“سواءً كنتَ تسعى لكسب قلبها أو لكسبها لفرقة الفرسان، افعل ذلك بسرعة.”  

 

عندما سمع كارل كلمات الفارس المليئة بالمعاني، بدا له لوهلة أن طرف سيف إيلينا قد ارتعش، لكن حركتها التالية كانت ثابتة وقوية دون أي تردد، مما جعله يحك رأسه في حيرة.  

 

“كفى حديثاً فارغاً، لنجري مبارزة جماعية.”  

 

ضحك الفارس خفيةً عندما رأى سيده يحاول تغيير الموضوع، وكأنه يشعر بالحرج، لكنه سرعان ما تلقى ضربة خفيفة على جنبه.  

 

صفع!  

 

“التشكيل للمبارزة الجماعية، اجتمعوا!!”  

 

بصوت جهوري، أعلن الفارس الأمر، فنظر الجميع إلى السيد الشاب الواقف خلفه ورتبوا صفوفهم بسرعة.  

 

طقْ!  

 

صوت اصطدام السيوف!  

 

بدأت أصوات اصطدام السيوف الخشبية تتردد في الجو، مصحوبةً بتحيات مهذبة بين المتبارزين. نظر كارل إلى الخدم وقرر أنه يمكن زيادة وقت استخدام السيوف الحادة. كانت السيوف الحادة مخصصة فقط لمن لديهم خبرة طويلة ومستوى تدريب عالٍ، لكن هذه الدورة كانت جيدة بشكل عام.  

 

“كم مرة يتدرب المبتدئون بالسيوف الحادة؟”  

 

“مرة واحدة في الأسبوع.”  

 

“يمكن زيادة ذلك إلى مرتين أو ثلاث.”  

 

“حاضر، سأبلغ المسؤولين.”  

 

مع حماس الخدم الذين تحمسوا لاهتمام السيد الشاب بفنون القتال، بدأت المبارزة. كان هناك أيضاً أمل خفي لدى البعض أنه إذا لفتوا الانتباه، فقد يُعرض عليهم الانضمام إلى فرقة الفرسان مثل إيلينا. تجاهل كارل النظرات الحماسية الموجهة إليه.  

 

صوت اصطدام السيوف!  

 

أوه!  

 

“آه!”  

 

بعد أن تعمد كارل مشاهدة المبارزات الأخرى أولاً، وصل أخيراً إلى مكان إيلينا. في عائلة الدوق، كان يتم إقران الخدم الجدد مع الخدم المخضرمين أثناء التدريب. كانت هذه ترتيباً لمساعدة المبتدئين على التعود على التدريب وفنون القتال بمساعدة من لديهم خبرة.  

 

“يبدو أنه تلميذ البستاني توم. مذهل حقاً.”  

 

كانت إيلينا تبارز تلميذ البستاني توم. بسيوفها الخشبية، كانت تضغط على الرجل بضراوة لافتة.  

 

“لا أعتقد أنني كنت بهذا الإتقان دون أي ثغرات عندما كنت في شهري الثالث من التدريب.”  

 

أضاف الفارس رأيه إلى صوت السيد الشاب المليء بالإعجاب:  

 

“تقول إنها لم تتدرب من قبل، لكنها تبلي بلاءً حسناً لدرجة أنك تعتقد أنها كانت ماهرة بالفطرة.”  

 

“هل هناك حقاً ما يسمى بالعبقرية الفطرية؟”  

 

نظر الفارس إلى سيده باستغراب عندما همس كارل بهذا الكلام. لم يكن من المناسب أن يأتي هذا الكلام من السيد الشاب الذي كان يُعتبر عبقرياً قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.  

 

“هل كل العباقرة هكذا؟”

 

“هل الآنسة لويس جيدة جداً في هذا؟ أم أنه من الطبيعي ألا تتمكن من فعل ذلك؟” 

 

تساءل الفارس بينما كان يتطلع بين الحين والآخر نحو سيده بذهول. لقد استسلم للفكرة أن كل العباقرة على هذه الشاكلة.

 

أخذ كارل يتفحص حركات إيلينا بدقة. بينما بدا أن البستاني الذي يتبارز معها لم يلاحظ، إلا أن كارل رأى بوضوح الفرق الشاسع في المهارة بينهما. 

 

من الخارج، بدت حركات البستاني كبيرة ومبالغاً فيها، كأنه يسيطر على المبارزة. لكن إيلينا كانت تضغط عليه بهدوء وثبات. 

 

“طريقتها في استخدام السيف خبيرة جداً. مهما فكرت في الأمر، هذه حركات شخص اعتاد حمل السيف.”

 

في الأوراق الرسمية عند انضمامها للعمل، كتبت أنها لا تجيد استخدام السيف. هل هذه حقاً لا تعرف كيف تمسك بالسيف؟

 

لو كان ذلك صحيحاً، فإنه يجب استبدال جميع فرسان الفرسان الحاليين. بهذا المستوى من الإتقان، لم يعد من المقبول تأخير انضمامها للفرقة. أثناء انشغاله بهذا الأمر، كان “ظله” يجمع بجد معلومات عن مقاطعة لويس.

