“سيدي، ألا تشعرون بالجوع؟ هل أجلب لكم شيئًا خفيفًا لتتناولوه؟”
سأل الخادم الذي كان يعتني باستحمام كارل بحذر وهو ينظر إلى الساعة. فقد سمع أن كليهما لم يتناول منذ بداية الحفل سوى بعض اللقيمات بسبب انشغالهما الشديد.
“……إيـ… لا، ماذا عن زوجتي؟ ماذا قالت؟”
كان كارل على وشك أن ينادي اسمها مباشرة، لكنه توقف لحظة، ثم جرّب بخفة اللقب الذي طالما أراد استخدامه. كان يتمنى أن ينادي إيلينا أولًا بلقب “زوجتي” أمامها مباشرة، لكن إذ اضطر أن يستخدمه مع الخادم شعر ببعض الأسف. ومع ذلك، مجرد نطق الكلمة أضفى في قلبه سعادة خفية.
“سأستعلم وأعود بالإجابة.”
قال الخادم وانسحب من الحمّام.
“آنستي، السيد يسأل إن كانت ترغبين بتناول الطعام الآن.”
كانت إيلينا تفكك الحلي المرصعة بالجواهر وتُرخِي شعرها بمعاونة الوصيفات. كانت تتحرك بحذر حتى لا يتضرر فستانها، ولهذا لم تتمكن بعد من دخول الحمّام.
“هل سيستغرق الحمام وقتًا طويلًا؟”
“نعم، لا يقل عن ساعة على الأقل.”
“……لكنني استحمت حتى في الصباح.”
قالت إيلينا بدهشة، فنظرت إليها الوصيفات وابتسمن خفية لرؤية ملامح عروس مرهقة قبل أن يبدأ ليلها.
“هناك الكثير من التجهيزات، مثل إزالة المكياج والتحضير للنوم في الغرفة. كما أن الأفضل أن تتناولا الطعام كلٌّ على حدة، ثم تلتقيان في الغرفة بأجواء أكثر انسجامًا.”
أومأت إيلينا بخجل وقد احمرّت وجنتاها عند تلميح الوصيفة لليلة الدخلة.
‘لكن ليلة الدخلة قد قضيناها بالفعل في الجبل.’
خطرت الفكرة في ذهنها ببرود وهي تعلم أن الوصيفات لو سمعنها لأُغشي عليهن من الدهشة. ثم أخبرت الخادمة أن تنقل إلى كارل رغبتها في تناول الطعام منفصلين.
الجسد الذي أنهكته مواجهة الناس طوال اليوم بدأ يسترخي مع التدليك، وسرعان ما أحسّت بجوع خفيف. في تلك اللحظة، دخلت وجبة بسيطة أُعدّت خصيصًا إلى الحمام.
“الطاهي أبدع فعلًا.”
قالت إيلينا مبتسمة وهي تتناول الطعام الخفيف، فبادرتها الوصيفات بأنهن سيخبرن الطاهي بمديحها، مما أثار جوًا من المرح في الحمام.
“هاااه.”
تنهدت وهي تشعر بدفء الماء يذيب توتر جسدها.
“أي نوع من الزيوت العطرية تفضلين أن نضع لكِ؟”
“زيوت عطرية أيضًا؟”
رفعت حاجبيها بدهشة وهي ترى الوصيفة تحمل سلة مليئة بقوارير زجاجية ملونة. تناولت إحداها ولوّحتها قليلًا، فتمايل الزيت العطري داخلها بلمعة تبعث على السرور.
“بالطبع! هذه الزيوت تتغلغل في البشرة، فتجعلها ناعمة كبشرة الأطفال، ورائحتها طبيعية كأنها عطر الجسد ذاته.”
قالت الوصيفة بحماس وهي تفتح القوارير واحدًا تلو الآخر لتشمّ إيلينا روائحها وتختار ما تحب.
“همم…”
“هذه أشهر عشرة أنواع بين الأزواج الجدد حاليًا!”
بدأت الوصيفة تشرح بانفعال وكأنها هي العروس، فقد كانت الزيوت موصى بها من كبار المورّدين، وكل من جربها من الخدم أثنى عليها.
“هذا العطر حلو وجذاب، أما هذا فبمنعش وفيه لمسة مثيرة.”
