اسمي الكامل هو فانيسا كلوديا لانغ. وكما تعلم، من المعتاد في المراسلات أن يُكتب الاسم الكامل للمستلم، لذا إن لم يكن في الأمر إساءة، أود معرفة اسمكَ الكامل أيضًا.
هل كان الانهيار الثلجي خطيرًا؟ في المرة القادمة، أتمنى أن تخبرني بأخباركَ قبل أي شيء آخر.
وأرجوكَ، تذكّر دائمًا أن حياتكَ أثمن من أي رسالةٍ قد أرسلها لكَ.
لفّت الرسالة وربطتها بإحكامٍ في كاحل الحمامة، فحلّقت على الفور خارج المطعم عبر الباب المفتوح.
“ما هذا بحق! لماذا تطير الحمامة داخل المطعم؟!”
صرخ بعض الزبائن الجدد بتذمر.
‘آسفة…..لكنها ليست حمامةً حقيقية أصلًا…..’
اعتذرت فانيسا في سرّها وهي تمضغ طبق البيض أمامها، مفكرةً أن عناد الحمامة يشبه عناد شخصٍ تعرفه جيدًا.
‘لقد مرّ نصف شهر منذ افترقنا…..’
كانت فانيسا قد استأجرت منزلًا بالفعل في أشوك، فلم ترغب في الاعتماد على فيلياس حتى بعد وصولها إلى الشرق.
لقد عملت بجهد في الفترة الأخيرة، وبفضل ذلك تحسّنت حالتها المالية. فبما تملكه من ذهب مودع في البنك، وعائدات المقاطعة التي ورثتها، كان بوسعها أن تعيش عدة سنوات دون قلق.
صحيحٌ أن انتشال حطام السفينة سيتطلب تمويلًا كبيرًا، والاستثمار دائمًا محفوفٌ بالمخاطر، فقد تعود إلى الإفلاس إن لم تكن حذرة.
لكن رغم ذلك، قررت ألا تستسلم للقلق المسبق.
‘لا داعي للتعلق بالأرقام. الأهم هو إبقاء المال في حركة. ما دمت لا أنفقه بلا وعي، فكل شيء سيكون بخير.’
وفي تلك الليلة نفسها، خسرت فانيسا كل ما تملكه من نقود في لعبة بلاك جاك.
كان ذنبها أنها استهانت بالسيدات الأرستقراطيات في الدرجة الأولى. لم تكن لتتخيل أن خلف تلك الوجوه الهادئة واللطيفة تختبئ مقامراتٌ محترفات بدمٍ بارد.
***
في وقتٍ متأخر من الليل، كانت فانيسا جالسة عند البار في ركن المطعم، تمسك رأسها بيديها. و لم يتبقّ لها سوى ثمن كأس واحد.
‘هل أهدرت كل ثروتي على لعبة حظ؟ ربما…..ربما يجري في عروقي دم المقامرين أيضًا…..’
ارتجفت من الفكرة.
‘لا، لا، لا تبالغي في رد الفعل. لقد ربحتِ كثيرًا في الأشهر الماضية، طبيعي أن يضعف إحساسكِ بالمال قليلًا….أليس كذلك؟….أليس كذلك؟’
طلبت من الساقي كوب ماء بارد.
لحسن الحظ، كان لديها حسابٌ مصرفي بفضل صفقتها مع وليّ العهد، وما إن تصل إلى الميناء التالي حتى يمكنها سحب ما تشاء من النقود.
لكن المشكلة أن الميناء التالي لن تصل إليه إلا بعد ثلاثة أيام.
‘لا بأس…..يمكنني الصوم قليلًا.’
كانت ترفع الكوب لتشرب، عندها—
“الآنسة لانغ، ما زلتِ مستيقظة إذًا. آه، لا تنهضي.”
التفتت، فإذا بوليّ العهد يقف مبتسمًا. جلس إلى جانبها، وعبقٌ خفيف من رائحة السيجار يلامس الهواء.
رفع يده طالبًا قائمة المشروبات، وبدا تصرفه طبيعيًا لدرجة توحي أن التنكر بين العامة ليس المرة الأولى له.
“ماذا كنتِ تشربين؟ أهو…..فودكا؟”
“…..إنه ماء بارد.”
‘أحتاج أن أصفو قليلًا لا أكثر.’
تأملها لحظة، ثم قدّم إليها القائمة.
“في الواقع، لم أزر مكانًا كهذا من قبل. أود أن أطلب شيئًا لمجرد التجربة، فهل تساعدينني في الاختيار؟ سأدفع أنا بالطبع.”
“لا يمكنني قبول ذلك، سموّ الأمير. كيف لي أن..…”
“همم…..آنسة لانغ، فلنتفق على شيء. أعدكِ أنني لن أنزعج أو ألومكِ على صراحتكِ، لذا تكلّمي بحرية. فنحن نعلم أن تلك الرسميات ليست نابعةً من قلبكِ حقًا، أليس كذلك؟”
“إن ساعدتكَ، فستخرج خاسرًا تمامًا.”
ابتسم وليّ العهد وهو يسند ذقنه على كفه بمرح.
“هذا ما أرجوه بالضبط.”
كانت القائمة متنوّعةً بشكلٍ مدهش، حتى أنها تضمنت أفخر أنواع الويسكي في الإمبراطورية — “بلاك وود”.
‘لن أقترب من هذا مجددًا…..’
وبينما كانت فانيسا تفكر، لمح الأمير شيئًا في القائمة، فأضاءت عيناه فجأةً بفضول.
