بعد أن غيّرت ملابسها المبللة بالعرق، ترددت إيلينا قليلاً قبل دخول مكتب كارل. كان مزاجه يبدو جيدًا بشكل واضح، وبدا كل من توماس  وروبن ينظران إليها بعيون مليئة بالترقب.  

 

“إيلينا، اجلسي هنا.”  

 

نادى كارل إيلينا وأخرج بعض الأوراق من درج مكتبه، ثم انتقل إلى طاولة الاجتماعات وجلس. يبدو أن العقد كان جاهزًا بالفعل. أدركت إيلينا على الفور ما كانت تلك الأوراق.  

 

“هل أنتِ متحمسة؟”  

 

ضحك كارل عندما لم تستطع إيلينا أن ترفع عينيها عن العقد. وضع توماس  الشاي أمامهما وهما جالسان.  

 

“شكرًا لك.”  

 

“إيلينا، تأكدي من قراءة كل شيء بعناية.”  

 

غمز روبن بإحدى عينيه، ثم خرج مع توماس  تاركين إيلينا وكارل ليتحدثا بحرية. استمتعت إيلينا بالشاي الذي أعده توماس . كما هو متوقع، كان الشاي الذي يعدّه يتمتع برائحة وطعم رائعين.  

 

في الطريق إلى المكتب، بدا أن الأخبار قد انتشرت بالفعل، حيث هنأها كل من قابلتها بانضمامها إلى فرقة الفرسان. لم تكن تتوقع أن تصبح مشهورة بهذه السرعة. ولكن الواقع كان دائمًا مختلفًا عن التوقعات.  

 

لم تكن إيلينا تعلم أن لديها هذه الشعبية في قصر الدوق. كان الأمر مثيرًا للدهشة، لكنه لم يكن مزعجًا.  

 

“في أي مكان في الإمبراطورية، لن تجدي مثل هذه الشروط.”  

 

قال كارل بفخر وهو يمد كتفيه، معتبرًا أن الشروط التي وضعها كانت استثنائية حتى في عينيه. بينما كانت إيلينا تفكر في أن عقد المتدرب يبدو مبالغًا فيه، قرأت الأوراق الخمسة دون تردد.  

 

ثم راجعتها ثلاث مرات أخرى. مع كل مراجعة، اتسعت عينا إيلينا أكثر.  

 

“هذا حقيقي.”  

 

قال كارل بثقة وهو يرفع ذقنه. كان متأكدًا من أن السيد الشاب قد فقد عقله. لم تكشف إيلينا عن كونها سيدة السيف، فكيف يعرضون عليها راتبًا بهذا القدر لمتدربة؟  

 

حتى لو كانت غير ملمة بأمور العالم، كانت تعلم أن العقد الذي بين يديها غير منطقي. هل كانت هذه طريقة جديدة للنصب؟ كان الأمر مقلقًا.  

 

“إنه استثمار في الإمكانيات.”  

 

كانت ابتسامة كارل تفيض بالثقة، وعيناه البنفسجيتان العميقتان مليئتان باليقين.  

 

“ماذا لو لم أكن جيدة بما يكفي؟”  

 

“إذن سيكون خطأ في تقديري.”  

 

“لكن يبدو هذا كثيرًا جدًا. حتى القروض…”  

 

أشارت إيلينا إلى النقاط المهمة بعناية.  

 

“لا بأس. إنه استثمار.”  

 

عندما قال كارل ذلك، ارتجفت عينا إيلينا بقوة. مع هذا الراتب، ومع زيادته السنوية… حتى ولاؤها بدأ يتشكل. فقط من خلال قراءة العقد، شعرت بعاطفة عميقة تجاه عائلة الدوق.

 

—

 

“حتى لو قلتِ لاحقًا أنكِ تعبت، فلن أستطيع إعادة المال الذي تسلمتُه.”  

