كارل انتزع سيفه من جسد الرجل. وبينما كان جسد الأخير يترنّح ويسقط ببطء إلى جانبه، عاد كارل ليوجّه نصل سيفه نحو عنق سايدن.
“سأراك مرة أخرى. وفي المرة القادمة لن يبقى لرأسك وجود.”
رمقه سايدن بنظرة باردة قبل أن يتلاشى فجأة.
قبيل أن يتفعل الأداة السحرية، مرّت شفرة كارل بمحاذاة عنقه، وفي اللحظة نفسها اختفى جسده من الغرفة. بضع قطرات دماء متساقطة في الفراغ دلّت على أن سيف كارل ترك جرحًا طفيفًا في رقبته.
استعاد كارل الإحساس الخفيف العالق بيده، وتنهّد بحسرة لأنه لم يتمكّن من شطر عنقه تمامًا. لو أنه قتله الآن، لانتهت الحرب في تلك اللحظة. كان ذلك أشد ما يثير حسرته.
‘عندما تنتهي الحرب سأجعل تينتان يدفع تعويضًا باهظًا.’
أطلق كارل زفرة عميقة وهو يلتفت.
“الطبيب! أحضروا الطبيب فورًا!”
اختفى المانا الذي كان يملأ الغرفة. وبزوال العدو، صاح كارل باتجاه الفرسان الذين كانوا ينتظرون في الخارج.
“سمو ولي العهد!”
ما إن سمع المرافقون والفرسان صوته حتى هرعوا إلى الداخل ليتفقدوا حالة روديان. بدا أنّ المرافق قد بدأ بالبكاء منذ كان في الخارج. كان يجلد نفسه باللوم لأنه لم يستطع النطق بكلمة تحت التهديد بأنّ أيّ حركة طائشة ستودي بحياة ولي العهد.
“الحمد لله… الحمد لله على سلامتك.”
“لا بأس. لقد أحسنت حين استدعيت كارل في الوقت المناسب.”
ابتسم روديان بخفوت وهو ينظر إلى مرافقه. لقد كان يؤدي عمله بإتقان، لكن قلبه ضعيف قليلًا، ولهذا يبقيه دائمًا إلى جواره. مدّ يده ليمسح دموع مرافقه المنهمرة.
“سموّي… هاها… لا وجه لي أمامك!”
أما الحرس الذين لم يتفطّنوا لوجود العدو في ثكنة ولي العهد، فقد شحب وجوههم حتى ازرقت، ولم يجرؤوا على رفع أبصارهم. لو مات ولي العهد، لما كانت حياتهم وحدها في خطر، بل مصير أسرهم كلّها.
رغم علمه بذلك، لم يستطع روديان كتم تنهيدة ضيق وهو يتأمل قصور مهارة حرسه الذين لم يلاحظوا الخطر.
‘لا يمكن للجميع أن يكونوا أسياد سيوف… ومع أن فرسان البلاط يُختارون بعناية من أرجاء الإمبراطورية، فما زال في الأمر نقص.’
تمنّى أن تكون هذه الحادثة سببًا في ألا يركن الفرسان إلى مواقعهم الحالية.
“المساءلة ستكون لاحقًا.”
قالها روديان وهو يخفي إرهاقه. فانحنى الفرسان بعمق، ثم شرعوا في جمع جثث الأعداء الذين صرعهم كارل. جلس روديان يتأملهم بتركيز.
‘لولا كارل لكنت الآن جثة هامدة… لا أدري لماذا أصرّ ملك تينتان على استدعائه، لكن بفضله خرجت من الأمر بسلام، متظاهرًا بأنني أسير فحسب.’
قال كارل وهو يحجب بصر روديان عن المشهد ويسنده برفق:
“لتمضِ أوّلًا إلى حجرتك، سموّك، لترتيب ثيابك ثم فحصك.”
“مفهوم.”
وبينما تعالت الفوضى مع بدء الآخرين بالاستيقاظ، شدّد كارل على كتمان ما جرى حتى لا تنتشر الشائعات، وأمر روبن بمنع أيّ أحد من الصعود للطابق العلوي.
دخل روديان إلى الحمّام بمساعدة أحد خدمه، فيما أبقى كارل الطبيب العسكري الذي أتى مسرعًا ينتظر في غرفة ولي العهد. جلس الطبيب متوتّرًا، يترقب خروج روديان وهو يرمق كارل بحذر.
