لم يكن في وسعه أن يشرح الخطوات بالتفصيل، لكن المؤكد أنّ الحرب قد انتهت حقاً. وما تبقّى فهو شأن يضطلع به وليّ العهد الذي حضر بصفته القائد العام.
عزم كارل على أن يغتنم هذه الفرصة ليظفر بإجازة طويلة المدى.
“انتهت الحرب، ولم يبقَ سوى أن نعود ونعقد خطبتنا.”
قال كارل بصوت يفيض ترقّباً. فإيلينا تُعَدّ الركيزة الكبرى في هذا النصر، ولهذا بدا واثقاً أنّه، كما وعد روديان من قبل، سيُتاح لهما أن يستعيرا أضخم قاعة احتفالات في العاصمة لإقامة المأدبة دون عناء.
“وماذا عن إذن والدي؟”
“آه، بحق … ألى هذا الحد؟”
تدلّى وجه كارل بأسى وهو يسند رأسه على كتفها.
“إيلينا، سأجعلكِ سعيدة ما حييت.”
“بل لنكن سعداء معاً.”
“نعم.”
ارتسم البشر على وجهيهما وهما يتبادلان النظر.
“ماذا تفعلان وسط ساحة المعركة؟”
قال روديان، وهو يراقب وهو يدير عمليات التنظيف في الميدان، وقد أطلق لسانه زفرة استهجان. فالفرسان والجنود يتنقّلون حولهما على مقربة، ومع ذلك ظلّ كارل وإيلينا غارقَين في عالَمهما الخاص لا يريان سواهما.
وخطر لروديان وهو يبتسم: ‘أيُعقل أن يكون المرء بهذا القدر من السعادة؟’ ثم لم يلبث أن تذكّر حبيبته في العاصمة فارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية.
“أليس هذا أجمل وقت في حياتهما؟”
“بلى، هو كذلك.”
ضحك روديان ملء قلبه لِما سمع. لقد عثر أخيراً على ذريعة يتندّر بها على ابن عمّه طوال العمر. بل إنه عقد العزم أن يخبر والده بذلك عند عودته.
وفيما كان روديان يحيك خططه الماكرة، اقترب كارل وإيلينا وهما متشابكا الأيدي.
—
“ماذا قلت!؟”
وثبت الإمبراطورة من مجلسها عندما بلغها خبر النصر. الأمر بحد ذاته لم يكن غريباً، فقد كانت واثقة أنّ جيوش الإمبراطورية ستظفر لا محالة. لكن ما أعقب ذلك هو ما أقلقها.
“يقولون إن جيش الإمبراطورية حقق نصراً ساحقاً، وإن ملك تينتان لقي حتفه في الحرب.”
“يا للغبيّ!!”
لقد أمرته أن يكتفي باستفزاز العدو، فمَن قال له أن يُلقي بنفسه إلى التهلكة!
إحمرار وجهها كان يشي بالغليان في صدرها، فقد تبخّر في الهواء مالها الذي أنفقته كدمٍ مسفوح.
“استردّوا فوراً الأموال التي استثمرناها في مملكة تينتان.”
“يا… يا مولاتي، هذا غير ممكن في الوقت الراهن.”
قال أحد أتباعها بحذر وهو يتلمّس وقع كلماتها. فموت الملك ومعه خاصّته من رجالات البلاط جعلهم بلا وسطاء ولا سبل اتصال.
ثم جاءتهم الأخبار أن وليّ العهد الذي استعاد السيطرة على هيرون قد بدأ بالفعل التقدّم السريع نحو مملكة تينتان. بل الأرجح أنّه سيبلغ عاصمتها قبل أن تُتاح لهم فرصة سحب أموالهم.
وقف التابع حائراً: ‘كيف أبلّغها بهذا دون أن أصبّ الزيت على النار؟’
فهي أصلاً قلّصت موارد الدعم التي تمنحها لأعوانها، حتى صار التحرّك عسيراً. ثم إنّ النبلاء الذين كانوا يُظهرون لها الود ويمدّونها بالنفقات أخذوا ينفضّون عنها واحداً تلو الآخر، كما نقل له جواسيسه.
“ما معنى هذا؟ ألم يبقَ لنا خيط نرتبط به داخل المملكة؟”
انطلقت صيحتها حادّة، فهي لم تتخيّل هكذا خاتمة. فذلك الملك التافه ابتلع ذهباً يعادل عشرات الصناديق الكبرى بحجّة تطوير الغولِم!
“يقولون إن وليّ العهد نفسه يتقدّم الآن نحو عاصمة تينتان.”