“هاهاهاها! ما معنى منعش ومثير في آن واحد؟”
لم تتمالك إيلينا نفسها فانفجرت ضاحكة، لتدرك أن النتيجة النهائية واحدة: كل الروائح صُممت لتكون فاتنة تغري الطرف الآخر.
“ألا يوجد شيء بسيط وعادي؟”
“عادي؟ لكنه زفافكِ، ألا يجدر أن يكون العطر أكثر رومانسية وتميّزًا؟”
“أفضل من الروائح السكرية القوية عطرٌ نظيفٌ نقي.”
كارل لم يكن ممن يفضلون الروائح الحادة أو المثيرة، بل كان يميل دائمًا إلى البساطة والهدوء.
“همم، هذا يبدو مناسبًا.”
“حقًا؟ لكنه عادي جدًّا، لا يترك انطباعًا قويًا.”
“بل هو بالضبط ما أريده.”
كان في العطر عبق خشبي رقيق، تتخلله برودة خفيفة تكاد تمر على الأنف مرورًا. عطرٌ بسيط لا يثير نفورًا، ولا يطغى على الحواس. ابتسمت إيلينا بخفة، تنتظر بفضول كيف سيستقبله كارل.
أما الوصيفات، فواصلن أحاديثهن المرحة بلا انقطاع ليخففن عنها التوتر، فابتسمت لهن شاكرة صنيعهن.
“هاء…”
“سنضع الآن الزيت العطري وننتهي. ثم نجفف شعرك أيضًا.”
قالت الوصيفة، فنهضت إيلينا من الماء الدافئ الذي أذاب كل تعبها. كان جسدها الذي اعتني به بحنو يلمع كأنه ينفض عنه قطرات الماء بنفسه.
“كما في الصباح تمامًا، كل مرة أشعر وكأني وُلدت من جديد.”
“يا لسرورنا بسماع ذلك! إن داومتِ على هذا فستستعيد بشرتك رونقها رغم التدريب الشاق. نرجو أن تواصلي هذه العناية حتى بعد عودتك إلى القصر.”
أومأت إيلينا موافقة، وقد عزمت أصلًا أن توفّق بين التدريب وهذه الجلسات، خصوصًا بعد أن لاحظت كيف أن التدليك يخفف من ثقل جسدها. ثم إن كارل نفسه كان يحرص على تلقي الرعاية من خدمه، فليس من السيئ أن تحذو حذوه.
“ممم…”
“هل أعجبكِ العطر؟”
سألت الوصيفة بعدما انتهين من تجفيف شعرها، فرفعت إيلينا ذراعها وشمّت بعمق. بدا العطر أكثر هدوءًا وأناقة وقد اختلط بحرارة جسدها، فأعجبها بحق.
“سيدي أنهى استعداده وهو بانتظارك في الغرفة.”
“حسنًا.”
ارتدت إيلينا ثوبًا خفيفًا للنوم، وتوجهت بخطوات هادئة نحو الغرفة.
—
“هاه…”
زفر كارل بعمق، جالسًا في الغرفة بعد أن أنهى استعداده أولًا.
وقعت عيناه على النافذة الكبيرة حيث أُسدلت ستائر ثقيلة تمنع الرؤية من الخارج، وفوقها ستائر خفيفة مضاعفة تمنح ضوء الغرفة ليونة دافئة. أما السرير فقد كان مغطى ببتلات زهور ملوّنة نُثرت بعناية، وفوق المائدة الصغيرة والمصابيح الجانبية وضِع ضوء ناعم انعكس ظلالًا خفيفة على الأغطية البيضاء، فزاد الجو رومانسية ودفئًا.
“هذا من ذوق توماس بلا شك.”
همس لنفسه. لقد كانت والدته وغلوريا قد رضختا أخيرًا لمطالب توماس ووصيفات إيلينا بخصوص تجهيزات شهر العسل، بعدما رأين حماستهم الجماعية في ترتيب الأزياء ومتابعة أماكن الإقامة.
“يكره العمل، لكنه يعشق هذه الأمور.”
ابتسم كارل ساخرًا وهو يستنشق عبقًا عطِرًا بدا وكأنه رُشّ خصيصًا لبعث الطمأنينة. كان الهواء ناعمًا، يشيع في صدره راحة خفية. حينها فقط شعر بواقعية الأمر: ‘لقد تزوّج حقًا.’
