“ما الذي تحاول قوله بالضبط؟ هل تعني أن الدوق الأكبر اختطفها مثلًا؟”
“ليس بالضرورة إلى هذا الحد……لكن ليون……مجنونٌ أصلًا. لا شيء يفعله يكون مُستغربًا.”
فتنفّس فريدريش بعمقٍ عند ردّ كونراد.
“على هذا النحو يا كونراد، أنتَ أيضًا رأيتَ ما حدث. في تلك الليلة في الحفل، حين ركع الدوق الأكبر على ركبته أمام تلك الآنسة. ومع أنكَ كنت تعلم ذلك كله، اقتربتَ منها أنتَ أيضًا، أليس كذلك؟”
“ذاك……لم يكن سوى أنه طلب منها الرقص فرفضته، فما المشكلة في ذلك؟”
“……هكذا رأيتَ الأمر إذاً.”
ابتسم فريدريش ابتسامةً ساخرة خفيفة، ثم استدار وبدأ يمشي من جديد.
“وما الأمر إذاً؟ هل أخطأتُ في الرؤية؟ فريتز! يا أخي!”
تجاهل فريدريش صراخ كونراد واتجه نحو الملحق.
لقد سأل أخاه إن كان اقترب منها مع علمه بكل شيء، لكن ذلك السؤال لم يكن في الحقيقة سوى موجّهًا إلى نفسه.
في ليلة الحفل، لم يكن يعلم أي حديثٍ دار بين فيلياس وفانيسا. لكن اللحظة التي ارتسمت فيها تلك الابتسامة الطفولية على وجه ابنة الكونت المتعالية، لم يستطع فريدريش أن ينساها حتى الآن.
طلبه للقاء السري منها كان قرارًا اندفاعيًا إلى حدٍّ ما. لم يكن تصرّفًا يليق به، لكنه كان يأمل، ولو بقدرٍ يسير، أن يرى تلك الابتسامة مرةً أخرى.
“أعتذر، لكنني أعاني قصر نظرٍ طفيف…….”
وهو يسترجع كم كان أحمقاً في ذلك اليوم، سخر فريدريش من نفسه.
لكن تعبيرها المرتبك وهي تحاول أن تقرأ الموقف كان حقًا……لطيفًا.
وكعادته، تحسّس فريدريش بطرف أصابعه سوار العقدة في معصمه الأيسر.
وحين وصل إلى الملحق، اقترب منه أحد الخدم وانحنى.
“سموك، الضيف قد وصل وهو بانتظاركَ. وكما أمرتَ، أُدخل مباشرةً إلى غرفة الاستقبال.”
“…….”
أطبق فريدريش شفتيه بإحكام. كان هو من استدعاه، ومع ذلك لم يكن شخصًا يسرّ لقاءه مهما تكرّر.
و عندما دخل غرفة الاستقبال، كان الطرف الآخر جالسًا في مكانه ينتظره.
“تشرفت بلقائكَ بعد طول غياب، سموك. هل أنتَ بخير؟”
حيّاه اادوق فاليندورف وهو يرسم ابتسامةً لزجة.
“يبدو أن وجهكَ ازداد نضارةً خلال الأسابيع الماضية. لعل حياة التقييد والانضباط ناسبتكَ.”
“أليس ذلك بفضل عنايتكَ الدائمة بي، سموك؟”
جلس فريدريش مقابل الدوق.
كانت نفسها غرفة الاستقبال التي التقى فيها بفانيسا سرًّا في الربيع الماضي. ذاك اليوم كان مشبعًا بضوء الشمس الزاهي، أما طقس اليوم فكان كئيبًا خانقًا يبعث على الاشمئزاز.
“تعرف لماذا استدعيتكَ، أليس كذلك؟”
“كيف لي أنا الجاهل أن أتجرأ على تخمين مرادكَ، سموك؟”
قال الدوق ذلك ساخرًا. فقد كان يعرف أن وليّ العهد منزعج، وكان واضحًا أنه يستمتع بذلك.
“أبقِ عدوكَ قريبًا.” عبارة سمعها حتى الملل منذ صغره، لكن احتمال هذا الرجل اليوم كان صعبًا عليه.
“……قلعة براير سقطت في يد فيلياس سايران. ويقال أن ابنة الدوق براير التي كانت في عداد المفقودين كانت تشرب الشاي في أشوكا، لا، في حصنه.”
“ها!”
أسند الدوق ذقنه إلى يده وراح يضحك بخفة.
