يوري — واحدةٌ من قلائل الأطباء الأجانب في الإمبراطورية.
جاءت إلى البلاد قبل أكثر من عشرين عامًا، برفقة الإمبراطورة الثانية للإمبراطور الراحل، أي والدة فيلياس. ومنذ ذلك الحين، ظلت تقيم في القصر الإمبراطوري وتعمل كطبيبة خاصة للعائلة الامبراطورية.
في حياتها السابقة، كانت فانيسا تبقيها قريبةً منها. فقد كانت امرأةً جافة الطبع، قليلة الكلام، لكنها قبل كل شيء طبيبةٌ ماهرة.
بعد أن فحصت فانيسا اليوم، لخّصت إلى أنه لا حاجة لمزيدٍ من الزيارات الطبية.
“بصراحة يا طيبيبة، ما دام سموّ الدوق يمنعني حتى من مغادرة السرير، فلن أشفى أبدًا. ألا يمكنكِ أن تتحدثي معه من أجلي؟ لقد شُفيتُ تمامًا، وما أحتاجه الآن هو بعض النشاط الجسدي، لا الراحة فقط.”
“وهل تظنين أنه من النوع الذي يستمع لكلامي؟”
هزّت يوري رأسها نافية.
“لكن يا طبيبة، ألم تريه منذ أن كان طفلًا؟”
“هممم.”
“ألا يوجد أي وسيلةٍ لإقناعه؟”
“ذلك الفتى…..لا أعلم. لم أستطع قطّ أن أفهمه.”
“أتقصدين أنه كان هكذا حتى وهو صغير؟”
تنهدت يوري ثم خلعت نظارتها لتبدأ بمسح عدستيها.
“تلك الشخصية الغريبة…..لم تتغير قط. وحتى نفوره من الظهور أمام الناس، لم أعرف له يومًا حالًا غير ذلك.”
ثم ابتسمت وكأنها تذكّرت شيئًا.
“حين كان في السادسة أو السابعة، كان يضع غطاء السرير فوق رأسه ويتجول به. كان يقول أنه شبح، ويرجونا ألا ننظر إليه أو نكلمه.”
كم كان لطيفًا — ابتسمت فانيسا دون شعور.
لكن خطر ببالها سؤال: أكان ذلك قبل حادثة إيفانجلين؟ أم بعدها؟ لم تجرؤ على السؤال. فمجرد ذكر تلك الحادثة كان كابوسًا.
“على كل حال، من وجهة نظري، يبدو أنه يعتزّ بكِ كثيرًا. جربي أن تتدللي عليه قليلًا.”
سقطت فانيسا على الوسادة بتنهيدةٍ ثقيلة.
“لم أعد متأكدةً يا طبيبة. في البداية ظننتُ أنه يحبني لدرجةٍ لا توصف..…”
“أنا طبيبة يا آنسة، لستُ مستشارةً عاطفية.”
“لكن…..الآن صار يقول أنه لن يقيدني بعد الآن، وأنه لا بأس إن كان لي حبيبٌ آخر.”
“إذاً، افعلي ما يقول، أليس كذلك؟”
“لا أدري أين تنتهي الحقيقة وأين يبدأ اللعب بالكلمات. قبل أيامٍ فقط، قال لي أنه يريد أن…..أدوس عليه!”
عندها التقطت يوري حقيبتها ببرود، وكأنها لم تعد ترى فائدةً في مواصلة الحديث.
“سأذهب الآن. أمور الحب هذه دعوها للشباب.”
“هذا ظلم! أنا عالقةٌ هنا بلا أحد أتحدث إليه..…”
نقرت يوري لسانها بضجر.
“إن قال لكِ أن تدوسي عليه، فافعلي. أترين أنه من النوع الذي يفهم المجاز؟”
وبهذه الكلمات غادرت الغرفة وهي تتذمر، تاركةً فانيسا في حيرة تامة.
“أيعني أنه أرادني حقًا أن…..أدوسه حرفيًا؟”
***
استيقظت فانيسا عند الفجر. و لم تكن قد نامت جيدًا بعد يومٍ كامل من الجلوس بلا عمل.
