“ألن يكون الحديث عن الأمر مزعجًا لكَ؟ أم أنكَ…..تحتاج في الحقيقة لمن تتحدث معه؟”
“أعتقد أنني أبدو باردًا قليلًا، صحيح؟”
ابتسم فيلياس ابتسامةً محرجة وهو يعيد السؤال.
“ليس باردًا بالضبط..…”
“لم ألتقِ بتلك السيدة قط، لذا بالنسبة لي….ليست سوى شخصيةٍ من حكاية. إن كان لابد من معرفة شيء حقًا….فالأجدر أن تسألي يوري، لا أنا.”
‘كما توقعت.’
تهاوت فانيسا فوق السرير.
“حسنًا، لدي سؤالٌ شخصيٌ قليلًا.…”
“هل بقي شيءٌ بيني وبينكِ يمكن أن يكون أكثر خصوصية؟”
فضحكت فانيسا بخفة.
“عندما كنتَ صغيرًا، من كان يعتني بكَ؟ لا أظن أنكَ تحدثتَ عن ذلك من قبل.”
“هم….ليس من الصعب أن أخبركِ، لكن..…”
جلس فيلياس بجوارها، ونظر إليها برفقٍ وهي مستلقية.
“أتمنى ألا تظني أنني شخصٌ غريب بعدما تسمعين هذا.”
“أغرب مما أنتَ عليه الآن؟ هل هذا ممكنٌ أصلًا؟”
قالت فانيسا ذلك بمزاح.
“…..سنرى الآن.”
واستلقي إلى جانبها.
“الإمبراطور الراحل…..كان يعتقد أن التعلّق بالناس يجعل المرء ضعيفًا، لذلك لم يسمح لأي شخصٍ بأن يعتني بي لفترةٍ طويلة. لذلك…..لو سألتِني من كان راعيي، فلن أستطيع تحديد شخصٍ واحد.”
“….…”
خرج نفسٌ طويل من فانيسا دون أن تشعر.
“والدكَ ليس سهلًا أيضًا..…”
فضحك فيلياس بخفة عند تذمرها، ثم استدار نحوها ببطء.
“ألا ترينني…..مسكينًا؟”
“……؟”
امتدت يده الكبيرة نحو جبينها ثم داعبت أذنها بلطف.
“ألا تشعرين برغبة في احتضاني…..والتربيت عليّ قليلًا لأنني بائسٌ ومثيرٌ للشفقة؟”
عندما انزلق إبهامه على طول فكها ثم ضغط برفقٍ على شفتها السفلى، استفاقت فانيسا دفعةً واحدة.
“لا، كيف تجد فرصةً في كل مرة.…!”
“كل مرة؟”
رمش فيلياس بعينين بريئتين.
“أه….أعني….”
طَق طَق-
فرفعت فانيسا رأسها فور سماع نقر المنقار على النافذة.
“إنها حمامة المراسلة.”
و تنهّد فيلياس بتضجر. ثم قامت فانيسا لتفتح النافذة للحمامة البيضاء التي أصبحت قريبةً من قلبها.
فرفرة-
ظنت أنها ستطير نحو فيلياس، لكنها حطّت فوق كتف فانيسا.
“هل جاءت إليّ؟”
“غو غو غو.”
فكّت فانيسا الرسالة من ساقها، وفجأة كان فيلياس واقفًا خلفها مباشرةً بوجهٍ لا يبدو راضيًا.
“إنها دعوة.”
فتحت الورقة. و لم تحمل ختم العائلة الإمبراطورية، لكنها عرفت الخط فورًا.
رسالة دعوة لحفل افتتاح يوم تأسيس المملكة. من ولي العهد نفسه.
“آه….فيلياس، هل يمكنكَ تهدئة تعابير وجهكَ؟ تبدو مخيفًا قليلًا الآن.”
“آه….آسف. لكن لماذا هذا الأحمق يلاحقكِ هكذا.…”
“قلت لك تحدّث بأدب.”
“….…”
“لقد أرسلها لي لأنه يعلم أنكَ ستتجاهلها لو وصلت إليكَ.”
بدت على وجه فيلياس ملامح رجل يحبس كلامًا لا يريد قوله. فقامت فانيسا بوخزه في خده بطرف إصبعها.
“أليس من المفترض أن نذهب لبيع اللؤلؤ؟”
***
ألقت فانيسا تحية الوداع على السيّدات واحدةً تلو الأخرى. و أمسكت ليرا بيدها بأسف واضح.
و كانت ترافقها خادمتان تحملان أكوامًا من الكتب المستعارة من المكتبة.
“شكرًا لأنكِ سمحتِ لنا باستعارة الكتب يا آنسة فانيسا. هل يمكنني زيارتكِ من وقتٍ لآخر خلال إقامتي في أشوكا؟”
“بالطبع! سأرسل إليكِ أحدهم قريبًا.”
“آه، وهذا….يبدو أن بعض الكتب اختلطت بالخطأ. فيها الكثير من الملاحظات، ويبدو أنها مهمة.”
أخذت فانيسا الكتب. كانت من نفس المجموعة التي كانت موضوعةً فوق مدفأة فيلياس.
وكما قالت ليرا، في كل زاويةٍ تقريبًا لطخات حبر تشبه الملاحظات الكثيفة.
