كان يرتدي بدلة بيضاء مطرّزة بخيوط فضية فاخرة تجذب الأنظار. قامته الممشوقة، والزيّ المصنوع بدقّة ليناسب جسده، انسجم مع ملامحه فزاد من بريقه.
‘لا شكّ أنّ المرء إذا كان وسيماً بدا كلّ شيء أجمل.’
فكّر روبين أنّه من الممتع أن يخدم سيّداً بهذا القدر من الوسامة، ثم تأكّد مجدداً من أنّ الزهرة المعلّقة في جيب سترته ثابتة لا تسقط.
وخلفه كان الخدم الذين يساعدون كارل يتطلّعون إليه خلسة، يسرقون النظر إلى وسامته مراراً.
“لا، لم أقصدني… بل أقصد إيلينا.”
قال كارل وهو ينفّذ ما يطلبه روبين، محاولاً أن يعبث بأطراف كمّه بيدٍ جافة من شدّة التوتّر.
نظر في المرآة، فرأى بوضوح أنّ روبين بالغ اليوم أكثر من المعتاد في الاعتناء بمظهره، لمجرّد أنّه يوم الزفاف.
أخذ كارل نفساً عميقاً ليهدّئ من خفقان قلبه المضطرب.
“سيدي، إن تحرّكت كثيراً فستفسد هيئة ملابسك.”
قال روبين بلهجة تأنيب وهو يراقب صدره المنتفخ من شدّة التنفّس.
“الجانب الخاص بالعروس أيضاً قد أوشك على الانتهاء.”
دخل توماس وهو يبتسم، ناقلاً خبر إيلينا الذي أوصلته إحدى وصيفاتها.
“أرجوك، يا سيدي، ابقَ واقفاً بلا حراك.”
لكن كارل لم يستطع التوقّف عن الحركة والتململ، ممّا دفع روبين في النهاية إلى توبيخه.
تلعثم كارل محرجاً، ثم وقف بهدوء أمام المرآة.
“عريسٌ يتحرّك بعشوائية هكذا يبعثر العقول حوله.”
انفتح باب قاعة انتظار العريس على مصراعيه، ودخل الإمبراطور وهو يضحك ملء صوته.
“جئتُ يا مولاي.”
“هاه، ما أروع الأمر. ما دمت تملك هذا الوجه، فكلّ ما ترتديه يبدو مثالياً.”
أبدى روديان إعجابه بملامح كارل وهو يدخل خلف الإمبراطور.
كان شعره الفضيّ اللامع مسرّحاً بعناية إلى الخلف.
جبهته المكشوفة أظهرت تقاطيع أنفه الحادّة.
وبشرته النقيّة، وقد أضيف إليها مسحة خفيفة من البودرة مع حواجب مهذّبة، جعلت الأنظار لا تلبث أن تترك الثوب لتعود إلى وجهه مراراً.
ولم يكن الثوب نفسه بسيطاً؛ إذ زخرفت خيوط بيضاء خالصة بطريقة تجعلها أحياناً تتلألأ بلون بنفسجيّ رقيق تحت الضوء، وأُضيف إليها الكثير من الزخارف حتى بدت مبالَغاً فيها.
لكن جسده المتناسق الممشوق جعل هذا الرداء الأبيض الفاخر يبدو وكأنّه صُنع خصيصاً له، يلبسه بكمالٍ لا يُضاهى.
‘لو ارتداه أيّ نبيل آخر لابتلع الثوب ملامحه.’
تذكّر روديان بدلة زفافه هو أيضاً، التي اعتبرها وقتها فاخرة وتليق بوسامته، لكن أمام ابن عمته بدت رداءً يستحقّ أن يشكرها على أنّها غطّت عيوبه.
“حتى لو كنتَ ارتديتَ خيشة بالية، لما بدا الأمر غريباً على ذلك الوجه.”
“كفّ عن هذا الكلام الفارغ. لو سمعتْ أمي قد تلاحقك بالسيف.”
“أجل، سمعت أنّ عمتي بذلت جهداً عظيماً في الأمر. حتى أنّ ميَريل لم تصبر على فضولها، فذهبت إلى بيت الدوق بنفسها.”
ضحك روديان وهو يستحضر صورة زوجته التي زارت بيت الدوق من شدّة الفضول.
تذمّر كارل من كلام وليّ العهد الخفيف. فقد كان الثوب الذي يرتديه مشبعاً بحبّ أمّه وغِرَض غلوريا.
ففي البداية، مرّت ملابس العروسين التي عرضها الخيّاطون بسهولة ومن دون اعتراض.
