أكثر من أي شيء، لم تكن فانيسا في جوهرها تفكر بالانتقام الفوري من الدوق فالندروف.
حتى لو كشفت عما حدث لها ولمايسون، فلن يحرك ذلك ساكنًا لديه؛ ربما يدفع غرامةً صغيرة ويُسدل الستار، وربما حتى ذلك سيُدبر بهدوء.
ولو طعنته كمن يطلب الانتقام، فالأرجح أن فانيسا وحدها من ستقف على المقصلة في النهاية.
لإقصائه هو ونفوذه بالكامل…..كانت الصورة تحتاج إلى أن تكون أكبر من ذلك بكثير.
مثلاً…..
‘ها، لا أدري.’
حين تنهدت فانيسا، أضاف النقيب ملاحظته.
“قد لا يساعدكِ هذا على اتخاذ القرار، لكن البارون سيري قد وقّع على نفس الأوراق بالفعل. رجلٌ حكيم. عليكِ أن تأخذي مستقبل السيدات بعين الاعتبار أيضًا.”
“اصمت وأعطني القلم.”
“حسنًا….”
“سأوقع، لكن بلّغ الدوق فالندروف أنه يمكنه أن يذهب إلى الجحيم.”
“حسنًا، سأبلغه. لا أعلم إن كان سيصغي.”
ناولها النقيب القلم.
“وهناك شيءٌ آخر، لما التوجه إلى المقر أصلاً؟”
“آه، هناك أمرٌ…..محرج بعض الشيء، وأرغب في وساطتكِ.”
“تطلبون الكثير من مدنيةٍ بسيطة..…”
“أعتذر إن بدا طلبي جسيمًا، لكن لا أوافق على تسميتكِ مدنيةً بحتة.”
“وهل تقول هذا الكلام الآن؟”
على الرغم من ردها الخشن، ظل النقيب يبتسم بثبات.
“ذلك لأن، ألم يمر ست سنواتٍ منذ أن ظهر سمو الدوق علنًا بوجهه؟ أليس ذلك بفضل ما فعلتهِ يا آنستي؟”
‘ربما…..لكن لماذا ظهر هذا الموضوع الآن؟’
حينها وصلت العربة التي تقل فانيسا إلى المركز.
على عكس الحرس الإمبراطوري داخل القلعة، كان مقر دفاع العاصمة منفصلًا خارج الأسوار، جنوب النهر، معزولاً بعض الشيء. وكان كبيرًا بما يكفي لأن تستغرق العربة وقتًا إضافيًا بعد المرور عبر البوابة.
أُخذت فانيسا إلى مبنى حجري صغير مُعدّ خصيصًا، بعيدًا عن المقر الرئيسي. و طلب النقيب منها الانتظار ثم طرق بابًا عند نهاية الرواق، قبل أن يلوّح لها مازحًا.
“بالمناسبة، ها نحن نتحدث عن الآنسة لانغ.”
وضع إصبعه على شفتيه وفتح الباب شبرًا لتسمح فانيسا بإلقاء نظرة خاطفة. فترددت ثم أمعنت النظر من الشق.
‘من هذا..…؟’
تراءى لها فيلياس بملامح تهددُ بالضجر والاشمئزاز كما لو كان غير معروفٍ لها.
جلس مائلاً على الكرسي، يلقي بوزن خاتم زجاجي دائري في الهواء ويقبض عليه.
“أنت ذاهبٌ إلى الجبهة غدًا، أليس كذلك؟ هناك الكثير من التحضيرات.”
تلفظ رجلٌ يجلس مستندًا إلى الباب سائلاً فيلياس.
“ما الذي عليّ أن أجهّزه؟ سأفعل كما يأمرني فريتز من دون عناء.”
“ألا تود أن تخبرنا كم ساعةً نمتَ خلال الأسبوع الماضي؟”
“هل صار عليّ حتى أن أفصح عن نمط نومي الآن؟”
“مزاجكَ اليوم متقلبٌ بشكلٍ خاص.”
