“وفوق كل ذلك.…”
“نعم؟”
“الأمر مزعجٌ فحسب. فالمسافات بين الجزر بعيدة، ولكي نصل إلى مدى فعّالٍ علينا أن نتحرك بالسفن واحدةً تلو الأخرى.”
“…….”
“ثم إن مات جميع أولئك الحكام فسأضطر لتولي أعمالهم أيضًا، أليس كذلك؟”
“نعم….هذا صحيح.…”
أخيرًا انتهى القياس. فأخذ الخياط نفسًا مرتاحًا وبدأ يدون بعض الملاحظات على لوحه.
و اختارت فانيسا ربطة عنقٍ من اثنتين وناولتهما لفيلياس. فنظر إليهما بصمتٍ قليلًا قبل أن يسأل،
“وهل….هذا أيضًا من صيحات هذا الموسم؟”
“لا، هذا فقط ذوقي الشخصي. أعتقد أن الكرافات ستناسبكَ أيضًا، لكن يبدو أن هذا النقش.…”
ثم اتسعت عيناها فجأة. و تذكرت أن فيلياس —طوال معرفتها به— لم يرتدِ شيئًا حول عنقه قط.
‘كيف لم يخطر ببالي هذا منذ البداية؟ يا لي من غبية…..’
“أ….لا تحب ذلك؟ أعني….لا تحب أي شيءٍ يضغط على عنقكَ؟”
ترددت لأنها تعرف ما حدث له وهو في السادسة من عمره. و ربما فهم نظراتها، فمسح بخفة خصلة من شعرها جانبًا وهمس باسمها،
“فانيسا، لا أحد في هذا العالم ينظر إليّ بتلك الطريقة…..سواكِ.”
‘بتلك الطريقة.…؟’
انزلقت يده من شعرها إلى كتفها ثم على ذراعها، وأخيرًا أخذ ربطة العنق من يدها. و لامس الحرير الناعم أطراف أصابعها مثيرًا قشعريرةً خفيفة.
وبينما يحافظ على تواصل نظراته معها، بدأ فيلياس يربط الربطة ببطءٍ متعمد. ثم أخذ يدها ووضعها فوق العقدة المرتخية.
“هلّا تساعدينني؟”
ترددت قليلًا ثم شدّت العقدة برفق. وحين لامست يدها عظمة ترقوته البارزة انفرجت شفتاه قليلًا.
و انتقلت الربطة المشدودة لتستقر على ياقة القميص المصقولة. فساورها شعورٌ غريب…..كأنها تمسك بطوقه.
“أيمكنني أن أخمن ما تفكرين فيه الآن؟”
قال فيلياس ذلك بعينين نصف مغمضتين. فسحبت فانيسا يدها سريعًا.
“….لا حاجة لذلك. كنتُ أفكر فقط….أنكَ تشبه كلبًا مطيعًا.”
قالت ذلك بنبرةٍ ساخرة، لكن نظرته ظلت مطاردةً لها بلا رحمة.
“لكنه وصفٌ دقيق.”
“ليس صحيحًا على الإطلاق.”
ثم همس بأنفاسٍ خفيفة وهو يشد العقدة قليلًا.
“إنها خانقةٌ بعض الشيء. لكن بما أنها تعجبكِ….سأتحمل.”
“ليس عليكَ أن-”
“ألستُ سهل التعامل؟”
قال ذلك فجأةً كأنه يمزح.
‘لا. أنتَ أصعب شخصٍ في حياتي.’
ققالت ذلك لنفسها فقط.
***
حين خرجا إلى الشارع كان الوقت ما يزال من بعد الظهيرة. و كانت الحركة مزدحمةً كعادتها.
ومن ازدحام سوق المتاجر الفاخرة بدا واضحًا أن أشوكا ليست مبالغةً حين يقال أنها أغنى مناطق الإمبراطورية.
“إلى أين ستذهبين الآن؟”
سأل فيلياس وهو يرفع المظلة فوق رأسها.
“إلى مكتب البريد أولًا. لم يصلني جواب رسالة الاطمئنان التي أرسلتها إلى سوريغا بعد، فأردت التأكد بنفسي.”
“إذًا من الأفضل أن نمر عبر هذا الزقاق.”
سارت فانيسا إلى جانبه وهي تتأمل وجهه. فحين لا ينظر إليها، يصبح أكثر برودًا وجفافًا من أي وقت.
“ألا يزعجكَ الأمر؟”
سألته عندما دخلا الزقاق الضيق بين مخبز ومقهى. فرمش فيلياس مؤكدًا أنه لم يفهم.
“ما قالته فرانسيسكا عني وعن مايسون. أظنني لم أبرر لنفسي بعد.”
الكلام عن أن مايسون واقعٌ في حبها، وأنه قد تقدم لخطبتها….أشياء تعرف أن فيلياس كان سيتضايق منها عادة.
ثم مرّ عاملٌ يحمل كيس طحينٍ ضخم قربهما وهو يترنح.
“أوه! انتبها!”
صرخ العامل. فوضع فيلياس ذراعه حول خصر فانيسا وسحبها نحوه بخفة.
“شكرًا. يمكنكَ تركي الآن.”
“حسنًا.”
قال ذلك، لكن يده بقيت على خصرها.
تساءلت إن كان عليها إبعاده، لكنها رأت أنه لا داعي للقلق بشأن نظرات الناس في مكانٍ كهذا.
وفعلًا، بعد عبور بضعة أزقة إلى أن وصلا إلى منطقةٍ سكنية شعبية، كان من المعتاد رؤية الأزواج الشباب يسيرون متلاصقين تمامًا.
و هنا، سيبدو الاثنان كأي عاشقين عاديين.
