جذبت فانيسا كم الدوق بقوة، ثم اقتربت من أذنه وهمست.
“أنا ثملة.”
مال فيلياس بجسده لينظر في وجه فانيسا، وشعرت بشعره الأسود ينسدل ببطء على وجنته.
“يبدو أنكِ محقة. هل أطلب لكِ ماءً مثلجًا؟”
“دوق.”
“نعم، آنسة فانيسا.”
“هذا سرّ.”
“نعم، أنا أستمع.”
“في رأيي…..أنتَ لطيفٌ بعض الشيء.”
لامست أطراف أصابعه جبين فانيسا بخفة ثم ابتعدت.
“همم، آنسة فانيسا..…”
ثم غفت فانيسا وهي جالسةٌ على الكرسي، وشعرت بشيء صلب يسند رأسها بلطف.
كان عزف الابنة النبيلة لم ينتهِ بعد…..وغرقت فانيسا في حلم غامض قصير. ظهرت فيه إليشيا وأخواتها الخمس يحملن بفساتين جميلة، يحاولن تزيين فانيسا.
ألوان الفساتين والأحجار الكريمة….وملمس الأقمشة الناعمة الذي كان يحيط بها….
“لا، شكرًا. لا بأس….أنا بخير..…”
ثم أيقظها من نومها صراخ زوجة الماركيز.
“……؟”
“لقد أخبرتكِ مرارًا وتكرارًا! كم مرة قلت لكِ ذلك يا سيدتي الماركيزة!”
صرخ شابٌ بصوتِ ضجر.
“لم أكن أعلم…..لم أظن حقًا أنه سيأتي بنفسه!”
استعادت فانيسا وعيها بتثاقل، واعتدلت جالسة على الأريكة الطويلة.
“قلتُ لكِ مرارًا أنه لا يجوز دعوة الدوق الأكبر ودوق فاليندورف إلى المكان نفسه!”
“الدوق الأكبر..…؟”
رأت في الطرف الآخر من الغرفة فيلياس واقفًا وظهره نحوها. ولم يكن وحده هناك.
نهضت فانيسا من الكرسي. و بدا أن بقية الضيوف قد غادروا بالفعل، ولم يبقَ سوى سيدة الماركيز وذلك الشاب الذي بدا كخادمٍ لأحدهم، يتخبطان بارتباك أسفل المسرح.
“سمو الدوق، ماذا تفعل؟”
قالت فانيسا ذلك وهي تتقدم نحوه وقد شعرت بأن هناك أمرًا مريبًا.
“آه، لقد استيقظتِ، آنسة فانيسا. كنتُ على وشك أن أقلق عليكِ.”
أجاب فيلياس دون أن يدير رأسه، بنبرة هادئة كالعادة.
“قلتُ ماذا تفعل؟”
حاولت فانيسا أن تديره نحوها لكنها لم تستطع. وسرعان ما أدركت من كان يقف أمامه.
“دوق فاليندورف.”
كان مستندًا إلى الحائط يلهث بصعوبة، وقد تبللت خصلات شعره الفضي الأنيق بالعرق وتبعثرت، بينما كان الدم يسيل من أنفه المنتفخ.
و عينه اليسرى ذات الحدقة الرمادية الزرقاء كانت محاطةً بعروق حمراء متفجرة كالهالة.
أما عينه اليمنى، تلك التي كانت سوداء قاتمة في الأصل…..فقد كانت عينًا صناعية، مضرجةً بالدماء ومتدحرجة على الأرض.
“لماذا….الدوق…..سمو الدوق، ماذا..…”
“كنتُ على وشك أن أقتلع عينه الأخرى الآن.”
“لماذا؟! ما السبب؟!”
“لأنه تجرأ ووقع بصري عليه. أعتذر، لكني أظن أننا تحدثنا عن هذا من قبل.”
و ردّ الدوق فاليندروف ساخرًا،
“لقد ناديتُكِ بحبيبتي.”
فهز فيلياس رأسه بتعب.
