لم يستطع كارل أن يتفوه بكلمة، فاكتفى بالاستدارة نحو سيدن، ولوّح بسيفه المغلف بالأورا استعداداً لامتصاص الصدمة. كان واثقاً أنّ ملك تينتان سيلقى حتفه في الانفجار، لذا لم يكن هناك داعٍ لإنقاذه.
لكن قوة الموجة كانت أضخم مما ظن، فزاد من إحكام الأورا حول سيفه، وهيّأ نفسه لدفعها إلى الأمام كي يخفف من اندفاع الانفجار إلى الخلف. كان يؤمن أنّه حتى لو مات، فلا بد أن ينجو روديان. ارتسمت على وجهه ابتسامة مرة وهو يغمغم في نفسه: ‘أحسنتَ السرعة يا كارل.’
دوّى صوت مهول. اهتز الهواء كالرعد وكأن الفضاء نفسه قد تمزق.
انطلقت طاقات المانا المكثفة تتفجر في كل اتجاه، وفي اللحظة نفسها اندفع كارل بسيفه، يطلق شفرات من الأورا لتشتيت القوة. أما ما لم يستطع صدّه فقد استقبله بجسده، محاولاً دفع الموجة إلى الخلف قدر المستطاع.
ملك تينتان لم يسعفه الزمن حتى ليردّ؛ فجسده تمزق وسط الانفجار. وداخل كارل تسلّل شعور قاتم بأنّ جسده قد يلقى المصير ذاته، فتابع حركته بإصرار، محاولاً إيقاف الموجة المتفجرة.
“آآااه! تراجعوا أكثر للخلف!!”
صرخ أحدهم، فيما راحت ذراع كارل تتحرك أسرع فأسرع. الأورا المندمجة مع إرادته اندفعت في كل اتجاه لتبطل الصدمة.
لم يجد وقتاً حتى ليفكر في إيلينا. كان يضرب بسيفه وسط دوامة الانفجار دون وعي، والأورا التي أطلقها اصطدمت بجزء من المانا المنفجر فمزقته. شيئاً فشيئاً أخذت حدة الموجة تتراجع، وسرعتها تتباطأ، وكأن الانفجار يذوي.
وعندما خبت تلك القوة التي كادت تبتلع نصف ساحة المعركة، أغمض كارل عينيه لبرهة يتلمس الرياح حوله، ثم فتحهما ببطء.
‘كيف انتهى بهذه السرعة؟’
وما إن رفع بصره حتى رآها. إيلينا كانت واقفة في موضع ملك تينتان، ساكنة، سيفها متدلٍ وعيونها مغمضة. بدت في هيئة غير مألوفة تنذر بالخطر.
أراد أن يتحرك نحوها، لكن المانا المتدفقة في جسده كبّلته تماماً، حتى أصابعه عجزت عن الحركة. حاول أن ينطق باسمها، فاكتفى بفم مفتوح دون أن يخرج صوت.
ارتعش جفنه فجأة تحت وطأة الاضطراب الذي دبّ في جسده.
الجنود الذين كانوا منكفئين على الأرض خوفاً من الانفجار، رفعوا رؤوسهم بحذر حين ساد الصمت. نظروا حولهم وقد أدركوا أنّ من كانوا في نطاق الموجة لقوا حتفهم.
“آااه!!”
“لقد نجونا… نحن أحياء!!”
كانت الأجساد قد تبخرت بلا أثر، لكن ما دام الانفجار قد توقف، تعالت صيحات الناجين بالفرح. تعانق الجنود بلا تفريق بين عدو وحليف، يشاركون بعضهم لحظة النجاة.
لكن كثيرين، حتى من ابتعدوا مسافات، سقطوا صرعى جرّاء الشظايا المتطايرة من المانا. أما من ظلوا أحياء، فقد انهمرت دموعهم وسط الضحكات، وقد غمرتهم رهبة النجاة من كارثة لم يعايشوها من قبل.
أغلب الجنود لم يعرفوا طبيعة المانا، لكنهم شعروا بقوة طاغية تقترب من إفنائهم. وما إن تبددت فجأة حتى زال الرعب عنهم دفعة واحدة.
تساقطت الأسلحة من الأيدي واحداً تلو الآخر. رنّت رنات السيوف والحراب وهي تصطدم بالأرض في أرجاء الساحة.
