رفع وليّ العهد رأسه ناظرًا إلى زهور الماغنوليا البيضاء النقية.
“مع ذلك، أليست الأزهار جميلة؟ أحيانًا…..أتمنى لو كان الربيع أبديًّا. أن أقضي أيامي هكذا، أتجول في الحديقة بصحبة شخصٍ جميل…..مجرد حلمٍ سخيف، أعلم، لكنه لا يفارقني.”
‘يا له من إنسانٍ بلا ظلال…..’
فكرت فانيسا بذلك وهي ترفع رأسها نحو الأغصان المتفتحة بجمالٍ خالص.
لكن كيف يمكن أن يكون ذلك؟ أليسوا جميعًا ناجين من ميدان المعركة ذاته؟ بعضهم فقد عقله، وآخرون مثله…..ظلوا ناصعين كهذا؟
فتمتمت بصوتٍ منخفض،
“صاحب السمو يبدو شخصًا قويًّا بحق.”
ثم تلعثم وليّ العهد، واحمرّ وجهه وهو يخفض نظره خجلًا.
“آه، صحيح. قيل لي أن لديكِ أمرًا تودّين اقتراحي به، أليس كذلك؟”
فكرت فانيسا طويلًا قبل أن تأتي إلى هذا اللقاء، لكنها كانت تعلم أن ما ستقوله سيجرح مشاعره لا محالة.
بدأت بسرد الحقيقة كما هي، دون تجميل أو تبرير: عن إيفانجلين ومرضها النفسي، وعن اللوحة التي فازت بها في المزاد.
وقد أصغى وليّ العهد بصمت، فيما أخذت عيناه تتسعان من الصدمة شيئًا فشيئًا.
“ظننتُ أنكم قد لا ترغبون في عرض هذه اللوحة في المزاد. لأن ذلك قد يسيء إلى سمعة السيدة إيفانجلين. لذا…..وإن بدا ذلك وقاحة، فقد التمستُ لقاءً خاصًّا بسموك.”
“كلامكِ يعني أن عمّتي…..قد رحلت؟ في تلك البلاد البعيدة…..وفي مثل تلك الحالة البائسة…..ثم جئتِ إليّ لتبيعي سرّها؟”
“لا أعلم كيف كانت أيامها الأخيرة، سموّ الأمير..…”
فقاطَعها بنبرةٍ ثقيلة،
“كفى، فهمت.”
و أكمل بعد لحظة صمتٍ كئيبة،
“سأشتري اللوحة بنفسي، بصفتي الشخصية. أما بخصوص الثمن، فتفاهمي مع معاوني. أنا لا أحسن التعامل في هذه الأمور. عليّ الآن المغادرة، فما زال الاجتماع العسكري قائمًا.”
ثم استدار وغادر دون أن يلتفت أو يقول شيئًا آخر.
‘سواء كان مقصودًا أم لا…..فقد جرحته في النهاية.’
تنهدت فانيسا بهدوء.
كانت تعلم أنه رأى في عينيها ظلّ إيفانجلين، وأن تلك المرأة كانت له غاليةً إلى حدٍّ لا يوصف.
لكنها ما زالت مدينةً بشيء، بدَينٍ لا يُسدَّد إلا بالمضيّ قدمًا، حتى لو كان الثمن أن تطأ قلب أحدهم.
***
قدّم معاونه عرضًا بقيمة عشرين ألف كراون.
“سيدي المعاون، يتم تخصيص ميزانية سموّ وليّ العهد مجددًا في مطلع كل عام، أليس كذلك؟”
“أجل…..هذا صحيح.”
“إذاً، ما المعيار الذي تُحدَّد به أولويات الصرف في تلك الميزانية؟”
كان المعاون رجلاً صارم الملامح، و دفع نظارته إلى أعلى وهو يسعل بخفة.
