في ذلك الوقت حين كان ما يزال الإمبراطور الحالي وليًا للعهد، كان يشبه فريدريش إلى حد يبعث على الدهشة.
وعلى خلاف فريدريش الذي كان دائمًا مشرقًا نضرًا، كان لهذا الشاب طابعٌ أكثر حدّة يشبه حدّ السيف.
وكان من الممكن تفهّم السبب الذي جعل إيفانجلين تخلط بينهما.
و ظنّت فانيسا أن الإمبراطور السابق سيغضب، لكنه اكتفى بهزّ رأسه ساخرًا.
“انظروا إلى هؤلاء الأمراء، لا يعرفون سوى الترقّب بعيونٍ متخبّطة. كفّوا عن هذه الألاعيب أمامي. على أيّ حال، أنا عازمٌ على أخذ هذا الصغير إلى القاعدة الأمامية.”
وعندما قال “هذا الصغير”، أشار بذقنه إلى أصغر أبنائه.
“إنه لا يزال في السادسة فقط!”
فصرخت إيفانجلين.
ولم يُعلَم إن كان صراخها بدافع القلق على أخيها الصغير أم بدافع استياءٍ من أمرٍ آخر.
فرمقها الإمبراطور السابق بنظرةٍ باردة.
“في مثل هذا العمر يستطيع أن يفهم الكلام جيدًا. ليس مثلكِ. لو لم تكوني موجودةً هنا لقال شيئًا ذا فائدة الآن. نعم….بعكسكِ تمامًا.”
لم يشر الإمبراطور السابق إلى الضماد الملفوف حول عنق فيلياس، لكن إيفانجلين خفضت بصرها وقد ارتجفت.
فأطلق الإمبراطور السابق نقرةً مستاءة بلسانه.
“ما دمتِ تثيرين كل هذا الجنون، فعليّ على الأقل أن أصنع من هذا الطفل شيئًا يمكن الاعتماد عليه. تباً….ما من أحدٍ في العائلة الإمبراطورية يمكن أن أئتمنه على ساحة الحرب. يبدو أن حظّ البلاد قد نفذ فعلًا.”
يصنع منه شيئًا يمكن الاعتماد عليه؟
عضّت فانيسا على أسنانها دون أن تشعر.
ما خطب هؤلاء البشر؟ هذا الطفل….رغم ما مرّ به….
في تلك اللحظة، أعلن الخادم الواقف خارج الباب وصول الزائر.
“جلالتك، لو تأذن لأحد بالدخول أثناء الاجتماع العسكري، أليس كذلك؟”
فأجاب باستيان بضجر،
“دعه يدخل.”
“لكن يا جلالة الإمبرا—”
“وأيّ اجتماعٍ عسكري هذا ونحن نهدر الوقت في هذا الهراء؟ تبا، ما هذا الإضاعة للوقت.”
وبعد قليل، دخل زائرٌ غريب إلى قاعة الاجتماع.
كان شابًا جميل المظهر ذا شعرٍ أسود بملامح وديعة بعض الشيء، وتوحي ملابسه بأنه ينحدر من طبقةٍ أرستقراطية عالية.
كان يبدو متوتّرًا قليلًا من أجواء القاعة، لكنه بذل جهدًا ليثبّت نظره على الإمبراطور السابق.
“أحيّي جلالة إمبراطور إمبراطورية لان العظمى، أنا دانُو، أمير مملكة أون.”
“حسنًا….مضى وقتٌ طويل. ما الذي أتى بكَ إلى هذا المكان البعيد؟”
سأله الإمبراطور، لكن فانيسا شعرت بأنه كان يعرف مسبقًا ما يجول في ذهنه.
“أرجو المعذرة يا جلالة الإمبراطور، لقد جئتُ للحصول على جوابٍ قاطع بشأن قوات الدعم التي وعدتم بها. أتحدث باسم العائلة المالكة في أون.”
وعند هذا الكلام، التفتت أنظار أرتور وباستيان معًا إلى أمير أون. وبدت في عيونهما نظرة ازدراءٍ خفية.
و ضحكت إيفانجلين بخفة، غير مصدّقة، بينما أسند فيلياس ظهره إلى كرسيه وكأنه مرهقٌ للغاية.
