“إذن، هل نذهب للتحقق؟”  

“آه، لا. يبدو أنني كنت حساسًا أكثر من اللازم.”  

أحس الفارس أنه أثار الحديث في جو غريب فأغلق فمه بصمت.  

“هل نعود إلى القلعة؟”  

عندما سأل محاولًا قراءة الأجواء، تأمل قائد فرسان الفرسان للحظة ثم تبادل نظرات مع نائبه. عندها، هز نائبه كتفيه كما لو كان يقول “لا مفر من ذلك”.  

من رد فعل الاثنين، أصبح الفارس الشاب أكثر قلقًا. لقد كان كبيرًا ألا ينصت لنصيحة كباره.  

لقد قالوا له أن يترك الأمور غير المهمة، لكنه لم يستطع فهم سبب هرولتهم خوفًا لأجل مجرد صخرة. بينما كان يحاول الفارس القلق تغيير موضوع الحديث، فتح نائب القائد فمه:  

“لنتحقق على أي حال.”  

“آه، لا. أعتقد أنني يمكنني التعامل مع الأمر بنفسي كي لا يتأذى أحد.”  

“كيف ستهتم بالأمر وحدك؟ ألم تقل أن هناك الكثير من الصخور؟”  

“عند التفكير، لا يبدو العدد كبيرًا جدًا.”  

يقال أن الغريزة تنبه الإنسان عند الخطر، وقلب الفارس الشاب كان ينبض بقوة. سال العرق البارد على ظهره.  

“كلا، لنتحقق معًا. إذا كان هناك شيء غريب حقًا، فمن الخطر تركه قبل مسابقة الصيد.”  

“هاها، صحيح.”  

بلا خيار، اتجه الفارس نحو الجبل مع نائب القائد.  

بعد فترة، نزل شخصان فقط من الطريق الذي صعد إليه الثلاثة.  

—-    

“إيلينا.”  

” سيدي؟”  

إيلينا التي كانت تتدرب في زاوية ساحة التدريب، خرجت من خلف الشجرة لتجد كارل يناديها. كان يرتدي ملابس مريحة وأنيقة، تلك التي يرتديها في مكتبه، مما جعلها تتساءل إن كان قد خرج خلال ساعات العمل.  

نظرت إيلينا حولها بحذر وتقدمت نحو الشجرة كي لا تجذب انتباه الآخرين.  

“أليس هذا وقت وجودك في المكتب؟”  

عندما اقتربت وسألت، مد كارل يده وجذبها فجأة. فقدت توازنها وسقطت مباشرة في أحضانه.  

“آه، إنه وقت التدريب!”  

“أعلم. استرحي قليلًا والعبِي معي.”  

“ما زلت جديدة هنا، لا يمكنني المخاطرة بالعقاب.”  

“لا يوجد مرؤوس جريء يعاقب رئيسه لأنه يلعب معه.”  

قال كارل بثقة. شعر أنه سيكون من الجيد التنزه في الحديقة أو شرب الشاي معًا بدلًا من عدم فعل شيء. عندما رأت إيلينا أنه لا ينوي تركها، ألقت نظرة خاطفة على ساحة التدريب.

“هنا. أمامكم.”  

فجأة، صوتٌ جاء من الجانب جعلهما يقفزان من المفاجأة. كان ميخائيل واقفًا وهو يعقد ذراعيه وينظر إليهما من الأعلى.  

“اليوم يوم تدريب القائد، أليس كذلك؟ سأستعير إيلينا لبعض الوقت.”  

أصر كارل بثقة على “استعارة” إيلينا. ارتعشت عضلات ذراع ميخائيل.  

“مستحيل.”  

“فقط 30 دقيقة!”  

“مستحيل.”  

عندما رفض ميخائيل بقسوة، خفض كارل عينيه بحزن.  

“ها هو يستخدم سلاح الجمال مرة أخرى!”  

أدركت إيلينا أنه لا يتردد في استخدام وجهه الجميل مع أي شخص. كارل كان يبدو رائعًا بكل تعبير، وحتى عندما كان يخفض حاجبيه بحزن، كان يبدو كئيبًا بشكل يثير الشفقة—رغم أنه رجل. لقد اختبرت ذلك بنفسها مرارًا.  

“لن تنفعك حيل الضعف هذه.”  

زفر القائد ساخرًا من تعابير وجه السيد الشاب.  

“يا لك من فارس قاسٍ! حسنًا، إذن هل نتدرب معًا؟ إيلينا، لنتبارز.”  

عندما فشل “سلاح الجمال”، غير كارل تكتيكه بسرعة.  

“هذا مسموح به. حتى المواعدة يمكنكم القيام بها داخل ساحة التدريب.”  

بموافقة القائد، قال ميخائيل بسرور: “أحسنت! تواعدوا بطريقة صحية.”  

وبمجرد أن انتهى من كلامه، هرب كارل إلى ساحة التدريب متظاهرًا بعدم المبالاة.  

