“على أي حال إنها فترة تدريب، فما الحاجة للسيف الحقيقي؟ يمكننا بدء التدريب أولاً ثم الحصول عليه لاحقًا.”  

 

على الرغم من أن السيد الشاب أمر بالمضي قدمًا كما لو أنه لا يرى أي مشكلة، إلا أن قائد الفرسان كان يعاني من صداع حقيقي بسبب ضرورة إتمام جميع الإجراءات في غضون أيام قليلة.  

 

“ألا نتدرب بالسيف الحقيقي؟”  

 

عندما طرح ميخائيل السؤال، تردد كارل للحظة قبل أن يجيب بإجابةٍ أرضته:  

 

“يمكنني إعارة سيفي.”  

 

“رجاءً لا تذكر حتى كلامًا مخيفًا كهذا! لدينا سيوف احتياطية، فلنستخدمها.”  

 

هز ميخائيل رأسه. معظم أعضاء فرقة الفرسان كانوا يعرفون وجه إيلينا، التي كانت في السابق خادمة.  

 

بل وكانوا يعلمون كم كان السيد الشاب مهتمًا بها، حتى أن استخدام سيفه الشخصي قد يُحدث فوضى في انضباط الفرقة. أدرك ميخائيل أنه بمجرد انضمام إيلينا رسميًا إلى الفرسان، يجب عليه كبح الإشاعات غير المنضبطة.  

 

“ألا يعلم الجميع أنني معجب بإيلينا؟”  

 

“سعال *كح*!”  

 

سعل قائد الفرسان فجأة بسبب كلام السيد الشاب الصريح.  

 

“أمن المناسب أن تظهر ذلك بهذا الوضوح؟”  

 

تبعته إيلينا بالسؤال. وفي الحقيقة، حتى الخدم في القصر يعرفون هذه الإشاعة، فمن المستحيل أن قائد الفرسان لا يعلم.  

 

“أليس كل من في منزل الدوق على علم بذلك؟”  

 

استمر الحوار الوقح بين الطرفين بينما كان قائد الفرسان ميخائيل في حيرة من أمره.  

 

“على أي حال، لن أستخدم سيفك يا سيدي.”  

 

“ولكن سيفي جيد!”  

 

“لا بد أن لدى القائد سببًا لمعارضته.”  

 

“أتستمعين إلى كلام رجل آخر غير خاطبك؟”  

 

ازدادت حيرة القائد. هل هما بالفعل في مرحلة المواعدة؟ أم أنهما يستهزئان بي؟ لم يكن وضع علاقتهما واضحًا بعد.  

 

“إذا لم تكونوا في علاقة رسمية بعد، فمن الأفضل أن يضبط السيد الشاب نفسه.”  

 

توقف كارل عند كلام القائد. شعر أنه ربما عليه إرسال خطاب زواج إلى منزل الكونت لويس أولاً. لا، بل يجب أن يهديها دبوس شعر أولاً. لا يزال يتذكر الصندوق الصغير المخفي داخل سترته.  

 

مر الوقت سريعًا من الاعتراف المفاجئ إلى إعادة استعادة الأمل. كان ينبغي التقدم خطوة بخطوة وفقًا للكتاب، لكن الواقع كان فوضويًا.  

 

“لنتبع تعليمات القائد. سأتكفل شخصيًا بإعداد سيف مناسب—”  

 

“سنتبع الإجراءات وفقًا لقوانين فرقة الفرسان.”  

 

قطع القائد كلامه بسرعة، خوفًا من أن يستمر السيد الشاب في طرح المزيد من الطلبات التي قد يضطر لقبولها. ثم أمر ميخائيل خادمًا باستدعاء نائب القائد.  

 

“هل طلبتني؟”

 

“ابتداءً من الغد، أصبحت إيلينا لويس متدربة في فرقة الفرسان.”  

 

“إيلينا لويس، أتشرف بمعرفتك.”  

 

“أنا نائبة القائد، كلوي أمبر.”  

 

عندما تصافحا، أطلقت نائبة القائد فجأة صوت تعجب: “أوه! إذن هل سقطتِ أخيرًا في شباك السيد؟!”  

 

“إنه مجرد قبول لترشيحي إلى فرقة الفرسان.”  

 

هزت إيلينا رأسها ردًا على حماسة نائبة القائد. بجانبها، ظهر على وجه كارل تعبيرٌ يشي بخيبة أمل.  

 

“قمي بتخصيص سكن لها وأعطيها جولة تعريفية بسيطة.”  

 

“حسنًا، هيا بنا.”  

 

تبعَت إيلينا كلوي التي أشارت لها بالحضور خلفها.  

 

“أما زلت مصممًا على هذا الجفاء؟”  

 

بعد مغادرة نائبة القائد وإيلينا، عبّر كارل عن استيائه لقائد الفرسان الذي ظل صامتًا. بل وتذمر قائلًا إن الجميع يتمنى أن تكون العلاقة بينهما واضحة، فلماذا هذا التشدد المبالغ فيه؟  

 

“ألن تهزّ نظام فرقة الفرسان بهذا التصرف؟”  

 

“كنت دائمًا احسن معاملة من يعجبوني!”  