“يبدو أن الحرب الأهلية في بلادكم قد ازدادت سوءًا، وهذا ما دفعكَ إلى القدوم بنفسكَ طلبًا للمساعدة.”
ابتسم الإمبراطور ابتسامةً مائلة. فهزّ أمير أون رأسه بحزم.
“ليست حربًا أهلية….بل تمرّد….لا، خيانة سافرة.”
“هذا مجرد لعبٍ بالكلمات.”
قطع الإمبراطور كلامه، فعضّ الأمير على أسنانه.
وبينما همّ بالاعتراض، وقع بصره على فيلياس، فاتّسعت عيناه.
“إنه….يشبه ابنة عمّي بحق….أعذروني. هذه أول مرة أرى فيها الأمير الصغير وجهًا لوجه.…”
“أجل. لقد ورث أشياء كثيرة مفيدة من ابنة عمّكَ.”
أجاب الإمبراطور السابق بلا مبالاة، ثم أومأ لأرتور. و نظر أرتور إلى أمير أون بعينين في غاية البرود،
“كما شرحنا لوفدكم السابق، الإمبراطورية في حالة حرب. ومملكة أون حليف، صحيح….ويمكن تقديم بعض المساعدة لها، لكن ذلك من باب المودّة لا أكثر. لسنا ملزمين بإنقاذكم.”
“لم أقل أنكم ملزمون! لكنكم لا تمنحون جوابًا واضحًا ونحن في حاجة ماسّة للعون.…”
“سمعت أنكَ تلقيت بالفعل بعض الدعم من الإمدادات العسكرية.”
“صحيحٌ يا صاحب السمو ولي العهد. ونحن ممتنون لكرم الإمبراطورية. ولكن ما نحتاجه بشدّة….هو.…”
“القوة، طبعًا.”
تدخّل باستيان متعاليًا.
“تريدون قوةً تسحقون بها قوى الثورة، أليس هذا ما تعنيه؟”
“ثـ….ثورة؟ هذا تعبيرٌ غير لائق.…”
“ما هو لائق وغير لائق تحدّده الإمبراطورية. وتعرف ذلك جيدًا، أليس كذلك؟”
“كفّ عن هذا يا باستيان. سيُغمى على الأمير.”
فابتسم باستيان ابتسامةً ساخرة عند كلام أرتور.
و الأمير الذي كان واقفًا كأنه مغروسٌ في الأرض تابع الحديث بصوتٍ واضح مرة أخرى.
“ابنة عمي….وإن توفيت صغيرة السن، فقد كانت إمبراطورةً للإمبراطورية. ولا تظنّون أنكم قادرون على إنكار أن زواجها كان تحالفًا بيننا.”
ساد الصمت لوهلةٍ في القاعة.
“لن أنكر ذلك. ويبدو….أنكَ أكثر جرأةً مما كنتُ أسمع. فقد قالت ابنة عمكَ أنكَ أوضع من كلبٍ مسعور.”
فارتجفت شفتا الأمير.
“ماذا….ماذا قلتَ؟”
“هذا ما قالته ‘الإمبراطورة’. لقد هدّدتني، وقالت أنها لن توقّع عقد الزواج ما لم أوافق على عدم إرسال قواتٍ لمساندة ابن عمّها. على أيّ حال، تزوجتُ من قريبتكَ، ولم أتزوج مملكتكم. آه…|ولستُ واثقًا إن كان يجوز بعد اليوم أن تُسمّى مملكة.”
كان صدر الأمير يعلو ويهبط من الغضب.
“تلك….تلك الخائنة الناكرة للجميل.…”
أشار الإمبراطور بيده، فاقترب الخادم يريد مرافقة الضيف إلى الخارج. لكنّ عيني الأمير تلألأتا فجأة.
“إذًا….إذًا سأخذ هذا! على الأقل هذا!”
وكان ما أشار إليه هو فيلياس نفسه.
“هاه.”
فارتفع حاجبا الإمبراطور.
