“تعرفين يا ماريا….ألم يخطر ببالكِ سؤالٌ واحد؟ مدير الحلبة، الذي يُشتبه بأنه شريكٌ في الجريمة، جرى اقتياده مباشرةً إلى مقر الحرس، أما أنتِ—المقبوض عليكِ متلبسة—فلماذا جئتِ إلى هنا بالذات؟”
“……؟”
تجهم وجه ماريا في ارتباك.
“هل تعتقدين أن السبب مجرد كوني صاحبة الحمولة؟”
“ما الذي تحاولين قوله؟”
“هيرمان.”
رفع هيرمان—الذي كان واقفًا دون حركة طوال الوقت—نظرَه إليها.
“نعم، يا آنسة.”
“أين مفتاح الأصفاد؟”
“بحوزتي.”
مدّت فانيسا يدها. و نظر هيرمان إلى فيلياس لوهلة، ثم وضع المفتاح الصغير فوق يد فانيسا دون اعتراض.
فلوّحت فانيسا بالمفتاح أمام أنف ماريا.
جررران-
ثم تحدّثت بوجهٍ متعجرفٍ بلا حدود،
“لن أطيل الشرح. أنا فوق السلطة القضائية في أشوكا. وجئتِ إلى هنا ليس لأنكِ هرّبتِ أسلحة….بل لأنكِ تجرأتِ على لمس ممتلكاتي.”
نظرت ماريا حولها بسرعة. ولم يكن في الغرفة أي شخصٍ يجرؤ على معارضة كلام فانيسا.
“تريدين حكمًا عادلًا؟ أم تفضلين الإصرار على عنادكِ ثم تنتهين في سجنٍ تحت الأرض؟”
عند سماع كلمة “السجن تحت الأرض” عضّت ماريا شفتيها.
أهل الشرق نادرًا ما يلجؤون إلى سلطة الدولة، ولذلك لا يوجد في سجن أشوكا السفلي أي سجينٍ “عادي”—فقط المجرمون الأكثر خطورة.
في تلك اللحظة—
طَق، طَق-
يبدو أن فيلياس وجد آلية القفل.
طَق، طَق، طَق-
‘ولِمَ لا يكسره فحسب؟’
“……ألا يمكنكَ فعل ما تجيده عادة؟”
“هممم….أحاول فتحه من دون إتلافه كثيرًا. فهذا أيضًا دليل….”
فعادت فانيسا تنظر إلى ماريا.
“كما ترين، الأدلة كثيرة، لكن يمكنني التلاعب بها كما يحلو لي. وتعرفين أننا في أشوكا لا نُبقي السجناء أحياء لوقتٍ طويل، صحيح؟”
بعد ترددٍ طويل، فتحت ماريا فمها بصوتٍ مكسور الهيبة،
“سمعتُ من أخي. أعني….من بيدرو ريبيرا، ربما تعرفينه. هو حاكم جزيرة ’الركبة‘.”
بعد جزيرة ’الرأس‘، ها هي ’الركبة‘.
كانت أسماء جزر السرايا البحرية كلها بهذه الطريقة. أسماءٌ منحها قراصنتها كما يحلو لهم.
“إذاً، هل جزيرة الركبة وحدها تتعاون مع الدوق فاليندوف؟ أم أن الجزر كلها متورطة؟”
“الدوق.…؟ تقصدين أرستقراطيًا إمبراطوريًا؟ ما….ما الذي يجعلنا نتعاون مع أحد النبلاء؟”
سألت ماريا بذهولٍ حقيقي. و لم يكن مظهرها يوحي بأنها تمثل.
‘أيعقل….أن تكون مجرد صدفة؟ صحيحٌ أن اللقب ليس فريدًا إلى هذا الحد، لكن….’
“هذا مستحيل.”
قال فيلياس ذلك كأنه قرأ أفكار فانيسا. وكان قد بدأ يفكك الخزانة الحديدية بيديه العاريتين.
‘إذن….’
“رجل بشَعرٍ فضي وعينين بلونين مختلفين. طوله يشبه ذاك الذي يفكك الخزانة الآن. هل رأيتِه من قبل؟”
“شعرٌ فضي؟”
قطّبت ماريا جبينها.
“تقصدين أليكسي؟”
فضحك فيلياس بسخرية، ثم رمى صفيحةً حديدية ممزقة جانبًا متذمراً،
“يا له من مقرف.”
