في مساء تهبط عليه شمس الشفق، انفكّت أحد عجلات العربة التي كان يركبها الشخصان في طريق عودتهما إلى الحصن.
وبفضل فيلياس، تم تفادي حادثٍ خطير، لكن يبدو أن الإصلاح سيستغرق وقتًا.
ولحسن الحظ لم يكن الهدف بعيدًا، فقرّرا أن يصعدا التلّ المنحدر سيرًا على الأقدام.
كانت فانيسا تلقي نظرةً جانبية على ملامح وجه فيلياس الصامت وهو يمشي.
حتى داخل العربة، بدا فيلياس غارقًا في التفكير. لا بد أنه منشغلٌ بما حدث قبل قليل في ساحة القتال.
قالت ماريا ريبيرا أن ذلك الرجل ذو الشعر الفضي المسمّى أليكسي كان يعقد صفقاتٍ مع حاكم جزيرة الركبة.
ومع سجلات تلك الصفقات، تم العثور على كميةٍ كبيرة من عملات العدو الذهبية.
وإن كان ذلك الحاكم، بيدرو ريبيرا، قد تواطأ مع سايروس، فلن يكون ربط سايروس بالدوق أمرًا مستبعدًا.
وإن كان ذلك إلى الآن مجرد شبهة.
“هل يعقل أن يكون دوق فالندورف متواطئًا مع سايروس؟”
لم يُظهر فيلياس أي دهشة من سؤال فانيسا المفاجئ. بل أومأ برأسه ببطء،
“لا شيء يعجزه. طالما يمكنه مواصلة الحرب، فربما يفعل أي شيء.”
“مواصلة الحرب.…؟ وليس إنهاءها؟”
“يعرف تمامًا أن حياته لم تستمر إلى الآن إلا بفضل هذه الحرب. على أي حال، ما يقلقني الآن ليس الدوق فالندورف. صحيحٌ أنه رجلٌ بالغ الحذر، لكنه ليس من النوع الذي يفلت من السيطرة.”
“لكن….قد ينضم الدوق إلى سايروس ويثير تمردًا.”
“هممم….وحتى لو فعل….فلن تنقلب دفة الحرب. بل في الحقيقة، سيكون ذلك أمرًا مرحّبًا به من جهتنا. لأنه سيمنحنا ذريعةً للتخلص من الدوق.”
قال فيلياس ذلك بنبرةٍ لا مبالية، لكن فانيسا لم تستطع الاقتناع.
‘أما كان من الممكن إنهاء هذه الحرب المرهقة من الأساس؟’
“ألا يمكن إجبار سايروس على الاستسلام؟ إن كان ما تقوله صحيحًا، فلا بد أنهم يدركون أنهم بلا فرصة للانتصار.”
فهز فيلياس رأسه.
“ملك سايروس الذي أعرفه رجلٌ قد يتحمل حتى الدمار الكامل. لكن إن حدث ذلك، فالإمبراطورية….”
“ستستجلب حذر اتحاد الشمال والقاصي الشرقي. فالاستمرار في سحق الدول الضعيفة سيجعلها في النهاية عدوًا عامًا للجميع….تمامًا كما حدث مع إمبراطورية سانت.”
و ابتسم فيلياس لفانيسا وهو ينظر إليها.
“صحيح. ثم….يبدو أن أرتور أيضًا لا ينوي إنهاء الحرب عاجلًا.”
‘الآن وقد فكرتُ في الأمر….لقد كان الإمبراطور دائمًا فاترًا تجاه حلّ النزاعات.’
الإمبراطور الذي تعرفه فانيسا لم يكن محبًا للحروب. بل كان أشبه بإنسانٍ نفعيّ حدّ البرود.
وإن كان يطيل أمد الحرب، فلا بد أن المكاسب التي يجنيها منها تفوق الخسائر.
فمثلًا، سيكون من السهل كبح الشمال. فهذه الحرب تشكل ذريعةً للإبقاء على حالة التسلح.
وللسيطرة على كبار النبلاء الذين يملكون جيوشًا خاصة، فوجود عدوّ مشترك كسايروس مفيد. ومع ذلك….
“أفلا يوجد ما يمكن فعله؟ لقد قال سموّ ولي العهد أنك أشبه بالجبهة الجنوبية بحد ذاتها….”
فابتسم فيلياس بصوتٍ خافت.
“لكن ذلك ليس….بالمعنى الذي تتصورينه. صحيحٌ أن لدي سلطاتٍ غير قليلة في الجبهة، لكن….كل ذلك يصبح بلا قيمة بعد انتهاء الحرب.”
“إذًا….”
“عندما تنتهي المطاردة، لا تعود كلاب الصيد ذات نفع.”
“كلاب….الصيد؟”
رفعت فانيسا رأسها تنظر إلى فيلياس وقد تجمّد وجهها. لكنه ظلّ مبتسمًا كأن شيئًا لم يكن.
