بعد يومين من اعتقال ماريا ريبيرا، تلقّى بيدرو ريبيرا، حاكم جزيرة الرُكبة، أمرًا بالحضور إلى الحصن.
وبصفته دليلًا على أن مصدر عملات سايروس الذهبية كان غنائم صودرت من سفن العدو، قدّم سجلات الضبط الصادرة عن قيادة البحرية.
وقد زالت عنه تهمة التخابر، لكن تهريب الأسلحة ظلّ جريمةً كبرى، فتم إيداع ماريا ريبيرا وعصابتها في السجن الأرضي خارج قلعة أشوكا.
وبعد ذلك، عُقدت عدة اجتماعات للبتّ في مصير جزيرة الرُكبة، لكن نتائجها أدرجت جميعها ضمن الأسرار العسكرية.
وبما أنه من المستبعد أن تكون المناقشات ودّية، قررت فانيسا عدم التعمق والسؤال.
ثم مرّت خمسة عشر ليلة أخرى، وكان صباحًا اعتياديًا.
جلست فانيسا في مكتبها ترتّب جدول أعمال اليوم. و كان العقد مع ميدو يجري بسلاسة.
لكن قبل بدء التبادل التجاري فعليًا، كان لابد من التواصل مع نقابات التجارة الكبرى في العاصمة.
وبالطبع، تم تأمين كميةٍ جيدة من المبيعات مسبقًا. فحاجة أشوكا للسلع الفاخرة في ازدياد، كما أن شركة أرفين التجارية ترسل سفنًا تجارية منتظمة إلى العاصمة.
ولكن بقي شيءٌ واحد يشوب الأمر قليلًا.
‘إن استطعنا جعل نقابات العاصمة، وخاصة تلك التي تمتلك حقوق المرور في القناة الكبرى، تأتي إلى أشوكا مباشرة….’
حتى كبار التجار المتعجرفين في العاصمة لن يستطيعوا تجاهل الميزة الجغرافية لأشوكا.
الشيء الوحيد الذي يجعلهم يترددون هو الطريق البحري القاسي في بحر الشمال.
‘وإن كان الأمر كذلك….’
وبينما كانت تفكر وتتمشى قرب النافذة، طرق أحدهم باب المكتب.
نظرت فانيسا إلى الساعة وضحكت بخفة. كالعادة، الوقت نفسه كل يوم.
“جئت لتلقي التحية الصباحية، أليس كذلك؟ هل تريد الدخول قليلًا؟”
اقترب فيلياس فورًا، وكأنه كان ينتظر الدعوة، واحتضن فانيسا برفق.
وكان يفوح منه عبير الصابون، مما يشير إلى أنه جاء مباشرةً بعد تدريب الفجر.
‘يشبه الجرو. جروًا عملاقًا….’
مدّت يدها وربّتت على شعره الأسود الذي ما زال رطبًا قليلًا، وهي تفكر.
“……؟”
فتوقف فيلياس فجأة وتراجع خطوة، ثم مال برأسه وهو ينظر إلى فانيسا.
“يبدو أنك أصبحتِ أطول قليلًا.”
“هم؟ فعلًا؟”
رفعت فانيسا كمّها لتقيس الطول. والحق أن الكم بدا أقصر قليلًا.
‘لقد ازدادت شهيتي في الآونة الأخيرة. ولم أكن صارمةً مع نظامي الغذائي كما في حياتي السابقة. لكن….أيمكن أنني ما زلت في طور النمو؟’
نظر إليها فيلياس للحظة بوجهٍ جاد، ثم كأنه توصّل لاكتشافٍ عظيم،
“حين التقينا أول مرة كنتِ كالجنية….والآن تبدين مثل مالكة جمال العالم.”
“هاهاها….”
ضحكت فانيسا بتوترٍ ونظرت إلى سكرتيرتها. لكنها كانت غارقةٌ في عملها كأنها اعتادت هذه المشاهد.
“لكن….هممم….”
رفع فيلياس إصبعه إلى شفتيه.
“أظن أنه يجب تقديم موعد السفر إلى العاصمة.”
“لماذا؟ ما زال على الاحتفال بيوم التأسيس شهر كامل.”
لم يجب، بل اكتفى بابتسامةٍ ماكرة وهو يتراجع بخطواتٍ واسعة.
“فيلياس؟”
“لا ترهقي نفسكِ.”
