بعد مغادرة “السيد الشاب ” ، غادر الثلاثة مكان التدريب بهدوء كي لا يُزعجوا الفرسان الذين استأنفوا تدريباتهم.  

 

“هل تريدون الذهاب لاستكشاف المدينة الآن؟”  

 

“أفضل الراحة في الغرفة.”  

 

رفضت “إيلينا” اقتراح “روين” على الفور. كانت تنوي التفكير مرة أخرى في تدريبات السيد الشاب.  

 

“لا أسمح بالرفض.”  

 

“ماذا؟”  

 

قلّدت “روين” لهجة السيد الشاب وأمسكت بـ”إيلينا”، ثم نظرت إلى الساعة في الحديقة. كان الوقت لا يزال مبكرًا لقضاء عطلة.  

 

“إنها فقط الثالثة بعد الظهر! لا يمكنك قضاء العطلة كلها على السرير! هيا بنا نتسوق، إيلينا!”  

 

“لدي ملابس كافية.”  

 

“أحقًا؟”  

 

همست “بيسي” بوجه جادّ، وهي التي شاهدت خزانة “إيلينا” بالصدفة ذات مرة.  

 

“أليس هذا كافيًا؟ أنا لستُ مدعوة إلى أي حفلات، ولديَ بعض الفساتين الأنيقة والملابس المريحة.”  

 

توقفت “إيلينا” عن الكلام عندما رأت رد فعل “روين” و”بيسي” اللذين بدا عليهما الجدية وكأنهما يسألانها: “هل أنتِ جادة؟”  

 

“بهذه الجدية؟”  

 

أومأت رأسيهما في آنٍ واحد.  

 

“الزهد أمر جيد، لكنكِ مع ذلك سيدة نبيلة، ألا ينبغي أن يكون لديكِ المزيد من الفساتين؟”  

 

سألت “بيسي” بحذر.  

 

“ليس لديّ رغبة في المشاركة في المناسبات الاجتماعية.”  

 

“ومع ذلك، يجب أن يكون لديكِ فستان لائق!”  

 

كانت “روين” قد بدأت بالفعل تجرّ ذراع “إيلينا” متجهةً خارج القصر.  

 

“هيا! هدفنا اليوم هو شراء فستان لإيلينا!”  

 

وفي النهاية، انتهى الأمر بـ”إيلينا” بشراء فستانين وزوج من الأحذية ذلك اليوم.  

 

——    

 

“لقد أتيتَ إلى التدريب نهارًا عن قصد اليوم، أليس كذلك؟”  

 

“أجل.”  

 

“هل لديك شخص… لا، خادمة مناسبة؟”  

 

بينما كان “ميخائيل” يقف بجانب مكتب السيد الشاب، تذكر الخادمة التي كانت مع “روين” و”بيسي” وسأل.  

 

“نعم. وصلني تقرير يفيد بأنها قد تكون مفيدة.”  

 

“هل تقصد “روين”، تلك الفتاة؟”  

 

“نعم.”  

 

شكّ قائد الفرسان في قدرة “إيلينا” النحيفة على حمل السيف بشكل صحيح عندما رأى بنيتها الجسدية وعضلاتها. لكنه لم يكن أمامه سوى الوثوق بتوصية “روين” الدقيقة وحادّة الملاحظة في كل الأمور.

 

“هل هي جيدة بما يكفي لتظهر تدريب الفرسان عمداً؟”  

 

“تقييم الفارس المسؤول عن التدريب جيد أيضاً.”  

 

عندما أشار “كارل”، قدم “روبن” الذي كان يقف خلفه ملفاً عن “إيلينا” أمام “ميخائيل”.  

 

“سمعتُ عنها أيضاً، لكن لا يبدو أنها تستحق الجذب بهذا القدر بعد.”  

 

“ليست المبارزة فقط، بل جميع المواد الأخرى نتائجها ممتازة. سلوكها في الصف عادي، لكن يبدو أنها تتجاوز المستوى الأساسي في كل شيء. إنها الأكثر تميزاً بين الخدم الذين تم تعيينهم مؤخراً، ومن المثير للاهتمام أن أحداً لم يلاحظ ذلك.”  

 

بكلمات “كارل”، تصفح “ميخائيل” الملف بجدية. كان التقرير يحتوي على المعلومات الأساسية عن “إيلينا” وتقييماً شاملاً لأنشطتها منذ انضمامها إلى منزل الدوق.  

 

“العلاقات المحيطة: جيدة، المبارزة: ممتازة، المواد الدراسية: ممتازة.”  

 

وتحت ذلك، كُتبت تفاصيل دقيقة متعلقة بهذه الجوانب.  

 

“بشكل عام، كل شيء ممتاز. لكن مع ذلك، من حولها لا يدركون تميزها؟ هل هذا ممكن؟”  

 

حك “ميخائيل” ذقنه متعجباً من هذه النقطة الغريبة. عادةً، عندما يكون شخص ما مميزاً، الجميع ينتبه له. قد لا يُلاحظ في البداية، لكن في النهاية تظهر قيمته.  

 

“لهذا أقول إنها غريبة. لا تلفت الانتباه بشكل مبالغ فيه، ولا تتعرض للحسد أو الاستياء. ومع ذلك، نتائجها متفوقة بوضوح. إما أنها عبقريّة، أو أنها جاسوسة.”  

 

“إذا جذبناها، فإلى جانب الظل؟ أم إلى فرقة الفرسان؟”  

 

“ما زلتُ أفكر. يجب أولاً التحقق من مهاراتها أكثر.”  

 

“ربما نحصل أخيراً على شخص ماهر في فرقة الفرسان.”  

 

أظهر “ميخائيل” تلميحاً من الترقب. في السنوات الأخيرة، استقطب “الظل” جميع الموهوبين، لذا كان يتطلع إلى انضمام دماء جديدة إلى فرقة الفرسان.  

 

“لا أعرف إن كانت تستحق حقاً.”  

 

“سأظن الأفضل.”  

 

بعد إنهاء مهمته، ودع “ميخائيل” وغادر.  

 

“يبدو أن القائد هذه المرة مهتم بعض الشيء.”  

 

“لا يوجد متدربون جيدون في هذه الدفعة.”  

 

“لكن لم يظهر تعلقه بهذا الوضوح من قبل، أليس كذلك؟”  

 

“لقد سُرق منه ذلك الشاب الذي أعجبه مؤخراً لصالح الظل.”  

 

ظهرت نظرة أسف على وجه “روبن” عند سماع كلمات “كارل”.  

 

إيلينا لويس — الاسم المكتوب على الصفحة الأولى من الملف الموضوع على الطاولة لفت نظر “كارل” بوضوح.  

 

لم يكن يعرف بعد هل هي موهوبة حقاً، أم جاسوسة أرسلتها الإمبراطورة الأم. كان يحتاج إلى فرصة لمراقبتها عن كثب.  

 

—–    

 

كانت الشمس قد تجاوزت رأسها. “إيلينا” كانت تتجول وحدها حول الجناح الجانبي.

 

كانت أفكارها مشغولة تماماً بتقنيات السيف التي شاهدتها مؤخراً من “السيد الشاب “. كانت هذه المرة الأولى في حياتها التي تنبهر فيها بتقنيات سيف شخص آخر. أسلوب “كارل” في المبارزة كان مختلفاً تماماً عن أسلوبها.  

 

سيف “إيلينا” كان خفيفاً وسريعاً. لكن من الصعب هزيمة رجل بالاعتماد على القوة وحده. بالطبع، كانت تمتلك قوة جيدة مقارنة بفارس عادي بفضل تدريباتها المستمرة على بناء العضلات، لكن إذا واجهت رجلاً بنفس مستواها، فمن المؤكد أنها ستكون في وضع غير مؤاتٍ من حيث القوة.  

 

خاصة في المعارك ضد الخصوم الذين يعتمدون على القوة المفرطة، فإن الاعتماد على القوة العضلية وحده كان يستنزف طاقتها بسرعة. لذلك، بدلاً من الاصطدام بقوة، اعتمدت “إيلينا” على أسلوب في المبارزة يستخدم قوة الخصم ضد نفسه.  

 

كان سيف “إيلينا” أنيقاً ومرناً. لكن عندما تذكرت سيف “كارل” الساحق الذي رأته خلال تدريب فرقة الفرسان، شعرت بإحباط شديد من حدود جسدها.  

 

“بدلاً من أن أندم على ما لا يمكنني تحقيقه، من الأفضل أن أركز على ما يمكنني فعله.”  

 

أسرعت خطواتها نحو عمق الحديقة. إذا لم تستطع تحقيق شيء، فعليها أن تعرف كيف تستفيد منه بطريقة أخرى. ومن هذا المنظور، أعجبتها التقنية التي استخدمها السيد الشاب مؤخراً. تقنية تسمح بإرباك خصم قوي بضربة واحدة!  

 

مع حماسها لتقنية مختلفة عما اعتادت عليه، تسارعت خطوات “إيلينا” أكثر.  

 

نشرت إحساسها حولها لتتأكد من عدم وجود أحد. كان الخدم في الجناح الجانبي يستريحون في غرفة الاستراحة، ولم يكن هناك أحد يتجول خلف الجناح في هذا الوقت. بينما كانت تتفحص الحديقة، كسرت غصناً مستقيماً من شجرة.  

 

“آسفة، سأستعيرك لبعض الوقت.”  

 

انحنى الغصن في يدها اليمنى برشاقة. رفعت “السيف” – أو بالأحرى الغصن – ببطء إلى الأعلى.  

 

صوووت، صوووت!  

 

كررت حركة الضربات الخفيفة. كان الأمر مشابهاً، لكن مختلفاً بعض الشيء. كانت الضربات أعمق قليلاً… كيف فعل ذلك بالضبط؟  

 

حاولت “إيلينا” تقليد وضعية السيد الشاب مراراً وتكراراً، تتحرك بلا توقف لاستيعاب التقنية. هنا… يجب أن أذهب أعمق قليلاً—  

 

“حركي قدمك اليسرى أكثر إلى الجانب.”  

