وكانت قد سمعت من قبل أن الزهور في أشوكا لا يزهر إلا مع بداية منتصف الصيف.
‘هل بلغنا هذا الفصل بالفعل.’
دفنت فانيسا وجهها في الوسادة. ففي الحقيقة كانت تنوي أن تتدلّل وتُظهر عنادها لبضعة أيام مقبلة.
“إذًا يبدو أنكَ لم تعرفيني قط كما أنا، يا آنسة لانغ.”
ملامحه حين قال ذلك وهو ينظر إليها، وصوته……كم كان مستفزًا إلى حدٍّ لا يُطاق. و كانت تنوي أن تعذّبه حتى تراه يبكي….
“هل أسامحه الآن فحسب….؟.”
أغمضت فانيسا عينيها ساخرةً من مشاعرها الملتوية.
لكن في ذلك المساء لم يعد فيلياس إلى الحصن. ولا في اليوم التالي، ولا حتى في الأسبوع الذي تلاه. لم يعد مطلقًا.
***
في أعمق أرجاء القصر الإمبراطوري، في مكتب الإمبراطور. كان فريدريش ينتظر حتى ينتهي والده الإمبراطور من قراءة التقرير كاملًا.
جلس باستقامةٍ متقنًا التظاهر بالهدوء، لكن في الحقيقة كانت أعصابه مشدودةً إلى أقصاها.
فقد كان قد أمضى ليلتين متواصلتين بلا نومٍ بسبب تراكم الأعمال الشاقة وصراع النفوذ مع النبلاء حول الحملة الشتوية. وكان الإرهاق المرعب يجعله يتوق ألى سيجارةٍ بشدّة.
“فريدريش.”
“نعم، يا صاحب الجلالة. أنا أستمع.”
أجاب فريدريش بابتسامته الهادئة الذكية المعتادة.
فرفع الإمبراطور رأسه ونظر إلى ابنه الأكبر. و كانت ملامحه حادة، لكنها أكثر لينًا من المعتاد.
“لا مأخذ عليكَ، كما هو عهدكَ دائمًا.”
“……هذا من سعة صدركَ.”
“على أي حال، بهذا سيُحاصَر المنفيون من سايروس في الجزر الجنوبية. وكما أقول دائمًا، لا ينبغي أبدًا تصديق كلام هذا الصنف على ظاهره. فهم وإن بدوا متذللين في العلن، فإنهم يخفون نواياهم طبقةً فوق طبقة.”
“سأضع ذلك في الحسبان.”
كما سمع فريدريش من تاجر فطائر في أشوكا، كان نبلاء سايروس يعبرون الحدود واحدًا تلو الآخر طالبين اللجوء إلى يوروس. وكان معظمهم من كبار النبلاء الهاربين من الخدمة العسكرية.
وقد نجح فريدريش في الضغط على ملك يوروس ليجعلهم كخيطٍ انقطع عن طائر.
فحتى وإن كانوا لاجئين، فهم قوم لا يُؤمَن جانبهم، و لا يُدرى متى ومن أين يأتون بضربةٍ غادرة.
وقد قال ملك يوروس أن هذا الإجراء يبدو قاسيًا جدًا بحق أناسٍ تركوا أوطانهم بالفعل. لكن ما هو القاسي وما ليس قاسيًا، الإمبراطورية هي التي تقرّره. هكذا كان الأمر دائمًا.
وبينما كان فريدريش يهمّ بالانصراف بعد أن حيّا بأدب، استوقفه الإمبراطور.
“لكن يا بُني، سمعتُ مؤخرًا حديثًا غريبًا.”
حين استدار، كان الإمبراطور ينظر إليه بتعبيرٍ لا يمكن استشفاف شيءٍ منه.
“يقال إن هوان براير قد أُعدم؟”
قبض فريدريش على قبضته بقوةٍ خلف ظهره.
كان الإمبراطور دائمًا يستبدل الاستجواب بالأسئلة على هذا النحو. يعرف كل شيء، لكنه يتظاهر بالجهل، ويترك الطرف الآخر يتحدث بتهوّر.
إن غفل لحظة، أُمسِك بذيله. وإذا أُمسِك بالذيل…..فذلك يعني النهاية.
ابتسم فريدريش وكأن الأمر لا يعنيه.
“كنتَ تعرف ذلك بالفعل إذاً. كنتُ أنوي أن أرفع الأمر بتقريرٍ منفصل، لكنه ليس مما يدعو إلى قلقٍ كبير.”
فقطّب الإمبراطور حاجبيه قليلًا.
“ربما. لكن أسرة الدوق براير كانت تحت إشرافكَ، أليس كذلك؟ خصوصًا هوان براير، أنتَ من-”
طَرق، طَرق-
فتوقّف حديث الرجلين على صوت الطرق.
“جلالتك، الأمير كونراد يطلب الإذن بالمثول.”
كان صوت أحد الخدم. قتنهد الإمبراطور.
“كفّوا عن التباطؤ وابتعدوا! سأقولها بنفسي!”
ثم انفتح الباب، واقتحم كونراد المكان بعنف.
“كونراد، ما هذه الوقاحة؟!”
