صرخة.  

عندما سمعت إيلينا صوت حركة مرة أخرى، لم تتردد وأطلقت السهم. انطلق السهم بسرعة نحو مصدر الصوت.  

“آه!”  

أُصيبت غزالَة كبيرة بالذعر من صوت اختراق السهم للهواء، وقفزت من بين الأدغال محاولة الهرب.  

أعدت إيلينا سهمًا آخر وصوبت نحو الغزالة. بعد أن اخترق السهم الأول عينها اليمنى، أصاب السهم الثاني قلبها بدقة. وقبل أن تطلق السهم الثالث، سقطت الغزالة على الأرض بدون حراك.  

“وااو!”  

لم يتمكن الخادم الواقف خلفها من كبح إعجابه، بينما اتسعت عيون كارل والفرسان دهشة. لكن الخادم، بعد لحظة من الصدمة، تذكر واجبه وتقدم بسرعة لفحص حالة الغزالة.  

“يبدو أننا سنحصل على جلد من الدرجة الأولى!”  

كانت جودة الجلد تعتمد على طريقة موت الفريسة، وإيلينا اصطادتها بسهمين فقط. لم يكن هناك أي جروح في أجزاء أخرى غير القلب، مما يعني أن الجلد سيكون بجودة ممتازة. أخذ الخادم الغزالة بحماس ووضعها على العربة.  

“هذه أول فريسة، لذا سأقدمها للسيد الشاب.”  

عندما قالت إيلينا ذلك، بدأ الفرسان يتمتمون. نظر كارل إليها بوجه محرج، لكنها تجاهلته تمامًا وكانت منهمكة في التفكير فيما يمكنها صنعه من الجلد للسيد الشاب.  

“يجب أن أبذل جهدي أيضًا.”  

أحس كارل بأنه لا يمكنه أن يتخلف، ففتح حواسه الداخلية وبدأ يبحث عن فريسة. كانوا قد دخلوا عميقًا في الغابة، لكنه شعر بوجود آخرين يقتربون.  

“لنستكشف المنطقة أكثر.”  

تقدم كارل على جواده، وتبع الآخرون خلفه.  

“صوت إصابة!”  

“لقد اصطدتها!”  

صرخ خادم كارل بسعادة. كان محظوظًا لمرافقته عائلة دوق بيكمان.  

كان نجل الدوق الصغير ورفيقته ماهرين في الصيد. الجميع كانوا يرفضون خدمة وريث دوق بيكمان، لذا أُعطي المهمة لأصغرهم، لكنه الآن كان سعيدًا بمشاهدة مهاراتهم وجني الغنائم.  

ابتسمت إيلينا سرًا وهي ترى حماس الخادم، لكنها نظرت إليه بتأسف:  

“هذا الحماس… أتمنى أن يستمر حتى النهاية.”  

كانت متأكدة أن القتلة كانوا ينتظرون في الخفاء.  

أطلقت إيلينا حواسها الداخلية سرًا لتفحص المناطق المحيطة. لم تكن هناك فرصة أفضل من مسابقة الصيد للتخلص من شخص ما.  

لم تكن تقرأ الكثير من روايات الرومانسية، لكن حتى في القصص التي تتداولها الخادمات، كانت الحوادث تحدث في الحفلات أو مسابقات الصيد. هذا يعني أنها أماكن مثالية لمثل هذه الأمور.

ولهذا السبب، كان الفرسان الآخرون متوترين أيضًا، يحافظون على حذرهم ويحيطون أنفسهم بمراقبة دقيقة.  

“إلى أين نتجه هذه المرة؟”  

“يبدو أننا ابتعدنا كثيرًا، ربما من الأفضل الاختلاط بالناس قليلًا.”  

بعد أن نظر كارل إلى الفرائس المحملة على العربة، قرر وجهته التالية. كان الاختلاط بين الحين والآخر مع الآخرين أفضل من التجول بمفرده واستماع إلى كلمات غير مرغوب فيها. حتى لو بدا وجهه غير مبالي، كان الناس يجدون طريقة لبناء روابط معه.  

“كارل!”  

“صاحب السمو ولي العهد.”  

بينما كانوا يتحركون على خطى الصيادين الآخرين، صادفوا ولي العهد محاطًا بأبناء النبلاء. عندما رأى روديان وجه كارل، رفع يده مرحبًا به، فتفرق الجمع ليفسح له الطريق.  

“هل اصطدت الكثير؟”  

“لا، لم يكن هناك الكثير من الفرائس في الأماكن التي ذهبت إليها.”  

“…وهل هذا يفسر هذا الكم الرائع من الصيد؟”  

أُسكِت روديان بسبب كذبة كارل الصارخة. من الغزال الكبير على العربة إلى باقي الفرائس، كلها بدت أفضل بكثير مما اصطاده الآخرون.  