 

صُدمت من الصوت المفاجئ، واستدارت بسرعة ووضعت الغصن على عنق الشخص الذي ظهر فجأة بجانبها.  

 

“آه……”  

 

تحت وهج شمس المغرب البرتقالية، ظهر السيد الشاب بجوار الشجرة، شعره يلمع بلون أحمر تحت الضوء.  

 

“أنا أسف، سيدي.”  

 

ألقت “إيلينا” الغصن على الأرض بسرعة وانحنت للتحية. لوح السيد الشاب بيده وكأنه يقول “لا داعي للتحية”.  

 

“استمري في الحركة. سأرشدك.”  

 

“نعم، لا… لا داعي. أنا فقط أتدرب على تقنيات السيف التي علمني إياها المدرب.”  

 

عدلت كلامها بسرعة بعد أن انزلق لسانها بالصدفة. لقد حذرها “ديريك” مراراً وتكراراً: 

“إذا اكتشفوا حقيقتك، ستكون حياتك جحيماً.” 

من الأفضل أن تكون مجرد خادمة مهتمة قليلاً بالسيف.  

 

“لا يبدو أنكِ تتدربين على تقنيات السيف العادية، بل على التقنية التي استخدمتها أثناء العرض. أليس كذلك؟”

 

“أوه، لا يمكنني أبداً تقليد تقنية بهذا التعقيد! أنا مجرد مبتدئة في فنون السيف. على غير المتوقع، وجدت السيف ممتعاً… هاهاها!”  

 

انطلقت الكلمات من فم “إيلينا” باضطراب، كالماء المتدفق. كانت تحاول جاهدة إبعاد نفسها عن عالم الفرسان، لكن يبدو أن الحقيقة كشفت عنها بسهولة. لماذا يجب أن يحدث هذا الآن؟ خاصةً وأن منزل الدوق كان يتمتع بأفضل مزايا للخدم!  

 

شعرت وكأن عيني “السيد الشاب ” تضيقان بينما يراقبها. حاولت يائسةً تحويل انتباهه:  

 

“ما تفعله أنت، سيدي، يتجاوز قدراتي بمقدار سنوات ضوئية! ربما إذا بقيتُ في خدمة منزل الدوق لفترة كافية، قد أتمكن يوماً ما من محاولة تقليد ولو جزء بسيط…”  

 

“مع ذلك، حركاتك كانت مشابهة بشكل مريب لتقنياتي.”  

 

رفع “كارل” ذراعه ببطء، مستعيداً في ذهنه الطريقة التي كانت تتحرك بها “إيلينا”. لقد اكتشفني! لكن كيف؟ لقد كانت تتأكد طوال الوقت من عدم وجود أي أحد حولها!  

 

…بالطبع، من المستحيل اكتشاف سيد سيوف يخفي وجوده تماماً. حاولت إخفاء يأسها بابتسامة متصنعة. لحسن الحظ، كانت تتحرك ببطء كالمبتدئين.  

 

…هل من الممكن أن أضربه على رأسه لأمحو ذاكرته؟ خطرت لها الفكرة لثانية ثم تخلت عنها فوراً. لم تكن تعرف طريقة للتعامل مع خصم قد يكون مساوياً لها—أو حتى متفوقاً—في المهارة.  

 

“هاها… لا بد أنك أخطأت الرؤية!”  

 

“وما الذي يجعلك متأكدةً؟”  

 

“كيف يمكن لمبتدئة مثلي أن تحاكي تقنيات سيد مثل سيادتك؟ تقنياتك كانت سريعة لدرجة أن عيني لم تستطع تتبعها، فما بالك بيدي!”  

 

ارتفع طرف شفة “كارل” قليلاً. حركاتها كانت مطابقة تماماً لتلك التي أظهرها خلال جلسة التدريب. هذه الخادمة الصغيرة كانت تكذب ببراعة لإخفاء مهارتها الحقيقية.  

 

“إذا كنتِ تقولين ذلك… على أي حال، كان وقوفك جيداً، لذا أردت أن أعلق. سأعلمك تقنية مفيدة، فلتتدربي عليها.”  

 

“ش-شكراً…؟”  

 

وجدت “إيلينا” نفسها مضطرة لقبول عرضه دون قصد.  

 

“هل هذه أول مرة تمسكين بالسيف؟”  

 

“نعم.”  

 

في الواقع، كنت أتلاعب بالسيف منذ كنت في الخامسة من عمري… لكنها قررت دفن الحقيقة بعيداً.  

 

“رغم ذلك، وقفتك ممتازة.”  

 

“أحقاً؟ شكراً لك!”  

 

تقبلت مديحه ببرود، مما جعل حاجب “كارل” يرتفع قليلاً.  

 

“سأعلمك كيف تدفعين هجوم خصم أقوى منك جسدياً.”  

 

تكلم بلطف متعمد. إذا كانت هذه الخادمة عبقريّة بلا علاقة بالإمبراطورة الأم، فعليه أن يضمها إليه بأي ثمن. سواءً كانت موهوبة بشكل طبيعي… أو تخفي مهارات مدروسة بعناية.