“كفّ عن المماطلة وقل ما عندكَ، لا نية لي في تبادل الكلام الفارغ معكَ.”
ضحك الدوق فالندروف كما لو أن الأمر يسره.
“اسمعي يا نيسا، بينما كان ليون مشغولًا بأموره، عقدت صفقة صغيرة مع السلطة القضائية. لن تذهبي لا إلى السجن ولا إلى معسكر الأشغال الشاقة.”
صفقة؟ ماذا؟ ولماذا؟
“إذاً ما معنى كل هذا التلاعب؟”
“هل تعرفين أين أُرسل المتآمرون في آخر تمرد؟”
استدار فيلياس نحو الدوق عند سماع تلك الكلمات. والآن، كان الرجلان واقفين متقابلين، تفصل بينهما فانيسا، وكلا أنظارهما مركزةٌ عليها بنظراتٍ خانقة.
تابع الدوق فالندروف حديثه.
“الإمبراطورية اعتادت أن تنفي المجرمين السياسيين إلى المستعمرات، وتلك المستعمرات، يا نيسا، تقع في الشرق. والآن لم يبقَ هناك سوى إقطاعيةٍ واحدة تعمل بشكل صحيح.”
“آشكا.”
تمتم فيلياس من خلفها، ولم تجرؤ فانيسا حتى على الالتفات.
“قلتُ أنكَ ستشكرني يومًا ما، أليس كذلك يا ليون؟ إن لم تتدخل وتركتَ الأمور تسير كما هي، فستصبح نيسا سجينةً تخصكَ وحدكَ.”
“لماذا…..لماذا تفعل ذلك؟ ما الفائدة التي تجنيها من كل هذا؟”
سألته وهي تحاول ألا ترتجف.
“الفائدة لنا جميعًا، ألا تفهمين يا نيسا؟ هكذا سيتمكن ليون من امتلاككِ بالكامل، وأنتِ ستهربين بعيدًا عني، أما أنا…..فسأعرف دائمًا أين تكونين.”
اقترب الدوق فالندروف خطوةً منها، يحدق فيها بعينين تلمعان بنية الافتراس.
“لكي…..تقتلني متى تشاء، أليس كذلك؟”
“هاه، أقتلكِ؟! لو كان الأمر يتعلق بمايسون، لربما، لكنكِ أنتِ؟ مستحيل. فمعكِ أريد أن أستغرق وقتي…..لنتعرف على بعضنا أكثر. وفي النهاية، ستفهمينني أنتِ أيضًا.”
“مجنونٌ منحرف.”
وضع الدوق فالندروف يده على صدره كما لو أنه تأثر بكلماتها.
“ألستُ محقًا؟ بدأنا نتعرف على بعضنا بالفعل، أليس كذلك؟ حسنًا، فلنذهب الآن. آه، ليون، إن أردتَ، يمكنكَ أن تتولى الأمر بنفسكَ، لن ألمسها..…”
ارتجفت فانيسا وتراجعت خطوةً إلى الوراء، لكن جسد الدوق فيلياس وقف حائلًا أمامها.
الفجر لم يشرق بعد. و كانت فانيسا وحيدةً في غرفةٍ صغيرة مظلمة.
“ما الأمر؟”
سأل الحارس من خلف الباب الحديدي الصغير المزود بشبك.
“قلت لكَ، دعني وشأني.”
ارتعد الحارس من نبرة صوتها الحادة، وهز كتفيه ومضى مبتعدًا.
كانت فانيسا في سجنٍ مخصص للنبلاء في شرق العاصمة، حيث يُحتجز ذوو المقام الرفيع قبل استجوابهم الرسمي. و كان عليها أن تبقى هناك بلا أجلٍ معلوم.
منذ الحادثة في القصر الليلة الماضية، نُقلت وحدها في عربةٍ مغلقة دون أن تُمنح فرصةً لسماع أي تفسير.
تطلعت إلى الفجر الذي بدأ يلوح من وراء القضبان، ثم دفنت وجهها في الوسادة. و صرّت أسنانها من الغيظ، ولم تستطع طرد فكرة أنها كانت طوال الوقت لعبةً بين أصابع الدوق.
ومضى الوقت، وجُلب إليها الطعام مرتين دون أن تمسه، حتى فُتح الباب فجأة.
“طلب زيارة.”
دخل هو. ومع أول نظرةٍ إليه، شعرت فانيسا بالدم يصعد إلى رأسها، واندفعت نحوه تدفعه حتى ارتطم بالحائط.
“قلتَ أنكَ ستعتني بي! والآن تسجنني بنفسكَ؟!”
حاول الحارس إبعادها، لكن فيلياس رفع يده مانعًا.
“لا تلمسها. اخرج.”
أُغلق الباب، وبقيا حدهما في الغرفة. فنظر فيلياس إلى فانيسا التي كانت تمسك بقبضتها على ياقة قميصه.
و بهدوء، أزاح خصلة شعرٍ سقطت على وجهها.
“غضبكِ مبرر. ما حدث كان مفاجئًا، ولم يكن بوسعي منع وقوعه. لكن لا تقلقي، ليس هناك ما يدعو للخوف.”
ابتسم لها كما لو كان يحاول طمأنتها، لكن تلك العينين…..عيناه بلون الماء الشاحب كانتا تحدقان بها كأنهما مسحورتان.
“توقف عن النظر إليّ هكذا..…”
“آه، المعذرة. لهذا السبب…..لم أرد أن أُريكِ هذا الوجه. أنا فقط..…”
أفلتت فانيسا ياقة قميصه وتراجعت خطوةً إلى الوراء.
