“هل تعرفين مطربة الإمبراطورية جولييت؟”

عند كلام فانيسا، اتخذت المستشارة تعبيرًا حائرًا.

“لستُ ملمةً بالأوبرا، لكني سمعتُ كثيرًا عن شهرتها.”

“على الرغم من مرور عشرين عامًا على اعتزالها، لا يزال معجبوها يحنّون إليها. لكن في بداياتها كانت كثيرًا ما تُثار حولها الشائعات. كان البعض يتّهمها بتقليد أسلوب غناء المطربة روزالين.”

“عفوًا، ما الذي تحاولين قوله بالضبط الآن؟”

ابتسمت فانيسا بخفة، ثم خلعت قرطي اللؤلؤ من أذنيها ووضعتهما على الطاولة.

“الحقيقة أن انتقادات الناس كانت مبنيةً على أساس. جولييت كانت تقلّد روزالين بالفعل. في الإخراج المسرحي، وفي أسلوب المكياج، وحتى الملابس. لكنها امتلكت موهبةً وحسًا يفوقان روزالين. تابعت تطوّرها المستمر حتى بلغت مرحلةً بات فيها من المستحيل المقارنة بينهما.”

دفعت فانيسا بقرطي اللؤلؤ ووضعتهما بمحاذاة بعضهما أمام المستشارة.

“إذا كان المُقلِّد أكثر تفوّقًا، فأيهما يكون الحقيقي؟”

حدّقت المستشارة بالقرطين مذهولة، ثم ردّت وكأن شيئًا ما اتضح لها،

“لا يُعقل، هذا.…”

“نعم، صحيح. أحدهما لؤلؤ طبيعي، والآخر لؤلؤٌ مستزرَع. هل تستطيعين التمييز بعينيكِ؟”

“…….”

“حين تُحمّلان على سفينةٍ تجارية وتجوبان المسار البحري الجنوبي، سيتضح الأمر تمامًا. اللؤلؤ الطبيعي سيفقد بريقه بسبب امتصاص الرطوبة، لكن اللؤلؤ المستزرع المُعالج معالجةً خاصة سيبقى جميلًا كما هو. إضافةً إلى كونه أرخص، وأسهل بكثير في الحصول عليه. أليست هذه فرصةً استثمارية واعدة؟”

بقيت المستشارة صامتةً لحظة، ثم التفتت نحو فيلياس الذي كان يقف بهدوء.

“هل يمكنني مراجعة العقد مرةً أخرى؟”

وما إن أومأ فيلياس حتى أسرع السكرتير ووضع نسخ العقد مرتّبةً أمام المستشارة.

ثم تحدّثت فانيسا موضّحة،

“أكرر مجددًا، العقود التفصيلية لم تُكتب بعد. إن منحتينا وقتًا، فستناقَش بالتنسيق مع المفوضية.”

تقلّبت عينا المستشارة في صفحات العقد وهي تعقد حاجبيها قليلًا.

“لكن….هذا (العقد الحصري)….ما زال يُقلقني. بصراحة، الإمبراطورية….دائمًا ما تكون الطرف الأقوى في تعاملاتها مع دول الاتحاد. تبدو المعاملات عادلةً في الظاهر، لكنها ليست كذلك حقًا. ونحن لا نستطيع الاعتراض.”

‘كما توقعت.’

كان هذا بالضبط ما أثار قلق فانيسا. 

مدينة يونو، التي كانت سابقًا مستعمرةً تابعة لإمبراطورية سانت، كانت تُسلب عنها معظم السلع الفاخرة لصالح الإمبراطورية ضمن عقودٍ (حصرية).

وكان ذلك يبدو ظاهريًا تجارةً عادلة، لكنه في الحقيقة كان أقرب إلى النهب منه إلى التجارة.

فأخذت فانيسا نفسًا صغيرًا ثم ردّت،

“يبدو أن هناك سوء فهم.”

