“هل ما زلتِ غاضبة؟ فأنتِ لا تنظرين إليّ إطلاقًا. كنتُ طوال الوقت أتطلع لرؤيتكِ.”
‘أين وضعتُ المروحة يا ترى…….’
كانت المروحة مغمورةً في أسفل الحقيبة تمامًا. فتخلّت فانيسا عن محاولة إخفاء وجهها وأخذت نفسًا صغيرًا.
“لستُ غاضبة. فقط……لأنني أراكَ بعد وقتٍ طويل فحسب……”
“عذرًا آنسة فانيسا، صوت العجلات يجعلني لا أسمعكِ جيدًا. ماذا قلتِ؟”
“أعني……قد يبدو غريبًا لكن……”
نهض فيلياس من مقعده وجلس بلا تردد بجانب فانيسا.
“قوليها مرةً أخرى.”
ومال بجسده نحوها. وما إن هبّت رائحةٌ منعشة نحوه، لم تعد فانيسا قادرةً على الاحتمال.
“ا……ابتعد عني! أنتَ……أنتَ وسيمٌ بلا أي داعٍ أصلًا!”
صرخت فانيسا وهي تمد ذراعيها نحوه. ثم حين أدركت فجأة ما قالته، كان فيلياس يرمش وعيناه مضغوطتان بكفّها. و شعرت فانيسا بالخزي من سطحيتها فسحبت يدها.
“آه، أ- آسفة. قلتُ كلامًا سخيفًا.”
“لا بأس. إذاً…….”
كان فيلياس يبدو وكأنه يفكر بجديةَ شديدة.
“كلامكِ قبل قليل……لم يكن على حقيقته، أليس كذلك؟ تقصدين أن وجهي فعلًا عديم الفائدة؟ أم…….”
“يا للجنون…….”
“إذًا……هل هو تعبيرٌ مجازي؟”
“هـ……لا أظن أن عليكَ التفكير فيه بعد الآن.”
“ماذا؟ ولماذا ذلك؟”
ظل فيلياس بملامح حائرة، بينما شعرت فانيسا أنها تحولت إلى حمقاء كاملة.
“سمو الدوق، هل يمكنني فقط أن أضربكَ ضربةً واحدة؟……آه، لا، لا تُجب، إنها مزحة.”
وحين رأت الابتسامة تمتد على وجهه سارعت لتضيف،
“للاسف. لكنني دائمًا مستعدٌ لذلك، كما تعلمين.”
“أرجوكَ لا تفعل.”
“لستُ من هواة هذه الأمور، لكن……لو كانت صفعةً من الآنسة فانيسا فقد لا تكون سيئة.”
“إن واصلت الكلام هكذا فسأقفز من النافذة.”
ابتسم فيلياس بخفةٍ ثم قبّل أطراف أصابع فانيسا من جديد.
“سعيدٌ برؤيتكِ مجددًا.”
***
كانت قاعة الوليمة في الحصن مظلمةٌ قليلًا لكنها مزينةٌ بثرياتٍ كلاسيكية وإضاءةٍ غير مباشرة جميلة. كما كانت الحرارة والرطوبة، مثل مساكن الضيوف رفيعي المستوى، مضبوطة على نحو مريح.
في عشاء المساء بعد حادثة الرصيف. قاد فيلياس فانيسا إلى المقعد الرئيسي وكأنه أمرٌ بديهي.
“سمو الدوق……لا أظن أن هذا مكاني.”
“أتنزعجين من المقعد؟ هل آمر بإعداد قاعةٍ أخرى؟”
“لا، ليس هذا. لكن……يمكنني الجلوس من أي زاوية……إن صاحب السمو موجودٌ هنا أيضًا……”
“آه.”
رفع فيلياس رأسه نحو ولي العهد وكأنه لم ينتبه لوجوده إلا الآن، و تحدّث ببرودٍ مذهل،
“صحيح، صاحب السمو موجودٌ هنا أيضًا. ولكن يا صاحب السمو، من دعاك؟ فأنا مهما حاولت التذكر لا أذكر أنني دعوتكَ.”
ورغم السخرية الواضحة لم يبالِ ولي العهد. بل جلس على يمين فانيسا وهو يطرق بإصبعه،
“ألن يجلب أحدكم بعض الفودكا؟ سقطتُ في البحر ظهر اليوم وأشعر بالبرد.”
فنقر فيلياس لسانه وهو يحافظ على ابتسامته.
“حقًا، يا لها من أخلاقٍ تعلمتها.”
و تنهد ولي العهد أخيرًا.
“دعنا نهدأ فحسب با عمي.”
“هل تأمرني الآن أيضًا؟”
“توقفا عن الشجار أثناء الطعام.”
ومع زمجرة فانيسا المنزعجة، صمت الاثنان فورًا.
لم تكن فانيسا مخيفةً على الإطلاق؛ و كان ولي العهد بالكاد يقاوم ضحكه، بينما كان فيلياس ينظر إليها وكأنه يكاد يذوب من الحب.
‘كيف أصبحت حياتي هكذا…….’
لم يكن شيءٌ كهذا ممكنًا في حياتها السابقة؛ فقد كانت تُعرف بأنها باردةٌ حدّ القشعريرة.
نظرت فانيسا إلى انعكاس وجهها في صينية الفضة.
‘أظن أنني أصبحت أقل حدةً حقًا…….’
جلس الرجلان الضخمان على جانبيها، يتشاجران بلا توقف، حتى أنها لم تعد تعرف ما الذي تأكله.
وبعد انتهاء ذلك العشاء المزعج، وبينما كان فيلياس يتحدث مع سوريل، لمحها ولي العهد وهو يومئ لها بعينه.
“أهذا…..هو الشيء الذي فقدتِه؟”
كان ما ناوله لها هو منظار الأوبرا، وقد نُقشت على مقبضه الحروف V.L، أحرف اسم فانيسا. لم تره منذ سقوطها في المسرح ذلك اليوم.
“كان السيد سوريل يحتفظ به.”
قال ولي العهد ذلك مبتسمًا ابتسامةً غامضة.
“ما الذي يضحككَ؟”
“لا شيء، فقط فكرت كم سيكون موقفكِ محرجًا.”
“فريتز.”
عاد فيلياس فجأة، وأومأ برأسه نحو ولي العهد.
“اذهب للنوم.”
“……أصبحتَ لا تميز بين الوقت والمكان، على ما يبدو. لكن بما أنك صاحب المكان فلا خيار لدي. إذاً، سأستأذن الآن يا آنسة لانغ. ليلةٌ هانئة.”
حيّاها بعينيه برفق وغادر أولًا.
‘لا أفهم إن كان هذان الاثنان ينسجمان أم يتشاجران…….’
وفي هذه الأثناء عاد فيلياس ليجلس بجوار فانيسا.
“كيف كانت الرحلة؟ ألم يحدث شيءٌ مميز أثناء الطريق؟”
رمقت فانيسا خلسةً ظهر سوريل وهو يغادر القاعة.
“أظن أنكَ تعرف بالفعل.”
“همم…….إن كانت هناك أمورٌ تفضلين عدم إخباري بها……فسأبذل جهدي لأتظاهر بأنني لا أعرف.”
“إذاً أنتَ تعرف كل شيء. وهذا يعني أنه ليس لدي ما أقوله.”
“……هل آمرهم بإحضار الحلوى؟”
“ظننتُ أنكَ تعرف كل شيءٍ أصلًا.”
تردد فيلياس قليلًا وهو يراقب ملامح وجهها.
“فريتز بارعٌ بالكلام.”
“……؟”
“أما أنا فلا أجيد قراءة ما بين السطور. أحيانًا لا أفهم المجاز أو السخرية. لذلك أحاول فقط……كي أعرف ما تفكرين به. إن لم أفهم قصدكِ……يصبح فهم كلماتكِ صعبًا. وهذا يربكني…….”
“وإن عرفتَ أين أنا…..هل ستعرف ما أفكر به؟”
“سأحاول فحسب.”
خفض عينيه.