سُمع صوت تقليب الأوراق سريعًا.
“حسنًا، من الناحية الصارمة هذا أمرٌ تحت صلاحيتي في الحرس، لكن سبق لي أن فعلت ذلك. خطةٌ أنتَ من تقترحها تقوم على استخدام هاربٍ كصنم، أليس كذلك؟ لكن من تقصدون تحديدًا؟ وما الدافع وما هو العذر؟”
فقد فيلياس توازن خاتمه، فتعثر وسقط في يده فتدحرج وارتطم وجهه بالأسطح. ثم تمتم بشيءٍ بدا كالشتيمة وهو يئن من التعب.
‘كنت أظنّ ذلك…..إنه مدهشٌ فعلاً…..’
يكفي النظر إلى طريقة تفاعل من حوله لمعرفة أن صورة فيلياس في العمل تختلف عن الصورة التي عرفتها فانيسا.
لكن رؤية ذلك فعليًا كانت شيئًا آخر، ومع استمرارها في التحديق من الشق المفتوح، شعرت بغرابةٍ من الذنب.
“أعيد الشرح مرة أخرى، وإذا لم تفهم فسيكون هناك تعليقٌ للوظيفة.”
رفع رأسه ونظر بوجهٍ بارد لدرجة أن الجو بدا يقشعر من حوله،
“الأعذار والأدلة يمكنني وضعها أمامكم كما تشاءون، أليس كذلك؟ لكن هل ثمة حاجةٌ فعلية لذلك؟ على أي حال ستفعلون ما أوجهكم به. حتى لو تلفقتُ الأدلة، فلن تتمكنوا من فعل شيء. سأقوم بتجميل الأمور وإحضارها هنا جاهزة. أنتم تستجوبون ذلك المذنب وتصطادون منه اعترافًا، ثم تعدمه المشانق، وكأن الشخص لم يوجد أصلًا: لا جثة تُدفن ولا أوراق تُحرر، والقضية تُغلَق. هذا فعّال أليس كذلك؟”
“أهذا ما تقوله إذاً..…؟”
“هل سألتكَ عن رأيكَ؟ اخرس ونفّذ ما أقول، أيها الجرذ الفاليندورفي..…”
في تلك اللحظة، أسرع النقيب وطرق الباب.
“أحضرتها.”
استدار الرجل الذي كان يجلس وظهره للباب، ليكشف عن شابٍ بشعرٍ فضيٍّ رماديٍّ داكن، مطابقٍ تمامًا للنقيب في ملامحه. و لم يكن يحتاج أحدٌ لأن يسأل، فهما توأمان بلا شك.
“آه، الآنسة لانغ، أشكركِ على قدومكِ من هذا البعد. أنا أوسكار فاليندورف، نائب قائد قوات دفاع العاصمة، ويُطلق عليّ أحيانًا لقب ‘الجرذ الفاليندورفي’.”
ابتسم النائب واقترب محاولًا أن يمسك بيد فانيسا، لكن خلفها أطلق النقيب صوت سعالٍ غريب. و التفتت، فرأته يومئ برأسه باتجاه فيلياس.
وما إن أدرك النائب أن الدوق يحدّق نحوه بنظرةٍ حادةٍ كالسكين حتى سحب يده بسرعةٍ وانحنى قليلًا احترامًا.
“تفضلي، اجلسي هنا من فضلكِ. سيُقدَّم الشاي حالًا.”
أشار النائب إلى الكرسي المقابل، وجلست فانيسا لتجد نفسها وجهًا لوجه مع فيلياس، الذي ظلّ ينظر إليها بدهشةٍ لم تخفَ على أحد.
“لا حاجة للشاي. همم…..يا سمو الدوق؟”
“…..نعم، آنسة فانيسا.”
فابتسمت بخجلٍ،
“هل تفاجأتَ؟”
“لم أتوقع أن أراكِ هنا.”
تسلّل بريق ابتسامةٍ هادئةٍ إلى وجهه، وعاد الدم إلى وجنتيه الشاحبتين.