“لكن هذه الكتب….ليست لها علاقة بأون أو بالسيدة شيريو، صحيح؟”
هزّت ليرا رأسها نافيــة.
“كلها كتبٌ في فنون الحرب. في الشرق الأقصى، تشتهر هوا ليان بهذه الكتب.”
“آه.”
‘آه، هكذا إذًا.’
شعرت فانيسا ببعض الخيبة. لكن ليرا عبست قليلًا.
“ولكن من الغريب بعض الشيء. من الصعب تتبعها، لكن كل هذه الملاحظات تتعلق بأبحاث المتفجرات. لم أكن أظن أن هناك من يهتم بذلك حتى في الإمبراطورية.…”
‘متفجرات؟’
عند التفكير، لم يكن هذا أمرًا غريبًا حقًا. شخصٌ يقضي نصف السنة تقريبًا في ساحات الحرب ربما يحتاج إلى دراسة أسلحة الدول الأخرى للاسترشاد بها.
‘ولكن لماذا أشعر بالقلق حيال هذا.…’
التفتت فانيسا نحو فيلياس. و كان يتحدث مع عقيدٍ متقاعد.
بدا مرهقًا للغاية، لكنه صبر بثبات. و للأسف، كان جميع الضيوف ينتظرون فرصةً لتحيته.
لكن عندما التقت أعينهما، ابتسم فيلياس ابتسامةً مشرقة جدًا، كما لو أن وجودها أمامه أسعده للغاية.
وكأن لا شيء آخر مهم.
رأت فانيسا ذلك وحاولت أن تبتسم له، محاولةً طرد شعورٍ غير محددٍ بالقلق.
***
وقفت فانيسا في الظلام فجأة.
‘هل هذا حلم.…؟’
شعرت بأنها ربما رأت هذا الحلم من قبل، لكنها لم تستطع تذكره بوضوح.
حينها، سمعت صوتًا متمتمًا من مكانٍ ما. فرفعت رأسها ونظرت حولها. و رأت بابًا قريبًا يتسلل من خلاله ضوء.
فتحت الباب، وإذا بها ترى غرفة اجتماعٍ صغيرة ومظلمة. و حول طاولةٍ طويلة جلس ثلاثة أشخاص مألوفون لها. أرتور، باستيان، وإيفانجلين.
بدا أنهم شبابٌ في العشرين عامًا تقريبًا مقارنةً بما عرفته فانيسا عنهم.
وبينهم، جلس رجلٌ ضخم طويل القامة، ربما يبلغ طوله مترين على الأقل.
بعيونٍ مفترسة ووجه متعجرف وبارد.
كانت له صورةٌ في لوحةٍ تعرفها. نعم، هذا هو الإمبراطور الراحل الذي توفي قبل ست سنوات.
شعره أشقر شاحب، وعيونه بلون فاتح مثل فيلياس، لكن عيون الإمبراطور كانت تتوهج بلمعانٍ معدني غريب، مما جعله يبدو أكثر غير إنساني.
فكسرت إيفانجلين الصمت وسألت بصوتٍ حاد،
“علي أن أسألكَ، أبي….لماذا هذا الصبي هنا بالضبط؟”
‘هذا الصبي؟’
التفتت فانيسا حيث كانت تنظر إيفانجلين، ورأت أخيرًا صبيًا ذا شعرٍ أسود جالسًا كظل، غير متوافقٍ مع المكان على الإطلاق.
‘فيلياس؟’
وجهه يشبه ملاكًا، لكنه بدا مرهقًا للغاية.
و كان عنقه ملفوفًا بضمادٍ أبيض، لا بد أن الحادث قد وقع منذ وقتٍ ليس ببعيد.
فتنهّد باستيان، الدوق الشاب،
“يا له من سؤالٍ غبي، إيفانجلين. من الطبيعي أن يحضر أمير سايران اجتماعًا عسكريًا.”
مرر شعره البني المتعرج إلى الخلف ونظر إلى وجه أخيه الأصغر الشاحب بابتسامةٍ باردة، لا ترحم ولا تتعاطف.
‘حقًا، مزعجٌ كعادته.’
جلست فانيسا على الكرسي الفارغ بجانب فيلياس الصغير.
حتى لو غضبت، فهذا مجرد حلم. لكنها أرادت أن تتابع بعض الشيء إذا كان هذا جزءًا من الماضي.
ثم تحدّث باستيان بتردد،
“أليس فريتز الصغير قريبًا من سن ليون؟ ربما يجب أن نحضره ليشهد، كتجربة.”
فشحب وجه إيفانجلين فور سماع ذلك. و ضحك الإمبراطور الراحل ساخرًا،
“هل سيفهم نصف ما يقوله هذا الطفل؟ إنه لا يصلح لساحة الحرب، مجرد طفل….حتى لو وُلد بقدراتٍ ملكية.…”
ثم ردّ الإمبراطور الحالي، أرتور، ببرود،
“إنه طفلٌ ذكي. هذا يكفي. ليس عليه أن يكون جنديًا، بل قائدًا.”
__________________
ايه طبيعي يمدح ولده وفيلياس كأنه مب اخوهم ومب توه ورع مسيكين
وجع
وللحين السؤال كيف وليه فانيسا تشوف ذا الذكريات؟
المهم فيلياس وهو يقولها هاه تعاطفتي معي؟ يجنننننن انفدا الرجال البائس عشان زوجته😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 70"