“حتى لو….حتى لو كان الأمر كذلك…..لا يمكن تبرير تلفيق الأدلة.”
“إذاً فلتخبرني يا سموّك. ما الدي كان يفترض بي أن أفعله؟”
قال فيلياس ذلك بلهجةٍ باردة حدّ الرعب.
“سايروس سيستغل الأمر مجددًا ليلقي اللوم على الإمبراطورية، وسيصدر أمر تجنيد جديدًا لتعزيز خطوطه الدفاعية. فلتخبرني، يا سموّ ولي العهد…..هل لديكَ أصلًا نيّةٌ لإنهاء هذه الحرب؟”
نهض ولي العهد وبدأ يتمشى داخل قاعة الاجتماع، ثم فجأة توقّف في مكانه.
“لنفترض….مجرّد افتراض…..أن ما حدث كان فعلًا تصرفًا طائشًا من جانبنا. ما عذركَ؟”
“قلت لك. فاليندروف في فترة تقويمٍ وعقاب.”
“لا. هناك شخصٌ آخر. شخصٌ يمكنه فعل شيءٍ كهذا.”
ولفترة، لم ينبس أحدٌ بكلمة. و ولي العهد كان يحدّق في فيلياس، وفيلياس كان يبادله النظرة.
“أتزعم…..أنني سأقدِم طوعًا على فعلٍ كهذا؟”
“صحيح، الرجل الذي أعرفه ما كان ليفعل. لكنكَ في الآونة الأخيرة ترتكب أفعالًا عجيبة. قبل مدة وجيزة فقط، أحرقتَ منطقة السهول المغمورة، أليس كذلك؟ من طرف السلسلة الجبلية إلى حافة الأرض القاحلة…..لقد فتحت ممرًا كاملًا.”
“معذرة يا سموّك..…”
تدخّل سوريل بوجهٍ متصلّب.
“كان تأمين الطريق نحو الشرق مطروحًا منذ العام الماضي. صحيحٌ أن الدوق تصرّف من تلقاء نفسه، لكن.…”
“متى سمحتُ لكَ بالكلام؟”
لم يستطع سوريل سوى أن يبتلع صوته أمام حدّة كلمات ولي العهد.
“يا دوق، أنا في ساحة المعركة كنتُ دائمًا أقدّم رأيكَ على غيره. فلا تحاول خداعي. أجل، أعلم. بقدراتكَ تلك، يمكنكَ تحويل مملكة سايروس بالكامل إلى رماد. لكن.…”
“آه، وتعرف ذلك ثم تقول هذا أمامي؟ مملكة؟ لو بيدي لأحرقتُ العاصمة أولًا.”
“أنتَ…..لا تأخذ أي شيءٍ بجدية.”
“إذاً ما الذي ستفعله يا سموّك؟ هل تريد إحباطي مثلًا؟”
يبدو أن سخرية فيلياس أشعلت ولي العهد.
“مئتا شخصٍ قُتلوا. نعم، بالنسبة لكَ كل هذا قد يبدو مزحة. لكن هذا لا يعني..…”
“لقد تجاوزتم الحدّ يا سموّك.”
عاد سوريل ليتدخل.
“أنتَ..…”
“لا، يجب أن أقول هذا. حين كنتُ أنا وسيدي نتدحرج في ساحات القتال بين أطراف مقطوعةٍ تتطاير في كل اتجاه، من الذي كان يدخّن السيجار في الخطوط الخلفية الدافئة؟ والآن…..تقول أنها مزحة؟”
“آه، يبدو أن السيد سوريل ساخطٌ من توزيع الوحدات. حسنًا، برأيكَ، هل كان عليّ أن أقودكَ بنفسي من الخطوط الأمامية؟”
“رجاءً…..لا تتفوّه بما لا علم لكَ به.”
شحب وجه ولي العهد. و تجمّد الهواء في الغرفة.
وكان فيلياس هو من كسر الصمت.
“سوريل، اخرج.”
“…..نعم، سيدي.”
“سيكون هناك عقاب. انتظرني في مكتبي.”