وبمنطقٍ بارد، كان الأمر مفهومًا. فلو تركوا فيلياس يعزز نفوذه في الشرق كما هو، فسيشكّل تهديدًا واضحًا للسلطة المركزية.
وفوق ذلك، وبالنظر إلى كيفية معاملة العائلة الإمبراطورية له حين كان صغيرًا، فسيكون من الحكمة إقصاؤه فور انتهاء الحرب.
“لكن سمو ولي العهد قال أنه….يعتبركَ مثل شقيقه-.”
“فريتز سياسي يا فانيسا. لا تصدّقي كل ما يقوله.”
قال فيلياس ذلك قاطعًا كلامها.
“…/أليس ذلك ينطبق عليكَ أيضًا؟”
عند سؤالها، اكتفى فيلياس بهز كتفيه.
“أنا؟ مجرد جندي، لا أكثر.”
وبينما كانا يتحدثان، كانا قد وصلا إلى سور الحصن الداخلي.
كانت رائحة نبتة الميرمية التي تُزرع خلف المطبخ تتطاير مع نسيم لطيف.
كان مساءً خريفيًا هادئًا، ومع ذلك شعرت فانيسا باضطرابٍ في قلبها.
ثم تابع فيلياس كلامه،
“ما أعنيه هو….لا داعي للقلق من مجريات الحرب الآن. لكن إن كانت عصابة السراقين قد شاركت في الأمر بطريقةٍ ما، فالعائلة الإمبراطورية ستتخذ ذلك ذريعةً لمحاولة تقييدي.”
“إذًا ما يقلقكَ….هو سلامتكَ.”
“ليست سلامتي أنا. أنتِ تعلمين.”
“…….”
التفت فيلياس ينظر إلى فانيسا. فترددت قليلًا ثم تكلمت.
“إذاً….استمرار الحرب سيكون أفضل. من أجل راحتكَ….وراحتي.”
“نعم. ومن هذه الناحية….قد لا أكون مختلفًا كثيرًا عن فاليندورف.”
“….هل أنت جاد؟”
ساد الصمت لوهلة.
كانت أصوات حرّاسٍ يتناوبون نوباتهم تُسمَعُ منخفضةً وهم يتبادلون الأحاديث. وخطوات الخدم وهي تخترق الفناء الخلفي مصحوبةٌ بضحكات خافتة كانت تتردد في الأجواء.
وفجأة ضحك فيلياس بخفوت.
“فلنكتفِ بهذا القدر من الحديث. بالمناسبة، هل استمتعتِ بالخروج اليوم؟”
“ما معنى….”
“حتى هذه المرة لم يكن موعدًا جيدًا، أعلم. صحيح أنني أستمتع في أي مكانٍ طالما كنتُ معكِ، لكن ذاك الزقاق الخلفي لم يكن مكانًا لطيفًا للنظر.”
“فيلياس.”
كان يبدو وكأنه يحاول تغيير الموضوع مجددًا. فشدّت فانيسا قبضتها على يده وجذبته نحوها.
“قلتَ أنكَ ستحدّثني.”
“…….”
“وقلتَ أنكَ لن تُخفي شيئًا يثقل عليكَ.”
أطرق فيلياس نظره، يعبث بأصابع فانيسا.
ثم في النهاية استدار وبدأ يمشي، و ما زال ممسكًا بيدها.
“أقسم….”
وأثناء عبورهما الرواق المؤدي من الفناء الداخلي إلى الحديقة الخلفية، أقسم فيلياس،
“لن أسمح بأن تتورَّطي في صراعات العائلة الإمبراطورية. وسأجد طريقةً….لإيقاف هذه الحرب السخيفة.”
وما إن دخلا الحديقة الخلفية حتى اندفع عطر الورود المتفتحة بقوةٍ نحو وجهيهما. حتى أن الدوار كاد يصيبها.
بينما تابع فيلياس كلامه،
“لكن هذا….ليس أمرًا مألوفًا بالنسبة لي. صحيحٌ أن الدوق فاليندورف مشهورٌ بجنونه بالحرب….لكن في الحقيقة، أنا من وُلد ورُبّي من أجل الحرب.”
“ماذا تعني….”
“أظن أنكِ قد خمّنتِ السبب مسبقًا. السبب الذي جعل الإمبراطور الراحل يجلب أميرةً من مملكةٍ منهارة لتكون زوجته الثانية.”
قشعر ذهن فانيسا بالفراغ للحظة.
‘لا يمكن….’
و حين سمعت من لييرا عن “تيار” وقدراتها، فكرت أن ذلك التفسير يفسّر كل شيء.
‘نار دليما.’
إن كانت تلك قدراتها حقًا، فسيكون إحلالُها في الإمبراطورية جديرًا بكل الخسائر التي تكبّدها الإمبراطور الراحل.
