فانيسا كانت تحدق في صدر فيلياس بدهشة قبل أن ترفع رأسها لتنظر إلى وجهه.
بدا وكأنه يقول شيئًا لشان، لكن مضمون كلامه لم يصلها إطلاقًا.
فحاولت فانيسا قراءة حركة شفتيه وهي تعقد حاجبيها.
“……هناك حدّ لكل شيء”، “قبل أن أقتلع ……كلها وأفعل……”، “الأفضل أن …… حالًا”.
وبعد قليل أطلق فيلياس سراحها. وعندما استدار، كان شان ينظر نحوهما بعينين شاردتين.
“المساعد؟”
فانتفض شان بجزعٍ وتراجع خطوتين إلى الخلف.
“آه، أ-مم…..لقد أسأت، المعذرة كثيرًا يا آنسة. أرجوكِ، انسَي ما قلتُه لتوِّي. إذاً…..أنا أستأذن..…”
ولم يُتِح لها فرصةٌ لسؤاله عن أي شيء، فقد هرب سريعًا.
“سمو الدوق.”
“…….”
“الآن حتى لا تجيب؟”
لكن من الصعب أن تغضب منه بينما هو يعض شفته السفلية محدقًا إلى الأرض، في مشهدٍ بدا شديد اللطف.
‘يقولون أن المرأة إن رأت الرجل لطيفًا فقد انتهى أمرها..…’
ثم نظر فيلياس إليها من طرف عينه وتمتم بكلماتٍ غير واضحة.
“المثلجات..…”
“نعم؟ ماذا قلتَ؟”
“أتحدث عن المثلجات الذي تناولتيها قبل قليل. لقد أعددتُها لكِ بنفسي. ظننتُ أن تقديمها وقت شرب الشاي سيكون أمرًا يعجبكِ..…”
كتمت فانيسا فمها بلا وعي.
إذاً هكذا…..لقد شعر بالضيق لذلك…..ماذا تفعل الآن؟ بينما هي لم تفهم شيئًا….
“أوه.”
مهلًا. هذا….هذا….هزّت فانيسا رأسها بشدة.
‘أيعرف؟ هذا الرجل؟’
من المؤكد أنه لاحظ أن قلبها صار طريًا بعد أن رأت وجهًا يعجبها لأول مرةٍ منذ شهر.
طبعًا يمكنه فهم ذلك…..لكن لماذا يتقن استغلاله هكذا؟ وهو الذي قضى ست سنواتٍ مغطّى؟
رفعت فانيسا رأسها تنظر إلى فيلياس بعينين مليئتين بالشك، لكنه قابلها بابتسامته النقية المشرقة.
“لـ-لماذا؟ لماذا تبتسم؟”
“لأن نظرتكِ لي بهذه الطريقة…..تسعدني.”
“أوه…..”
شعرت وكأنها تنجرف بالكامل. لكنها تمالكت نفسها.
“قلتَ أنك ستنفّذ كل ما أقوله دون تردد. لكنكَ دائمًا لا تفعل ذلك يا سمو الدوق.”
هزّ فيلياس رأسه بسرعة. ثم أمسك وجه فانيسا بين يديه ليجعلها تنظر إليه.
“أصبح اللمس طبيعيًا أيضًا..…”
“هل…..هل يزعجكِ هذا يا آنسة فانيسا؟ أن نكون وحدنا….هل لا يزال الأمر محرجًا…..أو مخيفًا بالنسبة لكِ؟”
“ليس هذا ما أعنيه..…”
تنهدت فانيسا، وأبعدت يديه ثم سحبته ليجلس على الكرسي، وجلسَت أمامه مباشرة.
كان هذا أمرًا لا بد أن يقوله له أحد…..بل كان يجب قوله منذ زمن.
“استمع إليّ، يا سمو الدوق. أشوكا لم تعد تلك المستوطنة الحدودية التي كانت عليها حين تولّيتَ منصبكَ. أنتَ من رفع أرضًا تخلّت عنها الإمبراطورية نفسها إلى ما هي عليه الآن، فطبيعيٌ أن يعلّق الناس آمالهم على الحاكم.”