“آنسة لانغ، ما هذا الشراب المسمّى ‘لقاءٌ مع وليّ العهد’؟”
“آه، إنه اسمٌ لمشروب جديد. نوعٌ من الكوكتيلات يمزجون فيه أنواعًا مختلفة من المشروبات الكحولية. من اخترع الوصفة هو من سمّاه بهذا الاسم على ما أظن.”
“فكرةٌ ممتعة. آه، وهنا شراب آخر باسمٍ طويل…..لنرَ، ‘رغوة فوق شاطئ الـــ.…’ همم.”
ثم أغلق وليّ العهد القائمة بابتسامةٍ غامضة.
“هل هناك خطبٌ ما؟”
“آه….لا. فقط…..الأمر غريب بعض الشيء.”
بعد لحظات، وُضِع أمامهما مشروبان: «لقاءٌ مع وليّ العهد» و«حبّ من طرف واحد».
تأمل وليّ العهد الكأس الدائري المملوء بشرابٍ أحمر اللون، ثم أمال رأسه بفضول.
“لكن ما علاقة هذا الشراب بوليّ العهد بالضبط؟”
“أظن لا علاقة له به أبدًا، ربما اختاروا الاسم فقط لأنه يبدو أنيقًا.”
“همم، ربما. طعمه كالنبيذ مع لمسة أعشاب…..لا أحب أياً منهما كثيرًا.”
أما «حبّ من طرف واحد» فكان مزيجًا من القهوة والفودكا — مذاقه حلوٌ ومرّ في آن واحد. رأت فانيسا أن الفكرة لطيفةً على طريقتها الخاصة.
بعد أن تذوّقا كلّ شرابهما، قرّرا أن يتبادلا الكأسين.
“آه، بما أننا نتحدث عن الأسماء، هل يعرف سموّكَ اسم السفينة التي نركبها الآن؟”
كان سؤالها وقحًا بعض الشيء، لكن الأمير بدا مستمتعًا بدل أن يغضب.
“ربما لا يبدو لكِ ذلك، لكني لستُ شخصًا عاطفيًا إلى هذا الحد. وإن كنتُ أبدو أكثر ليونةً مقارنةً بـ ذلك الشخص..…”
“من تعني بذلك؟”
“صديقنا المشترك…..عمي. الشاب الوسيم.”
‘أرجوكَ، لا تنادِه هكذا…..هذا يُشعرني بعدم الارتياح….’
ارتجفت جفون فانيسا قليلًا، فابتسم وليّ العهد بخفة، وتظاهر بأنه لم يلاحظ، ثم ارتشف من «حبّ من طرف واحد».
“على أي حال، ليس في الأمر ما يثير الدهشة. معظم السفن الفاخرة تُسمّى بأسماء سيداتٍ نبيلات.”
تذكّرت فانيسا أنه حتى في حياتها السابقة، كان هناك سفينةٌ تحمل اسمها.
كانت قد توسلت إلى المالك ألا يفعل لأنها شعرت بالحرج، لكنه أصرّ على تسميتها كلوديا روز.
‘لم أكن أقصد أن أصل بالحديث إلى هذا الاتجاه…..’
“سموك…..هل رحلتكَ إلى القارة الشمالية لها علاقةٌ بالسيدة إيفانجلين أيضًا؟”
أومأ الأمير ببطء.
“ظننت أنكِ ستدركين ذلك. لقد كلفتُ بالبحث عن مرسمها القديم هناك، إن أمكن، أود جمع مقتنياتها. كان يمكنني إرسال أحد رجالي، لكنني أردتُ القيام بذلك بنفسي.”
“يبدو أنكَ أحببتها حقًا.”
قالت فانيسا ذلك، لكنها وجدت صعوبةً في تصديق ما تسمع.
من الصعب تخيّل أن وليّ عهد إمبراطورية يخاطر ويسافر متخفيًا إلى أقصى الشمال فقط من أجل تذكارات امرأةٍ راحلة.
تأمل الأمير وجهها مليًّا، و كانت شفتاه تبتسمان، لكن عينيه لم تبتسما قط.
“هل تعلمين؟ لون عينيكِ مطابقٌ تمامًا لعيني إيفانجلين.”
‘……؟’
“لم….لم أكن أعلم ذلك.”
أشاحت فانيسا بنظرها، ورفعت الكأس البارد إلى شفتيها.
لم تعرف السبب، لكنها أيقنت أنه كان يكذب.
بعد اختفاء إيفانجلين، أزال القصر الإمبراطوري كل أثرٍ لها من بين الناس. وبما أن فانيسا الآن لم تدخل عالم النبلاء إلا مؤخرًا، فمن الطبيعي ألا تعرف شكلها.
لكن في حياتها السابقة، كانت قد رأت لوحةً لإيفانجلين داخل الممرات الداخلية للقصر، حيث لا يُسمح إلا للعائلة الإمبراطورية بالدخول.
لم تكن تعلم إن كانت تلك ملامحها الحقيقية، لكن في اللوحة، كانت المرأة تبدو هشةً إلى حدٍّ مخيف — عيناها الرماديتان الضبابيتان تحملان مزيجًا غريبًا من الخوف والغضب.
‘لكن…..لماذا يكذب بشأنها؟’
________________________
ولي العهد مجنون يعني هو يحب عمته قلنا معليه بس متلزق في فانيسا عشانها تشبها ليه؟
التعليقات لهذا الفصل " 33"