“……؟”

“طرف العقد هذه المرة ليس أشوكا. إنها صفقةٌ شخصية بين تجار. أما اللورد فهو مجرد مستثمر مشارك.”

حدّقت المستشارة بذهول إلى فيلياس.

“لكن إن كان الأمر كذلك….فمن يكون.…؟ ما الذي..…”

ارتسمت ابتسامةٌ باهتة على وجه فيلياس وهو يرى ارتباك المستشارة.

“بالطبع، هذا لا يعني أن الدوقية لن تتدخل مطلقًا. لو تصدّرتُ المشهد بنفسي….فسيبدو الأمر سياسيًا للغاية. ولن نضمن ألا تشعر يونو بالتهديد.”

“إذًا، تنوون استخدام الطرق الالتفافية.”

بدا على المستشارة بعض الارتياح لكلامه. فنظرت فانيسا بطرف عينها نحو فيلياس.

‘متى فهم كل هذا؟ لم أجد الوقت لأشرح له بوضوح…..’

نقر فيلياس على العقد المفروش أمامه بأطراف أصابعه بلا مبالاة.

“عقدٌ حصري للاستيراد بين شخصين. تقوم قافلةُ ميدو التجارية بتوريد البضائع إلى أشوكا حصريًا، وأشوكا تضمن بيع كميةٍ سنوية محددة. لا يبدو عرضًا سيئًا ليونو أيضًا.”

وحين أنهى حديثه، رفع عينيه نحو فانيسا. وانطلقت فانيسا دون وعيٍ تُشيح بوجهها عنه.

“نعم….ما قاله الدوق صحيح. فحين تمر البضائع عبر قافلةٍ تابعة للإمبراطورية، يمكنكم تجنب الرسوم المفروضة على الأجانب، إضافةً إلى أن تجديد العقد سنويًا يقلل جدًا من احتمال تدخل الخلافات السياسية.”

“لا توجد سوابق لهذا النوع من الترتيب….لكنه طرحٌ فعّال.”

أومأت المستشارة ببطء. فتنفّست فانيسا الصعداء في سرّها.

كان تجنّب الضرائب بهذه الطريقة حيلةً غير قانونية بشكلٍ أو بآخر. ولو كان الأمر في العاصمة لما أمكن القيام به أبدًا.

فالسفن الأجنبية الداخلة عبر مونتيريا أو القناة الكبرى تُخضع لإجراءات تدقيق وتفتيش صارمة للغاية.

وجميع الأرباح الناتجة من تلك الإجراءات كانت من نصيب نبلاء العاصمة، لا سيما العائلات الكبرى التي ورثت حق فرض الضرائب.

لكن في أشوكا، الوضع مختلفٌ تمامًا. فجميع العائلات النافذة تقع تحت سلطة الحاكم، فيلياس.

صحيحٌ أن اللحاق بحجم القناة الكبرى سيستغرق وقتًا، لكن امتياز الموقع البحري هنا لا يحتاج إلى برهان.

“حسنًا. سنحدد موعد الاجتماع قريبًا.”

وقفت المستشارة ومدّت يدها إلى فانيسا. فابتسمت فانيسا وصافحتها.

وبذلك لم يبقَ سوى مشكلةٍ واحدة.

‘المسألة هي…..من يمكنني أن أقدّمه كرئيس للقافلة؟ هل سأستطيع العثور على شخص موثوق قبل موعد الاجتماع؟ وفي أشوكا بالذات؟’

تركت فانيسا المجتمعين خلفها وخرجت أولًا من قاعة الاجتماعات. وقبل أن يُغلق الباب، التفتت بخفة إلى الخلف، لكن فيلياس لم يكن ينظر إليها.

‘حين يتصرف هكذا….يبدو فعلًا كدوقٍ حقيقي..…’

دوقٌ حقيقي؟ وهل يعني هذا أن ما كان عليه حتى الآن لم يكن حقيقيًا؟ 

فابتسمت فانيسا لنفسها ابتسامةً صغيرة.

***

كان يوماً مشمسًا. فصيف أشوكا كان عليلًا ومشرقًا في آن واحد.

