“أرجوكِ، لا تسيئي فهمي. لستُ أقارنكِ بها، فقط…..أنا لا أجيد حقًّا مدح جمال النساء. ثم إنني لم ألتقِ بعد بامرأةٍ طيبة وحنونة مثل السيدة إيفانجلين.”
‘هممم…..’
هل كان هذا مجرد مجاملة رخيصة؟ هل اختلق هذا الإطراء ليتودد إليها؟
لو كانت فانيسا كما في السابق، لتظاهرت بالخجل وابتسمت بخفة، وربما أشرقت عيناها إعجابًا ببراءته.
لكن الآن….
“هل خطر ببال سموّك يومًا أن تلك السيدة قد تكون لها جوانب أخرى مختلفة تمامًا؟”
رفع وليّ العهد عينيه البنيتين نحوها مجددًا.
“جوانب أخرى؟ مثل ماذا؟”
“مثلًا…..حادثةٌ لو تكلمتُ عنها لربما قُطِع لساني؟”
خشيت أن تكون قد تجاوزت الحدود باستفزازها، غير أن ملامح وليّ العهد لم تتغير قيد أنملة.
هل يُعقل أنه لا يعلم شيئًا عن «تصرفات إيفانجلين المريبة»؟
في تلك اللحظة، وضع وليّ العهد كأسه برفق.
“الآن أدركت أننا التقينا سرًّا ثلاث مراتٍ بالفعل. شربنا الشاي معًا، وها نحن الآن نتشارك الشراب…..بل ونبوح بما في قلوبنا. أليس من الطبيعي إذًا أن نصبح صديقين؟”
“… ..إن كنتَ تراها علاقةً كذلك، فليكن.”
“بما أننا أصدقاء، أود أن أُعلّمكِ أمرًا. لكن لا بأس إن رفضتِ، فقد لا يكون كلامًا سارًا.”
“بل سيكون شرفًا لي أن أتعلم من سموّك أي شيء.”
هزّ وليّ العهد رأسه بابتسامةٍ خفيفة كمن لا يملك خيارًا آخر.
“يبدو أنكِ بارعةٌ في الكذب، يا آنسة، لكن للأسف لديكِ عادةٌ سيئة. عندما تكتشفين كذب شخصٍ أو نفاقه….تفرحين بذلك أكثر من اللازم. وتلك البهجة تظهر على وجهكِ بوضوح.”
“….…”
لم تجد فانيسا ما تقول.
‘لكن حتى لو ظهرت مشاعري، فلا بد أنها كانت دقيقة جدًا…..’
وفجأة، تذكرت شيئًا — أنها لا تعرف بعد ما هي «قدرة» وليّ العهد الخاصة.
‘لا يمكن…..’
“لا، أعلم ما تفكرين به، لكني لا أقرأ العقول. ليست تلك قدرتي.”
“إذاً أنتَ حقًّا قرأتَ تعابيري فقط؟”
ضاقت عيناه قليلًا وهو يجيبها،
“السياسة، يا آنسة، كفيلةٌ بأن تصنع من الإنسان وحشًا. ألا توافقين؟”
“….…”
“هاها، كنتُ أمزح. ولكن…..لنقلها هكذا — كيف ترين نفسكِ يا فانيسا؟”
ترددت قليلًا، لم تفهم بعد إلى أين يريد الوصول.
ثم واصل حديثه بابتسامةٍ خافتة،
“أنتِ طموحة، وتملكين عزيمةً تدفعكِ لتحقيق ما تريدين. متقدمةً على سنكِ بكثير…..لكنكِ لا تزالين صغيرة. وأرى أنكِ لا تُحسنين استغلال شبابكِ كما ينبغي.”
“أيمكن أن تشرح أكثر؟”
“الشباب — أو لنقل، عدم النضج — يمكن أن يكون سلاحًا نافعًا. كلما استهان بكِ خصمكِ، ازددتِ قوةً في الحوار. وحين تصلين إلى تلك النقطة، لن تحتاجي إلى إخفاء مشاعركِ بعد الآن.”