“لكن هذا لا علاقة له بي..…”
“بل له علاقةٌ طبعًا! أنتَ من أخضع جزر القراصنة واستوليتَ على زمام التجارة البحرية. ومن الطبيعي أن يتجمع الناس والمال في ميناء ضخم كهذا. وحتى مؤخرًا، توسعت حدود الدوقية حتى سهل المنطقة الوسطى.”
هل ألقت عليه عبئًا كبيرًا؟ راقبت فانيسا فيلياس وهو يحرّك عينيه بحثًا عن ذريعةٍ جديدة.
“ولكن يا آنسة فانيسا….أنا أيضًا…..أبذل قصارى جهدي. ثم إنني أتجنب العاصمة أصلًا لأن..…”
“لأنكَ لا ترغب بمقابلة الناس. أعرف. لكن الأمور ليست بالسوء الذي تعتقده. لستُ أقول هذا بهدم كل الجدران، فقط…..لا تطرد أولئك الذين يطرقون بابك.”
و بعد لحظة صمت، سأل فيلياس،
“وهذا…..من أجل مَن؟”
من أجل مَن؟ فكرت فانيسا.
بالطبع من أجل أشوكا ومن أجل حاكمها فيلياس. لكن سبب سؤاله هذا بحد ذاته يعني أن…..
“إن كنتَ تحتاج إلى دافع…..فافعل ذلك من أجلي.”
“هذا يعني…..أن لديكِ نيةً للبقاء. هنا. معي..…”
انخفض صوته حتى صار عميقًا حد القشعريرة. قهزّت فانيسا رأسها.
“لا تتقدم في التفكير كثيرًا. أنا فقط…..أريد المساعدة. فالمدينة تملك إمكاناتٍ كبيرة.”
“ويمكن أن يكون كل ذلك ملكًا لكِ، يا آنسة فانيسا.”
ثم حدّق فيها بعينيه اللتين تشبهان بحيرةً جليدية ساكنة.
‘حقًا….هذا الرجل..…’
“أكرر، لا تتقدم في التفكير كثيرًا. ولننهِ الحديث هنا. لسنا مضطرين لاتخاذ قرار الآن. والآن…..ما الذي أردتَ فعله معي على انفراد؟”
فتوقف فيلياس قليلًا دون أن يتكلم، ثم ابتسم بهدوء.
“ستحتاجين إلى تبديل ملابسكِ.”
***
شان لم يكن رجلاً يَسهُل إحباطه. لكنه فقط يعرف جيدًا متى عليه الانسحاب.
بعد أن طرده فيلياس، وقف في الرواق يستمع إلى حديثهما كاملًا.
‘كان الباب مفتوحًا، فلا يمكن اعتبار الأمر تجسسًا.’
كلمات فانيسا كانت مطابقةً تمامًا للكلمات التي ظل شان يكررها حتى تآكل لسانه وهو يخاطب سيده، دون أن يختلف حرفٌ واحد.
‘حين أقول هذا، لا يُصغي إليّ إطلاقًا. يا له من رجل فاسد الطبع.’
“…..قد يصبح كل شيء ملككِ، آنسة فانيسا.”
لكن الوضع لم يكن سيئًا أبدًا. تلك الآنسة ذات الشعر الأحمر القادمة من العاصمة قد تكون فعلًا ملاكًا أرسله حظ الذهب.
وبينما ذهبت فانيسا لتبديل ملابسها، وقف شان مرةً أخرى أمام فيلياس.
“ماذا الآن؟”
“قد تكون هذه فرصة.”
وضع شان يديه على المكتب.
“في الإمبراطورية، المعتاد أن السيدات الأرستقراطيات يُقِمن المناسبات الاجتماعية، أليس كذلك؟ عادة زوجة الحاكم أو خطيبته. تخيّل لو أن الآنسة أقامت مأدبةً رسمية في القلعة. ما الذي سيقوله نبلاء العاصمة؟”
طَق، طَق.
عاد فيلياس ينقر على المكتب بأطراف أصابعه، كعادته. و كان يعرف جيدًا ما يعنيه ذلك.