قال الخادم بعدما خرج مع روديان:
“هناك كدمات كثيرة على جسده، وبعض النزيف.”
ابتسم ولي العهد نافياً وجود ألم يذكر. في الحقيقة، ما عدا لحظات تقييد الفرسان له بعنف أو حين أمسكه ملك تينتان من ياقة عنقه وطرحه أرضًا، فإن الملك عامله برفق نسبيًّا.
أجلس الطبيبُ ولي العهد على السرير.
“سأفحص حالتك الآن.”
ساعده الخادم في رفع ثيابه من مواضع مختلفة، وأخذ الطبيب يتفحص جسده بدقة. أمّا كارل الواقف خلفه فظل يحدّق بعينين ثاقبتين في الجروح التي خلّفها الأعداء على جسد روديان.
بما أنّه كان في نفس المبنى ولم يشعر بشيء، بدا واضحًا أنّهم ابتكروا أداة سحرية جديدة.
نقر كارل بلسانه في ضيق من غير أن يلحظ أحد.
‘الملكة ارتكبت حماقة… لا يزال في تينتان الكثير من المخطوطات القديمة غير المفسّرة، ويبدو أن الأمير الثاني الذي صار ملكًا الآن استغلها لصناعة أدوات سحرية.’
أداة قادرة على حجب التدفق بحيث لا يلتقطه حتى سيّد السيف… كان نذيرًا سيئًا.
‘لا بد من قطع موارد الملكة المالية نهائيًا… لا أعلم كم من المال تدفّق إلى تينتان، لكن إن استمرّت تلك الأدوات في الظهور، فسوف تتكاثر المتغيّرات التي تعرقلنا بلا شك.’
قال الطبيب العسكري بعد فحصه:
“لحسن الحظ لم تتعرّض لإصابة خطيرة. هناك كدمات متفرقة، لكن لا جراح كبيرة. نعم، بعض الخدوش الطفيفة فحسب. سأعطيك مرهمًا فعّالًا على الجروح، استخدمه بانتظام.”
سلّم الطبيب المرهم إلى المرافق، فأخذ الأخير يسأله بدقة عن طريقة الاستعمال وعدد المرات.
قال روديان وهو يبتسم باعتذار:
“لقد سبّبتُ لك عناءً بلا داعٍ. قلتُ إني بخير، لكن الجميع أصرّ على استدعاءك.”
ابتسم الطبيب بلطف وهو يجيب:
“كلّما علا قدر المرء وجب الحذر حتى من أصغر إصابة. قد لا تشعر بألم الآن، لكن غدًا بعد النوم ربما يظهر موضع مؤلم. لذا استريح جيدًا. وإن شعرت بأي ألم مهما كان يسيرًا، أرسل في طلبي فورًا. سأعدّ لك الليلة شايًا من أعشاب مهدئة للأعصاب.”
غادر الطبيب بعد أن أوصى بتلك التعليمات، ولحق به المرافق ليجلب الدواء. خيّم الصمت على غرفة ولي العهد.
كارل لم يتكلم، وروديان هو الآخر لم يفتح فمه وقد ملأه شعور بالذنب.
‘لو متُّ الآن، لغرقت الإمبراطورية في فوضى… أمي كانت ستتهم كارل بالتقصير والتواطؤ، مدّعية أنّه قتلني عمدًا لتأليب الرأي العام.’
وفوق ذلك، كارل الذي يكره فكرة العرش هو الثاني في ترتيب وراثة العرش. حتى لو رفض، لأُجبر على أن يُرفع إلى ولي للعهد من بعده. شعر روديان بقطرات عرق بارد تتسلّل على ظهره.
عندها كسر كارل الصمت:
“كيف حدث هذا؟ حتى الحرس لم ينتبهوا.”
كان وجهه جامدًا طيلة الوقت.
أجاب روديان:
“ليس الجميع من اقتحموا الحاجز… لقد كنتُ أراجع مع المرافق التقارير وحالة المعارك في المقاطعات المحيطة. بينما كان الجنود ينغمسون في فرحة النصر، كنتُ أؤدي ما تراكم عليّ من أعمال، والمرافق يساعدني في التنقل داخل الغرفة.”
ثم أضاف:
“وفجأة، دخلت كرة صغيرة من النافذة المفتوحة.”