‘عاشقين.…؟’
شعرت فانيسا بوخزٍ لطيف في صدرها وهي تعبث بأطراف شعرها.
“أما عن جواب ما قلتِه قبل قليل.…”
ثم قطع فيلياس الصمت فجأة.
“فكرتُ أنه ربما يجدر بي أن أكون….أكثر دهاءً. أعني….أن إظهار الغيرة والتدقيق في كل صغيرةٍ وكبيرة سيبدو….قبيحًا.”
“واو….الجملة التي قلتها الآن لا تشبهكَ أبدًا.”
فابتسم فيلياس.
“أنا بطبعي بليدٌ في مثل هذه الأشياء. لا أعي جيدًا كيف أبدو للآخرين. لكن….لا مفر. لا أريدكِ أن تمقتيني.”
“…….”
“ثم….بصراحة، سيكون الأمر مثيرًا للشفقة. أعني….أن أغار من طفلٍ صغير.…”
“إذا كنتَ تقصد مايسون، فنحن متقاربان في العمر.”
“إذاً لا داعي أن أغار من شاب مناسبٍ في سنكِ. ثم إنكِ الآن….تخصّينني بهذه العناية.”
ثم مال وقبّل جبينها قبلةً خفيفة.
“….لكن، فقط للتوضيح، ما حدث كان عندما كنتُ في السابعة. لا يمكن حتى تسميته طلب زواج. إنه مجرد صفحةٍ سوداء في تاريخي وتاريخه.”
وقبل أن يقول فيلياس ما كان يريد قوله، دوّى هتافٌ كبير من طرف الزقاق.
و كان الناس يتحركون بحماسٍ نحو الاتجاه نفسه.
“ساحة القتال! أليست هذه ساحة القتال؟!”
فصرخت فانيسا وهي تمسك بيد فيلياس وتسحبه معها.
كان يبدو غير راغب، لكنه ابتسم في النهاية عندما رأى حماسها الجارف، وترك نفسه يُقاد بخطواتها.
***
ساحة القتال في أشوكا لم تكن كما تخيلتها فانيسا إطلاقًا.
المبنى الخشبي ذو الطابقين في وسط شارع المتاجر بدا أشبه بحانةٍ صاخبة ضخمة. و من خلف الأبواب كان يمكن رؤية الناس يضحكون ويشربون البيرة بصخب.
كانت هناك منصةٌ عريضة في منتصف القاعة، وصفّان من المقاعد على الجانبين.
“هذا مختلفٌ تمامًا عما توقعت. كنت أظن أن هناك معارك حياةٍ أو موت في قبوٍ مظلم..…”
و لم يُجب فيلياس. بل بدا متهالكًا قليلًا.
“أأنتَ بخير؟”
“الناس….كثيرون جدًا….الأمر….يزعجني.…”
“حقًا؟ يا إلهي….كنت أرغبُ في المشاهدة.…”
“….لا تنظري إليّ بتلك النظرة. أنتِ تعلمين أنني لا أستطيع رفضكِ.”
“مم؟ أي نظرة؟ ما النظرة التي تتكلم عنها؟”
عندها ناداها صوتٌ مألوف.
“آنسةاااه! نحن هنا!!”
“نيكولا؟”
كانت هناك ثلاثة وجوهٍ مألوفة تجلس في المدرجات: كبيرة الخادمات صوفيا، والفتاة ريا، ونيكولا.
“يا إلهي، حتى الدوق جاء معكِ؟ لم أتوقع رؤيتكما هنا!”
قالت صوفيا ذلك وهي تفسح لهما مكانًا. فجلست فانيسا في مقعد داخلي، وأجلست فيلياس — الذي بدا عليه عدم الرغبة — في أقصى الزاوية.
تبادلتا نيكولا وريا النظرات الفضولية معهما، فابتسمت فانيسا بابتسامةٍ محرجة وسألت،
“هل خرجتنّ سويًا في نزهة؟”
هزت نيكولا رأسها بحماس.
“لمحتُ فرصة إجازةٍ مفاجئة، فخرجنا لنتمشى، وتبيّن أن هاتين الاثنتين أيضًا في يوم عطلة! قالوا أن هناك مباراةً ممتعة اليوم، لكن لم أتخيل مكانًا كهذا!”
و قدمت صوفيا كوبًا ورقيًا مليئًا بالكرز،
“هذه من وسائل الترفيه السليمة في أشوكا. يقولون أن القراصنة الذين فقدوا مصادر رزقهم هم أول من بدأها، واليوم لها قواعد، وليست خطيرة كما تبدو. لكن دعيكِ مني….أنتما يا فتيات، ألا تواعدن أحدًا؟ الجو جميلٌ واليوم عطلة…”
“آه، بدأَت ثرثرتها.…”
تذمرت نيكولا، بينما احمرّ وجه ريا وهي تضحك.
“يجب أن يوجد شخصٌ لأواعده أولًا.”
“أوه، ولماذا لا يوجد؟ هناك الكثير من الشباب في الحامية. وحتى لو خرجتن إلى شارع كليمان، ستجدن ضباط بحريةٍ وسيمين في كل زاوية!”
فشهقت ريا وكأنها تلقت ضربة.
___________________
يانه ريا شكل توها مراهقه؟
ونيكولا رزقس شان في القصر قدامس تدورين ليه؟ اهجدي 😘
فيلياس يجنن حتى مع رهابه يتبع فانيسا ياناسو🤏🏻
وفانيسا تدنن وهي تسحب كل ذا الجثه معها 🤏🏻 توخر رهابه عشان يطلعون مع عيالهم🤏🏻
المهم شفتوا ورعي فيلياس المتربي؟ مايقول لا الدْبح واجد مايصلح لاااا يقول مايبي يسوي مجزرة عشان مايكثر الشغل😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 74"