“أتذكرين أنني سيّدة السيف؟ لست بحاجة لأن أقف في صف أحد.”
“لا بد أنّ تلك كذبة اختلقتها أسرة الدوق لتمنحك لقباً مناسباً.”
قالت الإمبراطورة وهي تلوّح بمروحتها كمن يعرف كل شيء. بدا لها من المضحك أن تحاول إيلينا خداعها.
“لم أسمع في حياتي عن امرأة صارت سيّدة السيف. عليك أن تكفّي عن خداع الناس، ألن يصيبهم خيبة أمل عظيمة حين ينكشف لهم الحقّ؟”
“جلالتك! هل كنتِ هنا؟!”
“آه، يا كونتيسة، مضى زمن طويل.”
كانت إيلينا على وشك الردّ على كلام الإمبراطورة حين تقدّمت إليها سيّدة نبيلة تبحث عنها على عجل. تقبّلت الإمبراطورة تحية الكونتيسة، ثم مرّت بجانب إيلينا تاركة ابتسامةً ساخرة.
وبحسب خطتها، فقد دعت إيلينا إلى حفلة الشاي وحدها من دون غلوريا.
هكذا كانت تريد أن تُظهر من له اليد العليا، لكنها لم تتوقّع أن يقوم دوق بيكمان بتوجيه الاتهام إليها مباشرة. لقد موّلت تينتان بطرق ملتوية كي لا يظهر اسمها، لكنها لم تفهم كيف انكشف أثرها.
لم تكن الإمبراطورة تدري كم كان سيدن حريصاً على أن يترك وراءه أدلة دقيقة تحسّباً لأي مشكلة لاحقة.
أما روديان، فقد تمكّن وهو يتصفّح دفاتر سيدن المرتّبة بعناية في مكتبته من كشف الهويات المزوّرة. وتطابقت تلك المعلومات مع ما توصّل إليه جهاز الاستخبارات.
‘قد تكون تلك المرأة عرفت بالأمر منذ البداية.’
الإمبراطورة، الممدّدة على السرير بوجه شاحب وهي تغطي نفسها باللحاف، عضّت شفتيها بقوّة.
لا شك أنّها لذلك السبب كانت تتجرّأ على السخرية منها في الحفلة وتتصرّف معها باستعلاء. ظنّت الإمبراطورة أنّ أسرة الدوق تعرف قدرها فصمتت، ولم يخطر لها أنهم كانوا يتعقّبونها من خلف الستار ليغمسوها في وحلهم.
“أريد أن أستحم. نادي على إحدى الخادمات.”
مع ذلك، لم تكن مستعدة للاستسلام بهذه السهولة.
وبعد أن رتّبت أفكارها، التفتت الإمبراطورة إلى الفارس الواقف يحرس باب الغرفة. أومأ دون أن يتفوّه بكلمة، وفتح الباب لينقل طلبها إلى الخادمة المنتظرة في الخارج. ولم يكلّف نفسه عناء التحقق من تفاصيل الاستحمام.
وكانت الخادمات اللواتي يدخلن عليها يتبدّلن وجوهاً لا تعرفها. لكن في القصر الإمبراطوري، وُجد الكثير ممّن تمتدّ يدها إليهم.
“لقد أعددنا ماء الاستحمام.”
ما إن أعلنت الخادمة ذلك حتى دخل الفارس إلى الحمّام ليتفقد المكان ويتأكّد من عدم وجود ما يثير الريبة. كانت هناك خادمتان بانتظارها، أظهرتا بنفسيهما أدوات الاستحمام لتثبتا أنّه لا شيء فيها يمكن أن يساعد المذنبة.
أومأ الفارس موافقاً ثم خرج.
“هُوُو.”
وبحسب ما أخبرتها به الكونتيسة، فإن التحقيقات في الخارج كانت قد بدأت بالفعل مع النبلاء والخدم المتورطين مع الإمبراطورة وأسرة الماركيز.
ولكي تصل النوبة إليها بعد المرور على الماركيزية، كان الأمر سيستغرق ما بين نصف شهر إلى شهر كامل.
وإن كان البقاء في الغرفة طوال تلك المدّة سيضيق صدرها، فقد مُنحت الإذن بالخروج للنزهة بين الحين والآخر، وذلك لم يكن أمراً لا يُطاق.
‘عليّ أن أعتمد الآن على رجالي لأداء أوامري كما ينبغي.’
منذ أن لاحظ روديان قبل ذهابه إلى ساحة المعركة حركة الأموال التي تدفقت إلى تينتان، كانت الإمبراطورة تمحو أثرها بسرعة فائقة.
وعندما عاد وليّ العهد وكارل من الحرب بعد أن انتهت، كانت قد تخلّصت بالفعل من كل الأدلة، فلم تستطع أن تخمّن ما الذي يمتلكونه الآن ضدها.