لم يكن أحد منتبهًا في تلك اللحظة. كلاهما كان غارقًا في عمله فلم يسمعا صوت الباب ولا استشعرا حركة على النافذة.
‘تدحرجت…’
التفتا على وقع صوت شيء يتدحرج، فإذا بخرزة سوداء تدخل الغرفة. التقت أعين روديان ومرافقه، والعرق البارد يتصبب من ظهريهما. أسرع روديان ليختبئ تحت المكتب، بينما اندفع المرافق للإمساك بالخرزة.
سأل كارل:
“إذن، سقطت أداة سحرية عبر النافذة؟”
“لم أرَ لحظة دخولها، لكن على الأرجح أُلقِيَت من الخارج. يبدو أنّ هناك جاسوسًا من تينتان.”
أومأ روديان برأسه جوابًا.
مع أنّه يمتلك مهارة تعادل فارسًا من المستوى المتوسط أو المتقدم، لم يتمكّن من استشعار أي طاقة دخيلة. وكذلك الحرس عند الباب لم يلحظوا ما جرى خلف النافذة. مما يرجّح أنّ الدخيل كان بارعًا للغاية في إخفاء حضوره. وإلّا لما غفل عنه الحرّاس.
قال كارل:
“حتى أنا لم ألحظ أي طاقة غريبة داخل المبنى، لذا فالأرجح أنّهم استخدموا أداة سحرية متقدمة. تلك الأدوات لا تمنحك شعورًا بالغرابة ما لم تراقبها بتركيز شديد.”
اندفع المرافق ليمسك بالخرزة السوداء قبل أن تكمل تدحرجها. لكن قبل أن تصل يده إليها، كانت المانا قد بدأت تتسرّب منها بخفوت.
تابع روديان:
“المانا التي تسربت من الأداة كانت ضعيفة، لكنها رسمت دائرة سحرية غطّت الغرفة بأسرها قبل أن يتسرّب شيء منها للخارج. أغلب الظن أنّها حجبت الصوت والأثر، ولهذا لم يتنبه الحرس.”
فألقى كارل بسؤاله القاسي:
“ولماذا لم يكن في الغرفة حارس بالداخل؟”
قال كارل وهو يكبح في صدره الغضب المتأجج:
“لقد انتصرنا في الحرب، فأردت أن أرخّي القيود قليلًا فحسب.”
ثم ليجلس هو نفسه بارتياح أيضًا. عندها أدار روديان رأسه متجنبًا نظرات كارل؛ فما دام مذنبًا، فلا حجة لديه.
“أتريد أن تتنازل لي عن العرش؟”
“أتسمح لي؟!”
أومأ روديان بسرعة لافتة حتى كاد الهواء يصفر من حركة رأسه. لم يكن في نيّته أن يتنازل لأحد، لكنه لو كان كارل، فلن يكون خيارًا سيئًا.
امتزج في صوته بريق توقعٍ وسرور، فتجعد حاجبا كارل ضيقًا. لم يفهم كيف يمكن لإنسان لا ينوي التنازل أن يتحدث بمرح كهذا.
“طبعًا لا. ولماذا عليّ أن أكون إمبراطورًا أصلًا؟”
“من أجل ابن خالك العزيز؟”
“لن أفعل مثل هذا أبدًا.”
“أتبخل عليّ إلى هذا الحد؟”
“كفّ عن المراوغة، وأكمل حديثك.”
أحسّ روديان ببعض الأسف لفوات فرصة التخلص من العرش، ثم عاد يسرد كيف انتهى به الأمر إلى أن يكون رهينة. صحيح أنه سيصير إمبراطورًا في النهاية، لكنه كان يتمنى أن يتأخر ذلك قليلًا. فوالده لا يزال غارقًا في أكوام من الأوراق لا يكاد يخرج منها.
قال روديان:
“بمجرد أن ارتسمت الدائرة السحرية، حاول المرافق أن يخرج، لكن الباب لم ينفتح.”
فأضاف المرافق الذي كان قد عاد ومعه الدواء:
“مهما شددنا لم يتحرك، كأنه جدار ثابت.”
قال ذلك مسترجعًا بوجه كئيب تلك اللحظة العصيبة.
“ثم ظهر ملك تينتان مبتسمًا في قلب الدائرة السحرية.”
تجهم روديان وهو يستعيد في ذهنه صورة الرجل ذو الشعر الأحمر الذي دخل الغرفة بابتسامة عريضة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات