سارت تنظر إلى ظهر فيلياس لوقتٍ طويل. وقد كانت خطواته بطيئة، وكأنه خرج في نزهة لا في مهمة تعقّب.
أتقن أرفين تتبّع مبعوث ساحة المبارزة، وتبعاه كلاهما نحو أطراف أشوكا.
وفي أثناء ذلك تغيّر المشهد من حولهم شيئًا فشيئًا؛ من مدينةٍ بحرية نابضة بالحيوية إلى شوارع صاخبة، ثم إلى أزقةٍ خلفية مقفرة.
تراصّت مبانٍ خشبية قديمة تحت سور لا تصله الشمس جيدًا، وامتدت درجاتٌ حجرية وأزقة ضيقة لتصل بهم إلى خارج الأسوار.
كان في كل زقاق رائحةٌ غريبة تشبه الأعشاب الطبية، وظهرت هنا وهناك متاجر بلا لافتات، مغلقة ومظلمة حتى يستحيل معرفة ما تبيعه.
صدر طنينٌ حاد، وصوت زجاج يتحطم قادمٌ من مكانٍ ما. فأمسكت فانيسا بيد فيلياس دون أن تشعر. و التفت إليها فيلياس معتذرًا.
“أعتذر….هذه المنطقة لا تزال….غير مرتّبة. كنت أود تنظيفها قبل مجيئكِ، لكن الظروف معقدةٌ قليلًا.”
“ليست سيئة إلى هذا الحد….فقط تفاجأتُ قليلًا.”
في مدينةٍ كأشوكا ذات السمعة السيئة، من الطبيعي أن توجد أزقةٌ كهذه.
“آنسة، يا سيدي الدوق. من هذه الجهة.”
كان أرفين يلوّح لهما من الأمام.
وصلوا إلى مخزنٍ خشبي متهالكٍ بلا نوافذ، وبابه مغلقٌ بقفل ضخم.
“شاهدتُ مبعوث ساحة المبارزة يخرج من هنا. ولكن….هل حقًا لا بأس بتجاهل الإجراءات؟ إن اقتحمنا ملكيةً خاصة هكذا فـ….”
تحدث أرفين، لكن يبدو أن كلامه لم يصل إلى فيلياس، الذي وقف عند الباب ووضع القفل بين يديه.
بوم-
تطاير شررٌ أزرق، ثم سقط شيءٌ ما على الأرض. و كان القفل قد ذاب تمامًا.
ثم فُتح الباب. كان داخل المخزن رطبًا وتنبعث منه رائحة العفن والماء المالح.
رفع أرفين مصباح الغاز وبدأ يتفحص البضائع المتراكمة في الأركان.
و وقفت فانيسا لحظةً تتأمل المكان. لم يكن المخزن كبيرًا. ولم يبدُ أنه مخصصٌ لإخفاء بضائع مسروقة.
وإن كان صندوقها حقًا هنا، فهذا يعني أن خطة السارق لم تكن محكمةً جدًا. وإن كان كذلك، فمن المرجح أن هناك آثارًا ما خلفها أثناء النقل.
اتجه بصر فانيسا إلى الأرضية الخشبية. و كانت عليها خدوشٌ ثقيلة، كأن شيئًا ضخمًا جُر فوقها.
قادتهم الآثار إلى خلف رفٍ كبير. وحين التفّوا حوله ورفعوا غطاءً قماشياً سميكًا، ظهر صندوقٌ خشبي ضخمٌ مخبأ بعناية.
“أرفين!”
أسرع أرفين وتفحص وثيقة الشحن.
“إنها بذلة الغوص التي طلبتِها يا آنسة. كانت هنا فعلاً. ولكن لماذا.…؟ لم أسمع قط أن ساحة المبارزة تتعامل بالمسروقات.…”
حينها—
“لا تتحركوا.”
طعطة-
استداروا نحو الصوت ليجدوا مجموعةً من الرجال الأقوياء يسدون المدخل.
وفي وسطهم امرأةٌ ذات شعرٍ أخضر، تُصوّب مسدسها نحو فانيسا. و كانت أسنانها الأمامية بارزة وحادة كحيوانٍ بري.
