طَرق الخادم الباب بخفة ثم فتحه. و نزل الدوق أولًا ومد يده من تحت العربة.
ترددت فانيسا قليلًا، ثم أمسكت بيده. وقبل أن تنزل تمامًا من العربة، أدركت الأمر.
“يا سموّ الدوق.”
“نعم، يا آنسة فانيسا.”
“هذا ليس منزلي.”
“أعلم ذلك.”
اصطف الخدم أمام قصرٍ ضخم في صفٍّ واحد، وانحنوا جميعًا بتحيةٍ واحدة.
“آه، قلتُ ألا تفعلوا مثل هذه الأمور…..على أي حال، يا آنسة فانيسا، أرجو أن تعتبري هذا المكان منزلكِ من الآن فصاعدًا.”
“وأين نحن أصلًا؟”
“إنه منزلي.”
‘…..أوه، أهو مجنونٌ حقًا؟! تظاهر بالبراءة والحياء ثم فجأة يفعل هذا؟ ما الذي يدبّره؟’
“آه، لا تقلقي. هو ملكي قانونيًا فقط، أما فعليًا فهو مخصصٌ لإقامة كبار ضيوف العائلة الإمبراطورية. وأنا أقيم في القصر الرئيسي أثناء وجودي في العاصمة، لذا يمكنكِ استخدامه بحرية تامة.”
“ليست هذه هي المشكلة أصلًا.”
“أهناك مشكلةٌ أخرى؟”
بإشارةٍ من فيلياس تفرّق الخدم، فلم يبقَ سوى الاثنان. فأخذت فانيسا نفسًا عميقًا.
“يا سموّ الدوق، حتى لو كنتَ دوقًا، لا يحق لكَ أن تخطف الناس بهذه الطريقة.”
“لم أستخدم أي وسيلةٍ قسرية.”
‘هل يتعمد التظاهر بالجهل؟ أم أنه حقًا لا يدرك؟…..’
تنهدت فانيسا.
“حسنًا، فهمت. شكرًا على الدعوة يا سموّ الدوق. لو كنتَ قد أخبرتني مسبقًا لكان أفضل.”
“يا آنسة فانيسا.”
بدأت فانيسا تسير بلا وجهة، فتبعها فيلياس بخطواتٍ هادئة.
“أرجوكَ، لا تتبعني.”
ومع ذلك، ظل فيلياس يتبعها من مسافةٍ قصيرة، مثل ظلٍّ لصيقٍ بها.
“أرجوكِ لا تغضبي واسمعيني، يا آنسة فانيسا. أنا…..أنا في الحقيقة شخصٌ كئيب بعض الشيء.”
“..….؟”
“أنا بطيءٌ في فهم المشاعر…..وغالبًا ما أنطق بأشياء غير مناسبة للموقف. وإن كرهتِني بسبب ذلك، فلا ألومكِ. لكنني لم أرغب أبدًا في جرحكِ بكلماتٍ طائشة.”
توقفت فانيسا عن السير، فتوقف فيلياس أيضًا.
“وماذا بعد؟”
“ولهذا…..لم أعرف كيف أبدأ الحديث، فلم أستطع إخباركِ مسبقًا. لم تكن نيتي أبدًا أن أُجبِرك على أي شيء.”
“أفهم ما تعنيه يا دوق، ولكن هل هذا سببٌ كافٍ لأن تمنعني من العودة إلى بيتي؟”
تردد فيلياس، وكأنه ينتقي كلماته بعناية.
“لا ينبغي لكِ البقاء في مكان يحمل لكِ صدماتٍ نفسية، يا آنسة فانيسا. خصوصًا إن كنتِ وحدكِ. تلك الحادثة…..إن كانت قد استمرت طويلًا، فقد لا تشعرين بذلك الآن، لكن الذكريات ستعود تدريجيًا، وستبدأ في التهامكِ من الداخل.”
“هل تقول هذا عن تجربة؟”
لم يأتِ جواب.
ربما كان الدوق صادقًا. فقد مرت ثمانِ سنوات منذ أن غادرت فانيسا منزل والدها. و كانت تظن أنها تجاوزت كل شيء، لكنها كانت مخطئة. ولهذا فقط ربما ارتجفت من عناق الصغيرة إليشيا.