التقت فانيسا بلمعانٍ أحمرٍ خفيفٍ في أطراف عينيه، وبذلك النظر الذي اخترقها بعمقٍ حتى كاد يلامس قلبها.
‘تلك نظرة شخصٍ واقعٍ في الحب…..’
بمجرد أن خطرت لها الفكرة، فزعت من نفسها و خفضت بصرها سريعًا.
“يبدو أننا سمعنا شيئًا لم يُفترض بنا سماعه.”
قال النقيب ذلك بعد أن تنحنح مرتين مرتبكًا.
“أنا والآنسة لانغ، سمعنا لتوّنا خطة سمو الدوق تلك التي لم يسمع بها بشرٌ من قبل.”
عندها، لمع بريقٌ في عيني النائب الذي كان يحمل إبريق الشاي، وبدت الهالات السوداء تحت عينيه واضحةً كظلالٍ قاتمةٍ من السهر.
“حسنًا، ما رأيُكِ إذًا يا آنسة لانغ؟ هلّا شاركتِنا وجهة نظركِ في خطة سمو الدوق؟”
تجمّعت النظرات الثلاث عليها دفعةً واحدة.
‘ما هذا الجو الغريب بحق…..’
رمق النائب فيلياس بنظرةٍ حذرةٍ قبل أن يتحدث،
“أفهم أنكَ تريد معاقبتي على كل هذا، فليس لي ذنبٌ سوى أني وُلدتُ كفاليندورف. لكن اختلاق شخصٍ من العدم؟ حتى بالنسبة لسموك، أليس ذلك مخالفًا للعقل والمنطق؟”
كان ينتظر منها أن تتفق معهم، أو على الأقل تُظهر بعض الغضب نيابةً عنهم.
“ليست فكرةً سيئة.”
“عفواً؟”
“ماذا؟!”
قال التوأمان ذلك بصوتٍ واحد، وبدت على وجهيهما علامات الذهول الكامل.
“انظر، لا أعرف لماذا جلبتموني إلى هنا، لكن ليست لديّ أي نيّةٍ للتدخل في ما تقومون به.”
“لكن…..إنّه أمرٌ يخص والدكِ الراحل، الكونت لانغ. ألا يجب القبض على الجاني الحقيقي؟ إن مرّت الأمور هكذا فستُدفن الحقيقة..…”
هزّت فانيسا كتفيها بلا مبالاة.
“أياً يكن الجاني، أراه قد خدم المصلحة العامة للإمبراطورية. ثمّ إني كنتُ أنا نفسي مشتبهةً بها، أليس كذلك؟ لقد أخرجتموني من السجن قبل قليل، تذكرون؟”
ظلّ النائب يراقب نظرات الدوق، غير قادرٍ على مواجهته مباشرة، ولعله كان يأمل أن يخفّف حضور فانيسا من حدة الأجواء المتوترة.
‘لم أفهم لماذا ظنّ أني سأكون من النوع الذي يهدّئ المواقف.’
ما لم يدركه هو أن المشاعر التي يكنّها فيلياس لفانيسا تجاوزت حدود المنطق ذاتها. وبذلك، لم يفعل النائب سوى أن صبّ الزيت على النار.
“إذاً..…”
تحدّث فيلياس بابتسامةٍ لا تزال راسخةً على وجهه.
“أيّ منكما خطرت له الجرأة أولًا لاقتراح جلب الآنسة بهذا القدر من الجرأة إلى هنا؟”
_________________________
وناسه توأم! يارب يطلعون واحد فلاوييين😭 طبعاً بعد مايتصفقون من فيلياس ذا السع
فانيسا اهجبتها القمره اني داريه كذا اسهل لها😭 بس من بيجيبون مثلا؟ جاسوس؟ واحد بينعدم؟
المهم عشان كذا قالت ماطال الوداع شافته على الذول اليوم الي بعده😂 وبخطه رايعه بعد
التعليقات لهذا الفصل " 29"