“سيدي، كنتُ أنوي أن أظل أتظاهر بأنني لا أعلم حتى النهاية، لكن.….أنتَ تعلم أنني أنا وهرمان وسوريل كنا نشاهد كل شيءٍ في ذلك اليوم، أليس كذلك؟”
فعبس فيلياس. و يبدو أنه لم يستنتج شيئاً.
“آه، ذلك اليوم! ذلك اليوم بالذات! اليوم الذي قبّلت فيه الآنسة خد سيدي!”
صرخ شان وهو يضغط بقوةٍ على خدّيه. لكن فيلياس أدار رأسه بعنف.
“مثل هذا.….يمكن فعله كتحيةٍ عادية تماماً.”
“ألغي كلامي السابق عن أنكَ لستَ أحمق.”
تمتم شان.
“ماذا؟”
“هذا ما كنتُ أنا أريد قوله؟! ما الذي يحدث بالضبط! منذ متى بدأ سيدي يعرف تحيّاتٍ بشرية كهذه!”
“كفى….”
“لا، أنا حقاً لا أفهم أبداً. سمعتُ أنكَ أمرتَ بتجهيز مستلزمات الآنسة لسنةٍ كاملة مقدماً، أليس كذلك؟ إذا لم تكن تنوي طلب يدها، فبأي ذريعةٍ كنتَ تنوي إبقاءها هنا؟ هل ستعرض عليها وظيفةً أم ماذا؟”
دفن فيلياس وجهه بين يديه.
“آخر مرةٍ أقولها.…اذهب.…واعمل.”
“آه، كنتُ سأفعل ذلك على أي حال!”
ثم خرج شان غاضباً من الغرفة. و بقي فيلياس وحيداً في مكتبه لفترة طويلة لا يستطيع مغادرة مقعده.
خطبة، خطوبة.….ظل يفكر بأن فكرة بقائها هنا طواعيةً منها مجرد نكتةٍ سخيفة.
***
عند غروب الشمس، كانت فانيسا خارج المدينة. فقد قال فيلياس أنه يريد أن يُريها شيئاً في المستنقعات القريبة.
بعد عبور آخر بوابة للمدينة، لم يعد بإمكانهما ركوب الخيل بسبب الوحل، فظلت فانيسا تتبعه سيراً على الأقدام.
في الحقيقة، كانت فانيسا تقيس الوقت بعناية.
بحسب رئيسة الخادمات، غادر سوريل عند الفجر إلى منطقة الفيضانات ولن يعود قبل أسبوع.
و بالنسبة لنظارة الأوبرا التي كانت مع فانيسا ويقال أن سوريل أخذها. من الواضح أنه ذهب إلى مسرح الأوبرا بعد الحادث.
وقوته التي يملكها. لو قرأ ذاكرة المكان، لكان قد رأى وجه الجاني. ومن الجلي أن فيلياس يعرف تفاصيل الحادث كاملةً أيضاً.
كانت قد شكّت في ولي العهد من قبل وشعرت بالحرج، ولا تريد أن تظن أن فيلياس يخفي شيئاً بنيةٍ سيئة.
فوق كل ذلك، كلما همّت بفتح الموضوع، كان يقفز شيءٌ من الأدغال. كلابٌ برية، راكون، وحتى ضفادع.
كان فيلياس يلوّح بيده في الهواء مراتٍ قليلة فيطردها خارج الطريق. و يعتذر كل مرةٍ قائلاً آسف لأنني أفزعكِ، لكنها في الحقيقة لم تكن تجد حتى وقتاً لتفزع. فعندما تستعيد وعيها تكون المشكلة قد انتهت.
كلاهما يحمل بندقية صيد، لكن يبدو أنهما لن يحتاجا إليها.
“على أي حال، ما الذي يوجد في هذه المنطقة؟”
مهما نظرت حولها لا ترى سوى أراضٍ قاحلة تمتد بلا نهاية. و فيلياس لم يتكلم منذ عشر دقائق وهو يبحث عن طريقٍ جاف.
فتوقفت فانيسا عن النظر حولها وحدّقت في ظهر فيلياس.
الآن وقد لاحظت، ملابسه اليوم مختلفةٌ قليلاً. قميصٌ وبنطال مفصلان بدقة، وسترة صيد شرقية قصيرة لا تغطي الفخذين.
بفضل ذلك، ظهرت خطوط كتفيه العريضتين وخصره المشدود بوضوح، وساقاه الطويلتان و.….
“.….الآنسة فانيسا؟”
“ها؟ لا، نعم؟”
“هل الحذاء غير مريح؟ الطريق من هنا فصاعداً سيئ الحال.”
“لا بأس.….همم، همم، لا بأس.”
“هل هناك شيءٌ يقلقكِ؟”
“لا، فقط. فكرتُ أن ظهركَ جميلٌ جداً….”
تفوهت بها دون قصد ثم رفعت رأسها مذعورة. لكن فيلياس كان ينظر إلى ملابسه بهدوءٍ فقط.
“آه، شكراً. يبدو أن تعبي في الاهتمام بمظهري لم يذهب سدى. في الحقيقة هذه الملابس حارةٌ قليلاً.”
‘لكن لماذا أنا من يشعر بالخجل؟ أنا فقط رأيت ما هو أمامي. بل ربما ارتداها لأراها أصلاً؟’
هكذا بررت فانيسا لنفسها.
“لكن سمو الدوق، عندما مدحتُ شفتيكَ الجميلتين المرة الماضية، كنتَ خجولاً جداً، صحيح؟ أحياناً لا أفهم النقاط التي تحرجكَ.”
“حسنًا. سأفكر في الأمر ببطء. هل يجوز أن أقدم الإجابة كتابياً لاحقاً؟”
نبرته كعادته، لا تعرف إن كان يمزح أم جاداً.
على أي حال، من المؤكد أنه يقصد المشادة مع شان منذ قليل.
“لا يجوز. مثل هذا الحديث المهم يجب أن يُقال وجهاً لوجه.”
فالتفت فيلياس إلى فانيسا وضحك.
“منذ قليل انحرفت المحادثة، لكن.….حقاً يا آنسة فانيسا، افعلي ما تشائين. عشاءٌ رسمي أو أي شيء، افعلي ما تريدين. لكن.…بعد ذلك.….قد تحدث للآنسة فانيسا أمورٌ مزعجة.”
“أعرف ما الذي تقلق بشأنه.”
“أعني، الناس.….سيتحدثون. عنكِ وعني.”
“الناس دائماً يتحدثون عن الآخرين. وأنا كذلك. لكن ليس علينا أن نصغي إلى كل ما يقولونه.”
توقف فيلياس فجأة عن المشي، ثم استدار ليواجه فانيسا. بينما كانت ألوان الغروب قد انعكست على وجهه بالفعل.
“أنتِ….”
في تلك اللحظة، سُمع صوتٌ من الأدغال القريبة. فرفع فيلياس بندقيته المُعبأة مسبقاً وأطلق النار دون تردد.
بووم!
مع صوت الانفجار، تدحرج جسد ذئبٍ بري ميتاً على الأرض.
و رغم أنه ليس بعيداً جداً عن الحصن، إلا أن ظهور وحشٍ مفترس هنا يؤكد أن الشرق هو الشرق حقاً.
ثم اعتذر فيلياس.
“هناك منازل قريبة، فلم أستطع تركه. من هنا فصاعداً، الأفضل أن تمشي بجانبي.”
اقتربت فانيسا منه، فابتسم فيلياس لها بلطفٍ وهو ينظر إليها من الأعلى.
وكانت عيناه لا تزالان تبدوان مختلتين قليلاً.….لكنها لم تعد غريبةً تماماً الآن.
“مهارة إطلاق النار لديكَ رائعة.”
هز فيلياس رأسه عند كلام فانيسا.