 

“لكن ليس بهذه الطريقة.”  

 

في منزل الدوق، كانت السيوف المقدمة للفرسان من الدرجة الأولى. بلغت قيمتها حدًا يجعل طلب سيوف شخصية غير ضروري. مع توفير كل الاحتياجات تقريبًا، كان بإمكان الفرسان العيش براحة طالما لم يطمعوا بالمزيد.  

 

معظمهم كانوا من نبلاء العائلات، وبفضل رواتبهم المرتفعة، حتى إن كانوا من عامة الشعب، كان بإمكانهم جمع ثروة كافية. بدلًا من الطمع المادي، كان شغف الفرسان منصبًا على السيوف. أما كارل، فكان يدرب من يعجب بهم حتى حافة الموت.  

 

“*سعال*، هناك نوايا أخرى هنا أيضًا.”  

 

فتح ميخائيل فمه مندهشًا من كلام السيد الشاب.  

 

“هل أنت جاد؟”  

 

“إلى حد ما.”  

 

“حسنًا، سأكون متساهلًا قليلًا. لا يمكنك تخصيص سيف لها الآن، لكن بمجرد أن تصبح فارسة رسميًا، سأتغاضى عن قيامك بطلب سيف شخصي للآنسة لويس.”  

 

قال قائد الفرسان بابتسامة عريضة وكرم واضح. طالما أن ذلك لن يخلّ بجو الفرقة، فسيتغاضى عنه.  

 

“أحتاج إذنًا حتى لأصرف أموالي؟”  

 

هز ميخائيل رأسه عند همسة السيد الشاب. كم مرة أخبرته ألا يلعب بمشاعر الناس؟ يبدو أن السيد الشاب هو من استسلم أولًا.  

 

“هل ثلاثة أشهر كافية لإنهاء فترة التدريب؟”  

 

“لا، شهر أو شهرين سيكفيان.”  

 

“هل تراها بهذا التميز؟”  

 

“إذا لم أكن مخطئًا، فهي قادرة على ذلك.”  

 

أعجب ميخائيل بكلام السيد الشاب. فعدد الفرسان بهذا المستوى من المهارة قليل جدًا. فرقة فرسان منزل الدوق قد تبدو متراخية، لكن تدريباتها كانت قاسية للغاية.  

 

“أنا متحمس لهذا.”

 

“أحسنت الاختيار.”

 

عاد كارل إلى القصر وهو يبتسم ابتسامة راضية.

 

* * *

 

“شكراً لكِ على الانضمام إلى فرقة الفرسان.”

 

قالت نائبة القائد وهي تغمز بعينها. كانت كلوي ذات الشعر الأشقر المربوط بطريقة عالية وجهاً مألوفاً لإيلينا، إذ كانت تراها غالباً خلال أوقات التدريب.

 

كانت كلوي واحدة ممن راقبوا إيلينا بعد أن سمعت تقارير الفرسان عن تدريب الخدم. حركات إيلينا كانت تبطل أي وصف لها بالمبتدئة.

 

“شكراً لترحيبكم بي.”

 

قبل التوجه إلى سكن الفرسان، أخذت كلوي إيلينا في جولة حول المبنى الرئيسي للفرسان، موضحة لها قاعات الاجتماعات ومستودع الأسلحة والأماكن المهمة الأخرى طابقاً طابقاً.

 

“أنت تعرفين هذه الأماكن بالفعل، أليس كذلك؟”

 

“نعم.”

 

“بما أنكِ عملتِ كخادمة، فأنا متأكدة أنكِ تعرفين مواقعها، لكن مع ذلك سأعطيكِ جولة سريعة قبل تخصيص السكن لكِ.”

 

“هل يمكنني الانتقال إلى السكن فوراً؟”

 

“لقد أعددنا كل شيء مسبقاً توقعاً لمجيئكِ.”

 

قالت كلوي وهي تبتسم ابتسامة ماكرة. بمجرد أن بدأ السيد الشاب بالتحرك، أصبح انضمام إيلينا إلى فرقة الفرسان أمراً مفروغاً منه. كان الاستعداد المسبق للأمور مفيداً للجميع، خاصة أن سيدهم كان يحب الإنجازات السريعة والدقيقة.

 

رغم أن توقعاته العالية وسرعته في العمل جعلته أشبه برئيس مستبد، إلا أن الفرسان كانوا مضطرين للعمل بجد لتلبية طلباته. أثناء توجههم إلى السكن، شرحت نائبة القائد قوانين الفرقة وجدول التدريبات. استمعت إيلينا باهتمام وحفظت المعلومات في ذهنها.