حتى الفرسان تنفسوا الصعداء وأسقطوا سيوفهم. أما النخب منهم فقد أحسّوا بوضوح أنّ الجدار الذي حال بينهم وبين تلك القوة الخارقة قد بدأ يتشقق، وحاولوا أن يحفظوا في ذاكرتهم أثر المانا الذي بقي يهتز في أجسادهم.
وبينما التقط الناس أنفاسهم، بدأت أنظارهم تتوجه نحو كارل. هناك، أمامه مباشرة، كانت إيلينا واقفة وحدها. ومع استمرار سكون الاثنين، ارتاب فرسان لوبريان، فسارعوا للتحقق مما أصابهما بعد أن أوقفا ذلك الانفجار.
“آآااه!”
“آه!”
وما إن اقترب الفرسان من الاثنين، حتى انبعث من جسدي كارل وإيلينا نور هائل. فظن الناس أنه انفجار ثانٍ، فانخفضت أجسادهم إلى الأرض مرعوبين. لكنّ الضوء ظل يشعّ دون أن يتبعه أي أثر للصدمة.
“ها؟”
لم يحدث شيء. فتجرأ الجنود على رفع رؤوسهم من جديد، وأعينهم تبحث عن مصدر ذلك البريق، لتستقرّ على الاثنين الواقفين في مركز الانفجار.
“مذهل.”
قال ولي العهد وهو يحدّق بهما. ولم يكن وحده، إذ هزّ المحيطون رؤوسهم إعجاباً.
“كأنهما كسرا حاجزاً آخر.”
تمتم أحد الفرسان المرافقين لولي العهد وقد امتزج صوته بالرهبة والدهشة.
كان جسدا كارل وإيلينا يشعّان بأورا ذهبية تتدفق منهما، في مشهد أشبه بظهور كائن نزل إلى الأرض بسطوع عجيب وجلال مبهر.
“لقد كسبت الإمبراطورية جوهرة أخرى.”
قال ولي العهد وهو يوجه بصره إلى إيلينا لا إلى كارل، فوافقه الفارس القريب منه.
“سمعنا أنّ آل الدوق يفاخرون بوجود نوابغ لديهم، لكن لم يخطر لنا أن تكون بينهم موهبة بهذه العظمة.”
“وكأن كل النوابغ يُجذبون إلى بيت الدوق.”
تذمّر روديان قائلاً ذلك، لكنه كان يعلم الحقيقة: كم ينفق بيت الدوق من الأموال سنوياً ليجتذب الكفاءات!
وكان في نيته، إذا ما صار هو الإمبراطور، أن يطبّق شيئاً من تلك السياسات في العاصمة. والده بدوره جرّب عدة وسائل لجمع الموهوبين، لكنه ما لبث أن اصطدم برفض النبلاء، فلم يتمكن من دفع الأمور إلى حدّ بعيد.
أما روديان، فقد عقد العزم من الآن، وهو ولي العهد، أن يختار بنفسه رجاله ويعينهم في المناصب الكبرى. بل خطّط أيضاً لتوظيف أصحاب الكفاءة من العامة، وقد بدأ بالفعل بدعم بعضهم ليواصلوا دراستهم ويعاونوه في مهامه.
“على جيش تينتان أن يستسلم. من يسلّم نفسه سيُعفى.”
انتهز ولي العهد سكون المعركة فأطلق أمره. وكانت الأسلحة قد تساقطت من الأيدي بالفعل. بدا واضحاً أنّ النصر قد حُسم للوبريان.
بدأ جنود تينتان يجثون على ركبهم واحداً تلو الآخر. حتى فرسانهم، وقد رأوا الأورا الذهبية تتدفق من الاثنين، فقدوا إرادة القتال. وسرعان ما أخذت المعركة طريقها إلى الحسم تحت إمرة ولي العهد.
في تلك الأثناء كان كارل يتفقد حال جسده.
‘إنه خفيف… أخف بكثير مما كان.’
لقد اخترقت المانا جسده حين انفجرت الأداة السحرية، فاهتز داخله وقتاً ثم استقرت وصارت جزءاً منه. فتح عينيه بدهشة، فرأى إيلينا تنظر إليه بابتسامة رقيقة وقد استعادت وعيها.
“هل أنت بخير؟”
“في أحسن حال.”
أجاب كارل، ثم خطا نحوها بخطوات واسعة، وأمسك يدها فجذبها إليه بقوة، فاندفعت خفيفة في أحضانه.
