“ما هذا الصوت؟”
“يبدو أن الجنود ينشدون أغنية لوبريان.”
سأل كارل وهو ينصت لما يُسمع من الخارج، فأجابه أحد الفرسان الذين كانوا يتناولون الطعام معه بعد أن أخذ يدندن مع اللحن المتسرب من بعيد.
“الكل منتشون بالنصر. وماذا عن تقارير الكشّافة؟”
“لم يصل شيء بعد.”
“ما دام تينتان لم يعلن استسلامه، فقد يُقدم على هجوم مباغت. فلا تهملوا الحراسة.”
“أمرك!”
لم يكن كارل يظن أن تينتان ستتراجع بهذه السهولة. فمجرد القول بأنه أطاع أوامر الإمبراطورة ثم ندم وانسحب أمر يبعث على الريبة. لقد أعلن الحرب، فلا بد أن له غاية؛ إما أن يطمع حقًا في لويس، أو أن وراءه مطلبًا آخر خفيًّا. لكنه لم يستطع أن يخمّن ما هو.
“ألم يصل شيء من العاصمة؟”
“وردت بضع رسائل من الدوقية. هل ترغب أن أرفعها إليك الآن؟”
نهض روبن من مجلسه استعدادًا لذلك.
“لا، سأتفحّصها بعد أن نفرغ من الطعام.”
كان الفرسان تحت إمرة كارل يتناولون طعامهم في أجواء يغمرها شعور بالنصر.
“في رأيك، لماذا بدأ تينتان حربًا خاسرة منذ البداية؟”
“أتراه حقًا يطمع بلويس؟”
“لا أحد يجزم. بعضهم يزعم أنه يريد ابتلاع لويس الصغيرة أولًا، ليزحف بعدها نحو الإمبراطورية. لكن هذا مستحيل. فحتى الآن لم تحشد الإمبراطورية كامل قواتها، ومع ذلك هم ينهزمون المرة تلو الأخرى.”
وهذا صحيح. فمنذ إعلان الحرب، تكبد تينتان الهزيمة في معظم المعارك.
كانت جثث جنوده تتساقط بالعشرات، أما الإمبراطورية فلم تكن ترى جدوى من إطعام الأسرى إلا قلةً لهم قيمة كرهائن، وأما الباقون فكانت تُقطع أوتار أيديهم وأقدامهم ثم يُطلق سراحهم، حتى لا يعودوا صالحين للقتال في جيش تينتان.
“أتظنون أنه يعوّل على ذلك الشيء؟”
قال أحد فرسان الدوقية بصوت خافت وهو يستحضر ما يُجرى من بحوث سرية هناك.
ذلك الشيء لم يكن سوى الحجر المريع الذي جاء به السيد من أرض الصيد. فقد استُدعي بعض الفرسان سرًّا ليتدرّبوا على ظهر ذلك الغولم المتدحرج بلا توقف. ولما ذُكر الأمر، ظهر الاشمئزاز على وجوه الحاضرين الذين شاركوا في تلك التجربة.
“آه، ذاك الصخر الملعون.”
هزّ كارل رأسه موافقًا. فلو وُضع ذلك في الميدان، لتمكن الجنود الضعفاء من القتال، بل وربما ألحقوا أذى فادحًا بجند الإمبراطورية. لكن للغولم نقطة ضعف واضحة: ما إن يتحطم المحور الأساسي لدائرة المانا حتى يتوقف عن الحركة. صحيح أن الأمر ليس يسيرًا، لكن الفرسان من المستوى المتوسط فما فوق قادرون على رصد الدائرة وتحطيمها إن بذلوا جهدًا.
“نعم، قد يكون الأمر كذلك.”
أدرك كارل أنه لا بد من أمر روديان بتكثيف تدريبات الفرسان على أساليب تدمير الغولم.
—
ظل نشيد النصر يتردّد حتى ساعة متأخرة من الليل، وكان كارل جالسًا في القلعة يتأمل المعسكر ويفكر في إيلينا. وكلما طال به الفراق عنها، ازداد توقه إلى إنهاء الحرب سريعًا. بل لقد تمنى، كما كانت تقول، لو أنه يقتحم تينتان وحيدًا ويأتي برأس سايدن.
طرقٌ خفيف.
“سيدي، أنا روتن. إن معاون ولي العهد يطلب مقابلتك.”
خرج كارل إلى الممر عند سماع كلمات روتن، حارسه القابع أمام الباب.