ابتلعت إيلينا ضحكتها بينما كانت تشاهد المشهد. شعرت بسعادة غامرة عند فكرة التبارز مع كارل بعد فترة طويلة. لقد تحسنت مهاراتها بالتأكيد، وكانت متأكدة أنه سيندهش.  

كانت تريد أن تظهر تقدمها السريع، لكنها كانت تتحكم في وتيرة تحسنها كي لا يطلق عليها لقب “الموهوبة المعجزة”. كما أنها خشيت أن يبدو تحسنها المفاجئ مريبًا، لذا كانت تدفع الفرسان الذين تقترب منهم لتحسين مهاراتهم أيضًا. بفضل ذلك، ارتفع مستوى فرسان الفرسان بشكل ملحوظ.  

“هل أتيتَ للاستراحة، سيدي؟”  

سأل أحد الفرسان عندما دخل كارل إلى ساحة التدريب، وهو يمرر يديه في شعره لإخفاء إحراجه.  

“جزئيًا. أريد أيضًا أن أحمي جسدي قليلًا.”  

أمسك كارل بالسيف الذي سلمه له فارس آخر وهزه بخفة.  

“سأتبارز معكم بعد فترة طويلة، فاجتمعوا.”  

على الرغم من أنه شعر برغبة مفاجئة في إزعاج الفرسان انتقامًا لتعطيل موعده مع إيلينا، إلا أنه أدرك أنه إن لم يفعل ذلك هنا، فسيتعين عليه العودة إلى مكتبه. لذا قرر أن يتحرك قليلًا. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الجيد التفاعل مع الفرسان.  

القوة تأتي من السلطة، المال، والقوة العسكرية.  

كارل كان يدرك جيدًا أن قوته تأتي من فرسان الفرسان. رغم أنه كان فارسًا بنفسه، إلا أنه كان بحاجة إلى الحفاظ على علاقة جيدة معهم.  

“سأقتل عصفورين بحجر واحد.”  

مواعدة وتحسين مهارات الفرسان في الوقت نفسه! كارل اعتقد أن المبارزة كانت شيئًا يمكن للجميع الاستمتاع به.  

“وااه—!”  

كانت الجولة الأولى بينه وبين إيلينا. وقف كارل أمامها، عيناه متوهجتان وهو ينظر إليها.  

بسبب الأحداث القادمة، لم يكن لديه وقت للتدريب مؤخرًا، باستثناء جلسات الفجر. هذه كانت المرة الأولى التي يرى فيها إيلينا بعد أن أصبحت فارسة رسمية وتطورت بسرعة. لم يستطع إخفاء حماسه عندما لاحظ أن روحها القتالية اختلفت عن ذي قبل.

“ها-ها!”  

بلا تردد، أطلق كارل ضربة سيفه نحو إيلينا. كانت الضربات القاسية التي يوجهها ثقيلة عليها بعض الشيء، لكنها تصدتها بثبات واحدة تلو الأخرى.  

“سأهاجم الآن.”  

عندما حذرته إيلينا، أمسك كارل سيفه بقوة. انتظر بفارغ الصبر أن يصل سيفها إليه، مشتاقًا لرؤية ما ستفعله.  

شانغ! شانغ شانغ!  

مع زيادة سرعة إيلينا، بدأ سيفها يضغط على كارل بسرعة. بدأت أفواه الفرسان الذين كانوا يشاهدون المبارزة تتسع تدريجياً من الدهشة.  

“واو! إيلينا تتغلب على الأخ الأكبر؟”  

عندما سمع كارل صوتًا غير متوقع في ساحة التدريب، انحرف سيفه قليلاً. ولم تتردد إيلينا في استغلال هذه الفرصة، حيث أرسلت ضربتها بسرعة. حاول كارل أن يمسك السيف الذي كان على وشك الانزلاق من يده، وقفّز إلى الخلف ليعيد توازنه. لكن إيلينا ركلت سيفه بقوة، مما جعله ينزلق من بين أصابعه تماماً.  

في نفس اللحظة، ضرب كارل معصم إيلينا بقوة. بسبب الضربة القوية، أفلتت إيلينا من سيفها واصطدمت بجسم كارل. لم يستسلم كارل، بل أمسك بملابسها وقذفها أرضاً.  

لكن إيلينا، بينما كانت تسقط بقوة كارل، رفعت ساقها ولفتها حول عنقه قبل أن يصل ظهرها إلى الأرض.  

على الأرض، تبادل الاثنان الضربات لفترة قبل أن يبتعدا عن بعضهما، ثم بدآ بالدوران في دائرة ببطء، يحدقان في بعضهما باحثين عن أي نقطة ضعف. عندما توقف كارل فجأة للحظة، انقضت إيلينا عليه.  