لكن حالما علمت الدوقة وابنتها بالأمر، سارعتا إلى استدعاء الخيّاطين مجدّداً، وفحصت الدوقة الملابس بعناية، ثم اختارتها بكلّ ما تملكه من جهدٍ وحرص، تقديراً لكونه زواج طفلها الأوّل.
الخياطون واصلوا تعديل تصميم البدلة حتى توصّلوا أخيراً إلى الشكل الذي يرضي دوقة الدار.
لكنّ ذلك لم يكن النهاية.
ابتسم كارل بخفوت وهو يستحضر صورة الخياطين الذين جاؤوه باكين يرجونه أن يخلّصهم.
فالأم بدأت بعد ذلك باختيار الجواهر والزخارف التي تناسب الشكل الأمثل للبدلة، ولم يكن ذلك عملاً يُنجَز في يومٍ أو يومين.
أما الثوب الذي يرتديه الآن، فهو ثمرة جهدٍ استُنزفت فيه أجساد الخياطين حتى نال القبول الأخير من الدوقة المتطلّبة.
كان الرداء الأبيض يسطع بذاته، وزيّنت الأكمام والياقة تطريزات دقيقة.
أما البوتونيير البنفسجية وأزرار الأكمام التي واءمت لون عينيه، فقد رفعت من مقام الرداء أكثر.
“يقولون إن بدلتَي العروسين تساويان ثمن خمسة قصور في العاصمة… ويبدو أنّ الأمر ليس مبالغة.”
أبدى الإمبراطور إعجابه بالثوب. كان يعلم أنّ شقيقته ذات حسّ خاص في المال، لكنّه لم يظنّ أنّها ستنفق هذا الكمّ في عرس.
كان قد أنفق هو الآخر ميزانية طائلة في زواج روديان، لكنّ زواج كارل لم يكن بأقلّ شأناً.
ولم يُعلَن المبلغ الدقيق صوناً لهيبة العائلة الإمبراطورية، لكنّ الواضح أنّ ما صُرف لم يكن أقلّ، بل ربما أكثر.
“يقال إن زهرة العرس هي العروس… لكن في حالتك، تكفي أنت وحدك.”
“إن واصلتَ بإلقاء هذه الكلمات المزعجة، فالرجاء أن تغادر.”
“الآنسة لويس أيضاً غاية في الجمال.”
توقّف كارل عن الردّ عند سماع اسم إيلينا وقد كان همّ بأن يردّ.
“هل إيلينا بخير؟”
“أجل، بل بدت أكثر ثباتاً منك. لقد حظينا بكنّة رائعة.”
“إنّها كنّتي أنا، فلمَ تبدو يا مولاي وكأنّك استحوذتَ عليها؟”
وبينما كان الإمبراطور يومئ برضا، دخل الدوق من الباب المتصل بقاعة الانتظار.
“إن كانت زوجة ابن أختي، فهي كنّتي أيضاً! أليست كنّة العائلة؟!”
“أرفض ذلك رفضاً قاطعاً.”
قاطع كارل محاولات خاله بصرامة، رافضاً أي محاولة لربطه بإيلينا.
شكا الإمبراطور بأسى أنّه أنفق الكثير من ماله في زواج ابن أخته، فردّ كارل قائلاً إنّه سيعوّض ذلك حين يأتي زواج إليزا، فالرجاء ألّا يحتسب هذا.
“ماركيز لويس قادم.”
أعلن أحد الخدم من الخارج، فخيّم الصمت على قاعة انتظار العريس.
ابتلع كارل ريقه بصوت مسموع، وقد ظهر عليه التوتّر من سماع خبر قدوم حميه، فيما انحنى نظر الثلاثة الآخرين بخبثٍ مرح.
“أوه، كلكم هنا إذن.”
دخل ماركيز لويس أنيقاً مستعدّاً لمرافقة إيلينا، فانحنى برأسه حين رأى الإمبراطور.
“هل أنهت إيلينا استعدادها؟”
“نعم، يمكننا البدء الآن. لكن يا بُني، إنّك مدهش.”
انبهر الماركيز بوجه كارل، حتى ساوره القلق إن كان من الصواب قبول شاب بهذا القدر من الوسامة صهراً له.
صحيح أنّ عروسه إيلينا ازدادت جمالاً بعد زينة العرس، لكن كارل بدا وكأنّه يشعّ نوراً لمجرّد وقوفه هناك.
“أشعر بالأسف نحو إيلينا.”
“عفواً؟”
سأل كارل وقد التقط كلماته المتنهّدة، لكنّ الماركيز لم يُجبه، واكتفى بالتربيت على كتفه مهنّئاً إيّاه، ثم خرج بملامح يعتريها شيء من الأسى.
ضحك روديان وهو يراقب المشهد قائلاً إنّ الماركيز قد استسلم أمام وسامة وجهه.