 

“مهارات البستاني مقبولة. لكنه يستخدم الكثير من قوة الكتفين ويحتاج لتصحيح ذلك. إيلينا، تعالي معي.”

 

عند انتهاء التدريب، بدأ الجميع بالجلوس بتردد. نظر كارل للخدام المتعبين وابتسم بخفة ثم التفت لإيلينا. قامت هي بترتيب سيفها الخشبي ووقفت خلفه، بينما أعطى كارل تعليماته للفرسان حول كيفية تصحيح أخطاء الخدام.

 

—-  

 

“إلى أين نذهب يا سيدي؟”

 

“إلى ساحة تدريبي الخاصة.”

 

انسحب توماس بخفة، مدركاً أن الاثنين بحاجة لوقت خاص لمشاركة شغفهما بالسيوف، وعاد إلى القصر.

 

“بالنسبة لشخص لم يمسك سيفاً من قبل، أنتِ جيدة جداً. حقاً لم تتعلمي فنون القتال من قبل؟”

 

سأل كارل بجدية، فترددت إيلينا للحظة. شعرت ببعض الذنب لختلاقها، ففي النهاية قد ينكشف الأمر عاجلاً أم آجلاً.

 

“لكنت أشاهد إخوتي وهم يتدربون فقط. تقع إقطاعيتنا على الحدود، وكثيراً ما يتسلل جنود من تينتان. تعلمت ما يكفي لترمي بسيفك على العدو وتهرب بجلدك.”

 

“بالنسبة لهذا العذر، لا تبدين مبتدئة.”

 

“حقاً يا سيدي؟”

 

أجابت إيلينا بابتسامة غامضة. بدا أنه قد لاحظ بالفعل جزءاً من مهارتها. فكرت أنه ما دامت ستواصل التدريبات، فمن المستحيل إخفاء المستوى الحقيقي بالكامل.

 

“بالرغم أن الانضمام للفرسان يبدو مزعجاً… ولكن إذا كان الراتب مغرياً جداً، ربما أغير رأيي.”

 

ضحكت إيلينا في داخلها وهي تفكر. في النهاية، عليها سداد ديونها للعائلة الدوقية بأسرع وقت. ولكن الأهم من ذلك، شعرت برغبة شديدة في أن تصبح أقوى. كلما شاهدت حركات السيد الشاب، زاد خفقان قلبها.

 

“هل تريد المبارزة يا سيدي؟”

 

“نعم. سيكون أكثر متعة معي.”  

 

بابتسامة عريضة، رفع كارل سيفه بينما وقفت إيلينا في ساحة التدريب، تحمل السيف الحاد بصمت. بالنسبة لها، كانت اللحظات التي تتبارز فيها مع كارل هي الأكثر متعة.  

 

صوت اصطدام السيوف!  

 

بعد الاصطدام الخفيف مع السيد الشاب، حاولت إيلينا تقييم قوته ثم استغلت الفجوة في مرفقه الأيسر.  

 

“تعرفين كيف تستغلين الفجوات جيداً.”  

 

“لقد تعلمت جيداً من الفرسان.”  

 

ضحك كارل على كلماتها العفوية. حتى مع التدريب الجيد، لا يمكن للمرء أن يتعلم بهذه السرعة دون موهبة طبيعية.  

 

“حقاً لا تفكرين في الانضمام إلى فرقة الفرسان؟”  

 

“حسناً، بما أن الكثيرين ينصحونني بذلك، فأنا أفكر في الأمر.”  

 

“واو، نصيحتي لا تعمل إطلاقاً؟”  

 

“نصيحة السيد الشاب هي الأكثر تأثيراً.”  

 

استمر الاثنان في المباراة بسلاسة، يتناقشان براحة. أعجب كارل بكيفية تمكن إيلينا من مواكبة سرعته. من الواضح أن ما تعلمته لم يكن مجرد مراقبة عابرة.  

 

“لا أعرف السبب الذي جعلك تقولين إنك لم تتعلمي فنون القتال، لكنني لن أطرح أسئلة. فقط فكري بجدية في الأمر. فرقة فرسان العائلة الدوقية تقدم رواتب جيدة جداً.”  

 

“هذا سبب مغرٍ جداً.”  

 

“سأهتم بك بشكل خاص. أتعلمين أنني اهتممت بك عندما أصبحت خادمة شخصية؟ لاحقاً، سأحدد المبلغ وأريك العقد.”  

 

“حسناً، لا أستطيع أن أقول إنني سأفعل ذلك على الفور—”  

 

“لا بأس. مجرد التفكير في الأمر شيء أشعر بالامتنان له.”  