“هاها…”  

ضحك كارل بخجل. عندما ركضت إيلينا نحوه وكأنها ستقع في أحضانه، لم يتمكن من رد الفعل بالسرعة الكافية، فسقط أرضاً. جلست إيلينا فوقه، ورفعت قبضتها وهي تضحك بخبث.  

“استسلام! أستسلم!”  

عندما رأى كارل قبضتها المرفوعة التي بدت وكأنها ستسقط دون رحمة، رفع يديه بهدوء في علامة استسلام.  

“أوه، يا إلهي!”  

غلوريا كانت تغطي فمها بيديها، ووجهها أحمر من الإثارة. بينما كان الفرسان الآخرون يحدقون بعيون واسعة من الدهشة.  

“متى تعلمت القتال الجسدي؟”  

“من الحياة.”  

عادة، يبدأ الفرسان بتعلم فنون القتال اليدوي عندما يصلون إلى رتبة فارس متقدم، وذلك للاستعداد لأي موقف قد يفقدون فيه أسلحتهم. لكن ما فعلته إيلينا الآن كان صعباً حتى تصنيفه كفن قتالي—لقد هزمت شخصاً أكبر منها في قتال جسدي خام.  

“الحياة؟”  

أثار كلام إيلينا حيرة الفرسان.  

“نحن خمسة إخوة.”  

“ما علاقة ذلك بالقتال اليدوي؟”  

“عندما تقاتل كالمجنون، تتعلم تلقائياً.”  

بينما غرقت إيلينا في ذكريات الماضي، أومأ الجميع برؤوسهم موافقين. إذن حتى إيلينا ليست طبيعية تماماً. الآن أصبح واضحاً لماذا هي بهذه القوة.  

في هذه الأثناء، كان كارل يحاول التسلل بعيداً خطوة خلف الأخرى، متظاهراً بأنه منغمس في المحادثة.  

“أمسكته!”

“إلى أين تهرب، سيدي؟”  

أمسك يوستا بذراع كارل الذي كان يحاول الهروب بوجه مشرق، بينما التصقت غلوريا به بسرعة من الجانب الآخر. بدأ الفرسان يبتعدون واحدًا تلو الآخر، متظاهرين بالانتظار لدورهم في المباراة، لتجنب الانجرار إلى مشاكل غير ضرورية.  

“انتهت المبارزة اليوم. هذا ليس مكانًا للحديث، فلندخل.”  

“إذا انتظريني قليلًا فقط. لقد كنت متساهلًا اليوم، لذا عليّ أن أكون عادلاً مع البعض.”  

أشار كارل إلى بعض الفرسان الذين كان يفكر فيهم منذ فترة. تعجب أولئك الذين تم اختيارهم من بين الحضور، وتساءلوا لماذا يجب أن يكون اليوم بالذات هو يومهم. نظرت غلوريا إليهم، ثم أومأت برأسها كما لو كانت تقول “ليس لدي خيار”، وجلست مع يوستا لمشاهدة المبارزة.  

—

“لماذا أتيتِ؟”  

سأل كارل غلوريا بينما كان ينفض شعره المبلول بعد تغيير ملابسه. كانت غلوريا جالسة في غرفة الاستقبال تشرب الشاي، فانزعجت من منظر شعره الرطب ووبخته لأن لم يجففه بشكل صحيح.  

“أردت أن أسألك عن شيء ما، لذا جئت لأبحث عنك.”  

“لا، مستحيل. مرفوض.”  

أجاب كارل برفض قاطع دون حتى أن يستمع إليها، مما جعل يوستا يبدو عليه الارتباك.  

“هل ستكون بهذا الأنانية؟”  

“أليس هذا وقت حراستك؟ هل ستجلس هكذا بلا عمل؟”  

رفع كارل حاجبيه منتقدًا سلوك يوستا المهمل في العمل. لكن يوستا رفع رأسه بثقة وتجاهل كلام كارل تمامًا. الشاي الذي أعده توماس اليوم كان رائعًا حقًا.  

“أنت أيضًا تجلس مع إيلينا عندما تكون هي الحارسة!”  

“لا، هذا غير صحيح.”  

لم نجلس معًا. أنا على مكتب العمل، وإيلينا على مكتب الاجتماعات. كذب كارل بوقاحة.  

“أليس كذلك؟”  

“نعم، صحيح.”  

دخلت إيلينا الغرفة وأومأت برأسها دون أن تعرف حتى ما كانوا يتحدثون عنه، عندما سألها كارل لتأكيد كلامه.  

“قُولي ما تريدين بسرعة.”  

“هل لن تحضر حفلة هذه المرة مع إيلينا كشريك؟”  

غلوريا، التي لاحظت انزعاج أخيها، كشفت عن هدفها على الفور. هذه المرة، كان عليها أن تكون شريكة ليوستا. كان عليها أن تضع حدًا للسيدات اللواتي كن يسخرن منها لأنها تذهب مع أخيها رغم وجود خطيبها.  

ابتسمت غلوريا ابتسامة مشرقة بينما كانت عيناها باردة وحاسمة.