“إن كنتَ تراقبني طوال الوقت……فأنتَ تعرف أين رحلت تلك السيدة.”
“إن كنتِ تعنين السيدة إيفانجلين، فليس أمرًا جديدًا بالنسبة لي.”
“قال سموه أنه سرٌّ بيننا…….”
“ما زال يحلم كثيرًا. قد تكون صفةً جيدة لولي العهد، لكن…..آمل ألا تنشأ عن هذا مشكلاتٍ مزعجة.”
مشكلاتٍ مزعجة. ما إن سمعت ذلك حتى تذكرت فورًا حديثها مع ولي العهد على الشاطئ.
“قد أفشي هذا الأمر، كما تعلم.”
“هناك طرقٌ أخرى لإيقافكِ. مثل أن أبقيكِ إلى جواري…..إلى الأبد……”
ولم تدرك معنى كلامه إلا الآن. فشعرت فانيسا بالارتباك، وصارت تحتاج شيئًا من الحلوى.
“……سمو الدوق، من الذي يفترض أن أطلب منه إحضار الحلوى؟”
“طلب؟ ما دمتِ بقربي فكل ما عليكِ هو أن تأمري فقط، آنسة فانيسا.”
كان خدم الحصن كالأشباح حقًا. كانوا يتنقلون داخل البناء الحجري بلا صوت، يحملون الأشياء ويرتبونها. يتحركون بسرعة، و رؤوسهم منخفضة حتى لا يصادف نظرهم أحدٌ بالخطأ.
وبالنظر لطبيعة سيدهم، فقد كان ذلك أمرًا فعالًا…..لكنه كان يبعث قليلًا على القشعريرة.
وبالفعل، وبدون أي صوت، وُضع طبقٌ الحلوى أمام فانيسا. و كان ماكرون محشوًا بالكريمة.
وما إن وضعت قطعةً منه في فمها بتردد،
“هذا….الشخص الذي صنعه…….”
“هل أقطع رقبته؟”
“بل….زِد من راتبه…….”
لم تستطع إكمال الجملة.
“كنتُ أعتقد أن طعام الشرق كله إما يُغلى في الماء كيفما اتفق، أو يُحمّص حتى يصبح أسود.”
“وهذا صحيحٌ فعلًا. لا يوجد مفهوم ‘الطعام الراقي’ في الشرق. هذه الأشياء بدأت تنتشر مؤخرًا فقط…..والحقيقة أنني لستُ بارعًا فيها.”
“ربما الربح هنا أكبر حتى من حطام السفن.”
همم— أسند فيلياس ذقنه على يده وهو يتأمل وجهها.
“كنت أريد أن أسألكِ منذ مدة، آنسة فانيسا…..ألم تُسدَّد ديون الكونت لانغ بالكامل؟ وقد عاد القصر لملكيتكِ. فلماذا تواصلين السعي وراء المال إلى هذا الحد؟ أنا لا أفهم.”
“قد لا تعرف يا سمو الدوق أن الحياة تكلف مالًا باستمرار.”
“أتفهم ذلك. لكنكِ أيضًا من النبلاء، ولديكِ قصرٌ وأراضٍ ورثتها. فلا تقولي لي أنه من أجل لقمة العيش.”
ولم تفكر فانيسا في ذلك من قبل.
في حياتها السابقة كان عليها جني المال بسبب الديون المتزايدة للكونت لانغ، أما الآن……
“همم……ربما لأنني أريد أن أصبح ثرية.”
ففي النهاية، لا يحمي المرأة غير المتزوجة سوى مالها. وخاصةً إن كانت فقيرةً وجميلة؛ فهل وُجدت وصفةٌ أسهل للشقاء؟
لم يقل فيلياس شيئًا. وبدا في نظرها أن بريق عينيه صار أكثر قتامة، بينما كانت تقضم قطعة أخرى من الماكرون السكري.
_____________________
فيلياس متجهز يصلخ اي احد مايعجبها ياناس الجنتل😔🤏🏻
وولي العهد تكفى خلاص ترا واضح انها زوجة عمك وقف تلزق
التعليقات لهذا الفصل " 39"