ثم استدار بسرعةٍ وغادر المكتب. و حدّقت فانيسا في الباب وهي لا تفهم ما يجري.
“يبدو أنه يُعِد لكِ مفاجأة.”
قالت السكرتيرة ذلك، وقد كان واضحًا أنها سمعت كل شيءٍ رغم تظاهرها بالعمل.
“….يبدو كذلك، أليس كذلك؟”
‘أحيانًا يبدو كالأطفال.’
فكّرت فانيسا بذلك وهي تعود إلى مقعدها مبتسمة.
“آه، على ذكر هذا، آنستي….هناك رسالةٌ وصلت صباح اليوم من العاصمة.”
أخرجت السكرتيرة رسالةً من درج المكتب وقدمتها لفانيسا. و كان المرسل: مايسون سيري.
[إلى فانيسا،
شكرًا على رسالتكِ. سعيدٌ أنكِ بخير. وأنا أيضًا بخير وبصحة جيدة.
ربما سأبدأ الشهر القادم بالذهاب إلى المكتب الجديد مع والدي.
و إليشيا تُلحّ منذ الآن وتقول أنها تفتقدكِ. وتريد أن نقيم سهرة بيجاما حين تعودين.
وطلبت مني أن أكتب لكِ أنها ستقوم بضفر شعركِ. يبدو أن هناك تسريحةً جديدة رائجة.
أخبريني حين يتحدد موعد وصولكِ إلى العاصمة. سأخرج لاستقبالكِ.
لست متأكدًا إن كانت هذه الرسالة ستصل إلى يدكِ فعلًا. فالرسائل السابقة كلّها عادت إلينا.
ترى هل كتبتُ العنوان خطأ؟
مايسون سيري]
عادت الرسائل؟
‘هممم، هذا غريب.’
العنوان المكتوب على الورق كان صحيحًا. ولم يكن هناك إلا حصن أشوكا واحد، فكان من الصعب جدًا أن تكون هناك مشكلةٌ في العنوان.
وعندها مرت ببال فانيسا فجأة محادثتها مع كونراد في الربيع الماضي.
“حتى الرسائل التي أرسلتها كانت كلها تعود إلينا، وحتى حين أرسلتُ رجلًا لم يجدكِ أحدٌ قط. قالوا ببساطة أنكِ “غيرموجودة”.”
لم يكن هناك داعٍ للتحقق. كان واضحًا أن السبب في قطع اتصال كونراد سابقًا لم يكن إلا أوامر من فيلياس.
أما أن تشكّ في الأمر هذه المرة….فلم يكن ذلك عادلًا، ومع ذلك….
نهضت فانيسا من مكانها وهي تمسح الحبر العالق على أطراف أصابعها.
‘….لأشرب كوب شاي وأفكر قليلاً.’
***
داخل العربة المتمايلة كانت فانيسا تقرأ التقرير الذي أرسله أرفين.
الغواصة التي استعيدت من المستودع لم تتضرر، وقد أُجري لها اختبار تشغيلٍ أولي في المياه القريبة دون أي مشكلة.
وكان تجنيد فريق الاستكشاف يتسارع، وإن سار كل شيء هكذا فسيكون بالإمكان إطلاق السفينة قبل حلول الشتاء.
كان كل شيءٍ يسير بسلاسة، حتى إن ما كان متعثرًا طوال الفترة الماضية بدا وكأنه كان مجرد كذبة.
وكأن شيئًا كان يعرقل فانيسا قد اختفى فجأة.
‘لابد أنه مجرد توترٍ زائد.’
خلعت فانيسا نظارتها. وفي تلك اللحظة تحديدًا توقفت العربة. و فتحت نيكولا، التي كانت تغفو في المقعد المقابل، عينيها بتثاقل.
“ما الأمر يا ترى؟ ألم يقُل أننا سنواصل التقدّم حتى نصل إلى الغابة دون توقف؟”
نظرت فانيسا سريعًا إلى الخارج. كان فيلياس، الذي سبقهم ممتطيًا صهوة جواده، قد اختفى تمامًا عن مجال رؤيتها.
هل هذا الذي تراه في البعيد هو الغابة؟
كانت هناك غابةٌ شديدة العمق والكثافة حتى إن الشمس لا تصل إليها طوال العام، وكانت من هنا تبدو كجدارٍ هائل.
“سأنزل لأرى ما يحدث.”