ثم تحدّث فيلياس بهدوء،
“وقبل كل شيء، سيهاجمكِ الدائنون قريبًا. ومعظمهم من ذوي الأصول المشبوهة.”
“كيف…..كيف عرفتَ؟”
“لستُ غافلًا عن كيفية انتشار الربا في العاصمة.”
في حياتها السابقة، كان أولئك الناس يقتحمون منزلها دون أوراق، محطمين الأثاث بعنف.
والآن وقد فكرت في الأمر، من المستحيل أن يكون شخصٌ محترم قد أقرض الكونت لانغ مالًا.
في الماضي، كانت خطيبة أمير، وذلك المقام هو ما حماها. أما الآن، فلم تعد شيئًا.
حتى لقب “ابنة الكونت” لم يعد يليق بها. فالكونت لانغ مات، تاركًا لها ديونًا فقط.
حين وصلت أفكارها إلى ذلك الحد، شعرت فانيسا بدوار خفيف. فقد كانت مرهقة…..جسدًا وروحًا.
“سأساعدكِ على تسوية كل شيءٍ بهدوء. وبعد أن تنتهي الأمور، يمكنكِ الرحيل متى شئتِ.”
استدارت نحوه، فوجدته ما زال واقفًا في مكانه يحدّق بها. و خُيّل إليها أن كتفيه ارتجفا قليلًا.
“…..هل تبكي؟”
“لو بكيتُ، هل ستبقين هنا إذاً؟”
كان صوته هادئًا.
“لا داعي. لن أرى ذلك على أي حال.”
ثم وضعت فانيسا يدها على ذراعه الممدودة.
***
“صباح الخير يا آنسة. لقد أُعدّ ماء الحمّام ووجبة الإفطار الخفيفة. يقول الدوق أنه يرغب في تناول الطعام برفقتكِ، لكنه سيلتزم تمامًا برغبتكِ.”
جلست فانيسا شاردةً على السرير الوثير، تفكر في المكان الذي وجدت نفسها فيه.
إنه سكن الضيوف الفاخر المملوك للدوق. وكما قال فيلياس، فقد أُعِد هذا القصر الفخم الواسع خصيصًا من أجلها.
لكنها ما إن أُرشدت إلى غرفتها حتى استسلمت للنوم فورًا دون أن تسنح لها فرصةٌ لتفقد المكان، فقد بدا أن التعب كان متراكمًا عليها بشدة.
كان القصر يُدار بالسحر تمامًا كما هو الحال في القصر الإمبراطوري، أي إنها تستطيع النوم في غرفةٍ ذات حرارة ورطوبة مثالية دون الحاجة لإشعال الموقد أو جلب الماء.
‘منذ زمن لم أنعم بنومٍ مريحٍ كهذا…..’
“آه.”
كانت هناك خادمةٌ شابة ترتدي زيًّا أسود تقف عند الباب مبتسمة. كانت نيكولا، التي تعرّفت عليها في الليلة الماضية.
“آه، عذرًا…..ماذا قلتِ؟”
“يود الدوق أن تتناولي وجبة الإفطار برفقته يا آنسة. لكنه قال أيضًا أنه إن لم ترغبي بذلك فسوف يعود فورًا.”
“آه….ولكن…..أليس الدوق مقيمًا في قصره الرئيسي؟”
“بلى يا آنسة، لكنه وصل عند الفجر…..أو بالأحرى في الصباح الباكر، وهو بانتظاركِ الآن.”
‘يا للعجب…..ما هذا الرجل الكئيب حتى في الصباح….’
فكرت فانيسا وهي تتأمل الغرفة من حولها.
كانت نظيفةً وأنيقة، وتدل على ذوقٍ رفيع وعنايةٍ دقيقة.
“إذًا…..هل يمكنكِ أن تبلغي الدوق أن ينتظر قليلًا حتى أتهيأ؟ إن لم يكن مشغولًا طبعًا.”
“قال لي الدوق مسبقًا أنه ليس مشغولًا على الإطلاق، وحتى إن كان، فلا شيء في العالم أهم من تناول الإفطار معكِ يا آنسة.”
“همم….حسنًا…..في الواقع، قولي له أنني استعدت وعيي الآن، لذا ليتوقف عن قول تلك العبارات المتكلفة، حسنًا؟”
“سأنقل له كلامكِ كما هو. هل ترغبين بأن تساعدكِ إحدى الخادمات في الاستحمام؟ وإن لم تريدي، يمكنني أن أشرح لكِ أماكن الأدوات بالتفصيل.”
