استدارت فانيسا تلقائياً، فابتسم ولي العهد بسخرية خفيفة. وبالطبع كان التاجر ينظر إلى فانيسا.
“ماذا عن قطعة فطيرة؟ خبزتها فجراً فقط، طعمها لا يُقاوم!”
“همم، كم سعرها؟”
“أنتِ أول زبونةٍ اليوم، سأعطيكِ إياها مجاناً! فقط بشرط أن تجلسي هنا وتأكلي ببطء، أبطأ ما يمكن. إذا جلست فتاةٌ مثلكِ أمام الكشك، تجمّع الزبائن تلقائياً.”
“آه، دور المُغري. استراتيجيةٌ جيدة.”
كان التاجر ذو العضلات البارزة من سايروس، والفطيرة أيضاً مطبوخةٌ على الطريقة السايروسي: عجينةٌ خشنة قليلاً، مغطاةٌ بكمية وفيرة من كريمة الكاسترد والفواكه الطازجة.
“غريبةٌ حقاً. في الإمبراطورية عادةً يحشون الفطائر باللحم والخضار.”
قالت فانيسا ذلك وهي تلعق الفتات من زاوية فمها.
وعندما التفتت فجأة إلى ولي العهد، وجدته يحدق بها في ذهول.
“أمم، لكن، كيف انتهى بكَ المطاف من سايروس إلى هنا؟”
عند سؤال ولي العهد، هز التاجر رأسه بحزن.
“آه، قصةٌ طويلة جداً، لكن باختصار: الهروب يعتمد على الذكاء.”
“….هل الأوضاع سيئةٌ إلى هذا الحد؟”
أظلمت ملامح ولي العهد.
في الحقيقة، لم تكن فانيسا تعرف شيئاً تقريباً عن وضع سايروس. فالبلاط الإمبراطوري يكره نشر أخبار الحرب، وكانت تعتبرها بعيدةً عنها أصلاً.
و بينما يلف قطعة فطيرة لزبون جديد، تحدّث التاجر،
“كون سايروس كانت تُعتبر الخصم الوحيد للإمبراطورية أصبح من الماضي الآن. في السنوات الأخيرة، حدثت في الإمبراطورية معجزتان قويتان، أليس كذلك؟ أما في سايروس، منذ ولادة الملك الرابع توقفت تلك السلسلة تماماً.”
همس ولي العهد في أذن فانيسا أن ما يسمونه في سايروس “قوة” يُدعى هناك “معجزة”، والمعجزتان تشيران إلى الشخصيتين القويتين في الإمبراطورية.
“البلاط يتفاخر دائماً بأننا دافعنا عن الجبال من غزو الإمبراطورية، لكن بصراحة، ماذا يفيدنا نحن العامة؟ فالشباب القادرون على العمل والطعام، كل شيءٍ يُؤخذ إلى ساحة الحرب. وفوق ذلك، صدر أمر تجنيد جديد.….النبلاء الأذكياء يهرعون لعبور الحدود الآن. و يوروس ستتحرك قريباً أيضاً.”
تنهد ولي العهد بعمق.
“آه، ما فائدة الحديث عن هذا! أنا على الأقل هربتُ مع زوجتي وأولادي منذ زمن، الآن أفكر فقط في كيف أعيش.”
“لكن لماذا أشوكا بالذات؟ الطريق من سايروس إلى هنا لم تكن سهلة.”
سألت فانيسا.
“هذا أيضاً لم يكن سهلاً. نبلاء العاصمة لا يثقون بالأجانب كثيراً. لكن، بصراحة، أكثر مكانٍ يتجمع فيه المال في الإمبراطورية الآن هو أشوكا بلا شك. من كان يظن أن هذا المكان سيتغير هكذا في بضع سنوات؟”
“آه، بالمناسبة، كيف هو سيد هذه المنطقة؟ يقولون أنه مرعبٌ جداً.”
سأل ولي العهد بابتسامةٍ لعوب. و فكر التاجر قليلاً ثم هز كتفيه.
“بصراحة.….لا أعرف جيداً. إذا لم يكن في ساحة المعركة، فهو محبوسٌ في الحصن. الشائعات تقول أنه مجنون، لكن بالنسبة لنا، ما دمنا نعمل بجد فلا يهم.”
“مجنون؟ لا يجوز لكَ أن تتكلم هكذا عن شخص لا يستحق!”
فجأة تدخلت عجوزٌ كانت تنتظر دورها في الصف.
“لولا سيدنا، هل كنتَ ستتمكن من بيع فطائركَ بهذه الراحة؟”
“لا، أنا فقط قلت أن الشائعات….”
“أنتم لا تعرفون شيئاً! حتى ست سنواتٍ مضت، كانت أشوكا مجرد وكرٍ للقراصنة!”
ثم تحدّث حفيدها الصغير الذي يمسك يدها باستغراب،
“لكن جدتي، ألم تكوني تقولين أن كل من في العائلة الإمبراطورية لعنة؟ أليس سيدنا منهم أيضاً؟”
“أوه!”
اختنق ولي العهد بفتات الفطيرة وسعل بشدة. لكن العجوز رفعت إصبعها وصرخَت دون اكتراث،
“سيدنا مختلفٌ تماماً عن أولئك الإمبراطوريين الفارغين!”