 

في النهاية، انفجرت إيلينا في ضحكة خفيفة. بمجرد أن أعلنت رغبتها في أن تصبح أقوى، شعرت كما لو أن الظهر يدفعها لتصبح أقوى بالفعل.  

 

“سأفكر في الأمر بجدية.”  

 

“إذا انضممتِ إلى فرقة الفرسان، سأحرص على توفير مرافق استحمام مثالية.”  

 

“سأنتظر ذلك.”  

 

توقف كارل للحظة عندما رأى ابتسامة إيلينا الواسعة. الدفء في عينيها منحه الشجاعة.  

 

الآن هو الوقت المناسب. هذا هو التوقيت الذي تحدثت عنه الكتب.  

 

“إذن، ماذا عني؟”  

 

“السيد الشاب؟”  

 

“نعم.”  

 

سأل كارل وهو يحاول إخفاء قلقه. بالتأكيد، أصبحا أقرب من قبل، وكانت إيلينا تقضي وقتاً أطول في مراقبته. بدا أنها تعرف أنه يحبها.  

 

“حسناً… السيد الشاب هو السيد الشاب، أليس كذلك؟”  

 

“ها؟”  

 

ابتسمت إيلينا ببراءة وأجابت بتظاهر بعدم الفهم. لم تكن ترغب في الكشف عن مشاعرها بسهولة أمام شخص لم يعلن عن نيته الحقيقية بعد.

 

“آه، ألا تبالين أبدًا؟! لقد انتشرت الشائعات بأنني معجبٌ بكِ، ومع ذلك لا تبالين؟”  

 

“سمعتُ بالإشاعة، لكنها مجرد إشاعة.”  

 

كان هناك جوٌّ غريب بينهما من حينٍ لآخر، لكنه كان مجرد ذلك الشعور فحسب. هو شخص وسيمٌ ومتميز، لذا فزواجه سيكون بمستوى مكانته.  

 

إيلينا كانت شخصيةً تفي بعهودها. فقد وعدت روبن ألا تُعجب بالسيدالشاب أبدًا، لذا كانت العلاقة الحالية بينهما مناسبةً كي لا تُسبب إزعاجًا لعائلة الدوق. إذا استمر الأمر هكذا، فستصبح بعد تحولها إلى فارسة مجرد زميلة مقربة لرئيسها.  

 

“وإذا لم تكن إشاعة؟! إذا لم تكن مجرد إشاعة، فماذا ستفعلين؟”  

 

أخفض كارل سيفه تمامًا. لم تصل جهوده إلى إيلينا ولو بقدر شعرة. ظن أنه اقترب منها، لكن يبدو أنه كان واهمًا وحده.  

 

“لماذا لا تتجاوزين هذا الحد؟”  

 

ما شأن الدبابيس أو الزهور؟ هو نفسه كان ينوي، إذا ما اعترفت إيلينا له، أن يضحك بارتياح ثم يرفضها ويعاملها كأي فارسة عادية. لكن لأنها استمرت في التظاهر بعدم الاكتراث، أشعل ذلك تحدّيًا داخله.  

 

“لم تَقلْ يومًا أنك معجبٌ بي. في البداية، ظننتُ أنك فقط تُحسن معاملتي كي أنضم إلى فرقة الفرسان.”  

 

همست إيلينا بعبارة تشبه الاعتذار، وقد لاحظت من نظرة كارل المحبطة أن شيئًا ما كان خاطئًا.  

 

“صحيح، لكن… الجو! هناك ما يُسمى بالجو!”  

 

ردّ كارل على كلامها بسؤال استنكاري: “أحقًّا لم يكن هناك أي شيء بيننا سوى ذلك الجو؟”  

 

“ظننتُ أن كل تصرفاتك تُخلق ذلك الجو فقط لأنك وسيم.”  

 

ضحكت إيلينا بخجل معتذرة، فابتسم كارل بمرارة. يبدو أن إيلينا كانت هادئةً أكثر من اللازم، فلا تلتفت إلى الأمور ما لم تُقال لها صراحةً. أو ربما لم تكن تراه كرجلٍ من الأساس.  

 

“أهل أنا بهذا السوء؟”  

 

“ماذا؟”  

 

“أسأل إن كنتُ رجلًا غير جذاب.”  

 

“أنت وسيمٌ بلا شك.”  

 

حاولت إيلينا تحويل الموضوع، شعرت بالأسف لسؤاله. في الحقيقة، كانت هي أيضًا بدأت مؤخرًا تلاحظه قليلًا.  

 

“وكرجلٍ؟ ألا أمتلك أي شيءٍ سوى المظهر؟”  

 

كانت تعتقد شخصيًا أنه يمتلك الكثير: وسامة، وثروة، ومنصبٌ رفيع. حتى إنها فكرت يومًا: “من ستكون الفتاة التي ستتزوجه؟ لا بد أنها محظوظة.”  

 

هل كان السيد كارل غير جذابٍ كرجل؟ أعادت إيلينا تكرار سؤاله في ذهنها.