رغم أن الناس كانوا قد سمعوا التهم من قبل، فإنهم حين رأوا الأدلة تتساقط ورقة بعد أخرى لم يملكوا سوى إطلاق أنفاس مبهوتة. كانت الجرائم مكتوبة في الوثائق بوحشية لا يطيق البصر احتمالها، وأسماء الموتى تُعدّ بلا حصر.
“وكيف تثبتون أن هذا حقيقي؟ ها! مثل هذه الوثائق أستطيع أنا أيضًا أن أصنعها!”
قبضت الإمبراطورة كفها بقوة كي لا تُظهر اضطرابها وهي ترى ذنوب ماضيها تنكشف أمام الجميع.
“أتزعمين أن جميع معارفك قد شهدوا زورًا؟”
“أليس من الممكن أن يكون بيت الدوق الثري قد دفع لهم أجرًا؟”
لكن صورة عابرة لدوق بيكمان ظهر فيها وهو يبتسم باستهزاء. كان كلام الإمبراطورة في نظره تافهًا. صحيح أنه استعمل المال للإيقاع بها، لكنه لم يكن بحاجة لشراء ذمم أحد، فالأدلة كانت دامغة، والصداقات التي بنتها لمصالحها انهارت بسهولة.
وكلما تكلمت الإمبراطورة أكثر، قلّ كلام الناس، وباتوا يراقبونها ببرود وعيون قاسية. حاولت أن تبحث بنظرها عن نصير، لكن حتى ابنتها إليزا أدارت عنها وجهها.
وحين لم تجد ما تجيب به على أسئلة القاضي المتلاحقة، لم يبقَ منها إلا نظرات مسمومة صوب الإمبراطور.
“ألم يبقَ لك ما تدافعين به عن نفسك؟”
“…….”
“مولاي الإمبراطور العظيم، ويا شعب الإمبراطورية، أعلمكم أن هذه الدعوى قد جرت بتحقيق عادل صارم، وأن الأدلة قد نُخبت بعناية. لقد أقسم المحققون والشهود أمام الله أنهم لم يكذبوا، وقد أثبتت نتائج التحقيق أن جرائم الإمبراطورة أناستاسيا أودن لوبيريان صحيحة.”
“…….”
“وبناءً عليه، يُحكم بخلع أناستاسيا أودن لوبيريان من منصبها كإمبراطورة، وبنفيها إلى جزيرة العقاب لتقضي هناك بالأشغال الشاقة حتى تموت.”
طَخ، طَخ، طَخ!
“هذا غير معقول!! كيف تحكمون عليّ بهذه الأقوال المنفردة من دون أن تُعطَ لي فرصة للدفاع؟!”
صرخت الإمبراطورة محتجة على حكم لم يُتح لها فيه كلمة دفاع، لكن لم يستجب لها أحد. بل على العكس، علت الهتافات مرحبة بقرار القاضي.
قبل المحاكمة كانت قد بحثت بلا جدوى عن من يقف في صفها، فلم تجد يدًا واحدة تمتد نحوها.
“واااه!”
“صحيح! هذا هو العدل!!”
“إنها مؤامرة! مؤامرة عليّ!!”
لكن صوتها البائس تلاشى تحت صرخات الجماهير، ولم يُصغِ إليها أحد.
“روديان! يا روديان!! هذا سوء فهم! إنها أوهام!”
استدارت مسرعة نحو آخر أمل لها، ابنها روديان. لكن ما قابلها إلا وجه بارد يحدّق فيها بلا رحمة.
“اتركوني! ألا تتركونني؟! أنا إمبراطورة الإمبراطورية!”
تحت ضجيج الحشود، جُرّت الإمبراطورة بالقوة على أيدي الفرسان. حاولت عبثًا أن تفلت، لكن قبضاتهم كانت محكمة لا تُقاوَم.
“كل شيء لي! كان لي وحدي! تلك العاهرات سرقن مني كل شيء!”
