و فكرت فانيسا بذلك وهي تتكئ على الكرسي وتقلب صفحات مجلة أزياء.
كان صحيحًا أنها هي من أحضر فيلياس إلى هنا، لكن السبب لم يكن الملابس وحدها. فمنذ الفوضى التي حدثت في جزيرة موري، ظل فيلياس في حالة توترٍ مستمرة.
ومع التدريب القاسي والجولات المتواصلة، صار جنود الحامية يعيشون في انضباطٍ يكاد يشبه الإرهاب.
حتى قيادة الأسطول الشرقي—التي كانت تُسمّى يومًا “مقبرة الجيش الإمبراطوري”—لم تكن أفضل حالًا، فقد بدأ التذمر يتصاعد فيها أيضًا.
القادة الذين سعدوا أخيرًا برؤية الدوق يؤدي مهامه بجدية، صاروا بعد أسبوع….وبعد أسبوعين، يبحثون عن سوريل بوجوهٍ شاحبة.
وحين بلغ الأمر حدّه، جاء سوريل إلى فانيسا متوسلًا أن تأخذ فيلياس معها إلى أي مكانٍ بعيد.
كانت تلك أول مرةٍ تراه يرفع صوته على فيلياس.
“أيُسمّى هذا تدريبًا بدنيًا برأيكَ، ها؟! هل تظنهم كلهم مثل سموّك؟! على الأقل دع الأولاد ينامون قليلًا!!”
ثم أغلقت فانيسا المجلة. وأرسلت الخياط—الذي صار لا يفعل سوى العبث بالخيوط محبطًا—إلى الخارج قليلًا.
“فيلياس، ماذا قلتُ لكَ قبل أن أدخل هنا؟”
“….أن أتحدث بلطف؟”
“غير هذا.”
“…….”
تدحرجت عيناه إلى الجانب ببطء. فرفعت فانيسا حاجبها.
“عندما تحدث مشكلة….لا تتخذ قرارًا وحدكَ. واشرح لمن حولكَ أيضًا….”
تمتم بذلك فيلياس على مضض.
“بالضبط.”
أومأت فانيسا. فنظر إليها فيلياس لحظةً في صمت، ثم اقترب بخطواتٍ ثقيلة وانحنى نحوها.
“……؟”
و عندما رمشت بدهشة، نقر بإصبعه على شفتيه بخفة.
فضحكت فانيسا قليلاً ومسحت جفنه الأبيض بأطراف أصابعها. و أغمض هو عينيه طواعية. وعندما طبعت قبلةً خفيفة على شفتيه، جلس بجانبها وهو يهبط بثقله قربها.
فدفعت يده التي حاولت أن تطوّق خصرها، ثم سألته،
“قلتَ أن تفتيش جزيرة موري انتهى. و أنكَ تأكدت من القضاء على الفارين أيضًا. فهل هناك ما يزال يزعجكَ؟”
و لم يجب إلا بعد صمتٍ طويل.
“ما فعلوه….كان جريئًا أكثر مما يمكنهم الإقدام عليه. ثم إنهم لم يكونوا يجهلون أن تسميم الدوق لن يجلب لهم أي منفعة.”
“تقصد أن وراءهم جهةً ما؟”
“في الوقت الحالي….مجرد حدس.”
‘جزر السرايا….’
منذ أن وصلت إلى أشوكا، بذلت فانيسا جهدها في البحث عن معلوماتٍ حول الجزر.
جزر السرايا هي ست جزر—أصبحت خمسًا الآن—منتثرةً كالبقع في بحر أشوكا الشمالي.
كان حصن أشوكا قد بُني أصلاً لردع إمبراطورية سانت في الشمال. ولذلك كانت حوادث السلب والقتل ضد السفن الأجنبية في البحر الشمالي أمرًا يغض الطرف عنه ضمنيًا.
وقد راكم زعماء القراصنة—الذين اتخذوا من الجزر قواعد لهم—ثرواتٍ ضخمة بعدما سيطروا على طرق التجارة مع الشمال لسنوات طويلة. لكن الزمن تغيّر، وسقطت إمبراطورية سانت.
