مكثت السفينة الأميرة إيفانجلين هناك نحو ثماني ساعات لتعبئة الوقود واستكمال المؤن وغيرها.
جزيرةٌ في وسط البحر، أليست مكانًا مثاليًا للتخلص من الجثث بهدوء؟
إذاً، كيف يمكن تجنب خطر الاغتيال في هذا المكان المجهول؟
‘أولًا، البقاء بالقرب من مَن أوكل مهمة الاغتيال — على الأرجح.’
لم تكن مهمةً صعبة، فولي العهد هو من اقترح مرافقتها أولًا.
وفوق ذلك، كانت قد سمعت تحذيرًا من عمال المطعم بأن الأمن في شارع المتاجر ليس جيدًا. و كان ولي العهد يسافر متخفيًا برفقة اثنين من المرافقين، لذا شعرت بالأمان على أي حال.
عندما خرجت من البنك، هبّت ريح البحر قوية، فربطت فانيسا شريط قبعتها ذات الحافة العريضة بإحكام.
رآها ولي العهد من بائع قريب ولوّح لها بيده. أما المرافقان فكانا يقفان على بعد متيقظين لما حولهما.
و من المرجح أن سوريل يراقبها من مكانٍ قريب أيضًا.
كان ولي العهد يتفقد الخضروات المكدسة على الطاولة. ورغم أن الجزيرة كانت بعيدةً عن البر الرئيس، إلا أن كونها محطةً رئيسية للسفن الكبيرة جعل الإمدادات فيها وفيرة.
راقبت فانيسا تعابير وجه ولي العهد وهو يتأمل الطماطم اللامعة.
‘أن يكون هذا الرجل هو من حرّض على الاغتيال؟ يصعب تصديق ذلك.’
حينها اقترب بائع فواكه من المحل المجاور وقدّم لها تفاحةً دون مقدمات.
“يا إلهي، شكرًا لكَ. التفاحة جميلةٌ فعلًا.”
أومأ البائع مرتين برأسه ثم عاد إلى متجره.
وأثناء عودتها إلى الميناء عبر السوق، تلقت زجاجةَ حليب، وسوارًا من خيوطٍ ملونة، وحزمةً من زهور الأقحوان.
ربما لصغر البلدة كان الناس ودودين وبسطاء.
وقد سألها الفتى الذي يبيع الزهور وهو يحدّق في وجهها.
“هل فتيات العاصمة كلهن جميلاتٌ مثلكِ يا أختي؟”
“كلا. أنا فقط الجميلة بينهن.”
زيّنت فانيسا ضفيرتها بالأقحوان الذي أهداها الفتى، ثم ناولته قطعةً نقدية فضية.
“أنتِ تلفتين الأنظار أينما ذهبتِ. لا يبدو ذلك أمرًا جيدًا في مكانٍ كهذا، خصوصًا إن كانت شائعة ضعف الأمن صحيحة.”
هزّت فانيسا كتفيها و ردّت بابتسامة.
“هذا جزءٌ من الثمن الذي عليّ تحمّله ما دمتُ وُلدت بهذا الوجه.”
فضحك ولي العهد بخفة.
“إذًا كنتِ تتظاهرين بالتواضع فحسب. ظننت أنكِ لم تدركي بعد، وكنت على وشك أن أخبركِ بنفسي.”
“تخبرني بماذا؟”
“بأنكِ جميلة.”
‘ما هذا؟ هل يحاول كسب ثقتي بخداعٍ لطيف؟’
تجهم وجه فانيسا من غير قصد. و بدا أن ولي العهد شعر ببعض الحرج من ردة فعلها.
“آه، هل تجاوزتُ الحد؟ أردتُ قول ذلك فقط…..أظن أنه صار من المقبول أن أقول شيئًا كهذا الآن..…”
حينها رأت فانيسا شيئًا أبيض يلوح في الأفق البعيد فوق البحر.
“إنها حمامةٌ زاجلة.”
مدّت ذراعها فحطّت الحمامة البيضاء على أطراف أصابعها، بينما راقبها ولي العهد بصمتٍ وهي تفتح الرسالة المربوطة بها.
وكما توقعت، كانت رسالةً من فيلياس. خطّه السيئ لم يتغير، لكنه كان هذه المرة أسهل قليلًا في القراءة.
[فانيسا كلوديا لانغ،
أسمائي جميعها ورثتُها عن الموتى. طويلةٌ ومهيبة، لكنها بلا أي معنى.
هل سيتغير شيءٌ إن ناديتِني باسمي يومًا ما؟ لا أرغب في تضييع الورق على ذكر اسمي الآن.
الانهيار الثلجي كان مفتعلًا، وقد دُفن عددٌ من النقاط العسكرية، لكن لم تقع خسائر أخرى. على أي حال، لهذا السبب أنا هنا.
ترى، عمّ تفكرين حين لا أكون بجانبكِ؟ أرجوكِ أخبريني. وفكّري بي من حين لآخر.
فيلياس، الذي يخصّكِ.]
‘حقًا، حتى هذه المرة….هذا التوقيع..…’
[فيلياس الذي يخصّك.] لو سمعتِها بصوته لضحكت ربما، لكن على الورق، كم تبدو قادرةً على تحريك القلب.
ثم تنحنح ولي العهد بخفة. فرفعت فانيسا رأسها و وجدته لا يزال ينظر إليها من الأعلى.
“….على الأقل ستتناولين فنجان شاي معي، أليس كذلك؟ فأنتِ مدينةٌ لي بثمن الشراب.”
“لم أعلم أن لديكَ سجلًّا للديون.”
“آه، حسنًا، كنتُ أمزح فقط..…”
“وأنا أيضًا أمزح. آه، هناك يبيعون كعكة الليمون. هل تجلس معي قليلًا؟ يجب أن أكتب الرد بسرعةٍ لأتخلص من هذه الحمامة المزعجة.”
ورفعت فانيسا الحمامة بيدها.
“قرقرة.”
“هممم…..حالي أقل شأنًا من الحمامة.”
فتمتم ولي العهد بذلك.
“هل أخطأتُ في شيء؟”
“ليس كذلك. على أية حال حان وقت شاي، فلا بأس أن نذهب.”
بعد لحظة جلسا مقابل بعضهما على طاولةٍ خارجية في مقهى صغير.
أحضر النادل الشاي والكعكة التي طلباها. فألقى ولي العهد نظرةً على الكعكة المستطيلة المغموسة بطبقة من الصقيع الأبيض و تحدّث فجأة.
“في الواقع، اليوم هو يوم ميلادي.”
“ماذا؟ إذاً…..أليس من المفترض أن يكون هناك احتفال؟”
“هذا العام كنتُ عنيدًا قليلًا. بصراحة لستُ من محبي الولائم كثيرًا. ثم أن هناك من أحب أن أقضي يوم ميلادي معه.”
‘أها، هكذا كان الأمر.’
تذوقت فانيسا الحليب في حلقها.
حتى الآن رفض ولي العهد الزيجات المرتبة ولم يكن له حبيبةٌ معلنة. ومع أن أسلوب كلامه بدا مسنًا بعض الشيء، إلا أنه في الحقيقة شابٌ لا يتجاوز الثالثة والعشرين.
‘قضاء يوم الميلاد مع من تحب.’
إذًا. بدا أن الهدف الحقيقي من هذه الرحلة السرية هو لقاء حبيبةٍ مخفية.
التعليقات لهذا الفصل " 35"