انحنى سوريل باحترامٍ لولي العهد وغادر القاعة. فرفع فيلياس بصره نحو ولي العهد الذي ظلّ واقفًا متجمّدًا.
صرف ولي العهد مرافقيه، وبعد وقتٍ طويل فتح فمه بصعوبة.
“أعتذر…..قلتُ كلامًا ما كان يجب أن يُقال. وأنا أعلم كم يكون وقع التجربة في الجبهة قاسيًا…..سأعتذر للسيد سوريل أيضًا.…”
“أيّ قائد يعتذر لضابطٍ تحت أمرته لأجل أمر تافه كهذا؟”
“لكن هو….وأنتَ أيضًا..…”
ارتجفت كتفا ولي العهد.
“إيفانجلين.…”
ضحك فيلياس ضحكةً باردة حين لفظ الاسم كزفرة.
“مع كل ما حدث…..ما تزال كما أنتَ.”
اقترب فيلياس من ولي العهد وهو ينهض من مقعده.
“لكن اسمع يا فريتز. لا داعي للشعور بالذنب إلى هذا الحد. تلك المرأة….كانت ستفقد عقلها عاجلًا أم آجلًا، سواءً كنتَ في حياتها أم لا.”
تغيّر وجه ولي العهد. وفي حياتين كاملتين، لم ترَ فانيسا ذلك الوجه منه قط.
وعندها فقط، أدركت من نظرة عينيه أن هذين الاثنين، فيلياس وفريدريش، ليسا مختلفين إلى ذلك الحد.
“…..حسنا، فلنَكفّ الحديث هنا. سأعود إلى العاصمة. لقد ابتعدتُ طويلاً.”
“حسنًا. وأبلِغ ‘الأخ’ سلامي. وقل لها أن عودتها مرحّبٌ بها في أي وقت، ولنمضِ سويًا لتهشيم بعض الرؤوس.”
ابتسم فيلياس ابتسامةً ساخرة. و رفع ولي العهد رأسه، وامتدت على وجهه ابتسامةٌ تنذر بالسوء.
“آه…..حقًا يا ليون. يبدو أنكَ لا تنوي اختتام الأمر بهدوء.”
“أليس هذا ما أقوله؟ ماذا تظن أنكَ قادرٌ على فعله بي؟”
صمت ولي العهد للحظة وهو يحدّق في فيلياس، ثم سأل،
“لماذا تفعل كل هذا؟ عادةً كنتَ ستترك كل شيء لسوريل وتعتكف في أحد الأبراج.”
“ومن يدري؟ ربما كنتُ دائمًا أرغب في فعل هذا..…”
“هل الأمر بسبب الآنسة لانغ؟”
سادت لحظة صمت طويلة.
ثم أخرجت فانيسا رأسها بحذر من بين الستائر. و كان فيلياس واقفًا وظهره إليها، فلا تستطيع رؤية ملامحه. لكن حتى من الخلف، شعرت بأنّ هناك شيئًا قد انكسر فيه.
نظره العالق في الأرض بلا قاع، كتفاه ترتفعان وتهبطان بثِقَل كأنّ تنفّسه نفسه صار عبئًا.
“ليون؟”
“….صحيحٌ إذاً.”
ارتجفت فانيسا من نبرة صوته التي حكّت الأرض.
“….…”
“بما أنه صحيح، فاختفي من أمامي…..قبل أن أبدأ بالتصرف حقًا كالمختل.”
رفع فيلياس رأسه. و اتّسعت عينا ولي العهد، وارتجفت حدقتاه.
“أنا…..أعني، إن كان هناك ما أستطيع فعله.…”
“يكفي. فقط…..اخرج من أمامي بسرعة.”
“فيلياس.”
“ألم يكفِ هذا؟ الآن…..الآن لم أعد أحتمل. فلتذهب إلى العاصمة أو أي مكان…..فقط اذهب.”
“اهدأ أولًا..…”
دويّ.
التفتت فانيسا إلى مصدر صوتٍ يشبه اختراق شيء غليظ. كان خنجر صيد مألوف مغروزًا في سطح الطاولة الخشبي.
لم تره وهو يخرجه. ويبدو أنّ ولي العهد لم يره أيضًا.