“ما الأمر؟”
كان وجه المعاون شاحبًا مرتجفًا. بدا كأنه يحاول الكلام، لكن شفتيه لم تنبس بشيء سوى عضٍّ متوتر، فيما عيناه تتوسلان كارل. تبادل هذا الأخير النظرات مع روبن.
“إن ولي العهد يطلبك فورًا.”
“سآتي حالًا.”
لابد أن أمرًا جللًا قد وقع.
عاد كارل إلى غرفته، تناول سيفه، ولحق بالمعاون الذي كان يرمقه بين حين وآخر بينما ترتجف يداه. وسرعان ما اندفع الاثنان مسرعين صوب جناح ولي العهد.
“مولاي ولي العهد، إنه كارل بيكمان.”
“ليدخل.”
أعلن كارل نفسه وهو واقف أمام الباب، فجاءه صوت ولي العهد من الداخل بنبرة مغايرة لما اعتاده.
أرسل كارل إشارة بعينيه إلى الفرسان القريبين منه، لكنهم هزوا رؤوسهم نافين أن يكون قد وقع شيء. وما إن رأى جوابهم حتى تجمّد وجهه، لتغدو ملامحهم بدورها أكثر جدّية.
“أستأذن جلالتكم.”
وما إن فتح الباب ودخل حتى انقض سيف مصوَّب نحو وجهه. لكنه كان قد سحب سيفه في اللحظة نفسها، فصدّ الضربة المندفعة بمهارة، ثم أغلق الباب خلفه على الفور.
أما الحرس المذهولون فطرقوا الباب يريدون الدخول، لكنه لم يُفتح.
“يُقال إن مهارتك عظيمة… ويبدو أن السمعة صادقة.”
سمع كارل صوتًا لم يسبق أن عرفه. كان صاحب الرأس الأحمر الذي وصفته إيلينا بدقة، حتى بالشامة تحت العين. أول ما رآه الناس ظنّوا أن النار اشتعلت في شعره لشدة حمرته، حتى إن بعضهم سكب الماء فوق رأسه. إنه شعر ملك تينتان، أحمر كالدم، مما أثار دهشة كارل.
“فأر تسلّل فوق الأسوار إذن.”
“هاها. حتى الفأر قادر أن يغرس أنيابه.”
ضحك ملك تينتان، وأمسك بتلابيب ولي العهد المقيَّد بين أيدي فرسانه.
أما ولي العهد فحدّق بكارل بملامح مربكة، وقد بدا أن ملابسه قد انكمشت من أثر المقاومة.
‘معذرة.’
كانت نظرات روديان تحمل حرجًا واعتذارًا.
“ما الذي تريده؟”
“أريد موت ولي العهد.”
“مرفوض.”
“أنا جاد. أود أن أرى تلك المرأة وهي تجنّ جنونها.”
ابتسم ملك تينتان ابتسامة ماكرة.
“لا أظن أن والدتي ستفقد صوابها لمجرد موتي.”
قال روديان بصوت خافت فيه أسف. صحيح أنها قد تأسف لفشل خططها، لكنها لن تحزن على موته. ذلك هو الحدّ الأقصى من حبها له.
“أليس جعلُك إمبراطورًا جزءًا من خطط الإمبراطورة؟ ولهذا السبب تتحرق شوقًا للتخلص من كارل بيكمان؟”
سأل روديان بمرارة، فتذكر ملك تينتان الرسائل التي وصلته.
“أنا لست سوى جزء من خطتها.”
“لا تحاول خداعي بكلمات مبهمة. الإمبراطورة نفسها قالت إن كارل بيكمان عقبة في طريقك إلى العرش. دفعت لي المال وأمرتني بقتله.”
شد ملك تينتان قبضته أكثر على عنق روديان. وفي الواقع، كان أنفع له أن يقتل الاثنين معًا في هذه اللحظة.
“أغغ…”
احمرّ وجه روديان تحت قوة القبضة، ومع ذلك لم ينسَ أن يتصنّع الارتجاف ليبدو أشد بؤسًا.
زفر كارل وهو يرى ولي العهد أمامه يتلوّى وكأنه ضعيف من رأسه حتى قدميه.
‘أما كان الأجدر بي أن أصفعه قليلًا؟ كيف لإنسان أكبر مني سنًا وأرفع مقامًا أن يثير حيرتي بهذا الشكل؟’
لم يكن يظن أن روديان تعمّد الوقوع في الأسر، لكن منظره كان يستحق أن يُقرَع له اللسان.
