“حسنًا، فهمت. على أي حال، عد إلى قصركَ يا سمو الدوق. لا أريد أي معاملةٍ خاصة.”
“الأمر ليس استثنائيًا كما تظنين، ثم إنني لا أستطيع أن أسمح لكِ بالبقاء هنا أكثر.”
“أنا لستُ من العائلة الإمبراطورية، ولا أنوي دفع كفالة. أصلًا، أنتَ من جلبني إلى هذا المكان.”
“ذلك لأن…..كان عليّ أن أرتب بعض الأمور أولًا. الدخول إلى السجن صعبٌ تمامًا كما أن الخروج منه صعب، ولهذا، بطريقةٍ ما، هو مكانٌ آمن..…”
ما زال يتحدث وهو يتجنب النظر إليها.
فتقدّمت فانيسا نحوه بخطواتٍ حاسمة، ومدت يدها تمسك وجهه وتجبره على النظر إليها.
“قلت لكَ أن تنظر إليّ عندما تتحدث!”
اتسعت عينا فيلياس، وسرعان ما بدأ وجهه يحمرّ بسرعةِ مذهلة.
“إنكِ…..قريبةٌ جدًا يا آنسة فانيسا.”
“قريبة؟ هذا ما تسميه قريبًا؟ نسيتَ أنكَ حاولت تقبيل قدميّ ذات مرة؟”
“ذلك….كان حينها….أقصد….المكان الآن مضاءٌ جدًا، وأنتِ غاضبة، ثم إن..…”
ارتعشت رموشه السوداء الطويلة، وانكمشت حدقتاه الشاحبتان، واتسع بؤبؤاه. و شعرت فانيسا بنبضه يتسارع تحت أصابعها.
فسألته وهي ما زالت تمسك وجهه،
“سمو الدوق، هل ستذهب إلى ساحة المعركة؟”
“…..استفزاز سايرَس أجبرني على التوجه إلى هناك. لن يطول الأمر.”
“جيد، إذًا سأؤجل غضبي إلى وقتٍ لاحق. لكن عليّكَ أن تعدني بأمرين.”
“بأي شيءٍ تطلبين.”
“عليكَ أن تضمن سلامتها. تلك المرأة يجب أن تبقى بعيدةً عن هذه القضية، وأن تعيش بخير. هل هذا واضح؟”
“بالطبع، سأتأكد من ذلك.”
“وعليكَ أيضًا أن تشرح لاحقًا سبب إحراقكَ لقصر لانغ.”
تردد قليلًا، لكن حين رمقته فانيسا بنظرةٍ حازمة، أومأ موافقًا. عندها أطلقت سراحه.
“قوتكِ لا يُستهان بها يا آنسة فانيسا..…”
“ورثتها عن والدي. آه، وتذكر شيئًا آخر.”
“ما هو؟”
“إياكَ أن تُصاب بأذى. خصوصًا في وجهكَ، إنه…..لا بأس به نوعًا ما.”
قالت ذلك بنبرةٍ نصف مازحة، لكن بمجرد أن أخرجت تلك الكلمات التي أثقلتها طويلًا، شعرت براحةٍ غريبة.
فابتسم فيلياس بصفاءٍ غير متوقع.
“هذه أول مرة أسمع شيئًا كهذا.”
“أول مرة؟ تقصد أن لا أحد قال لكَ من قبل أن وجهكَ جيد؟”
“آه، لا…..ليس هذا ما أعنيه. أقصد أنكِ أول من قال لي ألا أتعرض للأذى.”
‘يا إلهي…..هذا الرجل….’
كلما قال شيئًا بهذه البساطة المؤلمة، شعرت فانيسا برغبةٍ غريبة في البكاء. لكنها بدلاً من ذلك دفعت صدره بخفة.
“اذهب الآن.”
“هل عليّ حقًا أن أترككِ هنا وحدكِ؟”
“نعم، عليكَ ذلك.”
“إذاً، على الأقل..…”
لامست أطراف أصابعه معصمها، وكان كلاهما بلا قفازات.
“هل يمكنني تقبيل ظاهر يدكِ؟ لا أعرف متى سنلتقي مجددًا. وإن كان ذلك يسبب لكِ الحرج، يمكنني الاكتفاء بقدمكِ.”