و تابع الأمير وقد استبدّ به الانفعال،
“لقد ورث قدرة شيريو، أليس كذلك؟ كما كنتم ترغبون تمامًا! إذًا عليكم الآن دفع الثمن! ثم إنه….إنه قريبٌ لي أيضًا، ولي الحق….في استخدامه.”
“يا للجرأة.”
كانت المتفوهة بهذه الجملة بنبرةٍ منخفضة مهدّدة، وعلى غير المتوقع….إيفانجلين.
كانت حيويتها ولهجتها الطفولية قد اختفت تمامًا، وحلّ محلها بريقٌ جليدي لامع في عينيها.
“ثمن؟ وتجرؤ على قول هذا في حضرة من؟ لابد أنكَ تعلم أن بلدكَ التافه يمكن أن يُمحى بأصبعٍ واحدة!”
فشحب وجه الأمير حتى صار أزرق اللون.
“إيفانجلين.”
و قاطعها الإمبراطور، ثم وجّه للأمير نظرةً متعجرفة، وقد علت شفتيه ابتسامةٌ مائلة لا تخلو من المتعة.
“إذاً لنفعل الأمر هكذا. ما دام قريبكَ حاضرًا هنا، فلنسأله عن رأيه مباشرة. إنه في عمرٍ يسمح له بحضور اجتماع عسكري، فلا بد أنه قادرٌ على اتخاذ قراره بنفسه.”
تحيّر الأمير، وكأنه يشك في أن ثمة حيلةً خفية، لكنه عرف أن لا خيار آخر لديه.
فالتفت باستيان نحو فيلياس و تحدّث بلهجةٍ لزجة كالحية،
“هيا يا ليون، قل لنا. هل ستذهب مع هذا الرجل إلى أون؟ لتنقذ بلد أمكَ من أزمتها؟”
رفع فيلياس رأسه ببطء. وبعينين شاردتين نظر إلى الإمبراطور السابق.
لم يكن يبحث عن جواب. وكانت فانيسا تعرف هذه النظرة جيدًا.
نظرة تقول: هل عليّ المشاركة في هذا المسرح السخيف؟ نظرةٌ مرهقة ضجرة.
رفع الفتى الصغير يده. و حرّك أصابعه بقبضٍ وبسط سريع. و ظنّه الجميع إشارة، لكن بالتمعّن كان يتهجّى كلمات.
و كانت فانيسا أول من فهمها، فابتسمت بصمت.
‘هكذا كانت شخصيته إذاً….’
الزائر الأجنبي وحده لم يفهم لغة الإشارة تلك.
ثم ضحك باستيان وهو يشرح،
“يبدو أن ابن قريبتكَ يطلب منكَ أن تلملم ذيلكَ وترحل.”
فارتبك الأمير، وكأنه لأول مرة في حياته يتلقى إهانة كهذه.
“أنا….أنا….أنا من العائلة المالكة في أون.…”
“وعند خروجك سيعطيكَ المساعد بعض النقود الذهبية لتغطية نفقات السفر.”
قال أرتور ذلك وهو يومئ للخادم.
“قبل ذلك.”
وقفت إيفانجلين من مقعدها.
“لقد تجرأتَ على إهانة إمبراطورة الإمبراطورية والأمير، فعليكَ أن تترك لسانكَ هنا.”
سحبت خنجرًا من حزامها. و راقبها الإمبراطور بصمت، كأنه يعلم أنها اعتادت تأدية مثل هذا الدور.
وبدا أن الأمراء الثلاثة الآخرين ينوون مشاهدة تنفيذ العقوبة بصمتٍ أيضاً. فأمسك الجنود الواقفون عند الباب بذراعي الأمير.
“مهلًا، مهلًا! لا يمكنكم! لا يمكن—! لا، لا!!”
______________
المؤلفه قالت نوقف هنا لاتصير الروايه دمويه🥰
يضحك فانيسا للحين في الحلم وفصل كامل ماطلعت! ياويل المؤلفه ماتعلمنا شلون تشوف ذا الذكريات
وايفانجلين المجنونه غريبه معيه يروح فيلياس للحرب عشانه توه بزر طيب من الي توها خانقته؟
المهم ياعمري فيلياس حتى في ذا الوضع فانيسا ماتقدر تضمه😔
التعليقات لهذا الفصل " 71"