“كيف تسلبون مني فلوريس من دون أن تقولوا لي كلمةً يا أبي؟! ألم تعلم كم بذلتُ من جهد طوال هذه المدة……!”
كان وجه كونراد شاحبًا على غير عادته.
وحين طُرح حقّ قطع غابة الأرز في لوران في المزاد، صار النزاع بين كونراد والكونت مارتيني حديث العاصمة بأسرها.
استفزّ أمير الإمبراطورية الكونت مارتيني حتى جفّف منبع المياه في إقطاعيته، ثم عجز عن حلّ الأمر بنفسه فطلب مساعدة آنسةً صغيرة.
وفي النهاية أُغلق الملف على فضيحةٍ غرامية لابن الكونت.
ومهما نُظر إلى الأمر، فقد كانت سلسلة فضائح متتابعة. وكان الإمبراطور أصلًا لا يثق بابنه الثاني، فأعاد فلوريس إلى ملكية العائلة الإمبراطورية من جديد.
حتى لقب دوق فلوريس الشرفي جُرِّد منه كونراد.
“لكنها لم تكن مسألةً تُذكر أصلًا! لقد انهار السدّ الآن، ونهر أردين…….”
“أوهذا كلامٌ يُقال يا عديم الجدوى؟! حتى هذا الأمر التافه لم تستطع حله بنفسكَ فجعلت القصر الإمبراطوري أضحوكة؟!”
“أبي….”
“في الأساس لم تكن تلك الإقطاعية تليق بكَ أصلًا. كان خطئي أن علّقتُ عليكَ الآمال. اخرج فورًا، ولا تأتِ إلى مكتبي بهذه الطريقة مرةً أخرى!”
بدا وجه كونراد ممتلئًا بالقهر. عندها وضع فريدريش يده على كتف أخيه.
“أعتذر يا صاحب الجلالة. هذا تقصيرٌ مني لعدم مراعاة ظروف الأمير بدقة. سأقوم أنا بتقويم كونراد، فتكرّم بالعفو.”
“لكن، فريتز!”
فشدّ فريدريش قبضته على كتفه.
“اخرس واتبعني.”
وعند الصوت المنخفض الخشن، أغلق كونراد فمه.
‘ياله من مُتعب.’
ما إن خرج فريدريش من المكتب حتى أطلق زفيرًا طويلًا أخيرًا. لكنه لم يكن ليستطيع أن يرتاح.
في هذا القصر الإمبراطوري الواسع، لم يكن هناك شخصٌ واحد يثق به تمام الثقة، والأعباء التي عليه حلّها كانت كجبلٍ شاهق.
ومع ذلك، كان التوقيت هذه المرة مواتيًا. فلو تحدّث مع أبيه عن هوان براير، لما كان ذلك سوى نبشٍ لعيوبه هو.
فاستدار فريدريش نحو كونراد الذي كان يتبعه غاضبًا يلهث.
‘هذا الفتى يكون نافعًا أحيانًا أيضًا.’
“ما بكَ؟ إلى ماذا تنظر؟”
قال كونراد ذلك بخشونة. فنقر فريدريش لسانه بهدوء.
“لأنني لا أفهم الأمر جيدًا. هل خسارتك لفلوريس موجعةٌ إلى هذا الحد؟ كنتَ دائمًا تشتكي من أن إدارة الإقطاعية مرهقة.”
طقطق كونراد أسنانه غيظًا.
“أبي يقول دائمًا أنني أُهين العائلة الإمبراطورية، لكن من تعرّض للمهانة حقًّا هو أنا! أن تُسلب مني الإقطاعية واللقب معًا بسبب أمرٍ تافه كهذا؟ لا بدّ أن ليون كان يحرّك الخيوط من الخلف.”
فتوقّف فريدريش عن السير.
“……وما معنى هذا الكلام؟ أتقول أن للدوق الأكبر علاقةٌ بالأمر؟”
“نعم! تلك الفتاة التي كان ليون يحيطها برعايته، كانت تعرف شيئًا بالتأكيد. وإلا فكيف تجرأت على التفكير في عقد صفقةٍ معي؟ ذلك الوغد ليون يريد أن يوقعني في المصيدة لا محالة!”
وبنبرةٍ باردة وملامح جامدة، تحدّث فريدريش، فتردّد كونراد لحظةً لكنه لم يتراجع.
“كم هي عظيمةٌ ثقتكَ بنفسكَ يا كونراد. أتظن أن الدوق الأكبر تكبّد كل هذا العناء لمجرّد أن يوقعكَ في مأزق؟”
“حسنًا، ربما أكون واهمًا. لكنكَ تعرف يا أخي. كم مرّة ظهرتُ معها في المناسبات. ذاك الوغد كان يعلم كل هذا أيضًا، ومع ذلك أخذها الآن حتى إلى تلك المستنقعات…….”
____________________
ذاه كيف للحين حي مع عقله ذاه؟
المهم فيلياس يوم قال خلاص منب قاىًل الا باستئذان حسبت الوضع صار تمام ليه اختفى اسبوع! يمكن يلاحق اي احد بس عادي بعذره الا انه سافع فانيسا متعمد ياويله
التعليقات لهذا الفصل " 61"