وصلها تقرير بأن تينتان قد تزعزع موقفها في الحرب، وأنّ معظم قنواتها الأساسية قُطعت بمقتل أو اختفاء أعضائها، حتى لم يبقَ لهم أثر. وكان الاحتمال أنها إمّا أن الملك هناك قد أخفى شيئاً بنفسه، أو أن التقرير نفسه كان مُحرّفاً بيد أسرة الدوق.
ابتسمت الإمبراطورة بلطف للخادمة التي راحت تمسح جسدها بعناية وحذر وهي تراقبها في كل حركة.
‘إن لم أجد من أستغله فسأصنعه بنفسي. لم يُنزع مني مقامي بعد، فلا بد لهؤلاء أن يظلوا حذرين في معاملتي.’
“آه!”
“أ.. أستميحك عذراً، هل آلمتك في موضع ما؟”
حين حركت الإمبراطورة ذراعها قليلاً عند ملامسة يد الخادمة، تحقق ما أرادته تماماً. إذ لم تتمكن الخادمة من تفادي ذلك، فخدشت أظفارها ذراع الإمبراطورة بخط رفيع أحدث جرحاً صغيراً.
شهقت الخادمة المذعورة وهي ترى الجرح، وأطرقت رأسها مرتجفة.
“لقد.. لقد أسأت التصرّف لغبائي، فكانت زلة مني.”
“لا بأس. حين يشتد التوتر قد تقع الأخطاء.”
“سأعجّل في إنهاء الأمر وأستدعي الطبيب حالاً.”
“لا حاجة إلى ذلك من أجل خدش بالكاد يُرى. فكّري أنني أجد في هذا فرصة لأستمتع بقليل من الراحة، فأعينيني على ذلك.”
ارتبكت الخادمة أمام وجه الإمبراطورة الهادئ حتى لم تعرف ماذا تصنع. لقد سمعت من قبل إشاعات تقول إن صاحبة الجلالة رحيمة متسامحة، حتى إذا أخطأ أحد لم تعاقبه بقسوة.
وكما قيل، فإنها اليوم عفت عن خادمة جرحت جسدها الإمبراطوري، مع أنّ مثل هذه الزلة قد تودي بها إلى الطرد أو حتى إلى قطع يدها. تأثرت الخادمة بذلك أيما تأثر، ولم تستطع أن تصدق أنّ هذه السيدة نفسها هي من يُشاع عنها أنّها دبّرت خيانة.
وقد لمحت الإمبراطورة في عيني الخادمة، التي كانت متحجرة الوجه طوال الوقت، بريق ودٍ عابر لم يخف عنها.
—
“ما الأمر؟”
كانت إيلينا عائدة إلى غرفتها في قصر الدوق بعد انتهاء تدريبها.
فحتى بعد انتهاء الحرب كانت تريد أن تظل في مساكن فرسانها، لكن بعدما أصبحت خطيبة كارل، وكُشف أمر كونها سيّدة السيف، لم يرضَ أحد ببقائها في مساكن الفرسان. لذلك منحتها أسرة الدوق غرفة في الطابق الذي يستخدمه أفراد العائلة.
وقبيل وصولها إلى غرفتها، رأت إحدى الخادمات اللواتي كانت تعرفهن تقف بوجه مرتبك تحمل رسالة، وهي تتردد أمام باب غرفتها.
“آه.. آنستي، لقد وصلني هذا الخطاب..”
لقد بات خدم أسرة الدوق الآن يعاملونها بالقدر الواجب لخطيبة الوريث، وصاحبة لقب بحد ذاتها. لكن الخادمة بدت وكأنها مترددة إن كانت تسلّم الرسالة لإيلينا أم لا.
“يبدو أنّ الخطاب موجّه إليّ. ما الأمر؟”
“أظن أنّه وصل بالخطأ.”
أجابت الخادمة بعينين دامعتين وهي تنظر إلى الخطاب بيدها، ثم إلى إيلينا. لقد أحضرته بطلب من صديقة تعمل في القصر، لكنها بدأت تشعر أنّه لا يجوز أن تسلّمه لها هكذا. وما كان ذلك إلا غلطة ناجمة عن ثقتها العمياء في صديقتها الطيبة التي لطالما ساعدتها.
“أليس موجهاً إليّ؟”
“بلى، لكنه لم يصل عبر القنوات الرسمية للأسرة، بل أُعطي لي مباشرة، ولهذا ترددت في تسليمه.”
تأملت إيلينا الخطاب في يدها، مترددة إن كانت تأخذه أم لا. فقد كانت في الآونة الأخيرة تتلقى سيلاً من الدعوات إلى الحفلات والتجمعات. وكان كارل يقول لها إن لا حاجة لأن تهتم بها، فيما نصحتها دوقة القصر وغلوريا أن تختار المناسب منها لبناء شبكة علاقات نافعة.
“بما أنه موجّه إليّ، فمن الأفضل أن أتحقق منه.”
“أعتذر يا آنستي.”