“هل تعني أنني أستهين بسموكَ؟”
“لأقل بلُطفٍ أنكِ لا تتحفظين مني كما يجب. أليس كذلك؟ أنت ترينني شابًا خجولًا يحمرّ وجهه أمام الجميلات.”
“أنا لا..…”
“أعلم. لستُ أتهمكِ. لكن فكّري قليلًا — إنكِ الآن تسهرين وتشربين معي بعد منتصف الليل. لو خطر لي أن أؤذيكِ…..ماذا كنتِ ستفعلين؟ لا أحد هنا ليساعدكِ.”
نظرت فانيسا حولها بقلق، لتكتشف أن المطعم قد خلا تمامًا. حتى الساقي اختفى.
رنّت قطعة ثلج في الكأس بصوتٍ خافت وهي تذوب. و نظر وليّ العهد إلى وجهها المتصلب، وابتسم ابتسامة مشرقة كعادته.
“أظن أنه حان الوقت لننهي جلستنا. شكرًا لكِ على الليلة الجميلة، كان حديثًا ممتعًا.”
***
في صباح اليوم التالي، وبينما كانت فانيسا في طريقها إلى قاعة الطعام، اصطدمت برجلٍ يرتدي ثيابًا بيضاء.
كان غريبًا عنها بلا شك، لكن ثمة شعورٌ قوي بأنها رأته في مكانٍ ما من قبل.
حين وقعت عيناه عليها، تجمّد في مكانه لثانية، و فُتح فمه ليقول شيئًا، ثم استدار بسرعةٍ وغادر الممر.
لاحقته فانيسا بخطواتٍ مسرعة، لكن السفينة اهتزت بعنفٍ حين ضربتها موجةٌ كبيرة، وبمجرد أن استعادت توازنها…..كان قد اختفى تمامًا.
في ذلك الصباح نفسه، كُشِفَت هوية “سوريل” المذكور في رسالة فيلياس الأولى.
كان يجلس في زاوية قاعة الطعام يحتسي قهوته بعيونٍ نصف مغمضة. شابٌ ذو شعرٍ بني، متوسط القامة والبنية، ملامحه عادية إلى حدّ النسيان.
لولا أن فيلياس ذكره بالاسم، لما تذكرته فانيسا أصلًا.
فقد كان ذلك الخادم الشاب الذي جاء إلى شرفة حفل ليلة الحضور الأول بحثًا عن فيلياس.
“السيد سوريل؟”
“هاه!”
ما إن نادت فانيسا اسمه حتى انتفض سوريل من مكانه فجأة، وسكب قهوته الساخنة في فمه دفعةً واحدة.
وبينما كان يبتلعها بصعوبة، رفع عينيه إليها بعينين دامعتين من الألم.
“آسفة، لم أقصد إخافتكَ. هل أنتَ بخير؟”
“أه، نـ….نعم، بخير. ولكن، هل…..هل تعرفينني؟”
“تلقيتُ رسالةً من الدوق. أنت السيد سوريل، أليس كذلك؟”
أطلق سوريل تنهيدةً طويلة وانحنى على الطاولة وكأنه استعاد أنفاسه بعد توتر شديد.
“الحمد لله. ظننت أنني انكشفت. قال سيدي إنه إن اكتشفتِ أمري فسيُلقيني من أعلى الصاري! لكن أقسم أنني لم أتبعكِ، كنا فقط في نفس الاتجاه.”
“لا بأس، فالدوق قال أن لي مطلق الحرية في الاستعانة بكَ كما أشاء. ربما سؤالي وقحٌ قليلًا، لكن…..ما وظيفتكَ بالضبط؟ هل أنتَ خادمه؟”
أشار سوريل إلى الكرسي المقابل، فجلست فانيسا أمامه.