لم تستطع إلا أن تضحك معه.
مدت يدها بخجل، فاحتضنت أصابعه أطراف أناملها، ورفعها بخفة، وطبع قبلةً خفيفة تكاد لا تُشعر. و لمستها أنفاسه الدافئة فارتجف قلبها.
وحين رفع رأسه، حبست فانيسا أنفاسها دون أن تدري.
أمسك يدها كما لو كانت شيئًا ثمينًا، وهمس بصوتٍ يملؤه الأسى،
“أحلامًا سعيدة، آنسة فانيسا.”
***
لكن ذلك الوداع لم يدم طويلًا، إذ فقد معناه في اليوم التالي.
عند الظهيرة، حضرا نيكولا وآبيل يحملان حقيبةً مليئةً بالثياب النظيفة وبعض الحاجيات الضرورية.
كان آبيل يجهش بالبكاء، بينما كانت نيكولا تصرخ غاضبة.
“كيف! يمكنه! ترك! آنستنا! في مكانٍ كهذا! لم أظن أن الدوق سيفعلها، لكنه تجاوز حدوده! في الواقع، أهو عاجزٌ تمامًا؟ بلا أي سلطة؟!”
“إن واصلتما البكاء والصراخ بهذا الشكل فلن تعيشا طويلًا. ثم ما الذي يعيب هذا المكان؟ غرفتي هنا أفضل من تلك التي في بيت الكونت. هل جربتِ الجلوس على السرير؟ إنه متينٌ جدًا.”
عندها انفجر آبيل بالبكاء مجددًا.
كان قد فُصل من عمله بعد حادثة المسرح، لكن بفضل دفاع فانيسا استطاع العودة إلى الخدمة.
“أنا آسف….كل هذا خطئي..…”
‘هل هذا ما يشعر به من يربي مراهقين؟’
و بعد مغادرة الاثنين، جاء زائرٌ لم تره من قبل. شابٌ ذو شعر رمادي باهت، يرتدي زيّ الضباط العسكريين.
فتح له الحراس الأبواب بانحناءة، فيما ابتسم الشاب ابتسامةً ودودة و بدأ بتحية مهذبة،
“تشرفت بلقائكِ للمرة الأولى يا آنسة لانغ، أنا النقيب جوليان فالندورف. أعذريني على المفاجأة، لكن هل يمكن أن تخرجي معي قليلًا؟ هناك مكانٌ علينا الذهاب إليه معًا.”
فالندورف.
“إلى أين بالضبط؟”
“سأشرح لكِ كل شيءٍ في الطريق.”
لم تتحرك فانيسا من مكانها.
“من الذي أرسلكَ؟”
“الأوامر صدرت من فوق. أنا فقط أنفذ ما يُطلب مني.”
“من فوق إلى أي درجةٍ بالضبط؟”
اكتفى النقيب بابتسامةٍ خفيفة.
“حسنًا إذًا، لا تقل شيئًا.”
ثم تمدّدت فانيسا على السرير.
“آنسة لانغ؟ أودّ تجنب استخدام القوة إن أمكن.”
“آه، حسنًا، جرب إذًا. دعنا نرَ ما سيحدث.”
ارتبك النقيب وأشار للحراس.
“هل تستطيعون إخراجها؟”
“آه…..لا يمكن. لو لمسناها، لا أحد يعلم ما سيحدث لنا أو لكَ يا نقيب..…”
“لكن..…”
“أنتَ تعلم..…”
تبادلوا الهمسات، ثم استدار النقيب وتنهد بعمقٍ قبل أن يتحدّث،
“أنا…..جئت بأمرٍ من سمو ولي العهد. هناك بعض المقترحات بشأن ما حدث قبل أيامٍ في قصر فالندورف. المكان الذي سنذهب إليه هو…..مقر قيادة الدفاع عن العاصمة.”
“ولي العهد، إذًا.”
كانت لا تزال مدينةً له بدَين معنوي لم يُسدّد.