لم يعد ذلك الرجل هو الدوق فيلياس الذي عرفته.
شَعره القصير صار مرتبًا، كاشفًا عن خطّ فكه المتناسق الخالي من أي عيب، وزيّه الأسود الذي كان يخفيه الرداء دائمًا، صار يلتف حول جسده العريض المتين بإحكام.
هيئةٌ تجذب الأنظار أينما وُجد.
كان رجال سايران عمومًا وسيمين، لكن لا أحد منهم يمكن أن يُقارن به.
كان، بطريقةٍ ما، أنيقًا…..ومع ذلك، بدت في ملامحه لمحةٌ من الانحطاط الآسر.
ومع هذا، كان في الأمر شيءٌ غريب؛ إذ لم تشعر فانيسا نحوه بشيءٍ من الاضطراب أو الخفقان الذي كان يصيبها سابقًا.
لقد أصبح غريبًا عنها.
التقط فيلياس اضطرابها وبدت عليه مسحةٌ من القلق.
“إن أردتِ، يمكنني أن أعود لتغطية وجهي. لكنكِ قلتِ من قبل أن هذا الوجه يروق لكِ..…”
“لم يعد يهم. ففي النهاية جعلتني سجينة. وماذا بعد الآن؟ هل ستضع طوقًا حول عنقي لتسحبني إلى آشكا؟”
أسرع فيلياس يهز رأسه نفيًا، غير أن نظراته انسابت على عنقها العاري عند سماعه كلمة “طوق”، وشعرت فانيسا بثقل تلك النظرة.
“لن…..يحدث شيءٌ كهذا أبدًا.”
“تأخرتَ في الإجابة.”
“…..لن أفعل شيئًا دون موافقتكِ.”
‘نعم، هذا هو الرجل الذي أعرفه…..’
“الآنسة فانيسا.”
خفض نظره بهدوء،
“أتيتُ فقط لأخبركِ ألا تقلقي بعد الآن. السيد مايسون عاد إلى منزله، لقد أنقذتِه بنفسكِ. وقريبًا ستُرفع عنكِ التهمة أيضًا. كنت أود أن أتحدث أكثر، لكن يبدو أنكِ غير مرتاحةٍ بوجودي، لذا.…”
“لحظة، ما معنى أن التهمة ستُرفع؟ وماذا عن القضية نفسها؟”
“سيُقبض على الجاني الحقيقي.”
‘الجاني الحقيقي…..’
شعرت بقلبها يهوي في صدرها.
“سمو الدوق، هل تقصد أن..…”
“لا داعي للقلق.”
قال ذلك وهو ما زال ينظر إلى الأرض.
“إنها الآن في مكانٍ آمن مع عائلتها. عندما تستقر الأمور ستستطيعين رؤيتها مجددًا.”
“هي..…؟ إلى أي حدّ تعرف؟ لا، منذ متى؟”
“همم، كما قلتُ سابقًا، أنا أعرف…..كل شيء، منذ البداية.”
نعم، لقد قالها من قبل،
‘منذ البداية، طبعًا منذ تلك الليلة.’
هل كان يقصد حقًا تلك الليلة؟
بينما كانت فانيسا غارقةً في ارتباكها، نظر إليها فيلياس بصمتٍ للحظات، ثم فتح الباب ونادى على الحارس وتحدث معه بصوتٍ منخفض.
“الآنسة فانيسا، هل معكِ أي متعلقاتٍ شخصية؟”
“أنتَ تعرف أنه لا يوجد.”
“إذاً، حان وقت العودة.”
حدّقت فيه مذهولة.
“عودة؟ إلى أين؟”
أشاح بوجهه عنها.
“أقصد عودتكِ إلى منزلكِ. أعلم أنكِ لا تفضلين أن آخذكِ هكذا، لكنني جئتُ لأرافقكِ. عليّ التوجه مؤقتًا إلى الجبهة الجنوبية، لذا لن يكون هناك داعٍ لأن تقلقي من لقائنا ثانية. أردتُ فقط أن أراكِ اليوم وأتحدث إليكِ قليلاً..…”
“الجنوب؟ لماذا الجنوب؟ لا، انتظر، سمو الدوق، أنا الآن سجينة! أليس عليّ البقاء هنا حتى انتهاء التحقيق؟”
“عادةً يكون الأمر كذلك، لكن…..ليست كل القواعد ثابتة.”
“أنا متهمةٌ بالقتل، سمو الدوق! هل توجد استثناءاتٌ في مثل هذه القضايا؟ انظر في عينيّ، من فضلكَ.”
تلاقى نظرهما لحظةً واحدة، ثم سرعان ما تهرّب ببصره إلى زاوية الغرفة.
“ما الذي تفعله؟ ماذا تفعل الآن؟”
“قلتِ لي ألا أنظر إليكِ بتلك الطريقة، أليس كذلك؟ كما تعلمين، مرّ وقتٌ طويل منذ اعتدتُ إخفاء وجهي، لذا لم أعد أجيد تغيير تعابيري…..خفت أن أبدو مزعجًا أيًّا كانت ملامحي.”
‘أحمق، تمامًا كما هو.’
_______________________
جاي يشوفها قبل يروح😔 والحمار شكله استانس يوم قالت طوق برقبتي😭
المهم ماتوقعت تمسك كذا بسرعه اجل وش بيصير بعدها؟ فيلياس بالله غير قوانين الامبراطوريه لعيونها😔
بس لحظه اذا بتروح لآشكا ارض فيلياس مب احسن؟ يحبون بعض هناك بعيد تن الباقي ولا اطراف ثاله ولا شي✨
التعليقات لهذا الفصل " 27"