شعرت بالعطش، لكنها لم ترد إيقاظ نيكولا. فارتدت ثوب نومها الرقيق ونزلت بهدوءٍ الدرج متجهةً إلى غرفة الطعام.
“آه! ما هذا؟!”
كان هناك شيءٌ ضخم أسود جالسًا على أريكة الصالون.
“يا دوق! لقد أفزعتني!”
وضعت يدها على صدرها وهي تصيح. فمدّ فيلياس يده وأضاء المصباح، و امتلأت الغرفة بضوءٍ ناعم.
“إلى أين تذهبين في هذا الوقت من الليل؟”
“لأشرب ماءً. ولماذا؟ أتظن أني سأهرب سرًا؟”
ردّت فانيسا بحدة ثم واصلت طريقها نحو غرفة الطعام.
وحين همّت بصب الماء، اقترب فيلياس وأخذ الإبريق منها. وقد كان الماء البارد يلمع داخل الإبريق الفضي.
“بالطبع، لا أظنكِ تفعلين ذلك، لكن خدم هذا القصر…..قلوبهم لينة أكثر من اللازم.”
‘إذًا فهو هنا لمراقبتي بعد كل شيء…..’
“إذاً، هل تنوي إبقائي حبيسةً هكذا إلى الأبد؟”
سألت وهي تجلس على مقعدٍ قريب.
“يؤلمني سماعكِ تقولين ذلك. كل ما أريده هو أن تحصلي على الرعاية والعلاج المناسبين. لو أني تأخرت قليلًا ذلك اليوم…..لا أعلم ما الذي كان سيحدث.”
“اتفقنا ألا نتحدث عن ذلك مجددًا. أنا شاكرةٌ لإنقاذكَ، لكن لا أريدكَ أن تتبعني كظلي. ولا أن تعاملني كمريضة. يجب أن أذهب لإنقاذ مايسون قبل فوات الأوان.”
“أما زلتِ تصرين على هذا؟”
“أنت تعلم أني كنت قريبةً جدًا من تحقيقه. كم تعبتُ من أجل ذلك..…”
اتكأ فيلياس على طاولة البار، ونقر بأطراف أصابعه على سطحها.
عندها لاحظت فانيسا أن القفازات التي يرتديها ليست تلك الرفيعة المعتادة، بل كانت قفازات صيد.
“إن كان ما تريدينه هو المديح والاعتراف، فيمكنني أن أقدّمه لكِ بقدر ما تشائين. لقد كانت خطتكِ ذكية ومبتكرةً حقًا. لكن لم يعد هناك داعٍ لأن تخاطري أكثر من ذلك. كما قلتُ لكِ، يمكنني إنهاء الأمر بنفسي.”
“وكيف ستفعل ذلك؟”
رفع فيلياس رأسه، ولم تبدُ عليه أي نيةٍ للإجابة.
“كيف ستفعل؟ أنتَ لا تخبرني بشيء، يا دوق. فكيف يُفترض أن أثق بك إذاً؟”
“الآنسة فانيسا.”
عاد يطرق بأصابعه على الطاولة، فشعرت فانيسا بشيءٍ من القلق.
“سأحاول أن أشرح الأمر من زاويةٍ مختلفة. مايسون سوري…..لم يعد في حالةٍ يمكنكِ إنقاذه فيها.”
“لا أفهم قصدكَ.”
“هو لم يمت، بعد. لكنه لم يعد في وضعٍ يمكن إنقاذه. وطبعًا، هذا ليس ذنبكِ. فمنذ أن أبدى فاليندورف اهتمامه به، كان المصير محسومًا. وأنا الآن أحاول…..أن أُنهي هذه المسألة بأقل قدر ممكن من…..العنف.”
“لماذا…..لماذا تقول هذا؟”
“لأنني أريد تقليل الصدمة التي قد تصيبكِ.”
“هذا ليس ما أسألكَ عنه..…”
تنفست فانيسا بعمق وارتشفت من الماء البارد أمامها.
“ما معنى أنه لم يعد في حالةٍ يمكن إنقاذه؟ أريد تفسيرًا واضحًا، يا دوق.”