فتحت نيكولا باب العربة وقفزت بخفة إلى الأرض.
كان من المدهش أن اقتراح السفر بالعربة إلى العاصمة جاء من فيلياس نفسه.
حتى لو قطعوا الأرض القاحلة على ظهور الخيل دون توقف فالوصول إلى أقرب حدود الغابة كان سيستغرق أسبوعًا كاملًا.
وفوق ذلك سمعوا أن عصابات اللصوص تزداد شراسةً مع اقتراب الشتاء.
وعندما سألت فانيسا إن كان الطريق سيكون وعِرًا أكثر من اللازم، أرَاها فيلياس الخيول التي ستجر العربة.
“هذه خيولٌ حربية استُخدمت منذ العصور القديمة في ساحات القتال. تبدو عادية، لكنها في الحقيقة ليست خيولًا طبيعية.”
تفحّصت فانيسا الخيول التي كانت ترتجف وتتنفس بحرارة، لكنها لم تجد فيها ما يميزها.
“مهما نظرت إليها….إنها خيولٌ عادية.”
“مع الوقت ستفهمين.”
وكان حديث فيلياس صحيحًا. فالخيول لم تكن تحتاج إلى ماءٍ ولا طعام ولا حتى إلى راحة. كانت تركض طوال اليوم دون أن تُبطئ سرعتها لحظةً واحدة.
ولو أمكن استخدام هذه الخيول خارج ساحات القتال لكان الأمر رائعًا، لكن قلّة أعدادها كانت أمرًا مؤسفًا.
ومع ذلك تمكنوا بفضلها من الوصول إلى حدود الغابة العميقة التي تفصل بين الوسط والشرق خلال ثلاثة أيام فقط.
ثم عادت نيكولا مسرعةً وطرقت باب العربة.
“سيدتي، أظن أنكِ يجب أن تري هذا بنفسكِ.”
وعندما نزلت فانيسا إلى الأرض شعرت باهتزازٍ غريب تحت قدميها.
“……؟”
“هناك يا سيدتي.”
ظهر ظهر فيلياس وهو ممتطٍ جواده. كان يحدّق في الغابة بصمت.
وفي الاتجاه الذي كان ينظر نحوه كانت الأشجار ترتجف كما لو كانت تغلي.
ومع تزايد الاهتزاز ترنحت فانيسا وهي تتقدم للأمام.
صوت تكسّر… تكسّر…ارتجاف حاد…
“……!”
فتراجعت فانيسا خطوةً إلى الخلف بلا وعي.
كانت هناك مئات الطيور تطير في لحظةٍ واحدة لتغطي السماء بأكملها. وبينما كانت تحدّق في السماء المظلمة بأجنحتها شعرت بدوارٍ غريب.
اهتزت الأرض فجأة، فسقطت فانيسا على ركبتيها.
“سيدتي!”
أمسكت بها نيكولا وساعدتها على الوقوف. وظهر هيرمان فجأة ليأخذهما إلى مكان آمن.
‘لا يعقل….’
كانت تظن أنها تعرف ما يكفي عن قدرة فيلياس. بل إنها رأتها بنفسها، فظنت ألا شيء يمكن أن يفاجئها بعد الآن.
لكنها كانت مخطئة.
وعندما استدارت مبتعدةً قليلًا عن موكب العربات، شهقت وهي ترى المشهد أمامها.
عشرات، بل مئات الأشجار العملاقة اقتُلعت من جذورها وارتفعت في الهواء. و كانت تطفو في السماء كما لو أن العالم انقلب رأسًا على عقب.
صوت تشقق… تشقق ثقيل…
كان فيلياس ما يزال يحدّق في الغابة. وببطء، كما لو أن جدارًا ينشق، فُتح ممرٌ داخل الغابة أمامه.
‘قدرة….’
تمتمت فانيسا في داخلها. لم يكن ما تراه إلا قدرةً إسطورية حقيقية.
وحينها التفت فيلياس. وكانت عيناه الزرقاوان تتلألآن ببريقٍ معدني.
_____________________
وش الترهيب ذاه ليه نيكولا قالت لها تطلع تشوف عسا ماشر😭
حسبته فيلياس مجهز سبرايز ولا حسبت احد اعترضهم هذا وش
المهم ورعاني صاروا يضمون بعض في الصبح😔 تحية الصباح كيوت😔
التعليقات لهذا الفصل " 80"