“حبيبته؟”
“أتعني ما حدث في متجر الكتب..…؟”
و ضحك الدوق المصاب فاليندروف،
“آه، لا تقوليها هكذا، سيظن هذا الأحمق أمرًا آخر. أليس كذلك، ليون؟”
قبض فيلياس على طوق معطفه ورفعه عن الأرض، ثم بدأ يخنقه دون أي تردد.
لسببٍ ما لم يتمكن الدوق من المقاومة. ومع صدور أصوات الغرغرة من حلقه، شعرت فانيسا بدوارٍ شديد وكأن العالم يدور أمام عينيها.
“يا له من عديم الفائدة…..كان يجب أن أقتله بنفسي منذ البداية.…”
كان ذلك صوت الكونت لانغ يرن في رأسها.
انهارت فانيسا على الأرض، تتنفس بصعوبة. و حاولت أن تملأ رئتيها بالهواء لكنهما لم تتحركا مهما حاولت.
“أنفاسي….لا أستطيع..…سمو الدوق.…”
ترك الدوق فيلياس خصمه أرضًا واقترب من فانيسا بسرعه . ثم انحنى نحوها ونظر في وجهها،
“كما قلتُ لكِ من قبل، أخبرتكِ أنه سيكون مشهدًا صادمًا لكِ.”
ثم حملها برفقٍ وأجلسها على الكرسي.
“إنه فرط تنفس. سأغلق فمكِ قليلًا، لا تخافي.”
ضغطت يده برفق على شفتيها وخدّها، فقبضت فانيسا على معصمه غريزيًا، لكن ذراعه الصلبة لم تتحرك قيد أنملة.
“لا بأس، تنفّسي، ببطء…..اسحبي الهواء من أنفكِ.”
اتبعت فانيسا تعليماته، فأخذت نفسًا بطيئًا، ثم رفع الدوق يده التي كانت تغطي فمها ليتيح لها الزفير.
وبعد تكرار ذلك مرات قليلة، بدأ تنفّسها يعود تدريجيًا إلى طبيعته، وهدأ قلبها الذي كان على وشك الانفجار.
ثم تحدّث الدوق بصوتٍ هادئٍ ولطيفٍ إلى حدٍ مؤلم،
“آنسة فانيسا، أنا…..لا يهمني أبدًا كم عشيقًا قد يكون لكِ.”
“ماذا..…؟”
قال ذلك وما زال يسدّ فمها بيده.
“أنا جادّ. لستُ غاضبًا منكِ أبدًا. ما حاولت فعله بالدوق كان لأسبابٍ شخصية لا علاقة لها بكِ. لذا..…”
خلفه، كان الدوق فاليندورف ينهض ببطء من الأرض، فقبضت فانيسا على معصمه بقوةٍ مجددًا.
ومع ذلك، لم يتحرك الدوق قيد أنملة. كانت لمسته حذرة، لكن عضلات ذراعه كانت متوترةً تتفجّر منها العروق.
“لذا، إن رغبتِ، يمكنكِ اللهو مع أي شخصٍ شئتِ.
فقط…..في النهاية، إن عدتِ إليّ فحسب..…”
مخيف.
إنه مخيف. لكن ما الذي يخيفها بالضبط؟
بدأ تنفّس فانيسا يضطرب من جديد. أيّ وجهٍ يرسمه الآن في تلك الظلال اللعينة؟
“آه، لا تبكي. البكاء يجعل التنفّس أصعب..…”
اقترب الدوق فاليندورف دون أن تدري، ووقف خلف الكرسي حيث جلست. و كان يحدّق بهما بصمتٍ وعيناه مطأطأتان.
وفي تلك اللحظة، أدركت فانيسا أن الدوق لم يكن عاجزًا عن الرد.
بل لم يستطع. ففيلياس من سلالةٍ إمبراطورية، وإن تجرّأ فاليندورف على الردّ في مكانٍ علني كهذا، فسيتلقى عقابًا لا مفرّ منه.