“أرجوكِ يا آنسة لانغ، أنا بالفعل تحت الأنظار مؤخرًا بسبب ألكسي، وإن فشلتُ في تنفيذ هذه المهمة أيضًا فموقفي سيكون حرجًا جدًا..…”
“مثل هذا الكلام لن يجدي مع من هم مثلي.”
نهضت فانيسا من السرير ورفعت شعرها بعفويةٍ لتربطه.
“حسنًا، لا بأس. كنتُ أشعر بالضجر على أي حال.”
بعد قليل، جلست فانيسا في العربة المهتزة مقابلةً للنقيب.
“إذًا، نقيب فالندورف، ما علاقتكَ بالدوق ألكسي فالندورف؟”
“آه، نحن أبناء عمومة. الدوق الراحل كان عمي الأكبر.”
لحسن الحظ، لم يكن بينهما أي شبهٍ في الشكل.
“إذاً، لماذا أرسل سمو ولي العهد بالتحديد نقيبًا من فالندورف لمقابلتي؟”
“يبدو أنكِ قد خمنتِ السبب بالفعل..…”
أخرج من حقيبته رزمة أوراقٍ مغلفة بورقٍ بني.
“آه، عليّ أن أوقّع هناك، أليس كذلك؟”
“ليست هناك نيةٌ لإجباركِ. فقط نرجو أن تتفهمي موقفنا. الدوق ألكسي فالندورف ليس فقط سيد أسرتنا، بل هو أحد أعمدة الجيش الإمبراطوري أيضًا. وسمو ولي العهد يرغب في تعويضكِ تعويضًا مناسبًا عمّا لحق بكِ من أضرار.”
“بعبارة أخرى، يريدون أن أدفع صمتي بالمال؟”
“يمكنكِ القول ذلك إن شئتِ.”
ناولها النقيب رزمة الأوراق. اتفاقيةٌ سرية، إيصال استلام تعويضٌ مالي — المبلغ لم يُكتب بعد — و…..
“وثائق ملكية. إنها خاصةٌ بقصر لانغ.”
“صحيح. حدث مثل ذلك من قبل. سيدة غير متزوجة مُنحت قصرًا باسمها الخاص.”
“منح، إذًا…..”
“أعلم أن الأمر قد يبدو غير منصف. لكنه مجرد إجراء شكلي. بلا شك عانيتِ من بعض…..الإزعاج.”
“إزعاج، تقول؟”
ابتسمت فانيسا ابتسامةً ساخرة.
“هل تعرف يا نقيب كم مرةً أطلق الدوق بندقيته نحوي في ذلك اليوم؟”
“هذا..…”
سعل النقيب بخفة.
“أعلم أن ما سأقوله ليس مبررًا، لكننا نعلم جميعًا أن ألكسي ليس بالضبط نموذجًا يُحتذى به. لكن الإمبراطورية في حالة حرب الآن، وأحيانًا يجب أن نغض الطرف عن المصالح الشخصية من أجل الوطن.”
“آسفة، لكنني لستُ من أولئك الوطنيين المتحمسين.”
“لكن بالتأكيد تعلمين ما الذي يحدث لمواطني الدول المهزومة.”
“هل هذا تهديدٌ الآن؟”
“بل نداء ضمير. أنتِ تفهمين أن النصر يعتمد على التعاون بين العائلة الإمبراطورية و عائلة فالندورف. والدوق الحالي يملك قوةً استثنائية وراثية، وحربنا ضد سايرَس تحتاج إلى تلك القوة.”
كانت فانيسا تعرف مسبقًا مدى نفوذ فالندورف داخل الإمبراطورية، وقد ذكر فيلياس الشيء ذاته — أن البلاط الإمبراطوري نفسه يخضع لضغوطٍ بسببهم.
____________________
فيلياس الحين في أسعد لحظاته عشانه باس يدها😂😭
نيكولا تضحكك شكلها نست ان فيلياس سيدها؟ ذي خلاص عينت نفسها خادمه فانيسا🤏🏻 اما آبيل رجال وفارس وقاعد يبكي؟🥰 زوجوه
المهم انفدا فانيسا وهي تتدلع عليهم عارفه فيلياس مهددهم هااااااااعاعاعاهتهاها
التعليقات لهذا الفصل " 28"