“هل…..أنتِ متأكدة أن الأمر لا بأس به؟ أنا…..لست واثقاً إلى أي حد….أعني…..لست واثقاً أنني لن أتصرف بوقاحة.”
سرت قشعريرةٌ خفيفة في عمودها الفقري. و كانت تلك أول مرة تسمعه يتحدث بهذا الصوت.
وأدركت أنها تستمتع بالموقف بقدرٍ لا يقل عنه.
كيف وصلنا إلى هنا؟ كنتُ غاضبةً قبل قليل، أليس كذلك؟
تنحنحت فانيسا بخفة.
“بالطبع، يا سمو الدوق. يمكنكَ أن تستمتع بالأمر كما تشاء. ولكن بعد أن تنتهي…..سأخرج من ذلك الباب.”
“لماذا….لماذا..…”
“لأنني سأمنحكَ ما تريده، لذلك يجب أن أحصل أنا أيضاً على شيءٍ بالمقابل، أليس كذلك؟”
بقي فيلياس ساكناً، يحدق بظهر قدمها، وغرق الصمت للحظة بدا أنها طالت زمناً.
‘لا أصدق…..أنني أقول مثل هذا الكلام.’
أفلت يدها أخيراً، ثم انحنى ليلتقط حذاءها، وأعاده إليها بنفسه.
“عودي إلى غرفتكِ….من الأفضل أن تنامي قليلاً. الخدم سيستيقظون قريباً. سأرحل الآن.”
وبعد ذلك، نهض من مكانه.
“آه، وأتمنى ألا تغادري الغرفة لفترة. يبدو أنني…..سأنشغل بعض الوقت ولن أستطيع القدوم. و بما أنكِ تظنين مسبقاً أنني حبستكِ، فلن يتغير هذا كثيراً على أي حال.”
***
بعد ذلك، فشلت جميع محاولات الهروب التي قامت بها.
الخادمات اللواتي بدت قلوبهن طيبةً وقفن يبتسمن بوجوهٍ مشرقة ويقطعن عليها طريق الهرب، ثم يعرضن عليها الحلوى بكل لطف، ويُعدنها إلى غرفتها بسلاسة وكأن شيئاً لم يكن.
“كان يجب أن أركله حينها.”
تمددت فانيسا على السرير وهي تتذمر بغضبٍ مكتوم. بينما اقتربت نيكولا بحذر وأزاحت الستارة.
“آه…..لست متأكدةً لكن…..أليس من الأفضل أن تمنحي الدوق بعض الثقة وتنتظري؟ هو ليس ممن يطلق الوعود جزافًا. سيجد طريقةً لحل الأمور.”
“الثقة والانتظار شيء، وأن أُجبر على الانتظار شيءٌ آخر. هل امتلكتُ حريةً أصلاً؟ ثم…..ما الذي كان يفعله في دار الأوبرا؟ قال أن هناك حراسة، لكن أن يكون هو بنفسه هناك فهذه قصةٌ مختلفة!”
“ربما…..ذهب ليستمتع بالأوبرا فعلاً؟”
“تمزحين؟ النسخة البشرية من رهاب الحشود ذاك؟ وسط ذلك الكم الهائل من الناس؟ لمشاهدة أوبرا؟”
“ومع ذلك…..بفضله كنتِ بأمان.”
“نعم، أعلم ذلك….لكن..…”
الشعور بالعجز كان يلتهمها، محبوسةً في المنزل لا تعرف شيئًا عما يجري.
“هاه؟”
نيكولا، التي كانت ترتب الصحف الصباحية لأجلها، بدأت تجمعها فجأة وتطويها.
“ماذا هناك؟”
“لا شيء يا آنستي، سأذهب لأتفقد إن كانت الحلوى قد نضجت.”
حاولت نيكولا الهرب، لكن فانيسا كانت أسرع، فمدّت يدها تسدُّ الباب. و تنهدت نيكولا وسلمتها الصحيفة التي أخفتها.
“لن يفيدكِ قراءتها…..ستتضايقين فقط، وعلى أي حال لا يمكنكِ الخروج……”
كان خبراً في الصفحة الأولى، حريقٌ في قصر آل لانغ — قصر الكونت لانغ الذي قُتل صاحبه، احترق بالكامل هذه المرة بفعل فاعل.
“حريقٌ مُتعمّد؟”
بدأت المعلومات تتجمع في رأس فانيسا كقطع أحجية مترابطة.
قصر لانغ ظل فارغًا مهجورًا لفترة طويلة. فالكونت باع كل ما يمكن بيعه، أما صكوك الديون وأوراقها فهي بحوزتها هي.
بمعنى آخر…..لم يكن هناك ما يستحق السرقة.
و تذكرت فانيسا تلك المحادثة قبل أيام،
“قصر لانغ لم يعد منزلكِ. الآن هو ملكٌ للعائلة الإمبراطورية قانونيًا.”
وفوق ذلك، قال فيلياس بوضوح…..أنه لا يجيد شيئًا سوى الهدم والحرق.
لا يمكن…..أن يحرق القصر بكامله فقط ليمنعها من العودة إليه؟
ربما تكون مبالغةً في التفكير…..أليس كذلك؟
لكن نظرة نيكولا بدت كأنها تفكر بالشيء ذاته تماماً.
وحين التقت أعينهما، ضحكت نيكولا بارتباك.
“مستحيل طبعًا…..أليس كذلك؟ الجو جافٌ هذه الأيام…..وأيًا يكن، فالدوق لن يقوم بفعلٍ لا يفعله إلا المجانين……”
في تلك اللحظة، طُرق الباب. و فتحته فانيسا، فوجدت مبعوثين يحملان صندوقًا خشبيًا ضخمًا وحقيبة سفر كبيرة.
“صاحب السمو الدوق أمرنا بتسليم هذا للسيدة.”
كانت محتوياتها: كتب، وأوراق، وبعض الملابس، ومقتنيات صغيرة تركَتها في القصر…..
كلها مرتبةً بعناية، بلا ذرة غبار. كأنَّ شخصًا ما أخرجها من هناك قبل الحريق مباشرة…..
التعليقات لهذا الفصل " 23"