داخل العربة العائدة، جلست فانيسا إلى جانب فيلياس، وأخذت تمسح الرمل العالق على ركبته بمنديلها.
“لا داعي…..لأن تفعلي ذلك.”
“أعلم.”
خفض فيلياس نظره يتأمل فانيسا.
“لكن يا آنسة فانيسا، بعد أن تنتهي القضية بسلام…..ما الذي تنوين فعله؟ لن تعودي إلى نزل الضيوف، أليس كذلك؟”
“يبدو أن البقاء في العاصمة سيكون خطرًا. بالنسبة للدوق أيضًا…..ثم إن المجرم الذي هاجمني في المسرح لم يُقبض عليه بعد. في النهاية، أليس لهذا السبب أبقاني سمو الدوق في السجن؟”
ابتسم فيلياس بهدوء.
“إذاً، إلى أين ستذهبين؟ سمعتُ أن شواطئ الجنوب الغربي تكون الأجمل في مثل هذا الوقت من العام، وإن رغبتِ فربما..…”
“أفكر في الذهاب إلى آشوك.”
اهتزت العربة فجأة وهي تتخطى مرتفعًا لم تتفادَه، فظهر الارتباك على وجه فيلياس.
“إلى آشوك؟”
“في الحقيقة، حصلتُ على حق انتشال إحدى السفن الغارقة. موقعها في بحر الشمال، وأودّ، إن أمكن، أن أجمع فريقًا استكشافيًا قبل انقضاء الصيف.”
“آه….هذا….يبدو كخطة عطلة رائعة. لكن، ذلك..…”
لسببٍ ما تردّد في الكلام، وسرعان ما أدركت فانيسا ما الذي يقلقه.
فمهما قيل، كانت مناطق الشمال الشرقي خطرة — غاباتٌ كثيفة، ومستنقعاتٌ سامة، وفوق ذلك هاربون ولصوص يجوبون الطرق بلا خوف.
ومع ذلك، لم يشأ فيلياس أن يعترف بخطر المكان بصريح العبارة.
“لا تقلق، لن أذهب برًّا. لقد حجزتُ بالفعل مقعدًا على سفينة بخطٍ منتظم.”
“همم…..حسنًا. في تلك الحال، قد نلتقي أبكر مما أظن. وإذا التقينا ثانيةً….لست متأكدًا إن كنتِ تذكرين، لكن….ما زال لدينا أربع مرات.”
“أربع مرات؟”
“لقد وعدتِني، لترافقينني خمس مراتٍ إلى الفعاليات. صحيحٌ أن المرة الماضية….انتهت بتلك الطريقة، لكن….إن منحتِني فرصةً أخرى، فستدركين أنني لستُ إنسانًا محطمًا تمامًا.”
كان كتفا فيلياس متصلبتين، وتعبير وجهه هادئ، لكن توتره كان واضحًا.
توقفت العربة، ونزل فيلياس أولًا، ومدّ يده يساعدها على النزول.
و قبل أن يفترقا، سحبت فانيسا معصمه برفق.
“سنلتقي مجددًا.”
ثم اعتلت أطراف قدميها، وهمست قرب أذنه، وطبعَت قبلةً خفيفة على خده، قبل أن تستدير مبتعدةً تاركةً إياه متجمّدًا في مكانه.
هل كان ذلك تصرفًا مفاجئًا أكثر من اللازم؟ أتراها كانت وقحة؟ أسرعت بخطواتها وهي تضم قلبها الذي يخفق بعنف.
‘لكن هذا القدر…..أليس طبيعيًا؟ هو سيغادر قريبًا إلى ساحة الحرب. وقد منحني هديةً أيضًا. ثم ذاك الرجل…..’
إنه…..يحبني، أليس كذلك؟
وحين التفتت قليلًا إلى الخلف، كان فيلياس لا يزال واقفًا في مكانه، يحدّق بها.
وكانت نظرته…..مخيفةً على نحوٍ غريب.
***
لم يمضِ أسبوعٌ حتى انتهت القضية وأصبحت فانيسا حرة.
وكان أول ما فعلته أن زارت منزل البارون سوري. و استقبلتها زوجة البارون، وقد بدت أكثر شحوبًا من ذي قبل.
ركضت إليها إليشيا، وألقت بنفسها في حضنها، وكررت شكرها مراتٍ عديدة.