“روديان؟ إلى تينتان؟ أهو إعلان حرب مفاجئ، حرب احتلال؟”
كانت شؤون الحدود خاضعة لرقابة صارمة من الإمبراطور نفسه. بل إن ما سُرِّب منها قد خرج عمداً. فالإمبراطور وروديان كانا يديران الأمر في هدوء، ثم ما إن لاح لهما أن ابتلاع تينتان بات وشيكاً حتى أفرجا عن بعض الأخبار شيئاً فشيئاً، وهو ما التقطه أتباع الإمبراطورة.
“نعم يا مولاتي. لقد رفع إلى جلالته التماساً بأن يغزو تينتان باسم الإمبراطورية.”
جمد لسان الإمبراطورة حين سمعت ذلك. كان ما يحدث من فعل ابنها. طالما مهّدت له الطريق لتذليل كل تهديد في سبيل أن يعتلي العرش. حتى بسطت يدها على تينتان إنما فعلته من أجله. لكن ها هو يهدم بيديه ما صنعته لأجله. مع أنّ الحقيقة تقول إن غزو تينتان كليّاً سيكون مكسباً أعظم.
تينتان نفسها لم تكن تعنيها كثيراً، لكن عينيها أظلمتا بريقاً وهي ترى حلمها بوليّ عهد مثاليّ يختلّ. لم تحتمل أن تنحرف خططها عن الكمال. فهي لا بد أن تكون كاملة، وكذلك كل ما تمضي فيه.
‘يا وليّ العهد، أتراك تعاند أمّك؟ لا… إنّ كل شيء سببه الإمبراطور.’
ارتشفت الإمبراطورة من الشاي الذي سكبتْه لها زوجة الكونت. راق لها عبير الأعشاب المنعش وهو يسكّن اضطرابها.
“أحضري السم الذي أمرتُكِ به من قبل.”
قررت أن تمنح ذلك الرجل عديم الفائدة آخر لمسة من الرحمة. فإن لم يَرُق لها الإمبراطور الحاضر، فلتُبدِّله أبكر مما خُطِّط له. فمهما يكن، روديان هو الإمبراطور القادم. وابنها الطيّب لن يجرؤ يوماً على التخلّي عنها، إذ نشأ قلبه رقيقاً منذ صغره.
“مولاتي، لم نتمكّن من شراء المكوّنات بسبب عجز في المال.”
“أليس في وسعكم استخدام أوراق اعتماد أسرة المركيز؟”
“لقد منعت الأسرة التعامل بأوراقها مؤخراً. سبق أن رفعت تقريراً بهذا، إذ قيل إن أحد مشاريعهم تضرّر كثيراً، فصار تدبير السيولة عندهم عسيراً.”
“سأخاطب أخي بنفسي.”
“إذن سننتظر أوامركم.”
قال التابع ذلك وانسحب. وما إن غاب عن ناظريها حتى عضّت الإمبراطورة على شفتها.
‘إذن أنتم عازمون على خذلاني.’
كان شكّها هذا يساورها منذ سمعت أن بيت المركيز يتهاوى. فعلى الرغم من صعوبة الظروف المالية، كان شقيقها لا يتخلّى قط عن تزويدها بما تحتاج. غير أنّ حركاته الأخيرة أثارت ريبتها، حتى بدا لها أنه قبض بيده ورقة أقوى من يدها.
لقد نهضت العائلة بفضل جهدها وسلطانها، فكيف يجرؤون على خيانتها؟ لن تغفر لهم ذلك أبداً.
“لا… لستُ أنا من يُلقى به جانباً، بل هم. وأحقُّ بهم أن يُقصَوا لا أنا.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة غامرة.
“أظنّ أنّ فراسة أخي قد خبت كثيراً. أما ابن أخي الذكي، فقد تبيّن أنه أصلحُ مما يظن.”
“بلى يا مولاتي. فتيانُه ورثوا دهاءكم منذ الصغر.”
قالت زوجة الكونت المنحنية بعمق.
“لن يكون ثمة بأس إن حملته على أن يتسلّم مكانه أبكر مما توقّع.”
“قد يحزن قليلاً، لكن بما أنّه فتى لامع فسوف يتكيّف بلا ريب.”
“أجل. وقد ذكر أخي مؤخراً أنه يتوق إلى الراحة… فخيرٌ أن ينزل إلى إقطاعيته ليستجمّ هناك.”
“كما تأمر مولاتي.”
أشرقت ملامح الإمبراطورة وهي تصدر أوامرها.
—
أما جيش الإمبراطورية الذي كان روديان يقوده، فقد اندفع بلا هوادة يبتلع أراضي تينتان…
تقدّم جيش الإمبراطورية الذي كان يقوده روديان بلا هوادة في اجتياح أراضي تينتان. فما من إقطاعية استطاعت الصمود أمام قوتهم الساحقة.
لم يكن روديان وقادته بحاجة حتى إلى وضع خطط مفصّلة؛ كل ما فعلوه هو التقدّم للأمام فحسب. ومن جهة الحدود الأخرى، كان الجيش الإمبراطوري الذي انطلق من لويس يتوغّل بدوره ويستولي على أراضي تينتان واحدة تلو الأخرى.
انتشر خبر مقتل ملك تينتان في هيرون وهزيمة جيشه انتشار النار في الهشيم. ورغم أنه لم يكن سوى ابن غير شرعي، إلا أن سقوط الملك الذي كان يحمل الشرعية قد أفقد نبلاء تينتان مركزهم الجامع. فكثير منهم رفع الراية البيضاء سلفاً وأعلن استسلامه.
أما النبلاء الذين أبدوا مقاومة، فقد سحقهم جيش الإمبراطورية سحقاً. وكان روديان يأمر بقطع رؤوس كل من تجرّأ على المقاومة، كي لا تقوم لاحقاً فلول تمرّد على حكم الإمبراطورية.
وفي المقابل، وعد أولئك الذين استسلموا طوعاً بأن يدمجوا في سلك نبلاء الإمبراطورية. وهكذا لم يبالوا إن تغيّرت رتبهم قليلاً ما داموا محفوظي المكانة تحت راية أعظم إمبراطورية.
“ها نحن نقترب من العاصمة.”
قال روديان وهو يحدّق بعينين متأملتين في أسوار المدينة التي تنتصب في قلب عاصمة تينتان. لقد اخترقوا الأرض باندفاعة لم تواجه عائقاً، حتى إنهم بلغوا العاصمة في أقل من شهر.
لم يخفِ روديان ابتسامته الراضية، وهو يشعر بالرضا عن نفسه بفضل رجاله الأكفاء الذين وسّعوا حدود الإمبراطورية.
والحقيقة أن ما فعله هو بنفسه لم يكن كثيراً؛ فغالبية الإقطاعات كانت ترفع الراية البيضاء بمجرد أن يخطو نحوها. ثم ما عليه إلا أن ينتظر فرسانه يتأكدون من أمن الداخل، ليدخل ممتطياً جواده في موكب المنتصر.
“لا بد أن تدفع لي ثمن استغلالك لي.”
قال كارل بوجه متجهم.
“استغلال؟ لقد أنجزنا العمل معاً. لو وصفتَ ما فعلناه بذلك فلن يسعدني الأمر.”
ابتسم روديان وهو يربّت على كتف ابن عمه. كان كارل قد أصرّ بعد انتهاء المعركة على العودة فوراً إلى العاصمة كي يبدأ بالتحضير لخطوبته، غير أنّ روديان تشبّث به ولم يدعه يذهب. قال له إن الرجل إذا قال كلمة فعليه أن يفي بها، ألم يكن هو نفسه من وافق على إكمال حملة تينتان؟
في الواقع، كان روديان قادراً على إتمام الغزو وحده، لكنه رفض التخلي عن كارل. وبرغم معارضة كارل الشديدة، لم يستطع الصمود أمام ابتسامة إيلينا وحديثها الهادئ: “لنذهب معاً.” فما كان منه إلا أن رضخ وسار معهما.
“لم أكن راغباً كثيراً في هذه المرافقة.”
قال كارل متذمراً.
“لكن متى سنحظى بفرصة أخرى لنمضي رحلة طويلة معاً كهذه؟ يسعدني أنك رافقتنا إلى تينتان.”
ضحك روديان بخفة وربّت على كتفه. لم يملك كارل إلا أن يبتسم بدوره.
كان روديان على حق. ما لم تقع حرب أخرى في حياتهما، فالأرجح أن يقضيا بقية أيامهما في العاصمة، حيث يولدان ويعيشان ويموتان. قد يخرجان في إجازات قليلة، لكن ليس أكثر.
“لقد كان من حسن الحظ أن الأمور سارت على ما يرام.”
“صحيح. ثم يجب أن أهنّئ إيلينا على أن آل لويس صاروا بيت مركيز.”
“سأتولى أنا إبلاغها.”
فور أن علم روديان بأن إيلينا بلغت مرتبة سيّدة السيف، أرسل رسالة عاجلة إلى الإمبراطور بنفسه. إذ أن اقترانها بكارل يعني أن الإمبراطورية ستملك زوجين من سادة السيف في صفوفها.
وما إن بلغ الخبر الإمبراطور حتى همّ أن يمنحها لقب “كونت”، لكن روديان أقنعه بأن يجعلها “ماركيزة” بدلاً من ذلك، بعد أن استجاب لالتماسات كارل وهمسه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "152"