“ذلك المجنون الوغد، الأمر لا يبعث حتى على الضحك.”
“…….”
“عفوًا، تفوّهتُ بكلامٍ سوقي أمامكَ. ولحسن الحظ، فقد وصلني أنا أيضًا الخبر ذاته. يا لها من مصادفةٍ عجيبة، أليس كذلك؟ إعدام هوان براير، وفي الوقت نفسه تستسلم الوريثة للدوق الأكبر.”
فابتسم فريدريش بمرارة.
“نعم. أمرٌ طريف. لا يحدث كل يوم.”
في الأيام العادية، لربما صدّق أنها مصادفةٌ فعلًا. فهو أكثر من يعرف أن فيلياس إنسانٌ لا يمتلك لا طموح سلطة ولا حتى رغبةً حقيقية في الحياة.
وحتى وقوع قلعة براير في يده، كان يمكن التهوين من أمره بأي شكل. فبدل تسليم الحدود إلى فاليندورف، كان من الأفضل أن تُترك – مهما يكن – لشخص ينتمي إلى العائلة الإمبراطورية.
لكن الأحداث كانت تنحرف شيئًا فشيئًا في اتجاه غير متوقّع.
وحين رأى الدوق فريدريش غارقًا في أفكاره، فتح فمه،
“على أية حال، إنه لأمر مؤسف. لو أن ذلك الأحمق هوان براير ورث العائلة، لكان في ذلك خيرٌ للإمبراطورية ولفاليندورف معًا. ثم إنكَ، يا سموك، قد بذلتَ جهدًا كبيرًا معه، أليس كذلك؟ على حدّ علمي، لقد صافحته أكثر من مرةٍ بالفعل.”
كما قال الدوق، كان هوان براير واقعًا تحت سلطة وليّ العهد.
قدرة فريدريش لم تكن تقتصر على التأثير في المشاعر اللحظية، بل كانت تُحدث أثرًا طويل الأمد في الدماغ أيضًا.
لم تكن قدرةً مطلقة لصعوبة التنبؤ بنتائجها، لكنها كانت كافيةً تمامًا لتحطيم إنسانٍ واحد.
في رأس هوان، كان هناك قلقٌ مجهول المصدر قد ترسّخ بالفعل. ذلك القلق الذي زرعه فريدريش فيه تدريجيًا، وعلى مهل، جعله جبانًا لا يُضاهى.
لم يكن ينوي أن يحاسبه على جرائم أبيه. بل على العكس، لو وضعه على رأس العائلة الجديدة، لأمكنه أن يحوّل دوقية براير بسهولةٍ إلى دمية في يد العائلة الإمبراطورية.
لكن بسبب “خطأ” ما، أُعدم هوان، وفي التوقيت نفسه تقريبًا، استسلمت شقيقته فرانسيسكا لفيلياس.
“لن تنوي إطلاق طوق ليون هكذا دون قيد، أليس كذلك؟”
عند كلمات الدوق، عقد فريدريش حاجبيه.
“كم هو وقِحٌ لسانكَ يا دوق.”
“ذلك بالضبط ما أردتَ قوله. أمثالي لا يجرؤون على إسداء النصح لسموك، لكن ليون……حتى وإن كان ناقصًا، فهو يظل من الدم الإمبراطوري، أليس كذلك؟ وإبقاؤكم لي حيًّا حتى الآن ليس إلا من أجل كبحه.”
‘هكذا كان الأمر.’
رغم أن ذلك من أسرار الدولة، إلا أن القلق من تراجع القوة لم يكن حكرًا على سايروس وحده. فالعائلة الإمبراطورية نفسها كان دمها يضعف تدريجيًا مع تعاقب الأجيال.
ولهذا السبب بدأ الإمبراطور الراحل يطارد الكيانات القديمة بجنون.
الإمبراطور الراحل، جده، كان رجلًا وُلد من أجل الحرب. سحق الأعداء وتوسيع الأراضي كانا مهنته طوال حياته.
ولولا أن سايروس يشترك مع الإمبراطورية في نفس الدم، لكان قد اختفى من الخريطة منذ زمنٍ بعيد.
لكن الإمبراطور الراحل قد مات الآن. وإيفانجلين التي كان يرعاها فقدت عقلها.
ومن بقي للإمبراطورية لتعتمد عليه هو فيلياس سايران، شوكة عائلة ديغون في الخاصرة، و……
رفع فريدريش رأسه ونظر إلى الرجل أمامه. و الدوق فالندورف كان بدوره يحدّق بوليّ العهد بعينين مختلفتي اللون.