“قتل ولي العهد يعني تحويل الإمبراطورية كلها إلى عدو مباشر. لن يبقى مجال للتفاوض. ستكون حربًا شاملة.”
قال كارل بصرامة. فمهما كان قصد الغازي، فإن إقدامه على هذه الخطوة يعني أن لديه ما يريد إعلانه. وإن لم يكن في قوله جدوى، فسيفه كفيل بإنهاء الأمر.
“ألم يحن الوقت لتزول إمبراطورية تسلّطت على هذه الأرض لآلاف السنين؟”
قال ملك تينتان متحديًا، ثم رمى ولي العهد نحو رجاله. فترنّح ولي العهد العظيم كدمية بلا حول.
“أهذا ما تظنه لائقًا بخصمك؟”
قطّب كارل وهو يرى روديان يُعامل بقسوة. لم يعجبه هذا المشهد على الإطلاق.
“دولة إلى زوال. لا مساومة. سنأخذ ولي عهدكم ونقتله بأبشع طريقة. وستبدأ الحرب، معلنة بداية التاريخ العظيم. كهاهاها!”
غرق ملك تينتان في نشوة خطته.
‘أهكذا يُجنّ المرء حين يعتلي عرش دولة صغيرة؟’
غاص كارل في تفكير جاد. مملكة لا يتجاوز إنفاقها ميزانية عام واحد من بيت الدوق، فمن أين استمدّت كل هذا الغرور؟
‘كان عليّ أن أصدّق إيلينا حين وصفته بالمجنون.’
أما روديان، وقد طرحه فرسان تينتان أرضًا، فالتفت بدهشة نحو سيدان. فمهما طال عمر الإمبراطورية واعتراها بعض الفساد، إلا أن الإمبراطور الحالي يُعدّ من الملوك الصالحين. وحتى لو جرّد المرء نظره من عاطفة الأسرة، فإنه يظلّ حاكمًا لا بأس به. فقد كانت الإمبراطورية تسير في توازن حسن بين القصر والنبلاء، فلا ضعف فيها لا اقتصاديًّا ولا عسكريًّا.
‘لقد جنّ فعلًا.’
‘لا ريب أنه مجنون.’
وليس للمجانين دواء. وبمجرد أن تبادلا النظرات، اتفق الرجلان على البدء بالتحرك.
وجه روديان ضربة بمرفقه إلى فكّ الفارس الذي كان يمسكه.
“أغغ!”
“أتظن أن لك فرصة؟!”
“بل هذا ما ينبغي أن أقوله أنا.”
أخرج كارل خنجرين كانا معلّقين في حزامه، ورماهما في جبين الفارسين الممسكين بروديان. لم يتمكّنا من تفادي الطعنات المباغتة، فسقطا أرضًا والدم ينزف من بين أعينهما.
تراجع ملك تينتان بارتباك أمام الهجوم المفاجئ.
“جلالتك، ابتعد!”
جذبه أحد حرّاسه، لكن سيدان ابتسم ابتسامة متحفّزة. بدا أنه أراد أن يختبر حقيقة الفارق بينه وبين خصمه في ساحة القتال.
“لا يمكنني الفرار هكذا.”
“ومن قال إنني سأدعك تهرب؟”
قال كارل بوجه متجهّم، وقد شق طريقه بين الجثث حتى بلغ ملك العدو. تراجع سيدان، لكن نصل كارل كان أسرع.
تنانَت السيوف بصوت معدني صاخب.
“أوه… تبدي بعض القوة حقًا.”
“لكنني لن أُهزم بسهولة.”
زمجر سيدان، وعضّ على ندمه لعدم قدرته على خطف جاين من بيت لويس. تلك الفرصة الضائعة أثارت حسرته، فعضّ لسانه ساخطًا.
ارتطمت السيوف مرة أخرى، وانفجرت الضربة حتى ارتدّ سيدان إلى الخلف واصطدم بالـجدار. وفي اللحظة التالية، اخترق سيف كارل صدر أحد حرس الملك بدلًا من سيدان، فخرج النصل من ظهره ليتوقف عند عيني الملك.
“اهربوا… احموا الملك…”
تمتم الحارس وهو يلتفت برأسه، مانحًا سيدان لحظة ثمينة. اتّسعت حدقتا ملك تينتان بدهشة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات