كان فيلياس لا يزال ينتظر جواب فانيسا، وبسبب نذيرٍ مشؤوم لم تستطع أن تفتح فمها بسهولة.
“صاحب السمو…….لم يكن سوى أنه أراد أن يشرح لي قوته، لم يمضِ سوى أقل من دقيقة، وأنا……لم يحدث لي شيء.”
ما إن انتهت فانيسا من كلامها حتى نهض فيلياس من مقعده.
“استأذنكِ لحظة.”
ثم خرج من غرفة الاستقبال مباشرة، وضرب الباب بقوة. فجلست فانيسا لحظة في مكانها شاردة، ثم أسرعت خلفه.
وحين خرجت من غرفة الاستقبال كان فيلياس قد عبر الرواق بالفعل ووصل إلى باب الحصن.
“فيلياس!”
لم يلتفت. بل خرج من الباب كما هو. فاندفعت فانيسا راكضةً إلى أسفل الدرج، وكان قلبها ينبض بقلقٍ مريب.
وحين خرجا من الحصن رأت ظهر فيلياس وهو يسير باتجاه السور الخارجي، فرفع ذراعه مشيرًا إلى أحدهم.
“هيرمان.”
وما إن نودي اسمه حتى استقام الشاب الذي كان يتكئ على سور القلعة ويدخن، وأدى التحية بسرعة، وكان مظهره لا يبدو على الإطلاق مظهر جندي، وهو ما بدا غريبًا.
“أين وليّ العهد؟”
“آخر موقعٍ مُبلّغ عنه هو أطراف فلوريس، هل ستخرج يل سيدي؟”
لم يرد فيلياس. وكان الجندي المناوب النبيه قد حمل السرج بالفعل وهو يعبر ساحة الحصن.
فركضت فانيسا وأمسكت بمعصم فيلياس.
“بِمَ تفكّر؟”
و حدّق فيلياس بصمت إلى المعصم الممسوك.
“لا أظن أن هذا حديثٌ يمكن أن يُقال أمامكِ.”
“……لقد وافقتُ، واعتذر منّي مرتين أيضًا.”
“لو كنتِ تعرفين……ما معنى ذلك حقًا، لما وافقتِ أبدًا، أبدًا.”
“ما الذي تحاول قوله الآن؟”
أدار نظره بعيدًا عنها وأطلق زفيرًا طويلًا، ثم ردّ بصوتٍ أخفّ حدّة.
“أعرف أربعة أشخاص قتلهم وليّ العهد بتلك الطريقة، وفي الحقيقة قد يكون العدد أكثر من ذلك.”
سرت قشعريرةٌ باردة في ظهرها، لكن لو فكرت بهدوء، فلم يكن الأمر غير متوقّع.
بالطبع، فلو كان في ذلك الموضع، ولو امتلك تلك القدرة، فلن يكون هناك سببٌ لعدم استخدامها في وسائل غير مشروعة أيضًا.
“ومع ذلك…….”
“هذا يعني أنه لا أحد غيره يمكنه أن يعرف كيف عبث بعقلكِ، ولا ما الذي غيّره في داخلكِ.”
كان صوته يبدو هادئًا في الظاهر، لكنه كان يقمع غضبه بكل ما أوتي من قوة.
فهزّت فانيسا رأسها.
كانت تعرف نفسها جيدًا. كانت تتذكر ذاتها في ذلك الوقت، وذاتَها الآن، كلتيهما.
“لم يتغير شيء.”
“يبدو أنكِ تثقين به.”
“أنتَ تعرفني.”
“هل حقًا الأمر كذلك…….”
ابتسم فيلياس ابتسامةً واهنة.
كان لا يزال لا ينظر إليها. فأمسكت فانيسا بطرف معطفه.
لم تكن تفهم لماذا يقول مثل هذا الكلام، ولماذا يرتسم على وجهه ذلك التعبير الجريح إلى هذا الحد.
ثم أخيرًا، حين التفت نحوها، طرح سؤالًا غير متوقّع على الإطلاق.
“إطلاق النار، ممن تعلّمتِه؟”
“……؟”
استغرق الأمر منها لحظةً لتفهم سؤاله.
لماذا يسأل عن هذا تحديدًا، وفي مثل هذا الوقت بالذات؟
بالطبع كانت تتذكر. تلك الليلة، في برج المراقبة. كما كانت تتذكر أن فيلياس كان يراقب جانب وجهها وهي تمسك بالبندقية باهتمام.
لكن.
“ما الذي……يجعلكَ تسأل عن هذا الآن؟”
“قولي لي، فانيسا. أرجوكِ.”
وعندها فقط استطاعت فانيسا أن تفهم.
لم تكن تعرف من أخبره، لكن فيلياس كان قد تعلم إطلاق النار مع كونراد.
حتى لو لم يرد، فلا بد أنه كان سيلاحظ. تعابير كونراد التي كانت تراقب من حوله بإفراط، ووضعياته، وعاداته الصغيرة.
والذي علّم فانيسا الرماية من البداية إلى النهاية لم يكن سوى كونراد. تعلّمت منه، وتدرّبت وهي تراقبه، وخرجت معه للصيد مرارًا.
“أعرف أن هذا ليس أمرًا ينبغي لي التدخل فيه، لكن لقاءكِ بكونراد كان بلا شك في الربيع الماضي……وأنتِ، مهما نظرتُ إليكِ، لا تبدين مبتدئة، إذاً……متى بالضبط…….”
عجز فيلياس عن إكمال كلامه. كان من الواضح أنه منذ ذلك اليوم وهو يعذّب نفسه بمثل هذه الأفكار بلا انقطاع.
“أنا…….”
حبست فانيسا أنفاسها دون أن تشعر.