 

قالت إيلينا بصلابة. نعم، بهذا السعر، كان ذلك رخيصًا مقابل توظيف سيد سيوف. بالطبع كارل لا يعلم ذلك، لكنه شعر أن الأمر لن يسبب له خسارة. لقد اتخذت قرارًا.  

 

“أعلم. يُقال إنك تُرسلين معظم راتبك إلى الإقطاعية.”  

 

حتى لو نزفت موارد كونت لويس، لن يخرج شيء منها على أي حال، فلا مشكلة. فوو – أخذت إيلينا نفسًا عميقًا.  

 

“شروط العقد جيدة جدًا، ألا سيثير ذلك احتجاج الفرسان الحاليين؟”  

 

“كل ما عليكِ هو أن تبقِي فمَكِ مغلقًا.”  

 

غمست إيلينا عينيها بقوة ثم فتحتهما. في عينيها، كان هناك قرارٌ متين قد نُقش. سأجعله سيدي مدى الحياة. لقد اختفى عهدها بعدم أن تصبح فارسة تمامًا، مع الراتب المرتفع، من أعماقها.  

 

“سأنضم إلى فرسان الإقطاعية.”  

 

“قرار حكيم. أولًا، ستدخلين كمُتدربة بناءً على توصيتي. كنتُ لأجعلكِ فارسة رسميةً وأمنحكِ اللقب مباشرةً، لكن الإجراءات تتطلب فترة تدريب.”  

 

شرح كارل بإيجاز إجراءات الانضمام للفرسان:  

 

“فترة التدريب الأساسية تتراوح من ٣ أشهر إلى سنتين كحد أقصى. إذا كنتِ متميزةً جدًا في مهاراتكِ، فيمكنكِ اجتياز اختبار الترقية إلى فارسة رسمية خلال شهر واحد بموافقة قائد الفرقة ونائبه. لكن يجب أن تتدربي شهرًا واحدًا على الأقل.”  

 

أقصى فترة تدريب: سنتان. الترقية إلى فارسة رسمية تقرر بعد الاختبار، وحتى بعد أن تصبح فارسة رسميًا، يُحدد مستوى الفرسان كل 6 أشهر عبر اختبارات. يتغير الراتب الشهري والمزايا حسب المستوى.  

 

الأساسيات: حراسة القصر وحماية عائلة الدوق. تُضاف مكافآت خاصة عند تنفيذ مهام استثنائية. يمكنها الاختيار بين العاصمة أو إقطاعية الدوق. استمعت إيلينا لشرح السيد الشاب الطويل وحفظت النقاط المهمة.  

 

“إذن متى يمكنني البدء في فرسان الإقطاعية؟”  

 

“غدًا.”  

 

“فجأةً؟!”  

 

“نعم. كلما أسرعنا، كان أفضل. انقلي أمتعتكِ إلى مقر الفرسان اليوم، وابدئي غدًا.”  

 

وافقت إيلينا على كلام السيد الشاب: إذا اتُخذ القرار، فالأفضل التحرك بسرعة.  

 

“هل تذكرتِ كل التفاصيل؟”  

 

“نعم.”  

 

بعد إجابة إيلينا، أزال كارل العقد جانبًا. توقفت إيلينا، التي كانت تستعد للتوقيع، مُندهشة:  

 

“ألن نوقع؟”  

 

“قد يرى الآخرون تلك الورقة. المهم أن كل الشروط مكتوبة هنا في عقد القصر الإمبراطوري السحري. القصر الإمبراطوري يضمنها.”  

 

“هل هذا حقًا عقد القصر السحري؟!”  

 

لوح الورق الذهبي بلمعانه بين يدي السيد الشاب، مؤكدًا وجوده.  

 

“بالفعل.”  

 

على الورقة الرقيقة كشرائح الذهب، كُتِبَت نفس بنود العقد الذي رآه عليها.  

