“آه، هذا يختلف حسب نوع المستنقع. قد يغرق البعض بالماء، لكن كلما كان المستنقع في الداخل ارتفعت نسبة التراب فيه…..تخيّلي معجون الجص، ستفهمين بسرعة. ينحبس المرء بداخله. ثم يبدأ بالانغمار تدريجيًا كما هو.”
“أليست هناك طريقةٌ للخروج؟”
“بمفرده يكون الأمر صعبًا. لا بد من أن يسحبه أحدهم للخارج…..وهذه المنطقة نادرًا ما يمر بها أحد. وحتى لو التقى أحدهم بكِ، من الصعب توقع أنه سيبدي لكِ مثل تلك المساعدة.”
ما احتمال أن يكون الغريب الذي تلتقيه في براري الشرق ليس لصًا ولا سجينًا فارًّا.
تابع فيلياس كلامه.
“الطريقة المثالية هي إرخاء الجسد والتمدد لتقليل سرعة الغرق وانتظار النجدة…..لكنني شخصيًا أكره التعذيب النفسي. فذلك لا يزيد الأمر إلا طولًا في المعاناة.”
“إذاً أنت ترى أن الغرق السريع أفضل.”
“فالنتيجة في الحالتين واحدة.”
أحقًا كذلك؟ نظرت فانيسا إلى وجه فيلياس. و لقد ابتسم لها…..لكنها مع ذلك لم تستطع التخلص من شعورٍ غريب بعدم الارتياح.
فكرة الانغمار البطيء ذكّرتها بحياتها السابقة. حياةٌ كانت مستلقيةً فيها بلا قوة، تنتظر منقذًا وهي تعلم أنها لن تنتهي بنهايةٍ جيدة أبدًا.
“لا أحد يعرف نهايته مسبقًا.”
عند كلام فانيسا، بدا على فيلياس تعبيرٌ غامض.
“في الحقيقة، نحن جميعًا نعرف. فقط لا نعرف الطريقة بالتحديد.”
“صحيح…..فالبشر يموتون في النهاية. لكن حديثكَ متشائمٌ للغاية.”
“إن كان قد بدا كذلك فأعتذر. لكن بصراحة…..كل ما عداكِ يبدو لي خاليًا من المعنى.”
“هذا ليس أمرًا صحيًا.”
“كنتِ تعرفين ذلك منذ زمن.”
مدّ فيلياس يده فأعاد ترتيب خصلات شعرها التي بعثرتها الريح.
ثم أدارت فانيسا رأسها نحو المستنقع. وفكرت، ربما كانت السنوات الثماني الماضية…..مجرد عملية انغمار تدريجي فوق طبقة من الجص.
لكن……
هزّت فانيسا رأسها.
“مع ذلك…..لن أتمنى أن أغرق بسرعة. حتى لو انحبست في الجص، سأحاول الصمود أطول وقت ممكن. فربما…ططربما أجد شيئًا أتشبث به. وربما تتبقى لي قوةٌ لآخر محاولةٍ للنجاة.”
كان فيلياس على وشك قول شيءٍ ما عندها اختفت الشمس خلف الأفق. و حلّ الظلام فجأة.
فقام فيلياس بتحميل البندقية التي كان يستند إليها، ثم ناولها لها.
“هل ترين ذلك الضوء الأخضر هناك؟”
كان ذلك صحيحًا. فوق ظلام المستنقع الذي لا يُرى فيه شيء، كان هناك ضوءٌ أخضر غريب يتماوج.
“هل تريد أن…..أُطلق النار عليه؟ ولكني قصيرة النظر. ماذا لو أصبتُ شخصًا مارًا؟”
“في هذا الوقت، من يمر هناك إما جثةً أو قاتل، فلا داعي للقلق.”
أرشدها فيلياس إلى الاتجاه التقريبي. و لم يكن مطلوبًا أن تصيب الهدف بدقة.
لترددت فانيسا قليلًا ثم ضغطت على الزناد.
طَــق-
لم يحدث شيء. و ظنت أنها أخطأت، لكن فجأة بدأ المستنقع ينشق بصوتٍ يشبه تسرب الهواء.
تَطَــدّق-
كانت نارًا. تحت طبقة الطين الكثيف، و كان قاع المستنقع يحترق بلون أحمر قانٍ. فاندفعت فانيسا بلا وعيٍ للأمام، فأسرع فيلياس وأمسك بكتفها.
و بعد لحظات، ومع صوت طَــم، انطلقت كتلةٌ حمراء متوهجة في الهواء.
كانت شرارة نارية. وكان ذلك إشارةً لبداية رقصة اللهيب.
طَــم، طَــم، طَــم-
عشرات الشعلات الحمراء انفجرت في وقتٍ واحد، ممزقةً الظلام. و تطايرت الومضات الحمراء بقوة إلى الأعلى، ثم التوت كأنها مخلوقٌ حي قبل أن تتناثر وتهطل كالأسهم النارية.
تحت الضوء المتلألئ، غلى المستنقع بشراسة. كبرت النيران وارتفعت أكثر فأكثر. أعلى، أعلى. حتى بلغت قمة برج المراقبة.
“…..إنه جميل.”
قالت فانيسا ذلك وهي ترى الشرر الذهبي ينهمر كغبار النجوم.
“نعم، إنه جميل.”
و أجاب فيلياس بصوتٍ منخفض من خلفها.
“لكن كيف…..ما المبدأ؟”
“كما ذكرتُ لكِ، تحت المستنقع هناك جثثٌ متحللة. بعضها متراكم منذ العصور القديمة…..لذا لا نملك سوى التخمين بأن جثث مخلوقاتٍ قديمةٍ منقرضة هي ما يسبب هذه الظاهرة الغريبة.”