“وماذا لو أنني…..لا أريد أن أشرح؟”
صُدمت فانيسا. كانت تلك أول مرة يرفض فيها فيلياس طلبًا لها.
“قلتَ أنكَ ستفعل أي شيءٍ أطلبه منكَ، أليس كذلك؟”
“قلت ذلك ما دمتِ لستِ في خطر. أما الآن، فأنتِ بحاجةٍ إلى الحماية.”
‘حماية؟ أن يُحبسني في قصره ثم يسمي ذلك حماية؟’
راودها هذا التفكير فجأة.
‘لماذا أستأذنه أصلًا؟’
الآن فقط أدركت أنها تحررت من سلطة والدها…..ومن سلطة القصر الإمبراطوري أيضًا.
يبدو طيبًا وبريئًا، لكنه في النهاية لا يختلف عنهم في شيء. فضحكت فانيسا بسخرية،
“إذن، رأيكَ أن امرأةً ضعيفة مثلي تحتاج إلى حماية رجل نبيلٍ مثلكَ؟”
“أرجوكِ، لا تُحرّفي الموضوع، آنسة فانيسا.”
“بل على العكس، أظن أني أصل إلى جوهر الحديث. ذهابي ومجيئي شأنٌ يخصني وحدي. ليس من حقكَ أن تسمح أو تمنع.”
“أنتِ تعرفين أنني لا أقصد هذا. أفهم أنكِ غاضبة، لكنني لم أُرِد قط أن.…”
هزّت فانيسا رأسها.
“مع بزوغ الفجر، سأعود إلى بيتي. لقد سببتُ لكَ ما يكفي من الإزعاج.”
“لا أفهم ما تقولين. أنتِ في بيتكِ الآن.”
“لا. هذا بيتكَ أنت. خطئي أنني بقيت هنا كل هذا الوقت رغم أني لا أعرفكَ حقًا.”
خلع فيلياس قفازيه، وفرك وجهه بتعب.
“يبدو أننا…..بحاجة إلى أن نضع بعض الأمور في نصابها. لكن لا تقولي أنكِ ستغادرين هذا المكان. إن كان وجودي يزعجكِ، فسأبقى في القصر كما كنتُ دائمًا.”
“لا، لم يكن يجب أن يحدث هذا أصلًا. إقامتي هنا جعلتني أضعف، ولهذا السبب…..فقدتُ مايسون أيضًا.…”
ساد صمتٌ قصير. ثم أطلق فيلياس تنهيدةً طويلة.
“لا أريد قول هذا، لكن قصر لانغ لم يعد بيتكِ بعد الآن. هو الآن ملكٌ للإمبراطورية قانونًا.”
“هاه..…”
كانت تعلم أن هذا صحيح، لكنها لم تتوقع أن تسمعه من فمه هو بالذات.
اشتعل الغضب في صدرها. و شعرت أن ما كانت تكبته طيلة الفترة الماضية ينفجر الآن.
لم يكن معظم هذا الغضب موجّهًا نحوه، لكن ذلك لم يهم.
“آه، صحيح…..نسيت. والدي مات، وليس لي حق في الميراث. فأنا امرأةٌ ضعيفة، غير متزوجة. كيف لي أن أدير ثروةً بهذا الحجم، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بابتسامةٍ ساخرة على وجهها.
“الآنسة فانيسا..…”
“أوه، إذاً هذا يعني أن القصر ملككَ أنتَ أيضًا؟ فالبيت للإمبراطورية، وأنت أمير من العائلة الامبراطورية، أليس كذلك؟”
“أرجوكِ، لا تتحدثي بهذه الطريقة..…”
“اركع.”
فتجمّد فيلياس في مكانه عند سماع كلماتها الباردة.
______________________
اركع؟😭😭😭😭😭😭 شوي ويتحول الوضع لسيدته
كله منه ليه مايعرف يشرحححح بس يضحك عسا الحين خل يسوي الي هي تبيه عشان تقعد عنده✨
وللمره المليون ليه مايتزوجها عقد 😔
المهم يوري تضحك ماتدري تلقاها من فيلياس ولا من فانيسا😭
التعليقات لهذا الفصل " 22"