“صحيح… ابن عمي كان دائمًا يتصرف وكأنه ترك ضميره في مكان ما منذ الصغر.”  

“سنتوقف قليلًا لأخذ قسط من الراحة. لا يزال لدينا يوم كامل.”  

“الفرائس التي اصطدتموها ستحقق نقاطًا عالية! خاصة ذلك الغزال الكبير!”  

بعد تعليق أحد أبناء النبلاء الواقفين إلى الجانب، ارتفع زاوية عين كارل قليلًا. تحت نظرات كارل الحادة، شعر الشاب وكأنه ارتكب خطأ ما. رغم أن سيد السيوف لا يقتل الناس دون سبب، إلا أن تعابير وجهه كانت مخيفة حقًا.  

“هذه من اصطادتها شريكتي. فريسة رائعة، أليس كذلك؟”  

مهما حاول كارل اصطياد شيء أفضل، لم يظهر شيء يفوق ذلك الغزال. تكلم بفخر، لكنه كان يشعر بالمرارة في داخله.  

“هل تقصد الآنسة لويس؟”  

بعد سماع رد كارل، نظر الشاب إلى إيلينا بعينين مندهشتين.  

“كان الحظ بجانبي.”  

“يبدو أن مهارتكِ في الرماية استثنائية.”  

بعد ثلاثة أيام من التصحيح تحت إشراف ديلان، أصبحت مثالية. بالطبع، كانت قد استخدمت القوس أثناء الصيد في منزل لويس، ولكن لأنها سمعت أن ديلان ماهر في الرماية، خصصت وقتًا لتتعلم على يديه، وكانت الجدوى واضحًا.  

“لقد تعلمتها مؤخرًا، لكنني حالفت الحظ بمعلم جيد.”  

“واو، أتمنى لو يمكنني مقابلة معلمكِ أيضًا! أنا لم أصطد حتى الآن أي شيء.”  

“ستجد فريسة جيدة قريبًا.”  

بينما كان الآخرون يلاحظون رد فعل كارل، بدأوا يتحدثون مع إيلينا واحدًا تلو الآخر. كان عليهم استغلال الفرصة لبناء علاقة مع شريكة كارل، خاصة عندما يكون سيد بيكمان صامتًا هكذا.

“ألا تتركونها وشأنها؟”  

“حسنًا، هم بحاجة إلى ذلك أيضًا.”  

لم يعجب كارل رؤية الرجال يتجمعون حول إيلينا ويحادثونها، لكنه ابتعد عن الحشد وانضم إلى ولي العهد في حديث منفصل.  

“هل تفحصت أرض الصيد؟”  

“نعم، كانت هادئة. لم ألاحظ أي شيء مريب.”  

بسبب ما ذكره روديان سابقًا، ظل كارل في حالة تأهب طوال تجواله في أرض الصيد، يفحص المناطق المحيطة بحذر. حتى أنه أعطى تعليمات واضحة بأنه في حال تعرضوا لهجوم، يجب عليه حماية إيلينا أولًا.  

“حقًا؟ مع أن الفرسان التابعين للفرقة الرابعة مُنِحوا مسؤولية حراسة أرض الصيد، يبدو أنهم أعدوا كل شيء بدقة.”  

همس روديان مستغربًا بعد سماع كلام كارل. وفقًا لكلام الخدم، كان قائد الفرقة الرابعة يتردد كثيرًا على قصر الإمبراطورة. وبالرغم من أن ذلك كان طبيعيًا نظرًا لأنه مسؤول عن حماية القصر، إلا أن الأمر بدأ يثير شكوك روديان، فلم يستطع البقاء صامتًا.  

“يُقال أنك تتلقى هذه الأيام العديد من التقديمات لخطبة بنات النبلاء؟”  

“أوه، سمعت بالأمر؟”  

ضحك كارل ساخرًا وحوّل مسار الحديث. في الواقع، بعد أن أصبح وريث العرش، بدأ بالنشاط الاجتماعي للتعرف على من قد يرافقونه في المستقبل.  

“يبدو أن خبر بدء نشاطي الاجتماعي قد وصل إلى أمي.”  

“حسنًا، ليس الأمر سيئًا. ألستَ مقبلًا على الخطوبة قريبًا؟”  

“لا داعي للاستعجال في الزواج. والدي ما زال في كامل صحته.”  

حك روديان مؤخرة عنقه بإحراج وأطلق تنهيدة.  

“الفَتيات اللواتي تقدمنهن أمي واضحات جدًا في نواياهن.”  