 

“حتى لو لم تتمكني بعد من التحكم في المانا، فإن العقد يتعرف تلقائيًا على قوة السحر الخاصة بالأطراف المتعاقدة، لذا لا داعي للقلق من تغيير المحتوى أو استبدال الأشخاص.”  

 

حدقت إيلينا بعينين مفتوحتين بالدهشة في عقد القصر الإمبراطوري السحري الذي سمعت عنه فقط من قبل ولم تره أبدًا في الواقع. 

 

كانت عقود السحر المتداولة في السوق عادةً مضمونة من نقابات السحر المختلفة. أما العقود الأغلى ثمنًا فكانت مضمونة من قبل برج السحر، والأفضل على الإطلاق كان العقد المضمون من القصر الإمبراطوري.  

 

برج السحر كان يتحقق فقط من صحة العقد، فإذا حدثت مشكلة في العقد، كان العقد يتحرك وفقًا للعقوبة المتفق عليها بين الأطراف.  

 

لكن عقد القصر الإمبراطوري كان مختلفًا.  

لم يكن يقتصر على فرض العقوبة فقط، بل كانت الإمبراطورية تتدخل لحل المشكلة. وبسبب هذا التدخل القانوني، كان العقد مضمونًا بدرجة عالية من الأمان، لدرجة أن عامة الناس لم يتمكنوا حتى من الحصول عليه أو رؤيته.  

 

“هل يمكنني حقًا استخدام شيء ثمين مثل هذا؟”  

 

“لا بأس لو أخطأتِ في استخدامه. لدي الكثير هنا. إذا لم يعجبك المحتوى، يمكنك تعديله.”  

 

فتح السيد الشاب درج مكتبه في غرفة العمل وأظهر لها مجموعة من عقود القصر الإمبراطوري السحرية.  

 

تألقت الأوراق الذهبية وهي تهتز في يديه.  

ذهب… كميات من الذهب تهتز!  

 

تذكرت إيلينا الإشاعة التي تقول إن ورقة واحدة من هذا العقد تساوي بيتًا كبيرًا في العاصمة.  

البيوت كانت تهتز في يد السيد الشاب!  

 

“لنجعل الأمر مريحًا للطرفين. حددت مدة العقد بخمس سنوات: حد أقصى سنتين للتدريب، وثلاث سنوات كفترة تأقلم كفارس رسمي. وكلما أنهيتِ فترة التدريب مبكرًا، كان ذلك أفضل.”  

 

بينما كان السيد الشاب يقدم هذا الشرح الإضافي، قامت إيلينا بالتوقيع على قسم “المتعاقد” بالقلم الذي بجانبها.  

 

“إيه؟!”  

 

“أليس من المفترض أن أوقع؟”  

 

انتفض كارل مندهشًا من سرعة توقيع إيلينا دون تردد، فسألته بقلق: هل هناك إجراء آخر غفلتُ عنه؟  

 

“لا… ليس مزعجًا، لكن ألا تريدين التفكير أكثر قبل التوقيع؟”  

 

“لقد قررتُ بالفعل.”  

 

“ظننتُ أنكِ ستفكرين لبضعة أيام قبل التعاقد.”  

 

يا لها من سرعة في اتخاذ القرار والتنفيذ! أضاف كارل هذه المعلومة إلى ملف إيلينا داخليًا.  

 

بينما أنهت هي التوقيع، أكمل هو توقيعه على العقد أيضًا.  

 

“هل انتهينا بمجرد التوقيع؟”  

 

“لا. ضعي يدكِ على العقد.”  

 

قلدت إيلينا كارل عندما وضع يده أسفل العقد.  

فانبعث من العقد ضباب ذهبي ارتفع متتبعًا ذراعيهما، ثم تسلل بهدوء إلى قلوبهما قبل أن يختفي.  

 

“تهانينا! أنتِ الآن من فرسان دوقيتنا.”  

 

“كنت أتوقع ميزة أكثر تعقيدًا، لكنها بسيطة جدًا.”  