ساق عمّال المطبخ عربةً محمّلةً بالثلج والمشروبات. وعلى ضفة البحيرة كانت قواربٌ صغيرة محمّلة بزهور الصيف تتمايل برفق.

اغتنمت فانيسا انشغال الضيوف بنزهتهم لتنسلّ بهدوء. كانت تنوي الطلب من نيكولا أن يتفقد وضع قاعة الاجتماعات.

و عندما دخلت القلعة، لمحَت شخصًا يتجوّل وحده في الممر.

كانت ابنة إحدى العائلات المصاهرة التي التقتها سابقًا في الميناء. يبدو أنها رغبت فعلًا في استكشاف القلعة، وربما كان اهتمامها منصبًا على البناء نفسه.

فاقتربت فانيسا منها وبدأت الحديث أولًا.

“الآنسة ميدو، صحيح؟ توقّعت أن تكوني عند البحيرة مع عائلتكِ.”

أومأت الفتاة بخجل وهي تنظر إلى فانيسا.

“كانت والدتي كثيرة التعليقات اليوم، فهربتُ قليلًا. أما أنتِ…..هل أناديكِ الآنسة لانغ؟”

“إن لم يزعجكِ الأمر، ناديني فانيسا.”

“إذًا….ناديني أنا أيضًا ليرا.”

ابتسمت ليرا وقد احمرّت وجنتاها. 

ثم أخذتها فانيسا نحو الدرج الرئيسي.

“هناك مكانٌ بالأعلى يمكنكِ منه رؤية القلعة كاملة. سمعتُ أنكِ مهتمةٌ بالعمارة، وأنكِ أردتِ الدراسة في أشوكا.”

“ليس بالضبط…..أنا مهتمة بالتاريخ. لكن الإجراءات أعقد مما تصوّرت، لذا ما زلتُ أعاني معها.”

“لكن لماذا أشوكا بالتحديد؟ الأكاديميات والجامعات في العاصمة أكثر تنظيمًا. وعدد الطلاب الأجانب هناك أكبر.”

“المواقع الأثرية القريبة من العاصمة قد استُنزفت دراستها تقريبًا. أردتُ اكتشاف آثار المناطق الشرقية غير المستكشفة بعد….ثم إن هناك شخصًا أريد مقابلته والتحدث معه شخصيًا، وهو موجود في أشوكا. أعني…..الحاكم، الدوق.”

‘همم؟ ما الذي تقصده بالضبط؟’

ابتسمت فانيسا بخفة، فارتبكت ليرا قليلًا.

“آه…..يبدو أنني صغت كلامًا يثير سوء الفهم. ما أعنيه هو….أنني شديدة الاهتمام بما يُسمّى في الإمبراطورية «القوة». وأنا أُجري حاليًا بحثًا شخصيًا عن السيدة شيريو، لكن من الصعب إيجاد مراجعٍ عنها في يونو.”

‘…..شيريو؟’

مالت فانيسا برأسها مستغربة، فتابعت ليرا وكأنها انتبهت للأمر،

“ربما كانت تُعرف باسم آخر داخل الإمبراطورية. شيريو من «أون»…..أي والدة الدوق.”

الشرق الأقصى، «أون». 

أكثر دول الاتحاد بُعدًا وانغلاقًا. وكانت الأخبار تقول أن صراع الخلافة في الجيل السابق أسفر عن مقتل نصف أفراد العائلة الملكية، وتشتت السلطة، واهتزّ الأساس السياسي كله.

وتذكرت فانيسا أنها سمعت يومًا أن الزوجة الثانية للإمبراطور الراحل كانت من هناك أيضًا.

______________

اوه ام فيلياس اسمها شيريو؟ وناسه اسمها حلو 

شسمه ماعجبني البرود الي بين فيلياس وفانيسا صدق سوا الس تقول عاملها زي الباقين😂

شكل حتى فانيسا ما اعجبها من قايلها اول؟ 

Dana