“بطبيعة الحال، أوامر سموّ وليّ العهد تأتي أولًا، ثم يُنظر إلى مدى الطارئ في الأمر..…”
مالت فانيسا قليلًا للأمام فوق الطاولة، و وضعت يدها على فمها وخفّضت صوتها،
“وإن كان الأمر من نوعٍ يستدعي خروج سموّه على عَجلٍ من اجتماعٍ عسكري، فإلى أيّ مدى يمكن وصفه بالطارئ؟”
لم تكن عبارتها دقيقة تمامًا، لكنها لم تكن كذبًا أيضًا، إذ أن وليّ العهد نفسه ذكر أن الاجتماع ما زال قائمًا.
فردّ المعاون ببرودٍ ممزوجٍ بعدم تصديق،
“هل تتفاوضين الآن مع معاون وليّ العهد؟”
“أوه، وهل تُعدّ المفاوضة أمرًا فظًّا؟ مثل هذه المساومة الواضحة والمنطقية يمكن أن تتم حتى مع جلالة الإمبراطور نفسه.”
اتسعت عيناها وهي تقولها بابتسامةٍ هادئة، فأخرسته للحظة. فمجرد ذكر الإمبراطور كفيلٌ بإرباك أيّ موظفٍ حكومي.
وقبل أن يستعيد رباطة جأشه، تابعت فانيسا باندفاعٍ محسوب،
“قد لا أستطيع تقدير حجم ميزانية سموّ وليّ العهد بدقة، لكن عندما تتجاوز أي صفقةٍ مبلغ المئة ألف كراون، تُرفع التقارير فورًا إلى وزارة المالية، أليس كذلك؟”
“وكيف لنبيلةٍ صغيرة أن تعرف مثل هذه الأمور..…؟”
“هذه ليست أسرارًا يا سيدي، ومن يهتم قليلًا بالإدارة الإمبراطورية يعرفها بسهولة. والآن، حتى يتم هذا الاتفاق بهدوء داخل هذه الغرفة، ما المبلغ الأنسب بنظركَ يا سيدي المعاون؟”
“أنسب لمن، بالضبط؟”
“بالطبع، للطرفين.”
ابتسمت فانيسا واعتدلت في جلستها.
حاول المعاون المقاومة قليلًا حفاظًا على مظهره الرسمي، لكنه في النهاية وافق على مبلغ ثمانين ألف كراون.
‘الجرح جرح، والمال مال.’
فكرت فانيسا بذلك وهي تضع الشيك في حقيبتها وتغادر المكتب.
***
و حين عادت إلى القصر، كان أحدهم بانتظارها.
“أختي!”
ارتمت إليشيا في أحضانها، ووجهها مبللٌ بالدموع.
فتجمدت فانيسا لحظة، ثم خفق قلبها بشدة.
“إليشيا؟ ما الذي حدث؟ لا تبكي، أخبريني، ما الأمر؟”
“أرسل المستثمرون في الشركة بعض رجالهم…..قالوا أن الخسائر فادحة ويجب أن نسلمهم سند التعهد فورًا….ثم مايسون…..مايسون تم أخذه بدلًا من والدي! قال أنهه سيجمع الفدية لأبي وأمي وأخواتي وخرج…..لكن لم يعد أحدٌ منهم…..كنتُ وحدي، وخفت كثيرًا..…”
[بركان تحت البحر.]
‘اليوم…..كم هو من الشهر؟’
بدأت فانيسا تقلب الصحف بعجلة.
الانفجار البركاني…..كان الأسبوع الماضي. وكل سفن البارون سيري التجارية التي كانت تمر فوق المنطقة غرقت بالكامل.
‘كيف…..كيف لم أعلم بهذا حتى الآن؟ ما الذي كنت أفعله؟….’
“نيكولا، جهّزي العربة.”
“لكن يا آنسة، الشمس على وشك المغيب. من الأفضل أن أستدعي آيبل..…”
“لا تقلقي. لن أفعل شيئًا متهورًا. إليشيا، انتظريني هنا.”