تجوّل ببصره مرة أخرى في الغرفة التي سيقضي فيها أول ليلة رسمية مع إيلينا، فانفرجت شفتاه بابتسامة لم يقوَ على كبتها. مجرد فكرة أنه سيشاركها الغرفة والفراش من هذا اليوم فصاعدًا جعلت قلبه يخفق بحلاوة غريبة.
“همم.”
جف حلقه وهو يتذكر منظرها قبل قليل وهي تدخل إلى الحمام، ثم خطرت له صورتها مرتدية فستان الزفاف الأبيض البهي.
منذ فستان الزفاف وحتى فستان ما بعد الظهيرة، لم يكن هناك لحظة لم تكن فيها إيلينا آيةً في الجمال. غير أن فستان ما بعد الظهيرة كان مفتوحًا عند الصدر بجرأة، ما جعل كارل يبذل جهدًا كبيرًا ليحجب أعين الرجال عنها. كلما أحسّ بأن نظرات أحدهم ستنزلق إلى الأسفل، كان يرمقه بعيون متقدة كالنار، فيرتبك الرجل ويشيح بصره خجلًا. أما النساء، فقد أطلقن عبارات الإعجاب دون توقف، منبهِرات بجمال فستانها وأناقتها.
حتى صوت بلعه ريقه بدا مرتفعًا في أذنه، فاضطر إلى أن يسعل بخفة ليغطي على ارتباكه. كانت الشفاه تجفّ من فرط الترقب والتوتر، فأخذ يرطبها مرارًا، بينما يده تمسح وجهه بلا وعي، كأنه يحاول كبح الخيالات الجريئة التي تسللت إلى رأسه تجاه زوجته.
‘حين تدخل إيلينا، سأدعها تشاركني كأسًا بخفة.’
فكر وهو يرمق بأعين راضية الأطباق الخفيفة التي جهزها الخدم.
*صرير الباب.*
“أأنهيتِ استعدادكِ بهذه السرعة؟”
بينما كان يسرح بعينيه في الأغراض التي أعدّت لتلطيف الجو، فُتح الباب المقابل، ودخلت إيلينا مرتديةً رداءً حريريًا رقيقًا يكشف انسياب جسدها الطويل الممشوق الذي صاغه التدريب الدؤوب. وقف كارل من مكانه لا إراديًا، لكنه سرعان ما كبَح نفسه بصعوبة.
“نعم. ألا تشعر بالتعب؟”
قالت وهي تخطو نحوه بخطوات وئيدة. فهبّ من مكانه ببطء وسحب لها الكرسي. جلست، وقد انسدل شعرها بحرية، ووجهها يلمع بندى الغسل واحمراره، مما جعل تفاحة آدم في عنق كارل تتحرك بعنف.
أما إيلينا، فقد حاولت تهدئة قلبها الذي يضطرب مثل قلبه تمامًا. فالاحمرار على وجهها لم يكن أثر الماء، بل أثر اللقاء بعينيه منذ لحظة دخولها. كادت أن تتعثر حين رأتَه جالسًا هناك يفيض بريقًا من رأسه حتى قدميه.
‘دائمًا ما يشعّ، لكن الليلة… كأنه يتوهج أكثر من أي وقت مضى.’
شكرت رباطة جأشها التي سمحت لها بالجلوس بوجه هادئ، فيما كان كارل يصب لها كأسًا من النبيذ. حركته كشفت من رداءه المفتوح جزءًا من صدره القوي المشدود.
ارتشفت النبيذ وهي تستمتع بالمشهد؛ لم تكن بحاجة إلى أي مقبلات أخرى، فما تراه عيناها كان كافيًا ليملأها شعورًا غريبًا من الرضا والسعادة. ‘الآن أفهم ما يعنيه أن يبهجك النظر فقط.’
“أنا بخير. لكن لو طُلب مني أن أعيد مراسم الزواج مجددًا، لما استطعت تحمّله.”
ابتسمت وقالت.
“مرتان؟ لا، هذا لن يحدث أبدًا.”
أجابها كارل بنظرة حاسمة تنم عن جدية خطرة، فضحكت إيلينا وهي تحدق في عينيه اللامعتين تحت الأضواء.
“فلننهي الأمر باتفاق… زواج واحد يكفي.”
“هاهاها، حسنًا.”
ضحك كارل وأومأ، بينما لم يستطع أن يصرف نظره عنها.
أما هما الاثنان، فكان عليهما أن يكبحا قلبًا يخفق بعنف كلما التقت أعينهما.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 188"