“كان هدفاً سهلاً.”
“ليس بالنسبة لي. في الحقيقة، تفاجأتُ قليلاً. ظننتُ أنكَ لن تحتاج إلى السلاح طالما تملك القوة.”
“الرماية مفيدةٌ من نواحٍ عديدة. ومستواي لا يزال مخجلاً.”
“تواضعكَ مفرط. بدا لي أنكَ أكثر مهارةً بكثير من الأمير كونراد المعروف بأنه قناصٌ بارع.”
“كونراد يهتم كثيراً بنظرات المحيطين به.”
“تعرفه جيداً.”
“تعلمنا معاً.”
عبس فيلياس، كأن الذكرى ليست سارة.
“لكن لماذا لم تستخدم قوتكَ؟”
“كان سيكون أسهل بالتأكيد، لكنه لن يكون منظراً جميلاً.”
“آه.”
أومأت فانيسا موافقة. فحرقه أو تفجيره ليس طريقةً رحيمة على أي حال.
“نحن نحتاج فقط إلى حماية أنفسنا. لا داعي لإيلام الآخرين بلا ضرورة. آه، لقد وصلنا.”
في طرف يد فيلياس، ظهر برج مراقبة. برجٌ قديم جداً مبنيٌ بصخور متراكمة بطريقةٍ عشوائية.
صعدا السلالم معاً. و كانت الدرجة الأخيرة مكسورة، لكن حجرًا كبيرًا طار فجأة في الهواء ودعم أقدامهما.
فجربت فانيسا أن تضغط بقدمها. كان صلباً.
“مريحٌ جداً. لماذا لا تستخدمونه دائماً؟”
“هناك جوٌ ضمني يمنع ذلك.….وأيضاً لأنني كسرتُ أشياء كثيرة في الماضي.”
مد فيلياس يده، وسرعان ما وصلا إلى قمة البرج.
كانت الأرض تحت التل ماثلةً أمامهما بوضوح. لكن حتى من هنا، كان من الصعب تمييز المستنقع. و بدا مجرد أرضٍ قاحلة عادية من التراب والحصى.
“إذاً.….مم، ما الذي أتينا لنراه بالضبط؟”
“أعتقد أن إظهاره مباشرةً أسرع من الشرح. لن يستغرق الأمر طويلاً. الشمس على وشك أن تغرب.”
جلست فانيسا على إطار النافذة في البرج.
“يقال أن هناك مستنقعاً هنا؟ لا يبدو كذلك إطلاقاً من الخارج.”
وقف فيلياس خلف ظهر فانيسا مباشرة.
“يمكن تمييزه من الرائحة. مستنقعات هذه المنطقة.….قريبةٌ جداً من الوحل. تتشكل مؤقتاً عندما تذوب الأرض المتجمدة، وفي الوقت نفسه تبدأ الجثث الغارقة تحتها.….والنفايات تبدأ بالتعفن. و تنشر الأوبئة أيضاً، لذا من الأفضل عدم الاقتراب.”
صحيح، فمنذ قليل، بدأت فانيسا تشم رائحةً خفيفة تشبه الغاز.
‘مكان موعدٍ غريبٌ نوعاً ما…..’
لكنه لم يكن سيئاً. لم تتخيل في حياتها السابقة أنها ستأتي يوماً إلى مستنقعات الشرق البعيد. فحينها لم تكن قد غادرت العاصمة تقريباً.
رفعت فانيسا رأسها إلى السماء. و كان الغروب بالفعل جميلاً جداً. كأن هناك سهلاً مشتعلاً يمتد فوق خط الأفق الخالي من العوائق.
______________________
مستنقع😭! ذاه مكان موعد يا فيلياس؟ بس يله يمكن البرج فيه رخص
وشان اصبر واحد في الروايه
المهم وناسه كانوا يتبعون فيلياس يعني؟ يوم عطته بوسه ماكانوا في اشوكا وش يدريهم😂
التعليقات لهذا الفصل " 43"