‘ماذا عليّ أن أفعل؟’
كان الفرسان يعلمون أنهم ملزمون بطاعة أوامر الإمبراطورة، لكنهم لم يجرؤوا على التحرك بسهولة.
“إلى متى ستعملين على تشتيت النقاش؟!”
صرخت الإمبراطورة وهي تحدّق بالفرسان المتردّدين، ثم صبّت غضبها على إيلينا. لم يكن للحاضرين أن يشكّوا في كونها المذنبة؛ كان لا بدّ من إلصاق التهمة بها وسلب الدوقية.
“كيف لفرسان أن يقفوا مكتوفي الأيدي من دون القبض على المجرم وهو بين أيديهم؟!”
اقترب الفرسان من إيلينا بخطوات متردّدة، إذ لم يسبق لهم أن حاولوا القبض على سيّد سيوف. أما هي فكانت تحدّق بهم وتتردّد بين أن تقتلهم أو أن تلتزم السكون.
“أخشى أن يتفاقم الأمر إن حاولت ردعكم، أليس كذلك؟”
“نعم، يا لويس. يبدو أن ثمة سوء فهم، فلو تفضّلتم بالتعاون نكون شاكرين لكم.”
وبمجرّد أن أصدرَت الإمبراطورة أوامرها، أبدى الفرسان حرصًا مبالغًا فيه وهم يطلبون من إيلينا التعاون.
—
دووم!!
“إيلينا!!”
اندفع كارل إلى الغرفة التي حُجزت فيها إيلينا، بعدما ركل الباب بعنف. عينيه المشتعلتان جالتا في المكان بحثًا عنها. كان في مقرّ الفرسان يؤدي عمله حين بلغه خبر اعتقالها بتهمة الشروع في قتل، فما تردّد لحظة حتى أسرع إلى هنا.
“هاهاها، تبدين مرتاحة جدًا.”
كان قد هرع مذعورًا يخشى أن تكون أصيبت بأذى، لكنه ما لبث أن أطلق تنهيدة ارتياح حين رآها ممدّدة على الأريكة في استرخاء، تتناول بعض الفاكهة.
مع أنه كان يعلم أنه ما من أحد يجرؤ على تهديدها سوى هو أو أبوها المركيز، إلا أن فكرة أن الإمبراطورة ربما حرّضت الآخرين على مضايقتها لم تفارقه.
وبالطبع، حتى لو كانت إيلينا قد فقدت أعصابها وتشاجرت مع أحدهم، فكارل كان واثقًا من قدرته على تسوية الأمر بالكامل. بل وربما كان الأمر أسهل لو أنّ الخصم هو الإمبراطورة نفسها.
“لقد منحوني غرفة مريحة على غير توقّعي. كنت أظن أنهم سيجرّونني مباشرة إلى السجن.”
“إيلينا ليست فقط سيّدة سيوف بل تحمل لقب الكونت أيضًا، وهي ابنة مركيز. لا يمكن أن تُزجّي في سجون تُخصَّص للمجرمين.”
ابتسمت إيلينا وقد ارتسمت على محيّاها لمحة اعتذار حين رأت في وجه كارل قلقه الصريح.
جلس كارل عند قدميها حيث كانت ممدّدة على الأريكة، فجمعت ساقيها فوقها. وبدت مطمئنة تمامًا تحت البطانية الناعمة.
“الوضع صار غامضًا قليلًا.”
“من فعل هذا؟ الإمبراطورة؟”
“كلا، الآنسة بيانكا ساينز.”
“إذن هي التي تجرّأت على هذا.”
ارتسمت كراهية عميقة في عيني كارل.
“لقد دأبت على مضايقة كل فتاة يطالها نظري. والآن بعد أن أعلنت عن زواجي، يبدو أنها تحاول عرقلة الأمر بكل وسيلة.”
مدّت إيلينا يدها وعبثت بشعره المصفف، فيما غاص وجهه في ندمٍ لأنه لم يتصرّف معها بحزم أكبر من قبل.
“يقال إن نيل الحسناء يجلب الغيرة. والفارس الشجاع هو من يحوز قلبها، وأنا لم أكن شجاعة فحسب، بل قوية كذلك.”
“وهنيئًا لي إذ وقع عليّ اختيار الشجاعة نفسها. هذا يطمئن القلب.”
ضحك الاثنان بخفة. قبل قليل فقط كان ذهن كارل يضجّ بالخطط عن كيفية معالجة هذه الورطة، لكن كلماتها جعلت قلبه يسترخي. لقد أيقن أن شجاعته ستعينه كثيرًا.