“كنت أظن أنه شخص غير عادي….لكن أن يكون دوقًا؟ الدوق يعني شخصًا مهمًا جدًا، أليس كذلك؟”
فابتسمت فانيسا بسخرية على سؤال ماريا.
“يبدو أنكِ تعرفينه جيدًا….هذا ’الأليكسي‘.”
ابتسمت ماريا بخجلٍ غريب، كأنها لا تدري كيف تجيب.
“ليس إلى هذا الحد….لكن أليكسي….لا علاقة له بما يحدث الآن. أعلم أنه كان يعقد صفقاتٍ مع أخي، لكنه لم يأتِ إلى الجزر سوى ثلاث أو أربع مرات….وكان ذلك منذ سنوات.”
جلست فانيسا مائلةً فوق طرف المكتب. و كان عليها أن ترتّب أفكارها قليلًا.
“يا نيسا—”
“فانيسا.”
ترددت ماريا قليلًا ثم فتحت فمها كمن اتخذ قرارًا.
“إذا كنتِ حقًا فوق سلطة القضاء في أشوكا….فهلّا….تعقدين صفقةً معي؟ لن تخسري شيئًا، أعدكِ. وبعد أن ينتهي كل شيء، سأسدد ثمن خطاياي بالكامل.”
“ثقتكِ بنفسكِ زائدة.”
قالت فانيسا ذلك بحدة، لكن ماريا لم تنكمش بسهولة.
“لا أظن ذلك. لقد جئتِ إلى أشوكا ومنذ شهرٍ وأنتِ تعودين بلا شيء. لن يكون الأمر سهلًا. العثور على بحّار ذي هويةٍ واضحة وخبرةٍ طويلة في أشوكا ليس بالأمر الهين.”
وكانت محقة. أرفين بذل جهده، ومع ذلك لم يكتمل الحد الأدنى من الطاقم اللازم لتحريك السفينة الشراعية.
وعند التفكير بالأمر، بدا وكأن سوء الحظ يلازمهم.
رغم أن الشروط كانت صعبةً قليلًا، إلا أن الأجر كان مجزيًا، و أرفين كان ذا سمعة طيبة بين البحارة.
في البداية تدفق المتقدمون، لكن قلّ من بقي حتى النهاية. فكثيرون وقّعوا العقود ثم اختفوا فجأة، وآخرون اعتذروا متذرعين بمرضٍ أو حادث.
ولم يكن أمامهم سوى الظن بأن الأمر مجرد تعصب ضد سيد عمل قادم من العاصمة.
“أهل الأرخبيل كلهم غواصون بارعون. حتى الأطفال يدخلون الكهوف البحرية دون معداتٍ ويتنقلون فيها للعب. أما البحارة الذين قضوا حياتهم فوق السفن، فكثيرٌ منهم إذا غاصوا في عمق البحر تجمدت أطرافهم أو فقدوا وعيهم.”
كانت ماريا تتحدث بثقةٍ فائقة، فنظرت إليها فانيسا من الأعلى وابتسمت ابتسامةً صغيرة.
“وماذا ستحصلين أنتِ؟”
“سمعتُ أن في حطام السفينة كنزًا هائلًا. نصفه….لا، حتى نصف النصف يكفيني. بذلك المال سيستطيع الأرخبيل أن ينفصل عن أشوكا ويستعيد مجده القديم.”
“كنزٌ هائل….لم أعلم أن مثل هذه الشائعة منتشرةٌ في أشوكا.”
يبدو أن ماريا سرقت أجهزة الاستكشاف لتغوص في الأعماق بنفسها لتحصل على الكنز. أما إيجاد سفينةٍ كبيرة بما يكفي لتركيب الأجهزة فكان مسألةً أخرى.
“حسنًا، الحلم مجانًا. لكنكِ تعرفين أيضًا أنني أبحث عن بحّار بلا سجل إجرامي. على الأقل لا ينبغي أن يكون مرتكبًا لجرائم كبرى.”
“يا فتاة.”
تنهدت ماريا تنهدًا مبالغًا فيه دلالةٌ على الضيق.
“نحن في أشوكا! أين ستجدين بحارًا بلا سجلٍ إجرامي في الشرق!؟ إن لم تكوني تريدين مبتدئًا صعد للسفينة لأول مرة أمس، فعليكِ أن تتخلي عن هذا الشرط بسرعة.”