حين خطر هذا ببالها، بدا لها الدوق الذي ينظر إليها الآن غريبًا أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
وتحدّث دوق فاليندورف بهدوءٍ ساخر،
“لم أتوقع أنكِ قادرةٌ على التقرّب من شيءٍ كهذا. يبدو أن معدتكِ قويةٌ أكثر مما ظننت.”
ولا شك أنه حين قال “شيءٍ كهذا”، كان يشير بذقنه نحو فيلياس.
***
بعد ثلاثة أيام، سنحت الفرصة لفانيسا لمقابلة وليّ العهد.
كانت قد قررت ألّا تخبر فيلياس بأمر اللوحة، بل أن تبيعها لوليّ العهد مع سرّها المتعلق بالعائلة الإمبراطورية.
التقيا في حديقة القصر الخلفية عند غروب الشمس، وسارا معًا في نزهة قصيرة تبادلا فيها الحديث.
تحدّث وليّ العهد وهو ينظر إليها،
“يبدو أن وجهكِ حزينٌ اليوم. هل حدث شيء؟”
منذ الحفل في منزل الماركيز، لم يعد فيلياس إلى قصره. وحتى موعد هذه المقابلة، كانت فانيسا قد تلقّت الخبر عبر نيكولا.
وصل صباح اليوم فستانٌ جديد، ومع ذلك لم تستطع التخلص من شعورٍ غامض بأن شيئًا ما ليس في مكانه.
“لا شيء يا صاحب السمو. أنتَ من تبدو مشغول البال…..لعلّك متوعك؟ أخشى أنني أزعجتكم بطلبي هذا.”
“آه، لا، ليس الأمر كذلك. في الحقيقة…..لم تتوقف الاجتماعات العسكرية مؤخرًا. مواقع المراقبة على الجبهة الجنوبية تثير المتاعب من جديد، والبرد المفاجئ في الجبال عطل الإمدادات…..آه، لا بد أن هذا الحديث مملّ لكِ. سامحيني.”
“أبدًا يا سموّ الأمير. لكن، هل الدوق فيلياس منشغل بتلك الاجتماعات أيضًا؟”
تنهد وليّ العهد بعمق.
“لو لم يكن هو الدوق لما اضطررنا لكل هذا. لا أحد في الإمبراطورية يعرف الجبهة الجنوبية مثله. لكنه نادرًا ما يمكث في العاصمة، لذا حين أُتيحت الفرصة، انقضّ عليه الوزراء والجنرالات من كل جانب.”
“أفهم الآن..…”
“وبسبب ذلك، لم يتمكن دوق فاليندورف من دخول القصر…..فصرت أعقد الاجتماعات مرتين بدلًا من مرة. لكن، بما أنكِ من الآنسات، فلن أطيل الحديث في السياسة.”
“إذًا، طالما الدوق فيلياس في العاصمة، لا يمكن للدوق فاليندورف دخول القصر؟”
أظهر وليّ العهد ملامح حرجٍ واضحة.
“همم…..حسنًا، الكل يعرف أن الاثنين إن تبادلا النظرات فقط كادا يقتل أحدهما الآخر. هاها، هكذا هي السياسة أحيانًا، أليست كذلك؟”
“ألم يكن بينهما سببٌ واضح لكل هذا؟”
“لا يمكنني القول أنه لا يوجد، لكن الحقيقة أنهما… رجلان حطّمهما ميدان الحرب. همم…..آسف، لا أستطيع قول أكثر من ذلك.”
“لا، أنا من بالغت في السؤال.”
وسارا معًا تحت شجرة ماغنوليا بيضاء كانت أزهارها في أوج تفتحها.
______________________
ايه سولفي معه عن السياسة عشان مايتغزل
المهم فيلياس ياناس يالجنتله خلا الضرب عشان حبيبته🤏🏻 يوم مسكها والله المشهد حلوووووو
بس ياعمري على فانيسا للحين معها صدمة ابوها😔 وهو يحسبها خافت منه😔
يا ب مايسفهها فتره ابيها تشرح له بسرعه انها مب حبيبه فالندروف ذاه
التعليقات لهذا الفصل " 15"