وأثناء حديث نيكولا، دفنت فانيسا وجهها في الأغطية الناعمة كالسحب، تستمتع برائحةٍ منعشة تفوح من الأغطية والملاءات.
“نيكولا، جاءتني فكرةٌ رائعة…..أظن أن على الدوق أن يبدأ مشروعًا فندقيًا، سيكون ناجحًا جدًا.”
وجاءها الرد بسرعة كعادته.
“قال الدوق إنه إن كان هذا نوعًا من الإطراء غير المباشر لكلا القصر أو العاملين فيه، فسيعتبره شرفًا عظيمًا أن تكوني راضيةً يا آنسة، وإن تكرمتِ لاحقًا بإخباره بتفاصيل ذوقكِ الشخصي فـ….هاه…..هل أتوقف يا آنسة؟”
كانت نيكولا ماهرةً في قراءة الوجوه، فابتسمت فانيسا ولوّحت بيدها.
“لا بأس، شكرًا لكِ. إن احتجت شيئًا فسأناديكِ، يمكنكِ أن تذهبي الآن وتستريحي قليلًا.”
في الحمّام الواسع النظيف والأنيق، حيث اندفع الماء الساخن بغزارة، استرخت فانيسا في حمّامٍ طويل.
ورغم أنها أخبرت نيكولا بأنها ليست غاضبة، إلا أنها شعرت برغبة طفولية في مضايقة ذلك الدوق قليلًا.
بعد الاستحمام، وضعت الكريم الذي تلقّته الليلة الماضية على عنقها.
كانت مرهمًا صنعه الطبيب الإمبراطوري خصيصًا لعلاج الكدمات، وبفضله تلاشت العلامات الزرقاء كثيرًا عما كانت عليه بالأمس.
وعندما خرجت من الحمّام، كانت نيكولا تنتظرها بثوبٍ داخلي منزلي جاهز. كان مقاسه ملائمًا تمامًا لها.
‘همم…..من الأفضل ألا أفكر كثيرًا في هذا.’
وعندما نزلت إلى الطابق السفلي، رأت على المائدة شيئًا يشبه كومةً من الفحم المحترق.
“يا سموّ الدوق.”
فقفزت “كومة الفحم” من مكانها بفزع.
“صباح….الخير يا آنسة فانيسا. يبدو أنني غفوتُ قليلًا.”
“وهل كان لابد أن تأتي عند الفجر لتجلس بهذه الكآبة؟”
“آه….حسنًا…..في الواقع أردت فقط أن أراكِ مبكرًا..…”
تنهد فيلياس بعمق، ثم سقط مجددًا على الطاولة بإرهاق.
“وصلتني رسالةٌ من مساعدي في أشوكا…..قال أنه إن لم أشارك في ثلاث مناسباتٍ اجتماعية على الأقل هذا الموسم، فسيتقدم باستقالته هذه المرة حقًا.”
“أوه، حقاً؟”
أجابت فانيسا ببرود وجلست مقابله. وبعد قليل، وُضعت بينهما قوارير كريستالية من الحليب وعصير التوت الأحمر.
كانت على المائدة أطباقٌ من لحم الخنزير والبيض مع الفواكه الصيفية، ولفائف الصباح، والزبدة، والمربى، والعسل، والدجاج المدخَّن، والجبن…..وشريحة ستيك أيضًا؟
“يبدو أنك في الشرق تحبون الإفطار الدسم.”
“في الواقع، هذا من عادة الشمال. أو بالأحرى…..نحن نأكل قدر ما نستطيع حين يتوفر الطعام، لأن هناك أيامًا تمرّ دون لقمةٍ واحدة.”
‘حقًا، أبناء سايران لا يعيشون إلا بين ساحات المعارك، فلا عجب أن يعتادوا أقسى الظروف.’
___________________________
اسرع عملية خطف والخاطف قاعد يترجى المخطوفه😭😭
المهم وناسه فيلياس واقع مره اجل شلون الفصول الجايه؟ ههههععععههه
بس ودي تعلمه ان الخادمه كانت تدافع عنها وصار الي صار يمكن يتصرف هو بدل تقعد ساكته كذا
التعليقات لهذا الفصل " 8"