ومع ازدهار التجارة مع القارة الشمالية، صار النهب محظورًا بالقانون. وهكذا وجد زعماء الجزر أن مصدر رزقهم قد انقطع، فثاروا احتجاجًا.
وكانت تلك خلفية مقتل أسرة البارون سوريل.
“بالمناسبة، لطالما تساءلت….كيف فعلتها؟ أعني، كيف أخضعتَ الجزر قبل ست سنوات؟ يقال أن زعماء الجزر محاربون أشداء وماهرون في الإبحار، حتى أن الاقتراب من سواحلهم يكاد يكون مستحيلًا.”
“وماذا يقولون في العاصمة؟”
“الكثير من الشائعات….لكن لا أحد يعرف الحقيقة. أما ما سمعته أنا….فهو أنكَ سيطرتَ على مصدر مياه الشرب في الجزر ودخلتَ بلا قتال….وفي النهاية عقدتَ معهم اتفاقًا….”
“وهل يبدو هذا شيئًا قد أفعله أنا؟”
“….لا. لكن من يدري؟ فأنا لا أعرف كيف تكون في ساحة القتال.”
فأمال فيلياس رأسه قليلًا.
“لا أختلف كثيرًا عن طبيعتي المعتادة.”
“إذًا….ما الذي حدثَ فعلًا؟”
“حسنًا….قبل أن أخبركِ….دعيني أذكّركِ بأنني كنتُ….في الثامنة عشرة آنذاك. وأن الرجال في ذلك العمر….قد يبلغون حماقةً لا حدّ لها.”
‘يا ترى ما الذي ينوي قوله بالضبط.’
“أولًا….القول بأنني دخلت دون قتال….نصفه صحيح. بعد مقتل أسرة سوريل عاشَت أشوكا في فوضى كاملة. وزاد القراصنة تغوّلًا وجنونًا….حتى اضطرت القارة الشمالية في النهاية إلى إيجاد طريق تجارةٍ جديد.”
“وبالتالي لم يعد هناك سفنٌ ينهبونها.”
و أومأ فيلياس.
“عندما وصلتُ لأول مرة….كانت أشوكا مكانًا يموت فيه الناس جوعًا كل عام. والجزر كانت أسوأ. وكان زعماؤها جميعًا ينتظرون من البلاط الإمبراطوري أن يمدّ لهم يد التفاوض….وفجأة….يصلهم الأخ الأصغر للإمبراطور، طفلٌ غضّ، جاء يتصرف كأنه الحاكم الجديد. أذكر أنهم كانوا….في غاية الحماس.”
كان ذلك متوقعًا، فلابد أنهم ظنّوا أنهم قادرون على العبث به كما يشاؤون.
ثم تردد فيلياس قليلًا وكأنه ينتقي كلماته بعناية.
“لكن سرعان ما….لنقلها بصورةٍ أكثر لباقة….أدركوا أنني لستُ شخصًا يمكنهم التفاهم معه….كما أنهم….اكتشفوا ذلك متأخرًا قليلًا. أكرر، كنتُ في الثامنة عشرة حينها….وكنتُ آنذاك أكثر….بكثيرٍ مما أنا عليه الآن.”
تلعثم فيلياس لحظة، ثم رفع يده وطرق بإصبعيه على جبهته بخفة.
“كنتَ خارج نطاق الوعي.…؟”
“صحيح.”
فابتسم فيلياس لفانيسا ابتسامةً واسعة.
“على أية حال، استسلم معظمهم، وبعضهم فضّل أن يموت وهو يقاتل….فلبّيت رغبتهم. هذا كل شيء. قصةٌ تافهة، أليس كذلك؟”
“إذاً لماذا يفتعلون الاضطرابات مرارًا؟ ما الذي يريدونه بالضبط؟”
“لنُنْهِ هذا أولًا. لا يمكن أن نضيع وقتنا كله في مثل هذه الأمور.”
قال فيلياس ذلك وهو ينظر إلى القميص الذي كان الخياط يعدله عليه.
ثم عاد الخياط بعد قليل وأنهى عمله، وبينما كان منشغلًا، شرح فيلياس لفانيسا صورةً عامة عمّا يجري.