ألقت إيلينا سيفها وأحاطت خصره بذراعيها. وعندما شعرت بدفء حضنه المألوف، أحست أن الأمر قد انتهى حقاً. من حولهما كان الجنود ينفذون أوامر ولي العهد وينظمون صفوفهم.
“الحمد لله أنك لم تصابي بأذى.”
قال كارل بارتياح، ثم طبع قبلة على جبينها. فضحكت إيلينا بخفة.
“لكنني في حال يرثى لها، أما ترى؟”
“آه… عندما سمعت أنهم خطفوكي إلى تينتان، كدت أختنق من الخوف.”
ابتسمت إيلينا بخجل وقد أدركت ما طرأ على جسدها، فأحاطها كارل بذراعيه بقوة أكبر كأنه يريد أن يخفيها بين ضلوعه.
“الدرع صلب ويضايقني.”
“هاهاهاها! أجل… هذه هي إيلينا التي أعرفها حقاً.”
تفتّت صوت التأثر كما لو تحطّم زجاج رقيق. أرخى كارل ذراعيه عن إيلينا ثم رتّب ثوبها بعناية. وبعد أن نزع قفازيه، مدّ يده إلى خصلات شعرها المبعثرة وأخذ يمشّطها بأصابعه الطويلة، نازعاً الدبابيس العالقة بين ثناياها. ثم جمع الشعر بأكمله وربطه على هيئة واحدة أنيقة.
تأمل وجهها بعد أن فرغ، وابتسم بخفة راضياً عن صنعته.
“أشعر أنك أصبحتِ أقوى، أليس كذلك؟”
وقفت إيلينا ساكنة بينما يهتم بشعرها، تفتش في أعماق جسدها عن التغيّر الذي طرأ. الأورا الذهبية التي فاضت منها بسطوع قبل قليل، كانت الآن مستقرة في داخلها، مروَّضة تماماً.
ولو أرادت المبالغة، لقالت إنها الآن قادرة على فعل أي شيء. كانت تحسّ بالحياة من حولها نابضة متحركة في كل ذرة. في هذه اللحظة تحديداً، راودها شعور بأنها قادرة على التقدّم حتى عمق تينتان وضمّها إلى أراضي الإمبراطورية.
“أقوى قليلاً؟ بل أقوى بكثير. أظن أنّ كثيراً من الفرسان سيكسرون حواجزهم بعد ما حدث.”
قال كارل وهو يلقي نظرة على الفرسان المنشغلين بإعادة تنظيم الساحة. لم يكن يدرك تماماً أي أثر تركته الأداة السحرية، لكن المانا العاتية التي كانت على وشك تمزيق كل شيء، ما لبثت أن هدأت بعد أن أوقفتها إيلينا، ثم تسلّلت بهدوء إلى أجساد من حولها.
“كيف فعلتِ ذلك؟”
“لا أعرف حقاً.”
استرجعت إيلينا تلك اللحظة العاصفة. الهواء كان يهدر ويرجّ، والفضاء يرتجف كصفحة ورق تتمزق. لوهلة شعرت وكأن الزمن والهواء قد تجمّدا، ثم اجتاحها فيض هائل من المانا.
رأت كارل يقف وحيداً في وجه الانفجار، يطلق الأورا ليصدّه. عندها، لم تختر أن تواجه مثلما فعل هو، بل قررت امتصاص المانا وركوب تيارها حتى تصل إلى منبع الانفجار وتوقفه من الداخل.
“تقبّلت المانا المتدفقة، وسرت مع تيارها حتى وصلت إلى نقطة البداية… وهناك أوقفت الانفجار.”
“همم؟”
نظر إليها كارل بدهشة. لم تستطع أن تصارحه بالحقيقة كاملة؛ بأنها شعرت بأحشائها تتمزق وهي تستوعب تلك القوة الكاسحة.
لكنها لم تستطع التوقف. لو بقيت مكتوفة الأيدي لكان كارل أول من يسقط. وحتى لو انتهى جسدها كما انتهى سيدن، ممحوّاً بالمانا، فقد كانت عازمة على حمايته.
“المهم أنّ الحرب انتهت بالنصر.”
قالت ذلك محاولة التهرب، فيما كان كارل يحدّق فيها مطوّلاً. وحين التقت نظراتهما، أمالا جبينيهما حتى تلامسا، وانفرجت شفاههما عن ابتسامة صافية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "151"