فهزّت فانيسا كتفيها.
“شكرًا على القلق، لكنني أفضل أن أضع على سفينتي مبتدئًا على أن أضع قاتلًا.”
“نحن لسنا قتلة!”
“صحيح، أنتِ مجرد مهرّبة. لا أحد يعلم اليوم إلى يد من وصلت تلك المسدسات غير المرخصة التي جلبتها، ولا رأس من ستطيح به الآن.”
“لكن….لكن.…”
خفضت ماريا رأسها، وارتعشت قبضتها.
“لم نكن نريد أن نعيش كمجرمين. كل هذا بسبب ذلك الدوق المجنون!”
“هذه الفتاة….لا تزال لا تعرف.”
حقًا، قليلون في أشوكا من يعرفون وجه فيلياس.
وفي المستودع قبل قليل، كانت محاصرةً تحت رجالها فلم تفهم الوضع، وظنت أنه مجرد اكتشافٍ من قبل الحرس كما يحدث عادة.
نظرت فانيسا إلى فيلياس بطرف عينها، فكان لا يزال منكبًا على تفكيك أرضية الخزنة.
“ماذا….فعل الدوق بالضبط؟”
وفي اللحظة التي سألت فيها فانيسا،
خشخش-
استدار الجميع نحو صوت المعدن المتساقط على الأرض.
“دنانير ذهبية.…؟”
كان في قاع الخزنة المزدوج كميةٌ كبيرة من العملات الذهبية.
انحنى فيلياس والتقط إحداها، و رفعها نحو الضوء، ثم ابتسم ابتسامةً ملتوية.
“يبدو أنني كنتُ فتىً صالحًا هذا العام.”
تدحرجت واحدةٌ من القطع الذهبية حتى وصلت قدم فانيسا، فالتقطتها هي الأخرى.
“هذه.…”
كان واضحًا من النظرة الأولى. هذه ليست عملة الإمبراطورية.
عملة الإمبراطورية تحمل على وجهها ختم العائلة الإمبراطورية، وعلى ظهرها صورةٌ جانبية للإمبراطور الأول.
أما هذه القطعة فكانت أصغر قليلًا، وحوافها أكثر حدة، والأهم….أن ختمها يدل على أنها….
“هيرمان، استدعِ كل القادة. وأبلغ قائد الحرس أن يباشر تفتيشًا شاملًا لمنطقة السوق.”
“نعم، سيدي.”
“وأوه، خذ هذه واعتقلوها في المقر.”
وأشار إلى ماريا برأسه.
“سـ….سيدي…؟”
انتقلت نظرة ماريا من فيلياس إلى هيرمان ثم عادت إليه. وتمتمت وكأنها فهمت كل شيءٍ فجأة.
“أنتَ….أنتَ الدوق.”
“صحيح. وأنتِ خائنةٌ للدولة.”
أجابها فيلياس ببرود.
“خـ….خائنة.…؟ ماذا….يعني هذا؟”
ويبدو أن ماريا لم تدرك الوضع بعد.
“ماريا. كل هذه عملات سايروس.”
ومع كلمات فانيسا، شحب وجه ماريا.
عملات دولة معادية تتدفق من خزنة مهرّبة….يكفي هذا لاتهام جميع المتورطين بالخيانة والتخابر.
“لا….لا….نحن….لسنا.…”
ولم يضيع هيرمان وقتًا، بل اقتادها فورًا.
‘كنتُ أشعر أن الأمور ستكبر….لكن لم أتوقع هذا الحد.…’
و فكرت فانيسا بذلك وهي تنظر إلى القطعة الذهبية في يدها.
________________________
ضحكت فيلياس يومه يقول اني ولد جيد قصده حظه قايم 😭 يلبا الي يمدح نفسه
وذي ماريا ما امداها تجيها فرصه عنها ذي راسها بيطير✨
بس لحظه فانيسا ماحققت زود يوم ذي تقول ماشافوا اليكسي من سنوات بس كان يراسلونه صح؟ ولا ىش دراهم عن اسمها نيسا
المهم فيلياس ذا الي كان مشغول طول الوقت يفكك ذا الخزانه متى هو بعد ينادي فانيسا نيسا😔 ولا يخترع لها دلع هو بس يناديها به يقول فاني
التعليقات لهذا الفصل " 78"