذا؟ هدية ميلادي. من الآنسة لانغ.”
كان فيلياس يعرف ذلك، لكنه لم يتوقع أن يحتفظ به ولي العهد طوال هذا الوقت.
“يبدو أنكَ تخفي جانبًا كئيبًا.”
قال فيلياس ذلك بسخرية، فردّ فريدريش باستنكار،
“كئيب؟ من يتهم بمن هنا.…؟ حسنًا، لنترك هذا. هل ستأتي أم لا؟”
فتنهد فيلياس. كان مزاجه متعكرًا أصلًا. وهو يكره هذا الرجل، لكنه لم يكذب يومًا بشأن وجود فودكا جيدة.
“لنتنافس.”
“نتنافس.…؟ لا تقل أنكَ تقصد تحدّي قوة التحمل؟ بحقكَ….نحن لسنا أطفالًا.…”
“أراهن على أنكَ ستسقط أولًا. وإن فزتُ، فأعطني ذاك الشيء.”
كان ما يشير إليه فيلياس هو السوار الأحمر المعقود. فابتسم فريدريش بسخرية.
“حسنًا، لا بأس. لكن في المقابل….ماذا لو أنا الذي فاز؟”
“هذا لن يحدث.”
“لنفترض فقط….إن حدث.”
“…….”
“أعرني سوريل.”
“……كم المدة.”
“شهر.”
“أسبوع.”
“خمسة عشر يومًا.”
“هاه….عشرة أيام.”
“جيد. لنلتقي بعد عشر دقائق.”
وحين اختفى فريدريش عائدًا إلى غرفته، التفت فيلياس ليجد سوريل واقفًا خلفه بملامح مصدومة.
و قد تساقطت من يده الدعوات غير المفتوحة وتناثرت على الأرض.
“سيدي….سيدي، أما لديكَ أي ولاءٍ لي؟! كيف تجرؤ على المراهنة بي هكذا؟!”
فتدحرجت عينا فيلياس بضجر.
“فقط لن أخسر، وانتهى الأمر.”
“ليس هذا هو الموضوع أصلًا!”
غطّى سوريل فمه بيده بطريقةٍ درامية، ثم استدار وركض مبتعدًا.
***
كان الوقت قد اقترب من الغروب، فبدا المكتب معتمًا. و جلس الاثنان متقابلين وبينهما الطاولة.
وقد قُدمت أطباق كافيار، لكن لم يمدّ أي منهما يده إليها.
وحين غادر الخدم الذين كانوا يملؤون الكؤوس، خيّم الصمت الكامل.
كان الكأس يُملأ ثم يفرغ بلا توقف. ومهما كانت الفودكا قوية، فإن دماء العائلة الإمبراطورية جعلتها بلا تأثير…..حتى الآن.
أخرج فريدريش زجاجةً جديدة. و كان الدلو المليء بالثلج يحتوي على زجاجات فودكا شفافة، تتقاطر قطرات الماء البارد منها على الطاولة.
“إذاً….القواعد نفسها كالعادة؟”
رفع فيلياس نظره ببطء. و كان يجلس واضعًا ساقًا فوق الأخرى، يسند ذقنه بيده.
“وهل كانت هناك قواعدٌ أصلًا؟”
“منع الحديث السياسي، ومنع الحديث عن الموتى، والتاريخ العسكري لن نتجاوزه أكثر من مئة عام.”
أدار فيلياس رأسه بملل.
“الكلام حر. لكن التبعات يتحمّلها صاحبها.”
“آه….صحيح.”
ابتسم فريدريش وهو يملأ كأسين، ثم دفع أحدهما نحو فيلياس.
“وبالمناسبة….فقط لأسأل.”
وضع الكأس الذي رفعه لتوه،
“هل موضوع الأحاديث….محظورٌ أيضًا؟”
تشققت أصوات الثلج الذائب داخل الدلو.
“أحيانًا….”
ردّ فيلياس وهو يحتسي جرعةً من الفودكا الباردة كالماء.
“أراك تتصرف وكأنكَ شخصٌ لا يملك شيئًا ليخسره. أنتَ، ولي العهد الذي يحبه الجميع.”
“…….”
فرفع فريدريش الكأس إلى شفتيه.
“أعتذر إن جعلت الوضع محرجًا. لم أرد أن أتشاجر معكَ بسبب ذلك الأمر.”
“لا يهمني ما كنت تفكر به. لكن لأكون واضحًا….لو لمستَها مرة أخرى، فلن تستطيع إنقاذ نفسكَ حتى لو أردتَ.”
رغم أن نبرته كانت هادئةً كعادته، إلا أن النظرة في عينيه كانت أكثر برودةً من أي وقتٍ مضى.
فابتسم فريدريش بمرارة.
“تقصد تلك المرة التي أريتها فيها قوتي.”
“كلانا يعرف أن ما فعلته كان حيلة. أنتَ مدينٌ لي بحياتكَ، وتأكد أنكَ لم تسدد ذلك بعد.”
“وأنا أيضًا سأكون واضحًا….لم أغير شيئًا، ولم ألمس شيئًا. صدّق أو لا تصدّق، الأمر يعود لك.”
“أنا لا أثق بكَ. أثق بها هي.”
“ومن ذا الذي لا يثق بها.”
صمت فريدريش قليلًا قبل أن يعيد ملء الكأسين.
و شرب فيلياس كأسه دفعةً واحدة وهو يحدّق به بثبات. و فعل فريدريش الشيء نفسه.
“ولكن إن كنتَ ستفتح الموضوع….فأنا أيضًا لدي ما أحاسبكَ عليه. هوان براير….أليس ذلك من فعلكَ؟”
“ومن هذا؟”
أجاب فيلياس ببرود، فتنهد فريدريش.
كان من المقرر إعدام هوان براير، لكن لم يكن ذلك ليحدث حقًا. كان المقصود فقط إخافته حتى يخضع تمامًا.
لكن لسببٍ ما، وبفوضى غامضة، نُفّذ حكم الإعدام فعليًا. ولم يُعرف من المسؤول.
“لماذا….لماذا ترتكب أشياء لا تشبهكَ مؤخرًا؟ أعني….أعرف السبب دون أن تقوله. لكن ما الفائدة التي تجنيها؟ ماذا تريد بالضبط؟”
“السكك الحديدية.”
“….ماذا؟”
امتلأت كأساهما من جديد. بينما تابع فيلياس،
“سأربط العاصمة بأشوكا. موسم الحملة الشتوية يقترب، وحتى أرتور لن يجد ما يقوله.”
“لكن….ما هذا؟ ولماذا الآن؟ ثم….هذا المشروع نوقش قبل سنوات، وأنت نفسكَ من اعترض بسبب طبيعة تربة الشرق!”
“نقلب المستنقع كله.”
“المستنقع….كله؟ هل هذا….ممكن؟”
و تمتم فريدريش بصوتٍ منخفض،
“إذًا لماذا لم تفعل هذا سابقًا؟ ولماذا غيرت رأيكَ الآن؟ لا تقل أن للأمر علاقةً بالآنسة لانغ؟”
“وهذا ليس من شأنكَ.”
_____________________
هواشاتهم تضحك صدق كأنهم اخوان من امهات غير مب عم وولد اخوه😂
وفي البدايه يوم فيلياس ينطل على كونراد الدعوات اظنه مجمعه الي ارسلها كونراد لفانيسا؟😂 ولا من وين جابها كلها
المهم سوريل مسكين خذا دور الزوجة المطلقة😭😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 81"