شعرت فانيسا بألمٍ حادٍّ في صدرها، إذ لم تكن تلك الحادثة لتقع أصلًا لولاها.
طرقت باب غرفة مايسون، ففتح لها الباب بنفسه. ولحسن الحظ، لم يكن مظهره مختلفًا كثيرًا عن المعتاد.
“ادخلي.”
لاحظت فانيسا أن إيماءته نحو الكرسي كانت متكلفةً بعض الشيء، فابتسم مايسون ابتسامةً واهنة حين لمح نظرتها.
“يقول الأطباء إن لديّ خللًا بسيطًا في الأعصاب. لا يؤثر على حياتي اليومية، لكني لا أستطيع قبض يدي جيدًا. على الأقل، لن يُجبروني على التجنيد، أليس كذلك؟”
قال ذلك مازحًا، لكن فانيسا شعرت بالراحة في أعماقها.
صحيحٌ أن ما مرّ به كان فظيعًا…..لكنه على الأقل لم يمت — فلو سار القدر كما كان، لكان قد قُتل بعد ثلاث سنواتٍ على الجبهة الجنوبية.
‘لكن…..هل أملك حق التفكير بهذه الطريقة؟’
“فانيسا، هذت ليس ذنبكِ. قلت لكِ هذا من قبل.”
قال مايسون ذلك بعينين حازمتين.
“كنت أظن…..أنكَ قد تحطّمتَ تمامًا، يا مايسون.”
“الإنسان لا يتحطم بتلك السهولة.”
“ربما…..لكني هذه الأيام لم أعد واثقةً من شيء.”
صمت مايسون لحظة، ثم نظر إلى النافذة. و كانت غرفته في الطابق الثاني، ونافذته تطل على القناة الكبرى التي تتصل بالمضيق الجنوبي الغربي.
“قلتِ أنكِ سترحلين إلى الشمال الشرقي، أليس كذلك؟”
“نعم، ربما أعود في الشتاء….إن حدث شيء، أرسل لي رسالة، أرجوكَ.”
“بل أنا من عليه أن يقول ذلك.”
تبادلا بعد ذلك بعض الأحاديث القصيرة، ولم يبدُ أن مايسوو قد تغيّر كثيرًا عمّا كان عليه من قبل.
وحين نهضت فانيسا مودّعة، بادرها فجأة بالاعتذار.
“آسف يا فانيسا.”
“على ماذا؟”
“كنتُ أعرف منذ زمن أن والدكِ كان يضربكِ. حين كنا صغارًا كنت أخشى الكونت، وحين كبرنا…..لا أدري، ربما كنتُ أريد فقط أن أصدق أنكِ بخير، لأنكِ كنتِ تتصرفين وكأن شيئًا لم يكن. كنتُ جبانًا.”
“لقد مضى كل ذلك الآن.”
“صحيح. فلنعتبره ماضيًا، أنتِ وأنا.”
أومأت فانيسا بصمت، متمنّيةً من قلبها أن تبقى كل تلك الأشياء فعلًا مجرد ماضٍ لا يعود.
***
حلّ الصيف في العاصمة. و انتهى موسم المجتمع المخملي، وبدأ النبلاء يستعدّون واحدًا تلو الآخر للرحيل إلى ضياعهم الصيفية في الأرياف.
وكان من بينهم كثيرون يتجهون نحو جزر البحر الشمالي أو إلى القارة الشمالية، ولهذا كانت مدينة الميناء “مونتيا”، الواقعة شمال العاصمة، تزخر بالحركة في هذا الوقت من العام.
“إنها ضخمةٌ حقًا!”
قفز الأطفال فرحين وهم يحدّقون بالسفينة بإعجاب.
كانت الباخرة الراسية في الميناء بانتظار ركابها سفينةٌ بخارية شراعية تزن أربعة آلاف طن، أُطلقت في البحر قبل عامين فقط — إنها “الأميرة إيفانجلين”.
خطّها المنتظم يدور حول بحر الشمال، مارًّا بآشوك، ثم يتجه إلى القارة الشمالية. وكانت فانيسا قد حجزت باكرًا تذكرةً في الدرجة الأولى.
إنها أول رحلةٍ في حياتها — دون وصيٍّ، ولا خادمة، بل بمفردها تمامًا.
‘وفوق ذلك، لا أحد هنا يعرفني. يا له من إحساسٍ مثير….’