ماذا ينبغي أن أقول؟ هل أقول أنني متُّ مرة، وعدتُ ثماني سنوات إلى الوراء؟ وأنني عشت خلال تلك السنوات الثماني الطويلة حياةً حمقاء بائسة؟
هل يجوز أن أقول مثل هذا الكلام؟
لقد تغيّر بالفعل مصير مايسون وعائلة براير. ولو اعترفت بأمرٍ كهذا، فلن يُعرف ماذا قد ينهار بعد ذلك.
وفوق كل شيء، كانت تخشى أنه لو كشفت كل شيء، فإن الواقع الذي تعيشه الآن قد ينقشع كحلمٍ متبدّد.
“لا أستطيع أن أقول الآن.”
“….…”
“فيلياس، هل تثق بي؟”
“في هذا العالم، الشخص الوحيد الذي أثق به هو أنتِ.”
“كذب.”
أزاح فيلياس بهدوء يد فانيسا التي كانت لا تزال تمسك بطرف معطفه.
“إن لم تكوني تنوين أن تخبريني……فعليّ أن أذهب. فقد ظهر أمرٌ طارئ يجب أن يُحل فورًا.”
“فيلياس.”
“هيرمان، لنتحرك أنا وأنت فقط. بدّل ملابسكَ.”
“……بزيّ الدوق الأكبر؟ هل هذا مناسبٌ لك؟”
“نعم. فلا بد أن آتوير أيضًا يجب أن يعرف من الذي قتل الوارث.”
قال ذلك ثم استدار فيلياس. فأسرعت فانيسا ووقفت في طريقه.
“إيّاكَ أن تفعل ذلك.”
قالت ذلك بنبرة تحذير. و لم يفعل فيلياس سوى أن فرك صدغيه ببطء.
“فانيسا…….”
“أتريد أن تطيح بوليّ عهد دولةٍ كاملة من أجل امرأةٍ واحدة؟ لا يمكنني أن أحب رجلًا يفعل مثل ذلك.”
نظر فيلياس إلى فانيسا وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باردة عديمة الإحساس.
“آه. إذاً يبدو أنكِ لم تعرفيني قط كما أنا، يا آنسة لانغ.”
عضّت فانيسا على شفتيها بقوة. بينما ساد صمتٌ خانق للحظة.
“صحيح، يا سمو الدوق الأكبر. ماذا يمكن لشخصٍ مثلي أن يعرف؟ لكن……من هذه اللحظة فصاعدًا، لا تقتل أحدًا دون إذني. إن فعلتَ، فلن تراني مرةً أخرى أبدًا.”
“لن يكون الأمر سهلًا عليكِ.”
“ماذا تقصد؟”
“لأنكِ ستبقين إلى جانبي إلى الأبد.”
قال ذلك بهدوء يكاد يكون متغطرسًا، وكأن الأمر بديهي. فحدّقت فانيسا به في مواجهة مباشرة.
“هذا ليس قرارًا تتخذه وحدكَ.”
“لما ذلك؟”
سأل فيلياس بصوتٍ هادئ للغاية. و كانت عيناه الشاحبتان تحدّقان فيها دون أدنى اضطراب.
قبضت فانيسا على يديها بقوة.
إن كان جادًا فعلًا……بل حتى لو قالها في لحظة غضب، فقد كانت أمامه عاجزةً تمامًا.
ربما، كما قال وليّ العهد، لقد وطأت بالفعل عرين الوحوش.
‘لا، ليس كذلك.’
هزّت فانيسا رأسها.
‘هذا الصراع الحقير على الهيمنة انتهى الآن.’
شدّت فانيسا بقوة على ياقة فيلياس وجذبته بعنف. وفي اللحظة التي ترنّح فيها من الدهشة، انقضّت على شفتيه وقبّلته قبلةً مفاجئة.
تجمّد فيلياس. لكن ذلك لم يدم سوى لحظة، فحين التفّت يداه حول جسدها بعجلة، دفعتْه فانيسا عنها بقسوةٍ من جديد. ثم ابتسمت ابتسامة متحدّية،
“لا أظنكَ تتمنّى أن تكون هذه القبلة الأخيرة.”
بنظرةٍ كأنها تبتلعها ابتلاعًا، انقطع نَفَس فانيسا فجأة. حتى تلك الابتسامة الخفيفة التي كانت تلوح عند فمه قد اختفت تمامًا.
ويبدو أن هيرمان، وكذلك الحراس الذين كانوا يراقبون المشهد، شعروا بجوّ غير عادي، فتفرّقوا في الجهات وكأن شيئًا لم يكن.
لكن للأسف، لم يكن فيلياس يبدو مستعدًا للاستسلام بسهولة.
و دون أن يغيّر تعبيره،
“لنذهب إلى غرفتكِ.”
“……؟”
“إن كانت هذه هي القبلة الأخيرة، فلا ينبغي أن تنتهي هكذا، أليس كذلك؟”
“ها.”
كانت استفزازًا لا بأس به. لكن فانيسا أيضًا لم يكن لديها أي نيةٍ للتراجع.
وقبل كل شيء، بتلك العينين المرتعشتين على هذا النحو، ومع كل هذا الادّعاء الوقح الواضح.
“يا للصدفة.”
مدّت فانيسا ذراعيها نحو كتفيه المتصلّبين على عكس هدوء ملامحه. و شبكت أصابعها خلف عنقه، ثم همست في أذنه.
“كنتُ أفكر في الشيء نفسه تمامًا.”
____________________
سوو اي شي بس الا الهواش والانفصال المؤقت
ليتها علمته انها راجعه بالزمن معليس بيصدقس اكثر منا
التعليقات لهذا الفصل " 60"