بينما كانت تصرخ وتُساق خارج المحكمة، ساد صمت ثقيل على القاعة.
انتهزت الإمبراطورة السابقة الفوضى وشرعت تصرخ بأوداج منتفخة، وكأنها تُنادي ببراءتها. لم يكن في صوتها دموع ولا رجاء، بل لم يبقَ فيها إلا الغضب الذي انفجر كوحش هائج.
“ها! أنا، أرفع نساء الإمبراطورية قدرًا، أُتَّهم بالخيانة؟! أنا أفضل من أيّ أحد ــ!!”
لكن صوت الإمبراطور البارد قطع كلماتها:
“خُذوا هذه المذنبة، وانزعوا عنها ثوبها وألبسوها لباس السجينات.”
“اتركوني!!”
كانت أَناسْتاسيا تتلوّى محاولةً التملص وهي تُسحب على أيدي الفرسان الأقوياء. لم يُبقوا لها شيئًا من مظاهر الاحترام، فدفعوها بعنف إلى غرفة تبديل مؤقتة في زاوية القاعة. لم يكن يغطي الغرفة إلا حواجز عالية تكاد تلامس قامة الفرسان، فيما بقي أعلاها مكشوفًا، فظن الحضور أنهم سيرون المشهد بوضوح.
“آآاااخ! توقفوا عن هذا حالًا!!”
وبينما كانت بعض الفارسات يمسكنها لتمنعها من العنف، خرجت الوصيفات مسرعات لتنفيذ أمر الإمبراطور.
“انزعن عنها.”
أمرت كبيرة وصيفات القصر بوجه صارم، فانقضّت الوصيفات على أَناسْتاسيا التي حاولت الفرار من الحجرة الصغيرة. جسدها النحيل، الذي طالما اجتهدت في الحفاظ على شبابه، صار عالقًا في قبضة أيدٍ خشنة.
“أتجرأن عليّ هكذا؟!”
صفع!
صفعة قوية دوّت على خدها، فارتجّ بصرها للحظة. شعرت بحرارة محرقة على وجهها، وصمتت فجأة من هول الصدمة. الوصيفة التي ضربتها وضعت على عنقها فورًا ثوب السجن الرمادي القاتم. ومع أن التنورة لم تُحكم بعد، كانت وصيفات أخريات يقصصن فستانها الفاخر بالمقصات، لا يبالين بخطر جرحها في خضمّ مقاومة جسدها العنيف.
“توقفن! كفى!!”
لكن الثوب البسيط استقر على جسدها في النهاية، وفستانها الفخم الذي طالما حسدته النبيلات عليها صار مزقًا مبعثرًا. وقفت حافية القدمين بلباس رمادي فضفاض حتى الركبتين، ترمق جسدها المهان بذهول.
*لا… لا يمكنني أن أعيش هكذا.*
في اللحظة التي أمسكت فيها الوصيفات بذراعيها لتسحبها إلى الخارج، لمع بريق حاد في عينيها. كانت تخبئ السمّ في فمها منذ البداية، فأرادت أن تعض عليه بلسانها وتنهي حياتها.
“امنعوها من الانتحار!”
انتبَهت كبيرة الوصيفات لحركتها بسرعة، فأصدرت أمرها. وفي التو غرزت إحدى الوصيفات أصابعها في فم أَناسْتاسيا، ممسكة بفكها بقوة حتى أجهضت محاولتها.
“كخ…!!”
“كاهه!!”
“كاههع!!”
تعالت أصواتها المختنقة داخل الغرفة الصغيرة. الحضور أمالوا أعناقهم محاولين التلصص، بعضهم أخرج مناظير صغيرة يتابعون بها، وهم يتغامزون متسائلين:
“ما الذي يحدث؟”
“ألا تسمعون صوت تقيؤها؟ يبدو أنها خبّأت السم فعلًا لتنتحر.”