“حسنًا إذاً، يا سيد سوريل، أريد أن أسألكَ: هل كنتَ تتعقبني البارحة أيضًا؟”
“…..فقط بعد غروب الشمس. أعتذر، لكن هذا أمرٌ لا يمكنني التهاون فيه.”
“لا أنوي الاعتراض. في الواقع، أردتُ أن أطلب منكَ خدمة. هل يمكنكَ أن تتولى حمايتي حتى نصل إلى آشوك؟”
فتبدلت ملامح سوريل إلى الجدية، وخفض صوته قليلًا،
“هل حدث شيءٌ يا آنسة؟”
استعادت فانيسا في ذهنها صورة الرجل ذي الرداء الأبيض الذي صادفته منذ قليل. ربما كان مجرد وهم، لكن طريقة هروبه تشبه تمامًا ملامح الجاني الذي رأته في دار الأوبرا.
“هناك شخصٌ مريب…..أعتقد أنه قاتل مأجور.”
“حقًّا؟ على هذه السفينة؟”
“لا أستطيع الجزم.”
في الحقيقة، كان لديها شكٌ منذ مدة. لم يكن هناك الكثير ممن قد يستفيدون من موتها، فهي بلا لقب نبيل الآن، ولا حقٌ في الإرث.
كما أنها لم تَكسب بعد عدوًّا يستحق القتل.
لذلك لم يبقَ سوى احتمالٌ واحد — لا بد أنها عرفت سرًّا لا ينبغي لها أن تعرفه. وأحدث سرٍّ بلغها كان متعلقًا بـ«الآنسة إيفانجلين».
قوة عائلة سايران الإمبراطورية تنبع من دمائهم. فالسحر الذي يسري في عروقهم هو ما يمنح حكمهم الشرعية.
لكن مجرد انتشار جنونٍ في تلك السلالة قد يُدمّر ليس سمعتهم فحسب، بل كيانهم بأسره.
‘ربما من الأفضل أن يُدفَن شخصٌ مثلي مع السر إلى الأبد…..’
هكذا ظنت دائمًا أن من أرسل القاتل هو أحد أفراد العائلة الإمبراطورية نفسها.
والآن، بعد أن أعادت ترتيب الأحداث…..بدا الاحتمال الأكبر أن يكون وليّ العهد هو المسؤول.
ألم يكن هو نفسه من اشترى اللوحة دون أن يسأل شيئًا؟ ربما كان يجب أن تشك فيه منذ البداية. وربما لم يكن لقاؤهما على السفينة محض صدفةٍ أيضًا.
صحيحٌ أن الرجل في دار الأوبرا كان قاتلًا هاويًا أكثر منه محترفًا، وحتى إن كان وليّ العهد وراء الأمر، فليس من المنطقي أن يحضر شخصيًّا إلى موقع الجريمة…..
لكن حديث البارحة في المطعم ظلّ يثير قلقها.
كان يخفي شيئًا بلا شك. وربما ما أشار إليه فيلياس بـ”المكيدة الصغيرة الظريفة” لم يكن سوى تلميحٍ لمحاولة اغتيال.
“آسفة يا سيد سوريل، لا يمكنني إطلاعكَ على كل التفاصيل الآن. على أي حال، لا ضرر من الحذر، أليس كذلك؟”
أومأ سوريل برأسه بجدية.
“مفهوم. في كل الأحوال، إن أصابكِ مكروه، فلن ينجو رأسي أنا أيضًا.”
ابتسمت فانيسا بخفة، لكن ملامحه ظلت مشدودة.
“أليست تلك…..مزحة؟”
“أتمنى لو كانت كذلك.”
________________________
خير فيلياس ماطلع كثير 😔
المهم اظن المنطقه الي رايحه لها قريبه من منطقة فيلياس؟ مدري
ولي العهد طلع مب بريء🥰
وسوريل ذاه اخيرا طلع حسبته حمامه بس مسكين شكله مهدد حتى في احلامه😭
التعليقات لهذا الفصل " 34"