 

“السكن منفصل للرجال والنساء. في السابق لم يكن هناك أي تمييز، لكن بعد شكاوى بعض الفرسان الذكور، تم الفصل بينهم. نظراً لصعوبة تقسيم المبنى، تم تخصيص طوابق مختلفة. نحن نستخدم الطابق العلوي، وبما أن عدد الفرسان الإناث قليل، فلكل واحدة غرفتها الخاصة.”

 

مع اقترابهم من مبنى السكن، شاهدوا مجموعة من الفرسان يلعبون لعبة الشطرنج حول طاولة في الخارج.

 

“يا نائبة القائد!”

 

“قوموا بالتحية، هذه متدربة جديدة.”

 

“واو!”

“أخيراً!”

“هههه!”

 

حيّا بعض الفرسان إيلينا بحماس وترحيب. نظر الفرسان إليها بعيون متلهفة، وكأن سيدهم قد حقق أخيراً ما كان يصبو إليه.

 

“تبدئين اليوم؟”

 

“لا، غداً.”

 

“آه، لو كنتِ تبدأين اليوم لطلبنا مبارزة تدريبية.”

 

“سيكون لديكم الكثير من الفرص لاحقاً. هيا بنا.”

 

رفع أحد الفرسان يده وسأل. ردت نائبة القائد، فأطلق فارس آخر تنهيدة أسف. قالت إيلينا “إلى الغد” مع انحناءة خفيفة، ثم تبعَت كلوي التي سبقتها.

 

“الآن وقد أصبحتِ متدربةً رسميةً، هل يمكننا التخلي عن التحية الرسمية؟ هل توافقين؟”

 

“نعم.”

 

أثناء صعودهم السلالم، قالت كلوي: “غداً عند بدء التدريب، سيطلب الكثير منكِ مبارزات تدريبية. ارفضيها جميعاً.” 

 

في فرقة فرسان دوقية بيكمان، لم يكن هناك سوى حمقى – أو بالأحرى، مغرمون بالسيف إلى حد الجنون، لا يعرفون شيئاً سواه. صحيح أن بعضهم انضم لأغراض أخرى، لكن معظمهم كانوا ببساطة عاشقين لفنون القتال. حتى كلوي نفسها كانت تتلهف لاختبار مهارات إيلينا، فما بالك بالآخرين؟

 

لكن لا يمكن ذلك مع متدربة. 

 

خلال فترة التدريب، يجب الالتزام الصارم بالقواعد. أولاً، عليها إتقان أساسيات الفروسية وآدابها جسدياً وروحياً. من وجهة نظر كلوي، كانت إيلينا ممتازةً في التدريبات وستتجاوز فترة التدريب بسرعة. 

 

عادةً ما يكون المتدربون في فرقة الفرسان بين الخامسة عشرة والعشرين من العمر. يتم قبولهم إما عبر تجنيد مفتوح أو بتوصية، ويخضعون لتقييم شهري. ثلاث مرات من الأداء المتدني تعني الفصل. كثيرون بالكاد يكملون السنتين الكاملتين من التدريب. 

 

بما أنها جاءت بتوصية من السيد الشاب، فقد تواجه بعض الاستياء، لكن إن كانت مهارتها استثنائية فستنجح. 

 

أدركت كلوي أنه لن يكون هناك أغبياء يتحدونها بسبب كونها موصى بها، بينما فتحت باب غرفة إيلينا الجديدة. 

 

“هذه غرفتك.” 

 

كانت الغرفة أكثر اتساعاً وراحةً من تلك التي استخدمتها كخادمة متدربة. الأمور تتحسن تدريجياً. سريران مريحان قرب النافذة، وخزانة ملابس منفصلة، وطاولة زينة خاصة، وحتى حمام خاص. 

 

“الغرفة الخاصة أفضل مما توقعت.”

 

“مزايا دوقية بيكمان لا تُضاهى.” 

 

نفخت كلوي بفخر، فهذه حقيقة لا يُنازع فيها أحد. المال أولاً، المزايا ثانياً. لم يكن أمام إيلينا سوى الابتسام والموافقة. 

 

غادرت كلوي بعد أن أخبرتها أن العشاء سيُحضر إلى غرفتها. أثناء تجولها في الغرفة، أحضر الخدم أمتعتها الخفيفة – مجرد حقيبة واحدة فقط. 

 

بفضل حزمها للأمتعة مسبقاً “تحسباً لأي طارئ”، لم تكن بحاجة للعودة، واستطاعت ترتيب أمتعتها فوراً. 

 

“التدريب قبل الفجر، ثم الإفطار السابعة صباحاً، أليس كذلك؟” 

 

تذكرت إيلينا شرح نائبة القائد بينما انهارت على السرير. الغرفة هنا تبدو أفضل حتى من غرفة والديها في قصر مقاطعة لويس. شعرت بندم متأخر: 

“ربما كان ينبغي أن آتي إلى هنا منذ البداية.” 

 

أنهت إيلينا وجبتها بينما قدمت لها خادمة تعرفها تهانيّاتٍ مبالغاً فيها بحماس.