بالطبع، كانت هناك بعض الاستثناءات النادرة ممن جاءن بقلب صادق، لكن معظمهن نظرن إليه بعيون طامعة، إما لتحقيق مكاسب لأبائهن أو لمصالحهن الشخصية.  

“أليس هذا متوقعًا في مثل هذه المناصب؟”  

“آه، إذن لن توافق على خطبة ابنة بارون أيضًا.”  

كان بيت بيكمان أحد أعظم العائلات النبيلة في الإمبراطورية. وقد أثارت إيلينا، التي قد تصبح يومًا ما دوقة بيكمان، الكثير من اللغط لأنها جاءت من إقطاعية نائية ومن عائلة منخفضة المكانة نسبيًا. انتقد الكثيرون عدم ملاءمتها لمكانة العائلة الدوقية.  

بل إن بعضهم تكهن بأن كارل قد عينها وكيلة عنه فقط لأنه لم يرد أن يزعج نفسه بالرد على خطابات الزواج من العائلات النبيلة.  

كانت تحركات كارل غير تقليدية إلى حد كبير. علاوة على ذلك، فإن علاقته بفتاة دخلت العائلة كخادمة كانت أمرًا مثيرًا للفضول.  

“أنا لا أهتم. في النهاية، هي لن تصبح إمبراطورة، أليس كذلك؟ الأمر مختلف عن العائلة الإمبراطورية.”  

أظهر كارل ابتسامة منتصرًا مؤكدًا أنه لا توجد مشكلة. بالإضافة إلى ذلك، إيلينا ليست من النوع الذي يخاف من مثل هذه الأمور.  

“سأحرص على أن أكون عائقًا في طريقكم.”

“أعتقد أن عليّ مساعدة الإمبراطورة في تقديم بعض الفتيات اللواتي يستحقن التعرف عليكم.”  

عندما سمع روديان كلام كارل، شعر بالانزعاج وكاد أن يعترض بقوة عند ذكر موضوع الزواج، لكنه أُسكتَ بالكلمة التالية. إذا انتشر خبر أن كارل يبحث عن عروس محتملة لولي العهد، فقد تتسابق العائلات النبيلة لتقديم بناتها بكل قوتها.  

“أي حديث شيق يجرى بينكما؟”  

بينما كانت المجموعة التي كانت تتحدث مع إيلينا تبدأ بالاهتمام بولي العهد وكارل، اقتربوا منهم برفق وفتحوا الحديث.  

“هاها، كنا نتحدث عن تضاريس المنطقة حيث لا يبدو أن هناك فرائس كثيرة.”  

أدار روديان الحديث بضحكة عريضة.  

“أهكذا؟ يبدو أن علينا التوجه إلى مناطق أعمق لنجد فرائس جديرة بالاصطياد. أتمنى لو أستطيع اصطياد غزال كبير مثل ذلك.”  

أحد النبلاء الصغار أبدى إعجابه بالغزال الكبير المحمول على العربة، والذي بدت جودته ممتازة ليكون هدية ثمينة لخطيبته.  

“يُقال أن إدارة أرض الصيد هذا العام جيدة، لذا هناك الكثير من الحيوانات. لمَ لا تستهدف فرائس من الدرجة الأولى؟ لديك ثلاثة أيام، ألا تعتقد أنك ستتمكن من اصطياد ما تريد؟”  

عرف ولي العهد أن ابن الكونت مغرم جدًا بخطيبته، فابتسم ابتسامة عريضة. على الرغم من أن زواجهما كان لتحالف بين العائلتين، إلا أنهما وقعا في الحب وأصبحت علاقتهما استثنائية.  

“هل تعتقد ذلك؟ أريد أن أقدم هدية ذات معنى لشخص أحبه، مثل الآنسة لويس!”  

“كح!”  

“بف!”  

لم يتمكن روديان وبعض الحاضرين من كبح ضحكهم عند سماع كلام الشاب الواثق بنفسه. حتى الوجه الجامد لكارل تشقّق قليلًا.  

في هذه الأثناء، شجعت إيلينا الشاب قائلة إنه قادر على تحقيق ذلك. ومع ذلك، أضافت أنها ستحصل على الجائزة الكبرى، وتحدته في منافسة شريفة. فاستجاب الشاب بحماس، مصممًا على عدم الخسارة.  

“إذا كنت لا أريد أن تهزمني شريكتي، فعليّ أن أبذل قصارى جهدي في البحث عن الفرائس.”  

أذهلت كلمات كارل الممزوجة بالضحك وجوه النبلاء الصغار.  

لطالما عرفوا أنه وسيم بمجرد النظر إليه، لكن مع ابتسامته العابرة، أدركوا لماذا تتهافت النساء، بغض النظر عن أعمارهن، على ملاحقة سيد بيكمان. خطرت لهم فكرة خطيرة للحظة.