ترتيبه في وراثة العرش هو الرابع. وليّ العهد والأمير غير متزوجين، ودوق باستيـان بلا وريثٍ رسمي…..لذا فحياة فيلياس الخاصة تحت أنظار نبلاء العاصمة دائمًا.
وفي هذا الوقت تحديدًا، لو أن ابنة كونتٍ حديثة الظهور تقيم مناسبةً اجتماعية في إقطاعته؟
ستنتشر الشائعة سريعًا: الدوق الشاب في الشرق اختار تلك الآنسة الشهيرة.
“…..ليست من النوع الذي يهتم بهذه الأمور.”
“أنا لا أتحدث عنها، بل عن رأي الناس. على الأقل سنبعد عنه كل المنافسين المزعجين.”
راقب شان سيده وهو يواصل النقر على المكتب بعصبية.
منذ زمنٍ بعيد ترك شان موطنه في القارة الجنوبية، ولم يفكر يومًا في العودة. لذلك كان من الطبيعي أن يرغب بازدهار هذه الإقطاعية التي اختارها بنفسه.
سيده رجلٌ يكره الناس إلى حد المرض ويعاني من اللامبالاة، لكنه لم يكن غبيًا أبدًا. و ما دام شان لا يتجاوز الحدود التي يرسمها، كان يحترم قراراته.
إذاً، لو فقط تغلّب على هذا الرهاب اللعين من البشر….
“لا.”
“ماذا؟ لِماذا؟!”
لم يبدو أنه ينوي شرح شيء، لكن شان لم يكن ليتراجع.
“آه نعم، بالطبع. ما الذي يجعل رجلاً مثلي يفتح فمه بمثل هذا الكلام؟ ربما على شان المزعج الثرثار أن يعود إلى موطنه، وتبحث أنتَ عن مساعدٍ جديد لطيفٍ مطيع، يرتجف أمام كلمةٍ منكَ، وتمضي معه وقتًا لطيفًا في اللعب!”
دحرج فيلياس عينيه بضجر ثم ردّ مكرَهًا،
“لا أريد أن أُظهرها.”
“عفوًا؟ ماذا….ماذا تقصد؟”
“لا أريد…..أن ينظر إليها أحدٌ بعد الآن. لا أحتمل ذلك.”
شان لم يصدق أذنيه. هل استُبدل سيده بشخصٍ آخر؟
جلس فيلياس صامتًا، يسند ذقنه على يده، ويقلب الأوراق بلا اهتمام.
حسنًا…..ربما هذا جيد، بل ممتاز، فكّر شان بذلك فوراً.
“اسمع يا سيدي. لننظر للأمر على المدى الطويل. بما أننا سنفعلها، فلنفعلها بشكلٍ ضخم ونعلن الأمر رسميًا. بل ماذا لو أقمنا حفلًا راقصًا؟ نضع على رأس الآنسة تاجًا من التيجان التي كانت ترتديها دوقات القصر، ونجلسها في المقعد الأعلى. عندها لن يجرؤ أحدٌ على النظر إليها.”
فهزّ فيلياس رأسه وكأنه يشعر بالاشمئزاز.
“هل تظنها غبية؟”
“لا داعي لخداعها. وإن كنت لا تريد خداع الآنسة…..فلتتقدم إليها بالخطبة قبل ذلك فحسب.”
عند سماع كلمة “خطبة”، اضطربت عينا فيلياس.
‘ما هذا..…؟’
شعر شان بالقلق فجأة.
‘لا يعقل أن يقول أنه لم يفكّر بهذا أبدًا؟’
“لكنها لن تقبل…..أليس كذلك؟”
______________________
ويت ليه قال غيري ملابسس بيطلعون؟
المهم شان ذكي ورايع ومايخاف يعني بينكرف مع فيلياس ليييين يفطس ✨
بس ليه فيلياس يحسبها بترفض ياعمري الخواف😭 وفانيسا يالحنونه خلاص كان قلتي له لقعد طيب😔
التعليقات لهذا الفصل " 42"