“.….هل أنتَ بخير؟”
سألته فانيسا، فأومأ ولي العهد ووجهه أحمر. بينما تابع التاجر بلامبالاة،
“نعم، يقولون أن المنطقة حتى التقاطع هناك كانت كلها وحل. في الشتاء تتجمد، وفي الصيف تنتشر الأوبئة، وكان عدد السكان أقل من النصف عما هو الآن.”
أعطى العجوز الفكة، لكنها كانت لا تزال مليئةً بالكلام.
“كل ذلك بفضربةٍ واحدة من قوة سيدنا الذي قلب المستنقعات رأساً على عقب! ما كنتُ أحلم أن أرى مثل هذه القوة خارج ساحة المعركة!”
“لكن بصراحة.….هو ليس شخصاً يبعث على الودّ كثيراً، أليس كذلك؟”
من قالت ذلك كانت شابةً تقف خلف العجوز.
“ما هذا الكلام؟!”
“في مهرجان الربيع الماضي، صنعن فتيات القرية باقات زهور ووضعنها أمام بوابة الحصن ليراها سيدنا. لكنه عندما عاد من الجولة التفتيشية ركلها كلها قائلاً أنها تعيق الطريق.”
“…….”
“صحيح! عمي أيضاً سلم عليه عندما رآه وحيداً في منطقة الصيد، فقال له: لا تكلمني واغرب عن وجهي!”
أضاف حفيد العجوز وهو يمضغ الفطيرة.
و لا شك فيمن يتحدثون عنه، فتنهدت فانيسا داخلياً وصفرت بلسانها خفية.
“يا للإنسان الوضيع!”
و عندما رفعت رأسها على الصوت المألوف، كان فيلياس واقفاً وظهره للشمس. و صوت كرسيٍ يُسحب بقوة، ثم وجدت كرسي ولي العهد قد انزلق فجأة إلى الجهة المقابلة لفانيسا.
“ما الذي تفعلانه هنا بحق….في مثل هذا المكان.….”
تمتم ولي العهد بكلماتٍ بين أسنانه. لكن فيلياس، دون اكتراث، جرّ كرسياً وجلس بينهما. و لحسن الحظ، لم ينتبه أحد.
لكن مع ظهوره.….تجمعت الأنظار بشكلٍ غريب. والزبائن ازدادوا.…كثيراً.…بل كثيراً جداً.
“أيها الزبائن، إذا احتجتم شيئاً آخر قولوا فوراً، ولا تذهبوا إلى مكانٍ آخر!”
قال التاجر ذلك وهو يقدم فطيرةً كبيرة كاملة على الصحن.
“إذاً أحضر قهوة.”
قال فيلياس ذلك بكل وقاحة،
“فوراً!”
وترك التاجر كشكه كله وركض إلى مكانٍ ما.
و لم يشتكِ أحد. فالجميع كانوا مفتونين ينظرون إلى هذا الجانب.
لكن لا أحد يعلم أن الذي ينظرون إليه الآن هو ذلك السيد المجنون بالذات.
‘وهم لا يتوقعون حتى أنه الوغد الذي يركل باقات الزهور.….’
توترت فانيسا خوفاً من أن ينهال فيلياس عليها بالقبلات مجدداً، لكنه فقط ابتسم لها ابتسامةً عريضة مشرقة.
و في تلك اللحظة،
“يا صاحب الكشك! أين ذهب صاحب المكان؟!”
“أوه!”
‘الشرير ذو الشارب!’
اقتحم رجلٌ قصير القامة مع اثنين من البلطجية الضخمين.
‘أم.….ربما ليس هو؟ شكل الشارب مختلفٌ قليلاً…..’
“من الذي سمح لأجنبيٍ بممارسة التجارة هنا؟! إذا أراد أحد الاستقرار في أشوكا فعليه أن يأخذ إذناً منا أولاً!”
كان شاربه يشبه توأم شارب أحد مرابي بيروز السيئي السمعة، وهو يضرب الأرض بعصاه الخفيفة: طق طق.
‘هناك ذكرياتٌ سيئة تحاول أن تعود.…’
كان هناك شخصٌ فضي الشعر يحمل عصا مماثلة تماماً، وكان يضرب الأرض بنفس الطريقة.….
“اخرس.”
قال فيلياس ذلك بهمس وهو يقطع الفطيرة بسكينه. فالتفت الشرير بوجهٍ مخيف، ثم انتفض ورجع للخلف خطوةً عندما التقت عيناه بعيني فيلياس.
“أأ.…أأ، أم.….على أي حال، نادوا صاحب المكان!”
كان صوته أضعف بكثيرٍ مما كان قبل قليل.
“ومن أنتَ حتى يجب أن نأخذ إذناً منكَ؟”
سأل ولي العهد وهو يقطع قطعةً صغيرة من الفطيرة بنبرة تُبدي فضولاً حقيقياً.
“أأ.…ذاك.…هناك…..”
تلعثم صاحب الشارب، ثم همس لأحد رجاله،
“أنتَ.….من هؤلاء الشابان؟ إنها وجوهٌ لم أرها من قبل.….هل هم نبلاء؟”
____________________
فانيسا تذكرت ابوها ولا من؟
اشوا فيلياس جا عشان ولي العهد مايقل ادبه هااااهاهاعاهاعا🤏🏻
و التاجر ذاه عرف يختار فانيسا عشان كذا تجمعوا كل ذول😭
المهم فيلياس قمة الأدب ياناس يركل باقات الورد لأنها اماطة الأذى عن الطريق😔
التعليقات لهذا الفصل " 46"