كان في مثل هذه اللحظات أعمى تماماً، لدرجةٍ توجع القلب.
“بالطبع أنا سعيدة. أشكركَ لأنك فكرتَ بي لهذه الدرجة. لكن فيلياس، أنا لا أحتاج إلى إقطاعية.”
“…….”
“وإن كنتُ حقاً تريد أن تهديها لي، وإن كان الأمر مجرد ذلك….فماذا لو نسينا ما حدث للتو؟”
فالشخص الذي تعرفه فانيسا لم يكن مهتماً بالهيمنة ولا بصراع السلطة. ألم يقل ذلك اليوم في قاعة الاجتماع لولي العهد، “قولي ساعدني كي أستطيع الوقوف في صفكِ.”
أفلتت فانيسا عنقه ونظرت مباشرةً إلى وجهه.
فيلياس سايران. ضيفٌ غير مرغوبٍ فيه لدى العائلة الإمبراطورية، شوكةٌ في حلقهم، وصاحب أراضي البراري الشرقية والساحل.
وإن كانت العائلة الإمبراطورية لا تجرؤ على التعامل معه بقسوة، فذلك بفضل قوته. لكنهم لم يتدخلوا في توسعه أيضاً لأنه ظل دائماً غير مهتمٍ بالسلطة المركزية.
وبعد إعدام هوان براير، ستصبح إقطاعية براير رسمياً تحت الحكم المباشر للإمبراطور.
وفي مثل هذا الوقت، لو تدخل فيلياس وانتزع الإقطاعية، فلا أحد يستطيع التنبؤ كيف ستنظر الإمبراطورية إليه.
وفوق ذلك، تقع إقطاعية براير عند أطراف جبال الجنوب وتشمل جزءاً من السلسلة الجبلية. وهذه الجبال الوعرة كانت الهدف والسبب الأساسي تقريباً للحرب الطويلة.
فلا أحد يعلم أين قد يكون “الوجود القديم” مدفوناً فيها، وأي محاولةٍ للعبث بها قد تجعل الإمبراطورية عدواً له.
حتى فاليندورف قبل خمس سنواتٍ لم يجرؤ على ابتلاع قلعة براير الرئيسية، ولهذا السبب بالذات. فمهما كان، لم يكن يرغب بأن يصبح هدفاً لرقابة الإمبراطورية فور حصوله على لقب.
‘ولا يمكن أن يكون هذا الشخص جاهلاً بما يعرفه ذلك المجنون.’
لقد فقدت فانيسا حياتها سابقاً بسبب صراع الخلافة، ولن يحدث ذلك مرة أخرى.
وبعد صمتٍ طويل، سأل فيلياس،
“هل تريدين مني التخلي عن الإقطاعية هكذا؟”
“ليس تخلياً….بل مجرد ترك الأمر كما هو.”
“لو تركناه كما هو….فستؤول الإقطاعية على الأرجح إلى….لا، في هذا الوضع تحديداً ستصبح من أملاك ولي العهد. فالمنطقة جنوب نهر أردين كانت تقليدياً من أملاك ولي العهد.”
تكلم فيلياس ببرود، لكن من الواضح أنه كان يفكر في هذا الأمر طوال الوقت. ويمكن استنتاج ذلك من أنه منذ لحظاتٍ لم يعد يناديه بـ”فريتز” بل “ولي العهد”.
“وهذا لا يهم في النهاية، أليس كذلك؟ فأنتَ أردتَ فقط أن تقدم لي هدية.”
“….…”
“أم أنك كنتَ ترغب في انتزاع الإقطاعية أمام عيني سموه؟”
“أنا لا أنتزع شيئاً. هي في الأصل ملكي.”
“نحن….نتحدث عن الإقطاعية نفسها، صحيح؟”
عند سؤال فانيسا، ارتبك فيلياس قليلاً ثم تنهد بصوتٍ خافت.
“لا بد أنكِ أدركتِ….كيف ينظر إليكِ.”
وهي تعرف. بل وسيكون من الغريب لو لم تعرف. خاصةً بعد أن استمعت صدفةً إلى حديثهما في قاعة الاجتماع ذلك اليوم.
تردّدت فانيسا قليلاً، فخفض فيلياس بصره بحزن.
“أنتِ من أحضرتِ الآنسة براير إلى هنا منذ البداية. وأنا لم أفعل سوى اغتنام الفرصة التي ظهرت أمامي.”
“لو كان الأمر عادياً، لكنتُ لتتجاهله وتمضي. ألم تقل دائماً أن أموراً كهذه مزعجةٌ وتكره الخوض فيها؟”
لو كان الأمر في الأيام المعتادة، لاعتذر وتراجع الآن. لكن يبدو أنه لا ينوي فعل ذلك اليوم.
“إن لم ترغبي….فلن أجبركِ. لكن الأمر أصبح كبيراً جداً بحيث لا يمكن تجاهله.”
“….حسناً. لا يمكنني التدخل في شؤون الحاكم. أنا فقط أبديتُ رأيي.”
وكان ذلك صادقاً. فالقرار في النهاية يخص فيلياس.
“فانيسا.”
فتردد طويلاً قبل أن يتكلم.
“أنا أعلم….أنني لست الشخص الذي يستحق ثقتكِ. وقد ارتكبتُ الكثير من الحماقات. لكنني الآن….الآن.…”
التعليقات لهذا الفصل " 59"