“لا أعرف من هو، لكن بلّغيهم من الآن فصاعداً أن يراسِلوا من خلال الأسرة لا عن طريقك.”
“نعم، آنستي. لن أقبل مثل هذه الطلبات الشخصية ثانية.”
شعرت الخادمة بالامتنان لإيلينا التي تجاوزت عن خطئها من غير أن تؤنّبها، فانحنت لها مراراً ثم انسحبت مسرعة من أمام بابها.
أما إيلينا، فقد كانت تتفهم موقفها، إذ هي نفسها اعتادت أن تتلقى رسائل متخفية في صورة دعوات، لكنها في حقيقتها طلبات شفاعة أو استعطاف. ومن الطبيعي أنّ الخادمة لم تستطع رفض طلب من شخص أعلى شأناً منها.
خشخشة..
دخلت إيلينا غرفتها وفتحت الرسالة.
“……يبدو أنّ للإمبراطورة من لا يزال يتعاون معها.”
لم تعلم إيلينا إن كان الخطاب قد وصل إلى الخادمة عبر يدٍ أخرى، لكن ما كُتب فيه هو أنّ الإمبراطورة ترغب في تبرئة نفسها من الظلم، كما فعلت مع بيانكا حين سوّت ما بينهما من سوء الفهم.
غير أنّ وضع الإمبراطورة مختلف، إذ كانت هناك أدلة حقيقية على دعمها المالي لدولة أجنبية، كما وُجد ضحايا تضرروا من أفعالها. وكان الإمبراطور مع أسرة الدوق يخفون أولئك الأشخاص لحمايتهم منها، وفي الوقت نفسه راكموا بهدوء أدلة كافية لإدانتها.
وبينما تقرأ إيلينا الرسالة التي امتلأت بإصرار الإمبراطورة على براءتها، أخذت تتساءل: كيف تمكّنت من إرسالها خفية بينما قصرها محروس بالفرسان؟
“لعل لقاءها مرة واحدة لن يضر.”
بعد حفلة الشاي التي جمعتها بالإمبراطورة، عمدت أسرة الدوق إلى اختبار كل أصناف الشاي واستبعاد ما يضر منها. ومع ذلك، ما تزال بعض الأكواب التي تصلها تحمل شيئاً غريباً في مذاقها.
‘يبدو أنّ هوسها بأسرة الدوق بلغ حدّاً عجيباً.’
قالت إيلينا وهي تنهض من مقعدها وتقرع الجرس تستدعي خادمتها الخاصة:
“فلأتهيأ للخروج إذن.”
كانت متشوقة لترى ما ستقوله الإمبراطورة، خاصة وهي تواصل دس السم لها. ‘ربما لو سقطت أمامها مغشيّاً عليّ لكان ذلك جيداً، وسأضيف إلى التهم عليها محاولة تسميم نبيلة.’
لكن ذلك الخروج أُحبط، إذ اعترض كارل بدموع حارة رافضاً أن يتركها تذهب.
—
“مولاي، هذا غير معقول! أنا إمبراطورة هذا الإمبراطورية، أيّ نقص يدفعني إلى ارتكاب فعل شنيع كهذا؟!”
وقفت الإمبراطورة أمام العرش بوجه متواضع الزينة وثوب هادئ.
كان الإمبراطور قد أمر بالنظر سريعاً في لائحة الاتهام التي رفعها دوق بيكمان، وما لبثت أخبار تلك المواجهة أن انتشرت في أرجاء الإمبراطورية. أما الذين ارتبطوا بها، فقد سارعوا إلى التبرؤ منها وإعلان براءتهم.
وبينما كانت تقترب من إتمام شهرها الأول في الإقامة الجبرية داخل جناحها، كان فرسان الإمبراطور يراقبونها هي وخدمها بدقة بالغة. عندها أدركت أنّ الرسالة التي كتبتها إلى إيلينا ربما لم تصل إليها، أو أنّها تجاهلتها عمداً.
وبعد طول تردّد، طلبت الإمبراطورة مقابلة مباشرة مع الإمبراطور. وقد استجاب على مضض، إذ أثار فضوله أن يرى إلى أي حد ستتوسل إليه.
“أما أنا فلا أستطيع الجزم. غير أنّ الدوق بيكمان وهيئة التفتيش قد قدّموا أدلة وافية ضدك. وإن صحّ هذا كلّه، فأنتِ، التي عشت بجانبي أعواماً طوالاً، لستِ أهلاً لأن تُعَدّي إنسانة.”
تمتم الإمبراطور بأسى، مسترجعاً في ذهنه دناءة ما نُسب إلى الإمبراطورة.
لقد كانت امرأة لا تعرف قيمة أي شيء. وإن كان يعذرها في شأن غيره، فإنّه لا يعذرها أبداً في شأن ولديها، روديان وأليزا.
‘لقد كنتُ أباً مهملاً، وما يجري الآن من عقاب إنما هو عقاب لي معها كذلك.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "175"