“…..لا يبدو أنّ هذا تصرفٌ حكيم.”
“أنا الآن أفعل أقصى ما أقدر عليه، فريتز. ومع ذلك…..أنتَ أفضل من ذلك الثعبان الحقير باستيان.”
“ما الذي..…؟ ها، حسنًا، إن كنتَ تهددني فاختيار المقارنة سيئ. خليفة العرش بعدي هو..…”
“لا تتظاهر بالسذاجة. أنتَ تعرف. إن اختفيتَ أنتَ، فكونراد سيموت خلال شهر. وأنا…..لن أسمح لباستيان أن يضع يده على العرش. لذا…..إن أردتَ أن أبقى إلى جانبكَ، فعليكَ مساعدتي.”
“هل تعي ما الذي تقوله الآن؟”
قبض فيلياس على كتفي ولي العهد بكلتا يديه، واقترب منه حتى كادت أنفاسه تلامس وجهه، وهمس،
“أرجوكَ يا فريتز. ساعدني. أرجوكَ…..لا تقترب من الآنسة.”
لا أحد يعلم كم من الوقت مرّ. ثم أفلت فيلياس كتفي ولي العهد فجأة كمن استفاق من دوار، و غادر قاعة الاجتماع بخطواتٍ سريعة دون كلمةٍ واحدة.
ظلّ ولي العهد واقفًا مذهولًا للحظة، ثم جلس أخيرًا.
و فكّرت فانيسا إن كان عليها الفرار من خلف الرفّ الآن. بينما أخرج ولي العهد علبة السيجار، ولوقتٍ قصير تلاها صوت القاطعة الحاد.
بينما كانت فانيسا تلعن سوريل سرًا وتحرّك أصابع قدميها داخل الحذاء الضيق، سمعت ضحكةً خافتة.
“آنسة لانغ، كيف لبطلة الإمبراطورية أن تترك فأسها هكذا مرميًا؟”
لمحت فانيسا الفأس الفولاذية فوق المنصة، تمامًا في مسار نظرة ولي العهد.
“…..لم أكن أنوي التنصّت.”
أخيرًا خرجت فانيسا من خلف الستار. و جلست على الكرسي عند طرف الطاولة وخلعت حذاءها.
“هاه…..أخيرًا تنفست.”
أسندت رأسها إلى ظهر الكرسي وتنهدت طويلًا.
“أه…..لا بأس، يمكنكَ التدخين.”
قالت، لكن ولي العهد كسر السيجار في يده وألقاه جانبًا.
“والآن، ماذا تنوين أن تفعلي؟”
‘ماذا يمكنني أن أفعل فعلًا…..’
أغمضت فانيسا عينيها. بينما صوته ما يزال يطنّ في أذنها، كأنه ما يزال واقفًا أمامها.
“أرجوكَ…ططقبل أن أبدأ بالتصرف كالمختل حقًا….”
هل ستفقد فانيسا عقلها هي الأخرى إن بقيت بجانبه؟
لكن التفكير في ذلك لن يغيّر شيئًا. الآن، عليها فقط أن تفعل ما بوسعها.
“أفكر…..بعقد مأدبةٍ رسمية.”
“مأدبة رسمية….هنا؟ في هذه القلعة؟”
“نعم. أظن أنّ دعوة عائلة يونو الذين التقيتُ بهم اليوم ستكون فكرةً جيدة.”
نظر ولي العهد إلى بقايا السيجار المكسور.
“حسنًا. أنتِ قادرةٌ على إدارة ذلك. لكن…..دعيني أحذّركِ فقط. أنتِ تعرفين ماذا يعني أن تتولّي تنظيم حدث اجتماعي هنا، أليس كذلك؟”
رفعت فانيسا رأسها. وقد كان ولي العهد ينظر إليها مباشرة.
_______________________
يعني بتصير زوجته✨
وفيلياس ادري انه مجنون بس وش صار؟ كأن ولي العهد قد استعمل قدرته على فيلياس؟
فانيسا قاعدة تسب سوريل عشانه قالها انخشي😭 ياعمري يت سوريل
التعليقات لهذا الفصل " 50"