كلبان مسعوران. هكذا كان باستيان يصفهما.
رجلان لا يُستغرب أن ينقلبا على العائلة الإمبراطورية في أي لحظة.
إبقاء شخصٍ مثل أليكسي فاليندورف حيًّا سببه وجود فيلياس سايران لكبحه، والعكس صحيحٌ أيضًا.
“كنتَ تراقب أشوكا على الأرجح طوال فترة إقامتكَ الجبرية، أليس كذلك؟”
عند كلام فريدريش، لوى الدوق شفتيه كأنه يجد الأمر ممتعًا.
“ربما. يمكنني القول أنني أشعر بقليلٍ من المسؤولية فحسب. أليس لما جرى مع الكونت لانغ شيءٌ من مسؤوليتي أيضًا؟ بدافع القلق على ابنته، كنت أوافي نفسي بالأخبار من حينٍ لآخر.”
في الربيع الماضي، من تقدّم بعرض إيصال رسالة إلى
قصرلانغ كان هذا الرجل نفسه. لا بد أنه شعر بالفضول بعد سماعه بما جرى في حفل الظهور الأول: من التي أجبرت غريمه على الركوع.
لو كان يعلم أن الأمور ستؤول إلى هذا الحد، لما أرسله أبدًا. استعجاله قاده إلى خطأٍ لا يشبهه.
“إن حدث شيءٌ مثير، فسأكون أول من يرفع التقرير إلى سموك.”
“……هذا لطفٌ منكَ. آه، وبالمناسبة، تنتهي إقامتك الجبرية اليوم. مع أنني لا أعرف أصلًا ما الجدوى التي كان لها.”
“شكرًا جزيلًا، سموك.”
ى لم يُخفِ الدوق نبرة السخرية.
“وبما أن يوم تأسيس الدولة على الأبواب، كنتُ قلقًا من أن أُضطر لإرسال ابن عمي الناقص بدلًا مني، لكن بفضل كرم سموك سيتمكن فاليندورف من الحضور مرفوع الرأس.”
كما قال الدوق، ها هو الخريف يقترب ومعه سيحلّ مهرجان ذكرى تأسيس الإمبراطورية.
في اليوم الأول من المهرجان، يجب على كبار نبلاء الإمبراطورية إرسال ممثلٍ واحد على الأقل عن أسرهم إلى حفل الافتتاح في القصر الإمبراطوري، كما جرت العادة بحضور جميع أفراد العائلة المالكة دون استثناء.
بعد مغادرته العاصمة، كان فيلياس يتجاهل الدعوات باستمرار، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة.
وإن كان كذلك، فحتى هي ستحضُر……وإن بدا ذلك تفكيرًا بائسًا.
“أميرة مملكة ليونا ستحضر أيضًا.”
عند كلام الدوق، استفاق فريدريش فجأة. فأميرة ليونا من القارة الشمالية، إحدى أبرز المرشحات لمنصب وليّة العهد.
وهو يلاحظ ذلك الارتباك، ابتسم الدوق ابتسامةً ماكرة.
“قد نشهد زفافًا إمبراطورياً بعد طول غياب. فمنذ زواج الدوق باستيان لم تشهد البلاد مناسبةً مفرحة كهذه.”
زواجٌ إمبراطوري.
“نعم……ربما.”
حياة فريدريش لم تكن ملكه وحده. لطالما أجّل الزواج السياسي متذرعًا بالحرب، لكنه الآن تجاوز سنّ الزواج المناسب.
وقبل كل شيء، من أجل إيفانجلين المسكينة، كان عليه أن يحافظ على صورة وليّ العهد المثالي بلا شائبة.
أدار فريدريش نظره نحو خارج النافذة. و كانت شجرة الماجنوليا البيضاء في الحديقة، التي كان يتمشى معها تحتها، تلوح في الأفق.
“يبدو أنكَ قويٌ حقًا، سموك.”
‘لا، الآنسة لانغ. لعل لا أحد أضعف مني.’
ثم شعر فريدريش برغبةٍ خافتة في البكاء.
____________________
للحين عندي فضول من الي قىًله ؟ مستحيل كل ذا الدها والصبر راح من طيحة حصان؟
اليكسي المجنون ذاه دامك داري انك موجود عشان توقف فيلياس مفروض تستوعب ان فيلياس هو الي يوقفك بعد يالمهبول
التعليقات لهذا الفصل " 62"