“هذا ممتع. أن يكون في طينٍ عفنٍ كهذا مثل هذه الألعاب النارية البديعة.”
“يسعدني أنه راق لكِ. أردت أن أُريكِ أن الشرق ليس مكانًا موحشًا بالكامل.”
طقطق، طقطق…
كانت النيران قد اتصلت ببعضها وأصبحت تركض فوق المستنقع كحلقةٍ من الضوء.
“يجب أن نحوّل هذا إلى منتجٍ سياحي….”
تمتمت فانيسا بذلك، فضحك فيلياس فوراً.
“يا للطفكِ….”
احمرّ وجهها دفعةً واحدة. وعندما أدارت رأسها لتحتج، و التقت عيناها بعيني فيلياس. و كان على ما يبدو يراقب ظهرها طوال الوقت.
ثم اقترب فيلياس وجلس بجوارها. كانت عيناه دائمًا بذلك الشرود المأخوذ. وقد احمرّ ما أسفل جفنيه قليلًا هذه المرّة.
فسحبت فانيسا نفسًا صغيرًا.
“أنا….يا سموّ الدوق….أحيانًا….أتساءل عمّا تراه بي أصلًا. ما الذي….يجعلني مميزةً إلى هذا الحد حتى….حتى تفعل كل هذا لأجلي.…؟”
“هذا كلامٌ لا يليق بكِ.”
“لكن أليس هذا طبيعياً؟ أن تقول أنكَ وقعتَ في حبي من النظرة الأولى…..في الواقع، أنا حتى لا أعرف معنى ذلك جيدًا.”
نظر إليها فيلياس بصمت. و كانت بقايا الشرر التي تنفجر بين حين وآخر ترسم ظلالًا متراقصة على وجهه.
“هناك شيءٌ عليّ أن أعترف به، الآنسة فانيسا. شيءٌ…..لم أستطع قوله خشية أن تخيّب الحقيقة ظنّكِ بي….”
و تردد لحظة.
“لقد رأيتكِ من قبل. قبل حفل الظهور الأول.”
“…..هاه؟”
تنهد فيلياس.
“منزل مايسون يقع بالقرب من القناة الكبرى، صحيح؟”
‘لماذا يتحدث عن مايسون فجأة؟’
هزّت فانيسا رأسها بلا وعيٍ بينما فكرت بذلك.
“كان ذلك…..على الأرجح في الشتاء الماضي. كنتُ عائدًا من جولةٍ تفقدية في يوروس.”
المملكة الصغرى يوروس تقع غرب سايروس عبر المضيق. و كانت تمشي على حبلٍ رفيع بين حرب لان وسايروس.
“كانت ليلةً ممطرة…..والعربة التي كان يفترض أن تنتظرني لم تكن في مكانها. و كنت في رصيف القناة أبحث عن سوريل، فرأيتُ أحدهم واقفًا خارج الدرابزين. كان يدير الظهر لي فلم أرَ وجهه، لكنه كان حافي القدمين تحت المطر، لذا كان واضحًا أنه ينوي القفز.”
في تلك اللحظة ضرب رأس فانيسا سيلٌ من الذكريات.
كان ذلك اليوم ميلاد مايسون. كانت هناك حفلةٌ صغيرة، ومعها بعض أبناء النبلاء الصغار.
لم تكن تعرف أحدًا، ولم تكن في مزاجٍ يسمح لها بالاستمتاع بأي حفلة، لكنه مع ذلك كان أفضل من العودة المنزل.
وكانت هناك ابنةُ أحد الضباط. اسمها بوني، على ما يبدو.
‘أخاف أن أموت بعد أن ينقضي الربيع…..’
قالت بوني ذلك وهي تبكي. كانت هي وفانيسا قبل في أول بلوغهما سنّ الرشد. وكلتاهما ثملت من أول كأس شامبانيا في حياتهما.
قالت بوني أنها تخوض موسمها الاجتماعي الثالث. وإن لم تجد هذا العام أيضًا من يخطبها، فسيكون ذلك عارًا على عائلتها.
لكن كان لديها عذر. فوالدها فقير، لم يستطع إقامة حفل ظهورٍ أول لابنته، كما لم يكن بيتهم مرموقًا ليُدعى إلى الحفل الإمبراطوري.
“أنا حقاً أغار من الآنسة لانغ.”
كتمت فانيسا ضحكتها.
كانت بالأمس ممسكةً من شعرها تُسحب صعودًا وهبوطًا على الدرج مرتين. وهي تقول أنها تغار منها؟
فردّت بذلك الوجه الدلالي الساذج الخالي من أي معرفة.
“….تغارين مني؟ ولماذا؟”
“لأنكِ جميلة. يمكنكِ دائمًا إيجاد خاطب جيد. أي رجل سيقدّم لكِ خاتمًا لو لوّحتِ له فحسب.”
“ربما. لكن بعد ذلك؟”
رمشت ابنة الضابط، كأنها لا تدري ما يمكن أن يكون بعد ذلك.
و لم تستطع فانيسا البقاء في ذلك المكان أكثر. وعندما خرجت من القصر، كانت السماء تمطر، فسارت بلا هدف حتى بلغت القناة الكبرى.
____________________
قاعده تمشي حافيه؟😂
وناسه يعني واقع لها من قبل؟ كنت حااااسه ذاه مستحيل هوس حب من اول نظره✨
المهم كنت شاكه في فيلياس هو ومكان موعده طلع يبيها تحب منطقته🤏🏻
التعليقات لهذا الفصل " 44"