ومع اهتزاز الغرفة المصنوعة على عجل، ارتفع من الجماهير صوت مدهوش:
“أوووه―!”
“لقد خرجت.”
كان شعر الإمبراطورة السابقة، الذي طالما رفعته بأناقة، مبعثرًا أشعث لا شكل له. ثوبها البسيط الأنيق اختفى بلا أثر، ولم يبقَ عليها سوى لباس السجن الرثّ، المجرّد من أي زينة، بينما قبضات الفرسان تشدها من جانبيها.
“ابدؤوا بنقل المذنبة.”
أشار الإمبراطور بيده إلى كبير الخدم، فانحنى الأخير وأرسل الإشارة إلى الأسفل.
مُسحوبة من ذراعيها، قاومت أناسْتاسيا بكل ما أوتيت، لكنها كانت مجرّد دمية بين أيدي الفرسان، تُساق قسرًا داخل الساحة الدائرية العظيمة.
وما إن مرّت أمام الجماهير حتى انهالت عليها الصيحات والشتائم، بل وراح بعضهم يقذفون ما بأيديهم نحوها.
طَرق.
تعثّر.
ارتطمت بعض الأشياء بجسدها النحيل، فاضطرت لعضّ شفتيها كي لا تنهار. جسدها يتمايل، والفرسان يصدّون الأشياء المتطايرة بيد واحدة متضجرة.
أناسْتاسيا قبضت على كفيها بقوة. ‘لن أغفر لهم، أولئك الذين يجهلون ما قدمته للإمبراطورية ويصفونني بالخائنة.’
‘لابد أنهم يسخرون مني الآن.’
توجّه بصرها نحو الإمبراطور. المسافة بعيدة، حتى إن وجهه لم يتضح، لكنّها أيقنت أنها ستراه حين تمرّ من أمامه. فكلما اقتربت من مقعده، شدّت قامتها أكثر، رافعة رأسها بعناد.
هناك، بدا وجه الإمبراطور وهو ينهض محدّقًا إليها من علٍ. لم يكن فيه فرح ولا شماتة، رغم علمه بأنها هي من تسبّبت بموت الإمبراطورة السابقة والجنين الذي كان في رحمها. بل بدا شاحبًا، تكسوه مسحة حزن وخواء.
حتى روديان، ابنها، لم يبدُ مختلفًا. ملامحه مثقلة بالندم والذنب.
أحسّت أناسْتاسيا بأن أذنيها تصمّان. أصوات السخرية واللعنات من حولها تحولت إلى طنين بعيد. ومع خطواتها البطيئة المثقلة، عيناها لم تفارق ولدها روديان، وابنتها إليزا التي مالت برأسها محاولة أن تراها أكثر.
قلب الإمبراطورة السابقة خفق بقوة، كأن صدرها يهتزّ من الداخل. لم تستطع أن تمحو من ذهنها دموع ابنتها إليزا.
لقد فكرت فيما مضى أن تزويج إليزا بالابن الثاني لأحد البُكوات أمر لا يليق بها. ولهذا حرصت بطريقتها أن تمنعها من الحمل. خطتها كانت أن تتخلص من الزوج حين يرث لقب البكر، لتبحث لها عن رجل أفضل.
‘لقد أردت فقط أن تنال ابنتي ما هو أرفع… بعد أن أحقق غايتي.’
لكن ابنتها لم ترَ في الأمر سوى أن أمها أجبرتها على دواء جعلها عقيمة. والآن، لم يكن في عيني إليزا سوى الحزن.
وأمام ذلك الوجه الباكي، لم تعد أناسْتاسيا قادرة على التفكير بشيء.
✧⋄⋆⋅⋆⋄✧⋄⋆⋅⋆⋄✧✧⋄⋆⋅⋆⋄✧⋄⋆⋅⋆⋄✧
عدبكي اخخخخخ. اليزا ماتستحق وربي ماتستحق 😭😭😭😭😭
اخخ اليزاااا😭😭😭😭
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 183"