وباختصار، كانت الحقيقة كالتالي: أن أرخبيل السراق ليس مكانًا صالحًا لاستقرار الناس، فهم يعتمدون على البر الرئيسي في كل شيء، من الماء الصالح للشرب إلى المؤن.
ومع ذلك، فإن بعض أسياد الجزر يطالبون بالاستقلال عن أشوكا. ورغم ذلك، فإنهم لا يستجيبون حين يتم استدعاؤهم للتفاوض.
بمعنى آخر، ففصيل “الاستقلال” ليس سوى مجموعةٍ من العصابات التي تتذرع بالمبادئ لتبتز الذهب.
حتى الآن كان مساعدو فيلياس يتعاملون معهم بليونة؛ يخفضون لهم الضرائب قليلًا أو يمدّون لهم بعض الإمدادات، فيهدأون ويعودون إلى جحورهم.
لكن شان كان مختلفًا قليلًا؛ فمنذ لحظة تعيينه وهو يصر على ضرورة سحق الأرخبيل بأكمله.
كان يرى أنه يجب قطع رؤوس أسياد الجزر وإدخال من يقدّم الولاء للسيّد إلى الأراضي التابعة للبر الرئيسي فقط.
“لم أتوقع أن يكون بتلك الحدة.”
قالت فانيسا ذلك وهي تتفحص ربطة عنقٍ في المعرض.
“شان جشعٌ قليلًا. لكن الفضل له في أنه يعمل بجد. و مؤخّرًا فقط بدأ يتعالى قليلًا.”
و قال فيلياس ذلك وهو يغلق زرّ كمّ قميصه.
“ولماذا لم تُقبل مقترحاته؟ تبدو لي منطقيةً إلى حدٍّ ما.”
“ربما تبدو هكذا بالنسبة لكِ. لكن بالنسبة لي….هم ليسوا خطرًا كبيرًا. صحيحٌ أن ما حدث مؤخرًا كان مزعجًا، لكن الجزر الخمسة الأخرى ما زالت ذات فائدة.”
“فائدة؟”
“لا أحد يرغب بأراضٍ يمرح فيها سادة القراصنة. ثم كما تعلمين….البلاط الإمبراطوري لا يزال يلقبني بصاحب أرخبيل السراق. وكأنني….أحمي الحدود وأذود عن الإمبراطورية. بهذه الحجة استطعتُ انتزاع الكثير….من أرتور.”
“من جلالة الإمبراطور نفسه؟”
“لا توجد إمارةٌ في الإمبراطورية تتمتع بحرية التدخل الإمبراطوري القليل مثل أشوكا. وهذا ما سهّل علينا إدخال رؤوس الأموال الأجنبية. و المساعد المتعجل ما زال غير راضٍ عن ذلك كله، على ما يبدو.”
وبالفعل، كانت أشوكا أقل تقييدًا من غيرها فيما يخص الأنشطة التجارية، وكان الحصول على التراخيص فيها أبسط، كما كانت الضرائب المركزية منخفضة، مما جعل الرسوم المفروضة على السفن التجارية زهيدة.
حتى الآن كانت فانيسا تعتقد أن ذلك مجرد امتياز يُمنح للمقاطعات الشرقية القاحلة. لكنها اكتشفت الآن أنه ثمرة مفاوضاتٍ مع الإمبراطور نفسه.
‘ما هذا….لقد كان يقوم بعمله على أكمل وجهٍ فعلاً….’
_______________________
هنا فانيسا مستغربه ان فيلياس صدق يسوي شغله الي مافهمت وشهو اصلا 😘
الي فهمته ان شان الي خايف من فيلياس بعد هو مجنون زيه✨ على طاريه اطالب بمومنتات له مع نيكولا😂
وسوريل يضحك مدري هو يشبك فانيسا وفيلياس ولا شايفها مهدي لفيلياس😭
المهم فيلياس وفانيسا اذا قعدتوا لحالهم تناقشوا في العرس ليه ذا السياسه ووجع الراس😔
التعليقات لهذا الفصل " 73"