في الصباح، حين ساعدتها نيكولا في الاستعداد بعناية، أوصتها بلهجة حازمة،
“حالما تستقرين هناك، عليك أن تستدعيني، آنستي. إنه وعد، لا تنسي. أنتِ وأنا صرنا مرتبطتين إلى الأبد تقريبًا.”
“همم، حسنًا…..أعدكِ؟”
وفي اللحظة التي كانت فيها فانيسا تمسك حقيبتها الصغيرة متجهةً نحو طابور الصعود إلى السفينة، سمعت صوتًا مألوفًا يناديها،
“ألستِ آنسة لانغ، ابنة الكونت لانغ؟”
التفتت، فرأت رجلًا أشقر يبتسم بابتسامةٍ مشرقة.
“صاحب السمو ولي العهد؟”
“يا للصدفة! لم أتوقع أن أراكِ هنا. يبدو أن حظي جيد اليوم. آه، وفّري علينا المجاملات الرسمية، فأنا متخفٍ في مهمةٍ سرّية الآن. وإن أمكن، رجاءً تجنّبي استخدام الألقاب الرسمية أيضًا.”
“إذاً..…”
“ناديني بـ ‘فريتز’، إن شئتِ.”
“هاهاها..…”
لاحظت عندها أنه بدا مختلفًا تمامًا عن مظهره المعتاد، يرتدي قميصًا بسيطًا ومعطف فِراك خفيف، وشعره الذي كان دائمًا مصففًا بعناية صار الآن يتدلّى مجعدًا فوق جبهته.
لو لم يعرفه أحدٌ من قبل، لظنه شابًّا من أبناء النبلاء لا أكثر.
وكان مرافقاه الواقفان خلفه يرتديان بدورهما ملابس سفر عادية.
“على أي حال….يشرفني لقاؤكَ مجددًا، سمو-…..أقصد، يا فتى النبلاء. لكن، ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟ ظننتكَ في الجبهة الجنوبية.”
عند ذكر الجبهة الجنوبية، عقد ولي العهد حاجبيه قليلًا.
“لو طال أمد الحرب فربما أعود إليها. أما الآن، فلي عملٌ شخصي في القارة الشمالية. وأنتِ، هل أنتِ ذاهبةٌ في عطلة؟”
“نعم، سمعت أن أضواء الشمال في الشرق جميلةٌ جدًا.”
قالت ذلك متحاشيةً الإفصاح عن وجهتها الحقيقية، لكن عينيه أشرقتا حماسة.
‘يا له من إنسانٍ نقيّ، كلما نظرت إليه ازددت اقتناعًا بذلك.…’
“حسنًا، إذرً أستأذن الآن. أرجو لكَ رحلةً ممتعة.”
“لحظة، آنسة لانغ.”
التفتت نحوه بشيءٍ من القلق.
“إن لم يكن لديكِ مانع، هلّا ترافقينني حتى الوجهة نفسها؟ أعتقد أن وجود محادِثةٍ لطيفة مثلكِ سيجعل الرحلة أقل مللًا.”
“آه….محادِثة لطيفة، تقصد..…؟”
صرف ولي العهد مرافقيه، ثم تحدّث بجدية وقد بدا عليه التردد،
“أدرك أن لديكِ ما يثير استياءكِ نحوي. كان طلبي منكِ التستر على فعل الدوق ظلمًا بيّنًا. لذا…..ألن تمنحيني فرصةً للتكفير عن ذلك؟ أودّ أن نظل على الأقل على ودٍّ صريحٍ، بلا جفاء.”
لم تستطع فانيسا أن تردّ بسهولة. فولي العهد كان لا يزال بالنسبة لها شخصًا يثير التوتر.
وليس بسبب قضية اللوحة أو ما فعله الدوق فحسب — بل لأن نظرته إليها كانت تُرهقها، كأنه يبحث من خلالها عن شخصٍ آخر.
______________________
يا ليل النشبه هش رح زوجة عمك يقليل الحيا!
المهم برسة فانيسا اااااااااااااااااا😭✨ فيلياس وقف قلبه وشكله ياله تسحب وراح للجبهة ذي ولا لو انه بيده كان سمعنا قلوللووووووش الف الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله محمماااااااد
عشان كذا ولي العهد لو يسوي شي وفيلياس بعيد بوم طع وجنجان بينهم
التعليقات لهذا الفصل " 31"