“جرأتك وهدوؤك، عمّن ورثتهما؟”
“ولِمَ تسأل فجأة؟”
“أظنني بدأت أفهم سبب تذمّر السير ديريك المستمر.”
فتحت إيلينا عينيها الضيّقتين تحدّق بكارل باستفهام، كأنما تسأله بنظرة: ‘ما الذي قاله أخي هذه المرة؟’
“هاهاها، ليس أمرًا مهمًا. كان يقصد فقط أنّه مهما وقع من مشاكل خطيرة، فإن ظهورك يجعلها تُحلّ بسهولة وبساطة.”
“ليست سهلة ولا بسيطة. أنا فقط أبحث عن ما أستطيع فعله ضمن حدود قدراتي.”
“أعلم. عذري إن كنتُ قد اختصرت القول، لكنني أقصد أن أكثر القضايا تعقيدًا وإزعاجًا تبدو سهلة حين تكونين حاضرة. أظن هذا أحد أعظم مزاياك.”
كان كارل يرى في إيلينا إنسانة تبذل جهدها دائمًا. لم تكن تُغرق كلماتها بالتعابير كما يفعل الآخرون، لكنها لم تُخفِ قط أفكارها ولا مشاعرها. وكلّما واجهت مشكلة، اجتهدت في حلّها بما تملكه من قوة.
“وما لا أستطيع فعله أطلب فيه العون من الآخرين. ألم أستدعِيكَ أنتَ على الفور؟”
“صحيح. شكرًا لأنك تذكّرتِ ما أوصيتك به.”
أمسك كارل يدها بلطف. لم تحاول أن تواجه الأمر وحدها، ولم تخضع لمطالب الإمبراطورة، بل استدعته في الوقت المناسب. لهذا شعر أنّ الأمور ستُحل بسلاسة، رغم أن الوضع لا يزال صداعًا بحد ذاته. وكان قد علم قبل مجيئه أنّ أحدًا لم يُصب بجراح خطيرة، وأن محاولة القتل لم تُسفر سوى عن خدش صغير في يد بيانكا ساينز.
“لنعد إلى القصر الآن.”
“لكنني قُبض عليّ في مسرح الحادثة، فهل يُسمح لي بالعودة؟”
“لا يمكن احتجاز كونتيسة دون أدلة قاطعة. صحيح أنك أُمسكتِ هناك، لكن اللقب يمنحك حماية ما، شرط أن تراهنِي بشرفك النبيل.”
هزّت إيلينا رأسها متفهّمة.
“شرف اللقب… ربما كان عليّ أن أقتلها قتلًا مؤكدًا.”
“كلا. سأُنهي أمر الإمبراطورة والماركيز أيضًا، لكن ليس الآن.”
أربكته نبرة الندم الثقيلة في كلامها، حتى كاد يلمس السبب الذي جعل آل لويس يخشون على العاصمة من شقيقته. لم تكن إيلينا ممن يبطش بالآخرين عبثًا، لكنها إن آمنت بفكرة مضت فيها بجرأة لا تعرف التردّد.
“في النهاية، هذه معركة بينك وبين الدوقية. سأتصرف بما يخدمكما، فلستُ حرّة في فعل ما يحلو لي.”
غمزت إيلينا بعين واحدة كأنها تُبدّد ثقل ما سبق، فتنفّس كارل بارتياح وهو ينهضها من مقعدها.
“غدًا سينتشر الخبر في كل العاصمة.”
“لا تقلقي. لن يصدق أحد أنك اقترفتِ ذلك. الأمر بدا عارضًا، وسمعة آل ساينز ليست نظيفة أصلًا.”
“ستُحاول الإمبراطورة جرّي إلى المحكمة، أليس كذلك؟”
“لن تفوّت هذه الفرصة بالتأكيد.”
“إذن، سأرفع دعوى على جلالتها بتهمة تلفيق التهمة لامرأة بريئة.”
ابتسم كارل ابتسامة عريضة. كان هذا بالضبط ما فكّر فيه لحظة سمع بخبر القبض عليها.
“سنبدأ التحضير حال وصولنا إلى القصر.”
“سأعتمد عليك وحدك، كارل.”
“ما رأيك أن تعودي متكئة على صدري؟” قالها بلهجة يملؤها الترقّب، وعلى وجهه بريق من المزاح.
“أتظنهم سيصدّقون أن سيّدة السيوف أُصيبت بصدمة بسبب حادث مفاجئ؟”
“الناس أضعف مما تظنين أمام ما يرونه بأعينهم.”
“بمثل هذا السبب التافه؟”
“إن عدتِ متكئة عليّ، سيظنّون أنّك قوية، نعم، لكنك ما زلتِ سيّدة نبيلة تخوض أوّل تجاربها في مجتمع العاصمة، فكان أن أصابك سوء الفهم ذاك بصدمة.”
تلاقت عيناهما بلمعان ساخر، وضحكتاهما انحنتا معًا. شدّ كارل ذراعه حول خصرها، فيما وضعت إيلينا كفّها على صدره وأرخَت جسدها في حضنه، حتى بدا المشهد طبيعيًا وكأنها غارقة تمامًا بين ذراعيه.
وأخذا يُصلحان هيئتهما أمام المرآة، باحثَين عن وضعية مريحة، وفي الوقت نفسه أكثر حميمية.
“إن كانت قد أغوت الناس بدموعها، فلا شيء يمنعنا من استخدام السلاح نفسه.”
“ليست لديّ موهبة في التمثيل، لذا سأعتمد عليك وحدك يا كارل.”
تبادلا ابتسامة قصيرة، ثم طبع كلّ منهما على شفتي الآخر قبلة خفيفة قبل أن يفتحا الباب ويخطوا إلى الخارج.
“آه!”
“يا إلهي…”
غصّت أروقة القصر بأصوات الدهشة. فما إن شاع خبر محاولة سيّدة السيوف الجديدة ــ كونتيسة لويس ــ قتل آنسة آل ساينز، ابنة أخ الإمبراطورة، حتى ظهر بطلا الشائعة بملامح جادّة.
“لم أرَ السير بيكمان بهذا الشكل من قبل.”
كان الفرسان يحيطون به من كل جانب للحراسة، فيما كانت الكونتيسة لويس تكاد تتهاوى في صدره، يسندها بصعوبة وهي تسير مترنّحة في الممر الطويل. كان بيكمان لا يكفّ عن إظهار القلق والأسى وهو يعضد خطيبته المرهَقة.
وكان يبدو كأنّه يهمس شيئًا في أذنها، لكن صوته المنخفض لم يصل إلى مسامع الواقفين على البعد. بدت في ثوب سهرة زاهٍ، إذ قيل إنها حضرت حفل الإمبراطورة، فجذبت الأنظار بجسدها النحيل وأناقتها اللافتة.
“أتُرى معقول أن تتأثر سيّدة السيوف لمثل هذا الحدّ؟”
“هل هي فعلًا سيّدة سيوف؟”
“حتى لو كانت، فهل يعقل أن تحاول قتل أحد عبثًا؟”
“يصعب التصديق أن امرأة بهذا النحول هي سيّدة السيوف أصلًا.”
كان كارل يطوّق خصرها بذراع قوية تكاد ترفعها عن الأرض، فيما توارت ملامحها خلف شعرها المبعثر، وقد دفنت وجهها في صدره.
“رأيتها في إحدى الحفلات من قبل، لم تبدُ شريرة على الإطلاق.”
“ربما كانت الآنسة بيانكا هي من استفزّتها؟ هذه السيدة لم يمضِ على مجيئها من الحدود وقت طويل، وهي لا تعرف دهاليز العاصمة بعد.”
بدأ الحاضرون يتداولون التكهّنات بشأن محاولة القتل، وأبصارهم تلاحق الزوجين حتى خروجهما من القصر.
“آل ساينز دائمًا يتظاهرون بالبراءة، لكن لا تنقصهم الدسائس. لقد سمعنا شائعات غريبة عنهم من قبل.”
تبادل الخدم النظرات الموحية، فيما وقف بعض النبلاء الذين جاؤوا ليتقصّوا الخبر يتأمّلون ظهر كارل وهو يبتعد. لم يلبثوا أن استدعوا الخدم الذين شهدوا الموقف، ففتحت لهم أكفّهم بالذهب ألسنةً صافية، وسرد الخدم ما شاهدوه بالتفصيل.
وما إن وصلت العربة التي ستقلّهما، حتى كان الخبر الذي بدأ في جناح الإمبراطورة قد انتشر في القصر بأسره:
“يقولون إن جريمة قتل وقعت في جناح الإمبراطورة!”
“كلا، بل محاولة قتل فاشلة!”
وسرعان ما شاع أنّ الجانية هي إيلينا نفسها، وأنها حُبست داخل قصر الإمبراطور. وتناقل الناس تفاصيل دخول السير بيكمان مسرعًا إلى الغرفة حيث كانت خطيبته محتجزة، والمدة التي قضاها معها، ثم المشهد المفعم بالعاطفة حين خرجا معًا أمام الأنظار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "164"