“السرقة قبل غروب الشمس، هاه؟ شجاعةٌ تُحسب لكم. ارفعوا أيديكم واخرجوا ببطء.”
‘لا تبدو كحرس المدينة….مرتزقة؟ أيعقل أنهم استأجروا مرتزقةً من أجل مخزن كهذا؟’
فكّرت فانيسا، لكن فجأة— دووم، أُغلق باب المخزن من خلف الرجال.
“ماذا….من الذي أغلق الباب؟!”
صرخ أحدهم بذعر.
“لماذا انطفأ الضوء؟! لا أرى شيئًا!”
وسط الفوضى سمعت فانيسا فيلياس يتمتم بصوتٍ منخفض.
“من الذي تجرّأ ووجّه سلاحه نحوها؟”
دوياًااان-
صدرت صرخة حادة، وصوت شيء اصطدم بالجدار بعنف. فتراجعت فانيسا خطوةً دون وعي.
“فيلياس؟”
فجأة، اشتعل الضوء من جديد دون سابق إنذار.
ثم شهق أحدهم. كان الرجال مطروحين أرضًا، لا يجرؤون حتى على رفع رؤوسهم، و أجسادهم ترتجف دون أن يفهموا ما الذي أصابهم.
أما المرأة ذات الشعر الأخضر فقد سقطت تعيسة الحظ تحت أجساد اتباعها دون قدرةٍ على الحركة.
“هل فزعتِ كثيرًا؟”
و عاد فيلياس إلى جانب فانيسا وسألها وهو ينظر إلى وجهها بقلق.
“لا….لم يكن هناك وقتٌ لأفزع أصلًا.…”
أجابت وهي لا تزال مذهولة.
ثم اقترب أررفين من المرأة الخضراء وانتزع السلاح من يدها. تفحص ماسورة المسدس،
“صنع في القارة الشمالية.”
“هذا مزعج.…”
نقرت فانيسا لسانها دون قصد.
كل الأسلحة النارية في الإمبراطورية تُصنع وتوزّع تحت رقابة العائلة الإمبراطورية.
ومنذ تأسيس الإمبراطورية لم تتفوق تقنيات القارة الشمالية العسكرية على تقنياتها، ولم تُستورد أسلحتهم يومًا.
بمعنى آخر، كان هذا المسدس القادم من القارة الشمالية بضاعةً مُهرَّبة أدخلها أحدهم خلسة.
“يبدو أن الأمر قد يتضخم أكثر مما اعتقدنا.”
لكن فيلياس لم يُجب. بل كان بصره ثابتًا على المرأة ذات الشعر الأخضر، وكأنه غارقٌ في فكرةٍ ما.
“….هل تعرفها؟”
“ماذا؟ لا، ليس هذا….فقط.…”
وفجأة— بوم، فُتح الباب الذي أُغلق سابقًا.
“يا لَلعجب….لم أتوقع أن يكون مُنقذِيّ مجرد لصوصٍ صغار.”
وقف بائع الفطائر جون جونسون عند المدخل المفتوح، و عضلاته المشدودة تتشنج بحدة تعكس غضبه.
“لم يخطر ببالي أبدًا أن تستغلوني في أمرٍ كهذا.”
“انتظر، لحظة فقط، يبدو أن هناك سوء تفاهم.…”
لكن قبل أن تكمل فانيسا كلامها، وقعت عينا جون جونسون على المسدس في يد أرفين، وعلى المرتزقة المطرحين على الأرض عند قدميه. فتغيّر وجه جون جونسون.
“أهل سايروس لا ينسون الضغائن.”
“لكن قبل قليل قلتَ أنها مَكرُمة!”
“ستدفعون ثمن خداعي.”
لم يعد هناك ما يمكن قوله دون أن يُعد تبريرًا.
“هل أتعامل معه بنفسي يا آنسة؟ سيُثير هذا الكثير من الضجيج.”
سأل أرفين وهو يقصد: هل يمكنه دفن جون جونسون هنا والانتهاء من الأمر؟ فأسرعت فانيسا وهزت رأسها بعنف.