جلست فانيسا داخل العربة المتمايلة تحاول طرد القلق الذي كان يخنق صدرها.
كل شيء حتى الآن جرى كما حدث في حياتها السابقة، إذاً لا بد أن يكون مايسون بخير أيضًا.
وفوق ذلك، في هذه الفترة تحديدًا، كانت شركة البارون سيري تُعدّ من أكبر الشركات التجارية في العاصمة.
حتى لو وقع حادثٌ مأساوي، فلن يكون هناك أحمقٌ يؤذي الوريث الوحيد لتلك الثروة.
خصوصًا إن كان الطرف الآخر مرابيًا، فالمجنون فقط هو من يُلحق الضرر بضمانه.
لكن، أن يُسمح بحدوث ذلك مرتين؟
‘أنا حقًا لا أقدّم أي نفعٍ لأحد…..مايسون كان دائمًا بجانبي.…’
توقفت العربة عند شارع فيروز.
العنوان المكتوب في إشعار المطالبة بدا كمكتب عادي. فطرقت الباب، و لم يُجب أحد.
ثم تنفست بعمق.
“اخرجوا! أعلم أنكم هنا!”
تعمّدت إثارة الضجة لتجذب الانتباه، وإن لزم الأمر فسيستدعي أحدهم حرّاس المدينة.
لكن الرجل الذي فتح الباب بدا مذهولًا فحسب.
“من تكونين يا آنسة؟”
“جئت أبحث عن مايسون سيري. أنتم من أرسل إشعار الدين لعائلة البارون سيري، أليس كذلك؟”
“سيري..…؟ آه، ابن صاحب الشركة العجوز؟ نعم، كان هنا حتى هذا الصباح..…”
حكّ الرجل رأسه مترددًا، كأنه لا يعرف إن كان عليه البوح بالمزيد.
فدفعت فانيسا في يده قطعتين من الفضة.
“رئيسنا هو من أخذه. قال أن المسألة حُلّت، وأن ديوننا لدى عائلة سيري سُوّيت تمامًا.”
“وأين هو رئيسكم الآن؟”
“في مكان قريب، سآخذكِ إليه.”
في المكتب الرئيسي وسط المدينة، استقبلها الرجل ذو الشارب الذي قابلته في المرة السابقة.
“أنتَ…..كنتَ المرابي؟”
ارتبك صاحب الشارب حين رآها، ثم انتفض غاضبًا وضرب الطاولة بيده.
“أنتِ! أيتها الوقحة! هل تعلمين أي فضيحة جنيتِها لي في المرة الماضية؟!”
“هاه، لا رغبة لي في الرد حتى.”
سكبت فانيسا أمامه حفنةً من النقود الذهبية والفضية من دون تردد.
“أين مايسون سيري؟”
اتسعت عيناه دهشة، ثم بدأ يلتقط القطع الذهبية من على الطاولة،
“أه… حسنًا، لا شيء يستدعي الإخفاء…..لقد جاء سكرتير الدوق فاليندورف بنفسه وأخذه معه.”
“فاليندورف..…؟ ولماذا يفعل ذلك؟”
صحيحٌ أن أخبار إفلاس البارون سيري أثارت ضجة، لكن الدوق لم يكن من النوع الذي يتدخل في أمورٍ كهذه.
فما قيمة الدين له؟ مجرد فتات، لا تستحق حتى النظر، ناهيك عن أخذ رهائن.
‘ذلك المتغطرس…..أخذ ابن التاجر؟! بل ودفع فديته بنفسه؟’
لم تستطع أن تجد أي رابط بين الرجلين.
وفجأة، تذكرت ما حدث يوم جنازة الكونت لانغ.
______________________
خلس من مايسون فيلياس وينه؟
ولي العهد واضح زعل منها بس عسا الحين مب حاط عينه عليها صح؟ اشوا مابي اطراف مزعجه
التعليقات لهذا الفصل " 16"