“لقد انتهى دخول الضيوف تقريباً. كما أنّ جانب العروس أعلن أنّ الاستعدادات اكتملت. يسألون إن كان بإمكاننا البدء.”
قال توماس بعد أن واصل التأكّد من سير الأمور في الخارج، فتلاقَت أنظار الأربعة.
“فلننطلق إلى القاعة.”
قال الدوق، فاقترب الإمبراطور واحتضن ابن أخته مهنّئاً. تبعه روديان بالتهنئة، ثم غادروا متوجّهين إلى قاعة العرس.
“هل أنت بخير؟”
“نعم. أشعر ببعض التوتّر، لكنّي بخير جداً.”
قال الدوق، فابتسم كارل ابتسامة عريضة وأجاب:
“لقد أصبحتَ وسيماً بحق.”
تلألأت في عيني الدوق مشاعر لا يمكن وصفها بالكلمات.
“لقد كبرتَ، أليس كذلك؟”
غمز كارل بعينٍ مازحاً وهو يقول.
“نعم. لقد أصبحتَ رجلاً قبل أوانك. يؤسفني ذلك… كنتُ أتمنى لو تأخّرتَ في النضج قليلاً.”
تكلّم الدوق بنبرةٍ ممزوجة بالأسى. كان ابنه قد كبر أسرع مما تصوّرا.
“أتمنّى لك السعادة.”
“مثل سعادتك يا أبي؟”
“نعم.”
ابتسم الدوق ابتسامة مشرقة وهو يجيب.
تبادلا عناقاً خفيفاً، ثمّ مضيا معاً نحو قاعة المراسم.
أُقيمت المراسم تحت إشراف الكاهن. فقبل دخول العروسين، قدّم الكاهن العهد إلى الحاكم، ثم وُضعت وثيقتا القَسَم للعائلتين فوق المذبح، وبعدها التفت الكاهن ليعلن بدء المراسم.
“ليتقدّم العريس.”
“هُوو…”
أخذ كارل شهيقاً عميقاً وأطلقه محاولاً طرد توتّره. كان درباً قد مشاه مراراً، لكنّه اليوم بدا مختلفاً تماماً.
“سيّدي، أتمّها بخير وارجع.”
هتف توماس وروبن بصوتٍ خافت من خلفه مشجّعين. ابتسم لهما كارل ابتسامة مشرقة، ثمّ خطا بثبات فوق الممرّ المفروش بالزهور.
“آه!”
“يا إلهي!”
تعالت أصوات الدهشة من أفواه النبلاء الجالسين حين وقع بصرهم عليه.
لم يصدّقوا أنّ مثل هذا الجمال الفاتن قد أصبح شريك حياة أحدهم. كان وسيماً في العادة، لكنّ طلّته الآن كانت من السحر بحيث إنّ مجرد التقاء النظرات به يُغشي الأبصار.
بعض السيدات الشابّات كدن يغمى عليهن، فاستندن إلى المقاعد وهنّ يحدّقن بشغف في مشيته المهيبة، وقبضن على مناديلهن بقوّة.
‘يا للخسارة!!’
أما كارل فلم يلتفت لردود الفعل من حوله. كان يخفي توتّره بشدّ قبضته متطلّعاً إلى الأمام، بينما والداه وأسرته يبتسمون له بفرحٍ غامر.
ولدى وصوله إلى المنصّة، انحنى للكاهن ثم استدار، فرأى وجوه المدعوّين تملأ القاعة، وثبّت بصره على المدخل الذي ستخرج منه إيلينا.
“لتتقدّم العروس.”
ما إن أنهى الكاهن كلماته حتى انفتحت أبواب القاعة، وانهمرت الزهور من السقف مع وهجٍ مضيء، بفعل الأدوات السحرية، فأطلقت عيون الحاضرين دهشة وإعجاباً.
“يا للعجب.”
“رائع!”
تعالت أصوات الانبهار من كل صوب، غير أنّ كارل لم يرمش حتى بعينيه وهو يرقب إيلينا تتقدّم.
منذ اللحظة التي ظهرت فيها عند المدخل مرتدية ثوب الزفاف، فقد توازنه تماماً. تملّكه شعور جامح بأن يحتضنها في التوّ ويأخذها بعيداً حيث لا يراهما أحد.
لكنّه بالكاد كبح جماح قلبه الذي يخفق بعنف، وحين التقت عيناه بعينيها من بعيد، شعر وكأنّ دمه كلّه يندفع ليملأ قلبه.
وبإشارة من أحد الخدم، انطلقت موسيقى الفرقة، وبدأت إيلينا تشقّ طريقها عبر الممرّ وهي تمسك بيد والدها، ماركيز لويس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 186"