 

“إنه مجرد عقد. يُقال إنه في حالة عدم الالتزام بالشروط، فإن المانا ستخترق قلبكِ وتقتلكِ على الفور.”  

 

ضحك كارل ضحكة ملغزة وهو يقول إنه لم ير أحدًا يموت بهذه الطريقة من قبل!  

 

——

 

بعد انتهاء العقد، دخل روبن فورًا إلى غرفة العمل.  

كانت الأجواء هادئة، مما يشير إلى أن العقد قد تم بنجاح. بالتأكيد، لم يكن هناك عقد يفشل مع السيد الشاب. أشار روبن بإبهامه إلى السيد الشاب سرًا.  

 

“أصدر أوامر بنقل السيدة ويلا وهانسون إلى أماكن عملهم. سأقوم أنا بإرشاد إيلينا.”  

 

قرر كارل أن يقوم شخصيًا بإرشاد إيلينا إلى مقر الفرسان. كان يريد أن يتولى تقديمها بنفسه. بعد أن جمع رسالة التوصية التي كتبها مسبقًا، توجه الاثنان إلى مقر الفرسان.  

 

“واو!”  

 

“يبدو أن السيد الشاب قد نجح!”  

 

أثار الخدم الذين مروا بهما ضجة عندما رأوا السيد الشاب وإيلينا يتجهان إلى مقر الفرسان. أخيرًا، بدا أن محاولات السيد الشاب قد نجحت. هرع بعضهم إلى غرفة الاستراحة لنقل الأخبار بسرعة.  

 

“مرحبًا بكم.”  

 

استقبل ميخائيل، قائد الفرسان، السيد الشاب بأدب. وألقى تحية خفيفة على إيلينا التي جاءت معه.  

 

“ها هي رسالة التوصية.”  

 

“هل اتخذتِ أخيرًا قرار الانضمام؟”  

 

أجابت إيلينا بنعم وهي تبتسم ببعض الإحراج بينما كان القائد يقرأ رسالة التوصية. شعرت بالحرج لأنها، التي كانت حاسمة في رفضها سابقًا، بدت الآن وكأنها استسلمت للمال.  

 

لا، لم أستسلم للمال.  

لقد اختارت أن تصبح فارسة لتقوم بأعمال لا تستطيع الخادمة القيام بها. لقد ألهمتها منافسة زملائها في المبارزة، وأرادت أن تصبح أقوى مما كانت عليه.  

 

كانت مهارات كارل بمثابة الوقود الذي أشعل طموح إيلينا في تحسين مهاراتها بالسيف. أما المال، فكان مجرد مكافأة إضافية. صفعت إيلينا ضميرها المذنب.  

 

“أنا أيضًا متحمس لهذا.”  

 

“سأبذل قصارى جهدي.”  

 

“جيد. بما أنكِ موصى بها من قبل السيد الشاب، فمن الطبيعي أن تنضمي كفارسة متدربة. بعد ذلك، يصبح ترقيكِ إلى فارسة رسمية مسألة تعتمد على مهاراتكِ.”  

 

“ستبدأين التدريب غدًا.”  

 

“بهذه السرعة؟”  

 

استفسر القائد ميخائيل بدهشة عند سماع كلمات السيد الشاب. عادةً، كانت فرسان دوقية كورتز تقوم بتجنيد أعضاء جدد كل ثلاث أو أربع سنوات.  

 

كما كانت تقبل المتدربين بناءً على التوصيات، لكن التدريب الرسمي كان يبدأ عادةً بعد أسبوعين أو شهر من الإعلان عن القبول. كان هناك وقت مطلوب لإعداد زي التدريب وزي المتدربين وحتى السيف.  

 

“أليس من الأفضل أن تنتظري حتى تحضري معداتكِ؟”  

 

قال ذلك وهو يكتم تنهدًا في داخله، محاولًا تهدئة حماس السيد الشاب الذي كان سعيدًا باستقبال متدربة موهوبة.