فما كان يرغبه لم يكن إلا ابنًا يرث تلك القدرة….لا، كان يريد جنديًا، سلاحاً حياً.
“ولحسن الحظ….كانت النتيجة الأولى ليست سيئة.”
قال فيلياس ذلك كأنه يمزح. لكن تلك الخِفّة في نبرته جعلت قلب فانيسا يؤلمها بشدة.
“….لا تفعل ذلك.”
“هل تشفقين عليّ؟ أو ربما تريدين احتضاني ومواساتي….”
وقبل أن يُكمل جملته، ارتمت فانيسا عليه ولفّت ذراعيها حول عنقه بقوة.
“توقف.”
“…….”
“توقف عن….تحويل الأمر إلى مزاح في كل مرة. لأنني….أحزن حين تفعل ذلك.”
فاحتضنها فيلياس متحدثاً بصوتٍ خافت،
“لم أقصد أن أحزنكِ. أردتُ فقط ألا تظنّيني….شخصًا عنيفًا. لأنّه لو كان….”
ثم وضع وجهه على كتفها.
“لو كان كذلك….ستكرهينني….”
شعرت بدفء حرارته يرتفع شيئًا فشيئًا. وكانت قبضته التي تشدّ طرف ثوبها متوترةٌ للغاية.
‘إنه بسيطٌ إلى هذا الحد….فلماذا هو صعبٌ إلى هذا الحد أيضًا؟’
كانت وردات الكرمة المتسلّقة على سور القلعة القديمة تتفتح مثل لهبٍ صغير.
ورأت فانيسا المصابيح التي كان فيلياس قد علّقها لأجلها منذ مدة تتلألأ بين الشجيرات.
ثم وضعت فانيسا خدّها برفق على شعره الأسود الناعم، ثم همست،
“أنا….أحبكَ.”
ارتجَّ جسد فيلياس فجأة، وتصلّب كليًا، ثم بدأ يرتجف وكأنه أصيب بحمى.
كانت تتوقع أن يُصدم، لكنه كان أبعد بكثيرٍ مما تصورت.
“لِماذا….لماذا الآن….بهذا….”
كان صوته يكاد يخبو.
“فقط….شعرتُ أنني لم أقلها قط. هل كانت كلماتي صادمةً إلى هذا الحد؟ ارفع رأسكَ قليلًا.”
لقد كان أول اعترافٍ تقدّمه فانيسا في حياتها.
ومع ذلك، لم يبدُ فيلياس راغبًا في إظهار وجهه أصلًا. و كان يهز رأسه فقط، مخفيًا عينيه.
“هل ستبقى هكذا إلى الأبد؟”
“لا بأس….هكذا….بالنسبة لي….”
“فيلياس!”
وأخيرًا تركها. وحين ابتعدت خطوةً للخلف، و رفع رأسه ببطء.
كم مرةً قال لها أنه يحبها. أنه حتى يحب وقاحتها. أنه يوقّرها، ولا يثق إلا بها. بلا تردد ولا خوف….كان دائمًا يبوح لها بذلك.
فلماذا الآن، مع كلمةٍ واحدة منها، أصبح على وشك البكاء؟
كانت فانيسا ترى كم يبدو جميلاً وهو يعضّ شفته ووجهه محمرّ كله.
كان ذلك يجعله في غاية الروعة. لكنها فكرت أنه إن أخبرته بهذا الآن، فستنتهي بجعله يبكي حقًا، فقررت تأجيله.
“فانيسا، أحيانًا أشعر أنني….أعني….بالفعل….”
فتح فيلياس فمه بصوتٍ مُثقل، لكنه لم يُتم كلامه.
وظل لوقتٍ طويل يحملق في الندوب التي على يده، قبل أن يفاجئها بسؤالٍ غريب،
“……هل لديكِ لونٌ تحبينه؟”
“……؟”
ارتبكت فانيسا. لكن فيلياس كان جادًّا في انتظاره للإجابة.
‘يا له من لطيف.’
فابتسمت فانيسا وأمسكت بذراعه.
“ألوان الخوخ.”
‘تمامًا كلون وجهكَ الآن.’
___________________
تنمر عليه يعجبني بس ليتها قالته بصوت عالي ابيه يبكي طيب😭😭
الامبراطور الحيوان صدق جايبينه كذا سلاح؟ ابوه مات خلاص والحالي اخره وعادي بيطبحه ولا كأنه شي؟ وجع
المهم ااااااااا يالضمه ياناس احبها محد يشوف فيلياس مسكين الا هي😔 مواساتها له حلوه على طريقته
والاعتراااف شيييييي
وسؤال مهم ليه قال وش لونس المفضل وهو يعاين يده؟ يارب خاتم
التعليقات لهذا الفصل " 79"