“لا! إنه شخصٌ أنا من جلبته إلى هنا!”
‘لن يكون ذلك سوى ميتةٍ تافهة!’
فبحثت حولها عن أي حل يمكن استخدامه، لكن—
“آآااه!”
انطلق جون جونسون صارخًا واندفع نحو أرفين الذي كان ممسكًا بالمسدس.
“ألا يحترمون كبار السن في السياروس؟!”
عندها تقدم فيلياس.
“فيلياس، انتظر، لا تؤذه—!”
لكن فيلياس تقدم بخطواتٍ ثابتة ودفع أرفين جانبًا بساعده. سقط أرفين أرضًا في ذهول، بينما غيّر جون جونسون هدفه فورًا وانقضّ على فيلياس.
بووم!
دفع جون الأرض بقوةٍ وقفز بخفةٍ رغم ضخامته، منطلقًا كالرصاصة. فأغمضت فانيسا عينيها بفزع.
لكن—
“؟!”
ارتفع جسد جون جونسون الضخم في الهواء فجأة. للحظة ظنت أنه بفعل قوة خارقة، لكنه لم يكن كذلك.
دووم-
كان فيلياس قد أمسكه من ياقة عنقه ورماه أرضًا بقوة.
“….ما هذا؟”
تجمّد الجميع في المخزن يحدقون في فيلياس.
و نفخ فيلياس قليلًا وهو يُرجع خصلات شعره التي بعثرتها الحركة. ثم سار نحو جون جونسون الممدد على الأرض واقترب من رأسه.
ونظر إليه من أعلى و تحدّث بنبرةً هادئة،
“الآنسة تقول….أنه مجرد سوء فهم، أليس كذلك؟”
تحول وجه جون جونسون إلى لون أحمر فاقع من شدة الغضب.
“لا….لا تسخر مني!”
قفز واقفًا واتخذ وضعيةً قتالية ثابتةً حتى لغير المختص.
‘كما توقعت….إنه البطل نفسه. إن حضوره طاغٍ بالفعل.’
بدأ جون جونسون يدور حول فيلياس ببطء، فيما بقي فيلياس ينظر إليه بلا مبالاة.
ومع صرخةٍ قوية، وجه جون جونسون لكمةً مباشرة. لكن فيلياس مد يده اليمنى بهدوء، ولمس طرف ذقنه بطرف أصابعه.
ثم—
كوااااااك!
فقد جون جونسون توازنه وارتطم بالأرض مرة أخرى.
“…….”
هذه المرة بدا أنه فقد إرادته كليًا. و بقي البطل ممددًا على الأرض يلهث بعمق.
“هل تأذيتَ؟”
سأل فيلياس. ولم يكن في صوته ذرة اضطراب رغم أنه أطاح برجلٍ بالغ مرتين.
فهزّ جون جونسون رأسه بذهول من السؤال غير المتوقع. ثم التفت فيلياس إلى فانيسا مبتسمًا.
“يقول أنه لم يتأذَّ.”
و رفعت فانيسا أطراف شفتيها بصعوبةٍ لتبتسم له.
“وآه….عملٌ رائع.…”
“سيبدأ الناس بالتجمع قريبًا. من الأفضل أن نغادر ونترك التعامل مع الأمر لحرس المدينة.”
قال أرفين ذلك وهو يراقب الخارج من عند الباب.
عندها صرخ جون جونسون فجأة.
______________________
خلاص ياخي قالوا لك سوء فهم😂 بعدين ليه فيلياس مايقوله انا سيد اشوكا وتنتهي القصه
وضعهم يضحك فيلياس ماغير يفجر الرايح والجاي ويخلص الهدّه بسرعه حتى فانيسا كاعندها وفت تستوعب وش صاير
والحين المجنون يبي يوريها انه مب عربجي يوم خلص تكسير قال ماتأذّى😭 ويعاين فانيسا اظن ينتظرها تصفق له؟ ولا تقول يانااااااااااس ورعي الشاطر مايكسر الناس 😔🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 76"